أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وائل نوارة - ضد الدولة الإله















المزيد.....

ضد الدولة الإله


وائل نوارة

الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 10:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعرضت في الآونة الأخيرة لمجموعة من المواجهات مع الدعاة للدولة الدينية الصريحة أو المقنعة، وخاصة بعد تسرب برنامج جماعة الإخوان، وما اقترحه البرنامج المنسوب لهم، من وجود مجلس ملي أعلى، له الكلمة العليا في مواد القانون والدستور والتشريعات بل والسياسات الداخلية والخارجية! كما حفل البرنامج بمواد خطيرة، تضع القيود والسلاسل على العقل البشري والإنتاج الفكري والإبداعي والفني والأدبي، ليقتصر على ما تسمح به "الجماعة" وتراه مناسباً للمواطن المصري، فتملي عليه ماذا يجب أن يفعل، ماذا يمكن أن يقرأ من كتب، أو يسمع من موسيقى أو أغان، أو يرى من أفلام أو مسلسلات، أو يدرس من نظريات علمية، وبالطبع يمكن تصور البيئة التعليمية، والمخرج البشري منها، من أجيال محدودة القدرة عديمة الإبداع، تعاني من المسايرة والامتثال لتعاليم الدولة الإله. وبالتالي فإن برنامج مثل المنسوب للإخوان، هو بمثابة إعلان لحرب صريحة هدفها اغتيال الدولة المدنية المصرية وهي بعد في أطوارها الجنينية الأولى!

وبالطبع فور أن تبدأ المناقشة مع هؤلاء "الدعاة"، يبدأون في الاستشهاد بالآيات والأحاديث والتفاسير، ناسين أن الموضوع لا يتعلق بتفسير أحد الأديان، ولكن الموضوع في أساسه يتعلق بالدولة، دورها، ووضعيتها الدنيوية باعتبارها ليست كياناً مقدسا، والضمانات التي يتعين على المواطنين أن يحصلوا عليها، حتى لا تجور الدولة على حقوقهم أو حرياتهم، تحت دعاوى دينية أو إيديولوجية أو قومية أو طبقية.

فالمناداة بالدولة المدنية، ليست دعوة ضد الدين أو التدين، وليست محاولة للتحرر من سيطرة الدين على سلوكيات البشر، لأن الدين والأخلاق يسيطران على سلوكيات البشر بصورة داخلية لا يمكن النيل منها، من خلال الضمير الذي غرسه الله في كل إنسان، والفطرة التي فطر الله الناس عليها، فعرفوا الخير والشر من خلالها، وأيضاً من خلال الأديان القديمة والفلسفات الإصلاحية، وبالطبع أيضاً من خلال الرسالات والرسل، وما أتوا به من كتب مقدسة وديانات، بما تحويه من نصائح وعبر، وأوامر ونواه، وسنن وحكم، وما وعد الله به المتقين، وأنذر المفسدين، وكلها عوامل شكلت عبر آلاف السنين، الضمير الجمعي للبشرية، فأصبح ذلك الضمير يمثل وازعاً داخلياً للإنسان، لا يمكن لأية قوة أو سلطة أن تغيره أو تعطل عمله.

ولكن الدولة المدنية، هي دعوة للتحرر من طغيان الدولة المتجبرة، الدولة المتغولة في سلطانها وسلطاتها، الدولة التي تريد أن تتقمص دور الله على الأرض، فتبدأ في محاسبة الناس على سلوكهم الشخصي، ماذا يلبسون وكيف يفكرون وفي أي الأنشطة يقضون أوقاتهم، ومدى التزامهم بالعقيدة والعبادات في حياتهم اليومية، وهكذا.

وفي الأصل، فإن الله - وهو مطلع على السرائر والنوايا، يحاسب الناس على مثل هذه السلوكيات والعبادات بل والنوايا، أما الدولة، فليس لها إلا المادي الظاهر في حدود القوانين التي تنظم العلاقة بين الناس وبعضهم البعض، ولكنها لا تنظم العلاقة بين الإنسان والله، ولا تتدخل فيها، لأنها علاقة شخصية بحتة، لا يمكن لأحد الاطلاع عليها سوى الخالق عز وجل.

الله هو الله سبحانه، الخالق العظيم السميع العليم، ليس كمثله شيء.

أما الدولة، فهي مجرد مجموعة من المؤسسات يقوم عليها جيش من الموظفين البيروقراطيين، وهم في النهاية بشر، محدودو القدرات، معرضون للفساد والإفساد، تزيغ السلطة أعينهم. وعبر عشرات القرون، كافح البشر للتحرر من القبضة الطاغية للدولة، حتى ظهرت الدولة الحديثة، بحكوماتها الصغيرة الرشيقة Lean Governments، وسلطاتها المقلصة، وبدور محدد عليها ألا تتعداه، يتلخص في خدمة وإسعاد وحماية المجتمع والمواطنين الذين يعيشون فيه، ومن هنا خرجت فكرة الخادم العمومي Public Servant لتصف الموظف العام من أصغر باشكاتب إلى رئيس الدولة، ونجد شعارات مثل: نخدم ونحمي We Serve & Protect، أو الشرطة في خدمة الشعب، وهكذا.

وقد تقلصت سلطات الدول الحديثة، نتيجة للنضال الطويل للبشر، في استعادة حقوقهم وحرياتهم، والحصول على حق اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم، من خلال حكم الشعب ومؤسسات الديمقراطية. فالأساس في الإنسان هو الحرية، وعندما بدأ الناس ينتظمون في مجتمعات وقرى ومدن ودول، تنازلوا طواعية أو قسراً عن بعض تلك الحريات، لصالح الدولة وعلى رأسها الحاكم الملك أو الفرعون الذي يحكم بالحق الإلهي، ثم عاد الإنسان واسترد قدراً كبيراً من تلك الحريات بعد صراع مرير، لتظهر الدولة الحديثة، ويختفي الحق الإلهي في الحكم، ويكتسب الحكام شرعيتهم من التفويض المؤقت الذي يحصلون عليهم من مواطنيهم.

فالدولة المدنية إذن، هي مجرد تكريس لمبدأ الحكم البشري الدنيوي، وفيه يستمد الحاكم شرعيته من تفويض المحكومين، ويسن المواطنون أو من يمثلونهم الدساتير والقوانين، لتعمل السلطات المختلفة بموجبها وفي إطارها بصلاحيات محددة.

فالصراع إذن ليس ضد الدين، ولكنه ضد تغول الدولة أو محاولتها أن تتقمص دور الإله تحت أي مسمى ديني أو قبلي أو قومي أو إيديلوجي.

والخوف أيضاً ليس من الدين، ولكن يأتي الخوف كل الخوف من أن تجلس مجموعة من الموظفين على مقاعد الحكم، ليحكموا باسم الإله، وينفردوا بتفسير كلماته، ويحتكروا الحقيقة والفتوى، والسلطة والبلطة، والخطأ والصواب، والثواب والعقاب، وهم ليسوا بمنزلين أو مبعوثين أو مرسلين من الله أو مفوضين في التحدث باسمه.

إننا اليوم نعاني من تغول حكومات ونظم يفترض أنها مدنية، ومع هذا فهي تسيء استخدام السلطة لتقمع بها المواطنين وتغتال حرياتهم، فتخرج المظاهرات وتنتظم الإضرابات ويقاضي الناس فرادى وجماعات مثل تلك الحكومات، فما بالك عندما تتدثر مثل تلك الحكومات أو غيرها بعباءة الدين، وتدعي أنها تتحدث باسم الله زوراً وبهتاناً، وعندها تطلق الفتاوى بالردة والمروق عن الدين على من يعارضونها، وتستحل دمائهم، وقد فعلت تلك الجماعات والمنشقون عنها ذلك حتى من قبل أن تعتلي سدة الحكم، فكفرت المجتمع، واغتالت الأدباء والمفكرين، واستحلت دماءهم، ويمكننا أن نتصور ماذا يكون الوضع عندما تصبح السلطة في يد مثل تلك الجماعات:

سيف في يمينها، وسيف في شمالها، والكتاب تحت إبطها، والعمامة فوق رأسها، فلن يستطيع مواطن أو جماعة أو حزب أن يقف أمامها !!

إن هذه المعركة، ليست معركة ضد الدين، ولكنها معركة ضد الدولة الإله، الدولة الغاشمة التي تتقمص دور الإله زوراً، فالله هو الله، والدولة هي في النهاية مجموعة من الموظفين محدودي القدرات، لا يمكننا أن نعهد لهم بحرياتنا أو بالوصاية على أمور حياتنا الشخصية أو محاسبتنا على سلوكياتنا الدينية. على من يتولى الحكم أن يجتهد في إصلاح التعليم والصحة والخدمات والعدل والأمن، وهذا يكفيه – بس هو يتجدعن فيه- أما سلوكياتنا وعباداتنا وعقائدنا وأفكارنا، فمن مراقبتها نحن نعفيه، ونعهد بهذه المهمة لصاحبها الأصلي، وحكمه نرتضيه:

الله سبحانه وتعالى.



#وائل_نوارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وائل نوارة - ضد الدولة الإله