أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سلمان مصالحة - إنطباعات من ثكنة أناپوليس















المزيد.....

إنطباعات من ثكنة أناپوليس


سلمان مصالحة

الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:19
المحور: كتابات ساخرة
    


هذه الانطباعات من لقاء أناپوليس
قد حضرتني على حين غرّة قبل أن أحضره. ولمّا كان الكلام متعلّقًا باحتضار عمليّة السّلام، رأيت أن أشارك القرّاء بَوْحًا بها قبل حصول اللّقاء، والتئام كلّ من هبّ ودبّ، وَخبّ وسبّ، وَصبّ زيتًا على نار جراح الأنام. وهكذا رأيت أصحاب الفخامة والسموّ من الأجانب والأعارب مجتمعين لالتقاط الصّور التّذكاريّة في ثكنة للبحريّة الأميركيّة في حاضرة أناپوليس من أعمال مريلاند المحروسة في بلاد العمّ سام.
لقد تقاطر جميع هؤلاء النّفر من البشر من بلاد حام ويافت وغيرها من الأصقاع ممّا وراء الأفق، بعضهم من أصحاب الفخامة والسّموّ، وبعضهم من أصحاب ربطات العنق. بينما أصرّ البعض على اعتمار الحطّة والعقال رمزًا وطنيًّا له - علمًا أنّه لا يصنع هذا الرّمز أصلاً بل هو من صنع ماركات غربيّة ماهرة في التّصنيع والتّسويق في آن معًا. وممّا لا شكّ فيه أنّهم سيتصافحون، وربّما يكون عناق هنا وعناق هناك على مدارج الثّكنة، الّتي لا شكّ أيضًا أنّ جنود البحريّة سيعملون على تلميعها مسبقًا لاستقبال هذه النّخبة من رجالات العالم.
وعلى فكرة،
هل تلاحظون الفرق بين رجال ورجالات؟ فكلاهما جمع رجل، غير أنّ رجالات تُستعمل للتّفخيم بما يليق بمكانة هؤلاء الرّجال. ولكن ماذا بخصوص النّساء؟ وأيّ جمع سيشير إلى تفخيمهمنّ دون سواهنّ من النّساء؟ فهل نقول مثلاً، نساوات؟ لا أدري، فكلمة نساوين صادرتها اللّهجة العاميّة لأغراض أخرى. ولكن، وعلى كلّ حال، فإنّ ما يُثير فرحي، في سرّائي وضرّائي، هو هذه الحقيقة اللّغويّة العربيّة: فمن أجل رفع مكانة الرّجال وتفخيم مكانتهم نستخدم في لغتنا العصريّة مصطلح "رجالات" وهي صيغة جمع المؤنّث السّالم.
إذن، فبشراكنّ أيّها النّساء العربيّات بتفخيمكنّ الرّجال حتّى أضحوا رجالات!
لكن، ومهما يكن من أمر،
فقد حضر جميع هؤلاء المؤنّثين والمؤنّثات، بعد حصولهم على التّصاريح، في فرصة لالتقاط الصّور وإطلاق التّصريحات، من صنف تلك الّتي شبع منها الفلسطينيّون والفلسطينيّات والإسرائيليّون والإسرائيليّات، الأوروپيّون والأوروپيّات والأميركيّون والأميركيّات، فما بالكم، إذن، بالياپانيّين والياپانيّات والصّينيّن والصّينيّات!
غير أنّه من الواضح أنّ الأمر الّذي شاب هذا اللّقاء هو امتلاء الصّينيّات بكلّ ما لذّ وطاب من أطعمة الـ "كوشر" من جهة أبناء العمّ، وأطعمة الـ"حلال" من الجهة الأخرى، جهة "أبناء الهمّ". وذلك، سيرًا على نهج الپروتوكولات في مثل هذه اللّقاءات في الأوقات العصيبات.
وقد يقول قائل، ربّما تناول هؤلاء الأسماك، وما أدراكَ ما أسماكُ الله الحسنى! وأقول إنّهم قد تلذّذوا أيضًا باللّحوم وأفصحوا عن الهموم، ثمّ تلمّظوا بأحاديث ذات شجون عن الحلم المكنون بدفع "عربة السّلام"، كما يقولون. وبين هذا وذاك، وتبديل مسواك بمسواك، ظلّوا ينتظرون، وعلى أحرّ من الجمر المكنون، أن يأتي النّادلون والنّادلات بأطايب الحلويات المُعجّنات ليختموا بها درّة الوجبات اللّذيذات.
ثمّ انتقل بعد ذاك، أصحاب الفخامة والسُّموّ،
كُلٌّ منهم أخذ مكانَه ومقامَه في بهو فخم أو رحبة وسيعة، كما تقتضيه حالة الطّقس في هذه الطّبيعة البديعة، وذلك بانتظار ما هو آت من بيانات تُتلى على الأسماع وأمام الكاميرات الملتمعات الّتي جاءت من كلّ حدب وصوب قبل شدّ الرّحال في رحلة الأوب بخفّي حنين إلى أصقاع مختلفة من الشّرق والغرب.
ولا خشية من تعثّر في المراسيم فهي معدّة مسبقًا بحذافيرها، أين يقف من يقف وأين يجلس من يجلس، من الواقفين والواقفات والجالسين والجالسات. من يبدأ الكلام ومن يُجملُ الخطاب بمعسول السّلام على المؤتمرين والمؤتمرات، هذا إن لم نقل المتأمركين والمتأمركات المتآمرين والمتآمرات. وقبل ذلك، وكما هو مرسوم سيأخذ بلا شكّ "الباب العالي" موقعه، ويأخذ "الباب الواطي" موضعه. فكلّ على قدر المقام، فواحد في منزلة رفيعة وواحد في منزلة وضيعة. وبين هذا الباب وذاك الباب احتفى أصحاب الفخامة والسموّ بوقف الاقتتال والسّباب، وفتح مصراعي الباب للمفاوضات الجديدة القديمة، وتناول الأسماك الحسنى واللّحوم الدّخينة وارتشاف القهوة بالفناجين الصّينيّة المُتقنة الصّناعة، وكلّ ذلك ابتغاء "دفع عربة المفاوضات" الحثيثة، من أجل الوصول إلى غاية سامية هي تحقيق السّلام المنشود في البلاد الدّامية، بلاد السّمن والعسل وانعدام الأمل الّتي ينخر نفسيّات قاطنيها الدّود، أكان قاطنوها من العرب أم كانوا من اليهود.
وفي غمرة التّصفيق للكلام المعسول، الّذي لا يحول ولا يزول، شعر أصحاب الفخامة والسموّ بنشوة غريبة، ورويدًا رويدًا غطّوا في سبات عميق وأيّ سبات، بعد أن أتخمت بطونهم وعقولهم تلك الوجبات، وتدلّت الجفون على العيون السّاهمات. وما إن دقّت ساعة الرّحيل حتّى اصطفّ من اصطفّ من هذا القبيل، أو من ذاك القبيل، أمام عدسة قد تحمله إلى شاشة هنا، وهناك شاشة، وقد ارتسمت على وجهه مسحة من بشاشة غبيّة - لعلّها بتأثير البوشاشة الرّئاسيّة الأميركيّة - فرطن هؤلاء بلغة عربيّة أو عبريّة أو بلغة إنكليزيّة، حتّى اختلط الحابل بالنّابل فلا تملك أن تُفرّق بين غباء وغباء، بين ما يثير الضّحك أو ما يدعو للبكاء.
كذا كان وكذا يكون مرّة تلو مرّة، وعلى الأرض "الخصام" وفي النّاس "المَشَرَّة".
***
ومسك الختام،
وكما تَعلّمنا كابرًا عن كابرٍ، يكون بحسن التّخلُّص من مثل هذه المقالات إلى ما هو آت.
فلنختتم مقالتنا هذه، إذن، بهذه الأبيات البيّنات:
لَوْ أنَّ لِي حَجَرًا مَا كُنْتُ أَقْذِفُهُ - فِي بِرْكَةٍ طَفَحَتْ مِنْ دَمْعِ تِمْسَاحِ
إنّ الدُّمُوعَ إذَا حَرَّكْتَهَا انْتَثَرَتْ - وَاغْرَوْرَقَتْ عَبْرَةً ذِي النَّفْسُ، يَا صَاحِ
يَا مَنْ تَرَاكَضَ خَلْفَ العَقْلِ يَطْلُبُهُ - لا الصُّبْحُ جَاءَ، وَعَافَ الزَّيْتَ مِصْبَاحِي
دَعْ ذَا عَدَمْتُكَ وَاعْزِفْ عَنْ مُغَامَرَةٍ - إنَّ التَّفَكُّرَ مَسْكُونٌ بِأَشْبَاحِ
فَابْعَثْ سَلامَكَ للنُّدْمانِ حَيْثُ مَضَوْا - وَارْحَلْ إلَى بَلَدٍ فِي الكَاسِ مُرْتَاحِ
وَادْفِنْ هُمُومَكَ فِي خَمْرٍ لَهَا خَفَرٌ - لا تَبْتَئِسْ فَخَلاصُ الرُّوحِ فِي الرّاحِ
فِي رُوحِهَا أَثَرٌ مِنْ وَصْلِ عَاشِقِهَا - إنْ لامَسَتْ رُوحَهُ أَمْسَتْ بِأَرْوَاحِ
***
والعَقْلُ وَليُّ الفَلاحِ!



#سلمان_مصالحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هي حقًّا جامعة دول عربيّة، أم عبريّة؟
- هل يسيء الأزهر للذّات الإلهيّة؟
- لماذا محمود درويش في حيفا؟
- مأساة العرب جبن مثقّفيهم
- ثلاثة مشاهد سوريا-ليّة
- ها هو ساركوزي، بخلاف المهاجرين العرب
- ما هي بشارة عزمي؟
- هل هي حقًّا محاكمة للتّراث الفلسطيني؟
- بكلّ ما يمثّله رصيدها في حياة وواقع الجماهير العربيّة لماذا ...


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سلمان مصالحة - إنطباعات من ثكنة أناپوليس