أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يحيى مجاهد - خليك أكثر تواصل















المزيد.....



خليك أكثر تواصل


يحيى مجاهد

الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 03:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


١ - خليك أكثر نوكيا
… منذ فترة وأنا أرغب في التعليق على حملة”نوكيا” الأخيرة، والتي ملأت شوارع ومرافق القاهرة، بعبارات خالية من الشعارات الرنانة أو أي قافية مُنغَّـمة، وأنا الآن أحاول أن أقتبس منها بتصر ف: في مترو أنفاق الجيزة تجد يافطة تقول — [ تعبان.. زهقان، معلش، كلها دقيقتين وتوصل، أسأل اللي جنبك عن محطته، خليك أكثر تواصل ]–، بعدها ربما تجد يافطة أخرى أكثر صرامة تخبرك بمنتهى البساطة : –[ خليك أكتر نوكيا، خليك أكثر تواصل] — ، حملة “نوكيا” خير نموذج عرفناه لحملات الخدمة العامة ، ولأن نوكيا تعد كياناً كونياً بما تعنيه الكلمة، فهي لا تفرق بين سوق أوروبي وآخر جنوب متوسطي، ما دام الهدف في النهاية عميل يملك قدرة شرائية.
والسمة الأبرز لإعلانات الخدمة العامة هي استهداف المجتمع ككل،لاستعادة قيمة مسلوبة، أو الإعلاء من قيمة موجودة بالفعل، وهناك دول تنظر لإعلانات وأنشطة الخدمة العامة كجزء من الضرائب الكلية على الدخل سواء للكيانات أو الأفراد، على اعتبار أنها في النهاية تصب بخانة المجتمع ( الأم )، لا أعلم إن كان ذلك معمولاً به هنا أم لا، ولكنه يشبه الإعفاء من الضرائب العقارية أي العوايد في حال بناء زاوية أو جامع أسفل العقار ، الأهم من كل ما قيل أن حملة نوكيا للتواصل لا يجوز اعتبارها خدمة عامة بسبب امتزاج القيمة باسم السلعة أو الماركة المراد تسويقها، وانسحاب مصداقية القيمة على السلعة مما يجيز لها أفضلية التواجد بالسوق ، ما أسعى إليه هنا هو التفريق والإشادة بحملة “نوكيا” للتواصل، لاحترام عقلية عميلها وتميزه، هل يمكن الآن أن نتذكر أهمية التواصل دون أن يتبادر للذهن أسم نوكيا ؟
تلك هي أهمية القيمة بحياتنا..وحبذا لو كانت تملك شئ من الأصالة…
٢- دبي تهتم
… أنا مشاهد شره لقناة دبي وان للأفلام، انتقلت لها مؤخرًا، بعد أن استهلكت بما يكفي قنوات الإم بي سي ٢ و ٤ السعوديتين، وقديمًا كنت أشاهد قناة النايل تي في المصرية ، لمتابعة مسلسل الساعة الـ ٥ أثناء تناولي الغذاء ، لأنه “عرض أول” قبل أن يتفرق دمه على القنوات الأرضية ، وعمري ما اشتهيت أن يتوقف مؤشر جهازي ولو على سبيل الراحة على القناة الفضائية المصرية ١و٢.. لأن اسمهما وحده كفيل بإخباري وبمنتهى الصراحة أنها قنوات لم تصنع لي ولكن لكائنات أخرى أكثر فضائية ، تعلمت مع الوقت أن احترم ذوقها وقدراتها على التحمل.. وعودة لدبي التي تبنت قناتها مؤخرًا حملة شعارها — [ دبي تهتم ] — تُبث إعلانات بين الفواصل الإعلانية داخل أفلام لا يجوز لشخص تفويتها ، وهي في الغالب مدفوعة الآجر للقناة تماشيًا مع سياسة الفصل والتخصص التي طبقتها دول الخليج بنجاح يستحق الدراسة ، الأهم من كل شيء أن دبي تهتم .. وإمارة دبي كانت حريصة على إيصال تلك الرسالة بأقصر الطرق وأبسطها، من خلال مقارنة قيمة استهلاكية بأخرى إنسانية، وإليك وصف مُخل لأحد الإعلانات — [ زجاجة برفان تحتل الشاشة، ثم كتابة مصحوبة بتعليق يخبرك أن تلك الزجاجة قيمتها ١٥٠ جنيه، ثم تتبدل الصورة لتخبرك أن نفس القيمة يمكنها كفالة طفل لمدة عام دراسي واحد .. أنت تختار ] — حملة دبي في رأيي من أقوى الحملات التي شاهدتها ، فهي لا تستهلك سوى عشرون ثانية على الأكثر لأنها تحترم وقتك وعقلك بدليل أنها في النهاية تمنحك حق الاختيار.. كما أنها تبث باللغتين العربية والإنجليزية، الحديث عن نهضة الإمارات وقناة دبي وان ، التي ولدت كبيرة وعظيمة لتنافس وتبقى ، يحتاج لشيء أكثر من الإشادة بحملة إعلانية ستنقضي بانتهاء الهدف من ورائها ، فالخليج عمومًا والإمارات بوجه خاص يشهد نهضة لا يجوز التغافل عنها .. أهم ما يميزها في رأيي هو نظام الحكم الملكي وقدرته على المواكبة والتحول إلى حكم فيدرالي تنافسي، فالجمهوريات - ونحن للمصادفة منها - « يقودها شخص يعلم جيدًا أن سلطته ستنتهي بانتهاء مدة الحكم وهو نفس دافع موظف الحي الذي يتلقي الرشاوى لشعوره بقرب لحظة المعاش حتى وأن كان في الثلاثين ، كلاهما يحركه شعور بالانتهاء القريب مع لحظة البدء وهو ما يحفز غريزة الانتفاع والتربح ، يضاعف منها غياب الروادع المناسبة والآجهزة الرقابية التي نعرف جميعًا أن الفساد بها بلغ حد الآعضاء التناسلية» … قد يظن البعض أن إدانتي للجمهوريات نابع من ميلي المخنث للحقبة الملكية جراء إصابتي بفيروس الملك فاروق الذي بثته علينا قناة الإم بي سي (الملكية)، لكنني هنا لن أدافع عن أعز ما أملك، فأنا شخص يظن - وبعض الظن من حسن الفطن - « أن رقعتنا الجغرافيا لا يصلح معها نظام ديمقراطي جمهوري بكل ما تحمله من فساد واستبداد، لأن ذلك الاختيار وإن كان ناتجا عن اختيار شعبي وصندوق انتخاب مراقب قضائيًا، فسيكون وقتها حاملا لنفس الفيروس ولديه استعداد فطري لحضانته ونقله» .. لقد تجاوز الأمر زمام المشكلة وأصبح أزمة ، لدرجة ميلي للاعتقاد أننا لم نعد بحاجة لانتخابات نزيهة وأحزاب قوية بقدر حاجتنا لتعقيم يتم عن طريق الحقن، لقد تمحور الفساد وتبلور حتى صار غباءً كونيا… يجوز معه التغيب والدعوة برفع الأيدي للسماء رفعة رجل واحد في شعب واحد يعيش داخل وطن واحد، ونستقبل جميعًا القبلة بقلوب مطمئنة للاستجابة وعيون خاشعة للحضرة ونقول: ( اللهم نجنا من هذا الكوكب.. كما نجيت أسلافنا من الأموات) وليبق كلًُ منا في مكانه.. فإن مات سيد إمام كلنا سيد إمام.
٣- القراءة للجميع
… لم تعد القراءة كتاب سواء مطبوع أو اليكتروني ، ومع الوقت سيفقد الأدباء والسينمائيون مكانتهم ، وستصير الحظوة للمنجمين والمتبصرين ، وأنت يمكنك التدرب من الآن، يمكنك أن تقرأ شاشات التلفاز .. أن تفك شفرات نشرة الأخبار، حتى النجوم يمكنها أن تخبرك أسراراً لا خيال لك بها إن تعلمت كيف تكشف غلالتها، الأمر لا يحتاج إلا لرغبة حقيقية للتعلم والفهم.. مجرد الفهم وليس التظاهر به.. رغبة خالصة تتعهد أنت بحمايتها، بعدها ستحتاج للتخطيط، والمعرفة بمتى تضع قدمك ومتى تسحبها، وعلينا كمصرين في المقام الأول وكمسلمين في المقام الثاني، بصفتنا أصحاب حضارة نفتخر ونباهي بها في كل المحافل حتى الرياضي منها، أن نعترف أننا قد تخلفنا وفقدنا قدرتنا على الاستبصار، وأن هناك كثيرين قد صكوا أقذالنا حتى احمرت مؤخرتنا خجلاً ، وأنهم قد استطاعوا بصبر ودأب أن يبعدونا عن المدار ويعتلوه مع قدوم القرن الجديد، صار للسعودي قناة تروج للملكية مثلما كان لثورة يوليو محطة إذاعية تروج لأيدلوجيتها وقوميتها المزعومة لتطيح بهيبتنا السياسية، أما الإمارات فهي تعي جيدًا دورها كصياد الألماس الذي يجيد الغطس والتفريق بين الرخيص والنفيس، وبوعي استطاعت أن تحتل ما كنا نحتله ثقافيًا وإعلاميا وتكنولوجيًا، بينما تقف دويلة قطر متحفزة وإن كانت تبدو على الحياد كتعبئة الجيش الاحتياطي، ولكن الجميع سيتذكر دومًا أنها أرض “الجزيرة الفضائية”، فماذا تبقى لنا ؟، لا شيء ، سفراؤنا يهانون في بقاع الأرض ..والمصريون يعذبون وينتهكون حتى في السودان ، وشبابنا يموت غرقًا لفتقاده الطمأنينة ، وإعلامنا يضمحل بضيق أفقه المعهود، ولم نستطع حتى أن نكون علاقة صداقة حقيقية بدول الجوار، فما بالكم بالآخر المتربص بنا، صاحب نظرة صراع الحضارات !!
مؤخرًا استدعت إمارة دبي برنامج ٦٠ دقيقة الأمريكي الشهير ليكون شاهداً على نهضتها الاجتماعية بعيون غربية ، وأكثر ما لفت نظري هي شهادة مقدم البرنامج أنهم ذهبوا إلى هناك متخوفين لكنهم لم يتلقوا أي توجيهات سابقة أو لاحقة، كما أنهم حصلوا على موادهم الفيلمية بحرية تامة دون عراقيل ، مما زاد من مصداقية الحلقة، والإمارات هي سبع إمارات صغيرة أشهرها إمارتا دبي وأبو ظبي، والجميع يتنافس فيما بينه بشكل محموم ليحتفظ بصدارة إمارته، للأمارات عشرات المشاريع الثقافية التي ضمنت لها عاصمة الثقافة منها على سبيل المثال (شاعر المليون)، وجائزة “دبي الثقافية” التي تتساوي مع البوكر العربي ماديًا ، وكلا الجائزتين يضمن لها ولاء المثقفين العرب.. للإمارات شخصية أسطورية هي (عجاج ) تكاد تنافس حورس –{ الذي تحول على يد شاعر الجمهورية للنسر المصري شق السما }– وأطول وأشهر برج سكني وهو متعة للناظرين وعشرات المؤتمرات الإعلامية والتكنولوجية، ومؤخرًا قرأت لأحد الشباب السعوديين وصفاً لإمارة دبي بعد زيارة سريعة لها إذ اعترف «أنها أفضل ما في جدة وأفضل ما في القاهرة ، وإن كان يتمني أن تصير جدة كدبي!!»،كل ذلك لا يعني سوى أمر واحد هو أن دبي - بالفعل - تهتم، وأن لديها المقدرة على توصيل ذلك وبأشيك الطرق….
أما عن الطريقة التي نبرق بها نحن رسائلنا.. ونسوق بها انجازاتنا الحضارية، فإليك تلك القصة: كانت صديقتي تعد تقريراً لإحدى المحطات الإذاعية الأجنبية عن مهرجان القراءة للجميع بمناسبة الإعلان عن استمراره طيلة العام وعدم اقتصاره على الموسم الصيفي فقط ، وكانت سعيدة بذلك الأمر وكان لزاماً على أن أكون أكثر سعادة منها، لأنني من ذلك الجيل الذي تربي على كتب المهرجان، وبمكتبتي العديد من إصداراته، لكني لم أفهم وقتها كيف يكون مهرجان وكيف يستمر طيلة العام !!؟
التفسير الوحيد بالنسبة لي هو تفريغ المشروع من محتواه، وتوقف الأمر على مجموعة من اللافتات الإعلانية على مداخل ومخارج القاهرة، وأخرى بعرض الجدار بميدان التحرير، نالت الحسنتين بإخفاء المجمع الخدمي عن القادم من رمسيس، والمتحف المصري عن الزاحفين هربًا من القصر العيني، وإعلان آخر متلفز للسيدة التي دخل وجهها إلى كل بيت محمول على غلاف الكتاب وهي تمسك بالأعمال الكاملة لنجيب محفوظ وكأنها تعلن عن آخر إصدارات مكتبة الشروق، ولكن الأهم هو اختفاء الإصدارات وتوقف الإعلان عنها في جريدة مقروءة على الأقل من المتأدبين بفنون الكتابة كأخبار الأدب، ربما لترشيد النفقات والاكتفاء بلوحات الشارع، ناهيك عن بائع الجرائد الذي اعتدت لسنوات شراء أحدث العناوين منه، فهو لم يعد معني بالأمر ككل، ولم يلفت نظري هذا العام سوى كتاب الغيطاني “ملامح القاهرة في ألف سنة”، وهو كتاب لايزال يدور في فلك ملهى صفية بميدان الأوبرا.
أما الكارثة الأقرب للجريمة الحقيقية فقد دارت وقائعها وتفرقت بين محطات مترو الأنفاق والتقرير المعد عن المهرجان..في داخل محطات المترو توجد يافطة تمثل شاب ورجل يجلسان بمنتهى التناكة والأناقة في انتظار مترو الأنفاق –{ يمكنك أن تراهم الآن إن كنت تتصفح المدونة من خلال الآي فون أو الايبود تاتش}– حاول الآن أن تدقق النظر، وتخبرني بما ترى، إن كنت سريع الملاحظة، فربما يلفت نظرك شكل وغلاف الكتاب والذي لن يمت بصلة لمطبوعات مكتبة الأسرة، أما إذا كنت تعُد تقريراً عن حدث فسوف تستنتج من اسم الكتاب المطبوع على يسار الغلاف أن كلا الرجلين يقرأ من اليسار إلى اليمين.
وإن كنت ملما بأوليات صناعة الإعلان - وهي صنعة أكثر منها مهارة - ستعرف أن أي إعلان يمر بمراحل لا يجوز تخطيها، أولا هناك العميل صاحب المصلحة، ثم فكرة الإعلان التي تناقش وتفند وُتقتل بحثًا إلى أن تصل لمرحلة الستوري بورد وهي شبيهة بمجلات الكوميكس، يتم خلالها رسم أول وآخر تراك من كل مشهد لعرضه على العميل قبل بدء التصوير والحصول على تصديقه.
أما إذا حاولت أن تحلل الإعلان بصريًا ، فستجد أن كتاب مكتبة الأسرة على الأقل والذي سبق ترويجه تحت شعار ” القراءة للجميع ” مفقود نتيجة غبائه بكلا الإعلانين المتلفز والمطبوع، والآن حاول أن تخبر جارك بالمترو أن ما يحدث خطأ يستحق العقاب، ليعجزك بسؤاله البديهي: من المسئول؟
فيتفرق الخطأ على الجهة صاحبة الإعلان والمشرفين على التنفيذ ووكالة التنفيذ: فمن المسئول؟
تلك مسابقة أخرى تصلح للمسامرة.. فالمسؤولية تتوزع على قيم معنوية وأخلاقية أهمها هو الاستسهال وعدم الاعتناء والإهمال، الذي فرغ محتوى شعار كـ”القراءة للجميع” إلى مجرد مهرجان طول العام لنتباهى به ، المسئول هو الشخص الذي وافق على صورة الرجلين بمترو الأنفاق والتي تخبرك بفجاجة أن تستغل دقائق انتظارك للقراءة، وكأنك داخل سنترال أهلي يعلق ذلك الملصق الذي يطلب منك وبأدب القرود أن تحول دقائق الانتظار إلى استغفار.
تناص مشين وممجوج لفكرة أكثر سخفاً.
٤- مهرجان القاهرة السينمائي
كحقيقة يجب علينا إقرارها وليس التباهي بها، نذكر أن مصر كانت أول دولة تعرف نظام الأقاليم التنافسي، وكان لكل إقليم حكومة وإدارة وألهته الخاصة به، ثم يخضع الجميع لفرعون واحد وإله واحد في النهاية منعًا للتناحر، وذلك كان يؤدي بشكل طبيعي إلى تميز كل إقليم بصفة لا تتوافر في الآخر. والذي كان يصب بالنهاية للصالح العام، وفي رأيي كان ذلك هو سر وعبقرية تلك الحضارة التي نحملها على أكتافنا ونتباهى بها منذ سبعة آلاف سنة ونيف بين باقي الأمم، لا أعلم أين ذهب المصري القديم –[ كاتب وفلاح وكاهن]– دهسته عجلة التطور والأطعمة المحفوظة، وانشغل بالتباهي عن التنافس.. ربما، كل شيء قابل للدراسة والتحليل، ولكن الثابت هو أن الله قد ختم على سمعه وبصره بالعمى، فجعله لا يرى سوى ذؤابت الهرم ولا يسمع سوى صوت خرير ماء النيل، ونسي وابتعد عن الخليج، منذ قطيعة كامب ديفيد، كل ذلك محفوظ بالحوليات المصرية ولكنه مطموس بالنقد السياسي الزاعق والنعرة القومية التي تبنتها الجمهورية وظللنا نقتات على فتاتها، حتى صرنا لا نميز بين أنواع العطور. بينما يقبع على بعد خطوات منا خليج عربي يماثلنا على الأقل لغة و دينا، و يحوي كل ما يحوي من علوم ومعارف، ناتجة عن توافر رأس المال، القادر على شراء وتوفير المعارف التقنية.لقد أصبح حُلم الشباب المصري اليوم هو السفر للآمارات بديلاً عن فرنسا!!
في كتابه الباعث على التفكير “كل رجال الباشا” يحاول الدكتور “خالد فهمي” أعادة قراءة تاريخ محمد على باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة بطريقة غير المتعارف عليها ليستخلص — وهو تلخيص مخل — « إلى أن “محمد على” كانت تحركه ميول شخصية دافعها هو الطمع بغرض الاستئثار ، ولأبنائه من بعده — وهو ما حدث بالفعل – على دولة قوية وغنية تدر عليهم الذهب والنفوذ الإقليمي المنشود، كنواه لمشروع تم إجهاضه بنجاح، وبرؤية مغايرة لم ذهب إليه الكتاب أستطيع أن أقول أن ما أبرزه لا يُعد إدانة لشخص الأسرة العلوية» ، كما تم تفسيره من قبل البعض، فالأمور بالنسبة للدول والتاريخ لا تقاس بنبل الغاية أو نوع الوسيلة، وإنما بالنتائج التي تم تحقيقها، ومصر كدولة لم تشهد طوال تاريخها (رمز) حاكم من صلبها استطاع أن يوحدها ويقودها منذ طرد الهكسوس، إلى أن جاء ناصر بكاريزما الزعيم ليطرد الانجليز، وذلك لا يعني بالطبع أن نغض الطرف عن انجازات كل الحكام غير المصريين والذين حكموها لأن أغراضهم كانت استطماعية بالمقام الأول، فالأهم هو هيبة الدولة وحفظ مواردها ، وذلك ما حققه محمد على وإبراهيم باشا ودولة المماليك من قبلهما، وليس صحيح أنهم قاما بقهر الشخصية المصرية أكثر مما يحدث اليوم ، وذلك ما يسعي ويتمنى تحقيقه كلاً من آل سعود، و آل نهيان للإبقاء على حكمهم وتعزيزه في المقام الأول
وهنا يكمن الفرق بين حكم ملكي منفرد — [ لا يجوز أن نطلق على الحكم الملكي صفة الديكتاتورية ] — يسعي لتأكيد و تطوير دعائم حكمه وبث نهضة اقتصادية وحربية، ويحسن خدمات الدولة من تعليم وصحة وبنية تحتية ، في الوقت الذي يحافظ فيه على هيبة المملكة، ويضمن لها القيام بدور سياسي يحفظ لها مكانتها الإقليمية، وبين نظام جمهوري — [ يجوز لنا تقيمه بثنائية الديكتاتورية والديمقراطية ] — كل ما يفعله هو التباهي بمشاريع وهمية غير مدروسة وأمجاد غابرة، وخطط خمسية لا تنتهي، في الوقت الذي تنهار فيه كافة المرافق من صحة وتعليم وطرق، وتزداد نعرات التعصب من قومي وجنسي وديني بين فئات الشعب، وتزداد الهوة اتساعًا بين طبقاته، وهو ما استتبع بالضرورة مجموعة من الاعتصامات والإضراب بمختلف قطاعات الدولة، مما يعني تبلور وعي لدي قطاعات شعبية بأهمية التكتل لأنتزاع مطالبها الفئوية ، وحتى قطاع الأمن الذي يشهد له الجميع بالكفاءة (الأمن المصري ولد ليبقي منذ عهد الفراعنة) في تعامله مع ظواهر كالإرهاب والاستقطاب (أرجو مراجعة العدد ١٢٥ من سلسة رجل المستحيل “عملية النيل“) صار مشبعاً بالطابع السياسي أكثر مما كان عليه الحال وقت القلم السياسي
بمعني آخر يشبه الأمر بين ملكية واعية وجمهورية مغيبة: والدتك التي تجبرك على خلع الحذاء خارج البيت قبل دخولك إليه، لكي تؤمن لك بيتا نظيفا وبيئة صحية وتضمن عدم انتقال ملوثات الشارع، في الوقت الذي يحاول فيه والدك تعليمك مخاطر وأضرار التدخين بدرس عملي فيقرر اعتقالك داخل خزينة الملابس أنت وعلبة سجائرك، رافضًا تحريرك قبل انتهاء علبة السجائر كاملة ، في الحالتين حسن النوايا متوافر لأبعد حد، ولكن في الثانية أنت مهدد بالموت اختناقا، وعليك أن تختار أيهم أفيد !!
لقد دخل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عامه الحادي والثلاثين، ومصر كدولة أيضًا من أوائل صناع السينما، كحقيقة أخرى لا يجوز إغفالها، ومؤخرًا ظهر للوجود مهرجان وليد هو “مهرجان الشرق الأوسط السينمائي” في أبو ظبي -{ نوع آخر من امتزاج القيمة بالسلعة لغرض التسويق}- وشاء الأشقاء العرب في أبو ظبي عدم اختيار موعد أفضل من موعد انعقاد مهرجان القاهرة المحدد سلفًا قبل ميلاد مهرجانهم، مما أثار أزمة أخلاقية، وصرنا بين شقي الرحى، إما أن نحني رؤوسنا ونغير مواعيد عقد المهرجان أو أن نقبل منافسة بالفعل غير شريفة، بالطبع لم يكن هناك أي احتمال لتغيير موعد مهرجان القاهرة لأنه مصنف دوليًا مما يعني التزامه بمواعيد مهرجانات سابقة ولاحقة، وقد كان، تم هزيمتنا في الجولة الأولى بفرق النقاط، حيث استعانت أبو ظبي بدعم مالي غير محدود مما يسر لها استئجار نجوم السينما الأمريكية، وكجمهور غير مثقف سينمائيًا يعادل لديهم إن لم يكن يفوق ممثلا كـ “كيانو ريفز” بسلسلة الماتريكس الشهيرة،و ممثل ومخرج وكاتب ايطالي بقامة “روبرتو بنيني “صاحب “الحياة الحلوة” و “بنوكيو” الشهير، ولذا استعان مهرجان القاهرة بدعوة “مورجان فريمان” العام قبل الماضي ، لمواكبة الحدث!!! (علامات التعجب هنا من وضع الكاتب وليس الصفيفة).
هذا العام قامت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي بشن حملة دعائية متلفزة بغية التسويق للمهرجان، كان ذلك وللعجب نصها — {من سنة ٧٦ فتحنا باب جديد..شوفنا أفلام..عشنا لحظات فرح.. و و و، عايزين تعرفوا إحنا مين ؟، أحنا المصرين، من أقدم صناع السينما} — دعك من أن الإعلان يخلوا من أي متعة بصرية ورطانة مستفزة، لكن مرة أخرى ليس لدينا أي قيمة لنسوقها سوى الماضي السعيد، والبعيد، مرة أخرى يجدد مهرجان أبو ظبي جلده كالحرباء، ويغير اسمه لمهرجان الشرق الأوسط (ككل) ويعلن عن عرض ثلاثة أفلام في مسابقته جميعهم مرشحين لأوسكار ٢٠٠٨ كأحسن فيلم أجنبي، إنه تغيير تكتيكي يحترم، أحني له رأسي كمصري ينتمي لدولة هي من أقدم صناع السينما، وتلك حقيقة من الماضي.
في أطروحته لنيل الماجستير يقدم الباحث الهولندي “رول ماير” استعراض لدراسة الفكر الاجتماعي لتيار السياسي اليساري والعلماني المصري منذ عام [ ٤٥ - ٥٨] تحت عنوان “البحث عن الحداثة”، ترجمة شريف يونس، متتبعا منهجية العمل السائدة وقتها ومحاولاً تقييمها وفقًا للظرف التاريخي والسياسي، ومستعرضًا أسباب انهزامه أمام اليمين الرجعي (واقصد هنا تنظيمي الضباط الأحرار والإخوان )، وفي مدخله يعترف ماير أن بدايات القرن العشرين شهدت اندماج كلي للاقتصاد المصري مع الاقتصاد العالمي، ويصف بنية المجتمع المصري بالبنية الكولونيالية النموذجية، ثم يستتبع ذلك بتتبع خطوات تحول الإقطاع إلى برجوازية، وكيف ساعد حزب الوفد وحزب الآمة بجريدته وزعيمه “أحمد لطفي السيد” أو “أستاذ الجيل” كما أطلق عليه الليبراليون الجدد حين ذاك، على حماية مصالح تلك الطبقة، مما سهل ظهور مشروع وطني كمشروع طلعت باشا حرب.
أيًا كان فقد قام الوفد المصري بدور محوري في تحجيم الطبقة العاملة و تنظيماتها، بينما انتصر لطفي السيد لمصالح طبقته، وأصبح الأمل كل الآمل معقود على التنظيمات الشيوعية بأطيافها، إلى أن قام الجيش بخطوته التي غيرت مسار التاريخ المصري، اجتماعيا وأيدلوجيًا، وانحلت التنظيمات الشيوعية بإرادتها الحرة، في أغبى قرار يمكن أن تؤخذ عليه، ولأسباب تبدو اليوم مضحكة، وإن بدت وقتها شبه منطقية.
لقد رأى الشيوعيون المصريون أن النظام الحالي، قد استمد صفة الوطنية من خلال الإيفاء بتطلعات الشعب، من تحرير الأرض من الاحتلال إلى تحرير الطبقة من الإقطاع والملكية، إلى آخره من انجازات الثورة التي لا مجال الآن لتفنيدها، المهم أن ذلك أدى بالضرورة لاقتناع فصيلين من أصل ثلاثة هما ( حدتو) و ( طليعة العمال) عام ١٩٥٧ لعقد جبهة سميت (الجبهة الوطنية الديمقراطية) ما يفهم منه بالضرورة إقامة جبهة مع النظام الحاكم - وصفه شريف يونس بالسلطوي - على اعتبار أنه أيضًا نظام وطني، كل ذلك أدى في النهاية إلى ذوبان مختلف الفصائل الشيوعية داخل تنظيمات النظام الذي عرف وقتها بالاشتراكي عام ١٩٦٥.
تلك صفحة أخرى في تاريخ الوطن شارك في تسطيرها غباء وعدم تبصر النخب المثقفة، ورأي عام ديماجوجي نفعي تكون مع الوقت من طبقة المثقفين، (وهم بالمناسبة الحاضن الأساسي للفيروس)، الأهم من كل ذلك أن اليسار المصري لم يصمد، بينما صمد فصيل كالإخوان المسلمين، على الرغم من حملات التنكيل بهم حد اغتيال المؤسس حسن البنا، وإعدام المجدد “سيد قطب ؛ وكلاهما عند الله شهيد لا شك.
والسبب في ذلك يعود لتمسك الأخوان بأصالة الخطاب الإسلامي، بينما تخلت النخبة الليبرالية المصرية عن أصالتها في سبيل إشباع توقها الشديد للنعت بالحداثة الفكرية، فجاءت أفكارها مسخ غير منتمي، هش يسهل دحره، لعدم اعتماده على جذور حقيقية له داخل المجتمع، وصار مصطلح الوطنية، قيمة في حد ذاته تسبغ على من يشاءه الرأي العام وقتما يرغب النظام اللا سلطوي، فصار الشيوعي “يهودي”، وصار البهائي “جاسوس”، وصار الإسلامي “عميل” للأنظمة الملكية الرجعية.
تلك المقدمة الثقيلة، لم يكن هناك مفر من استعراضها، لتوضيح الأسس التي نشأت عليها الجمهورية، الأسس التي يمكن اختصارها لعاملين، الأول هو ميثاق الثورة والدستور الذي ارتضته، ويمكن لمن يشاء الرجوع له ومقارنته بالوضع الحالي، وثانيهما الدور الإقليمي الذي حملته على عاتقها نحو قضايا التحرر الإقليمي وعلي رأسها قضية فلسطين، وهو ما يعنيني الآن… أنا لست ضد مشروع ناصر ٥٦، ولربما كنت من مؤيديه لو كنت أعيش عصره، ولكن بصفتي شخص ينتمي لألفية جديدة يجوز لي التنصل منه سعيًا نحو مشروع جديد، لقد انهزم المشروع الناصري وانهزمت القومية قاطبة مع انكسار عام ٦٧، أي بعد الانحلال التنظيمي للشيوعيين بسنتين، وكان لزامًا على وعي المثقف المصري (العربي) وقتها البحث عن مشروع بديل، إلا أننا وكالعادة تمسكنا بتراث مستحدث، وخشينا أن ننسف حمامنا القديم، خوفًا من انتزاع ورقة الوطنية التي منحهم إياها النظام، كورقة التوت، ولم يستطع انتصار العام ٧٣ استعادة الوعي المصري، بسبب الاحتفاء المبالغ فيه، إلى حد وصفه بعودة الوعي، تلك اللحظة كانت أقسى اللحظات التي ساعدت على انهيار مصر فكرًا ومجتمعًا، وكان يليق بها انتزاع صفة الوطنية عن النظام الحاكم، لأنها باعدت بين مصر ودول الجوار، ومهدت لها الطريق للتخلي عن دورها الإقليمي، وهو الدور الذي استمدت منه مصر مكانتها منذ معاهدة قادش بين رمسيس الثاني والحيثيين.
لقد تخلت مصر عن دورها نحو قضايا عدة في سبيل التفريط في المحافظة على أمنها الداخلي واستقرار نظام الحكم، وتخلت الجمهورية عن دعمها للفئات التي جاءت لتلبي رغباتها واستمدت منها شرعيتها، مما يجوز لنا اعتباره انعزال عن الأصالة في سبيل مطاردة الحلم بالحداثة، وبين الحين والحين لا نجد أمام مواجهة نهضة الخليج والتي تبلورت على رسوخ حقيقي نابع من تحديث مفهوم الأصالة لديه، سوى عهد بائد، وذكريات سعيدة، لم يعد من حقنا التباهي بها، لأننا لفظناها من قبل.
صار اليوم لزامًا على التيارات الفكرية الجديدة وضع تصور جديد لمفهوم الدولة، سواء إن كانت ملكية أوجمهورية، مركزية أو فيدرالية ، الأهم هو استعادة قيمة التنافس، صار علينا بالأحرى استعادة أصالتنا، وشخصية المصري السعيد، بكل عيوبه ومساوئه، فهي لن تكون أمر مما نشهده ونعيشه اليوم، من ذل وهوان، يقول المثل الشعبي القديم (أمك البصل وأبوك الثوم، ومنين جايب الريحة ديه يا مشئوم )!
وهو ما يعني الاعتراف بتلك الرائحة، وعدم ادعاء الزكام، لأنها تاريخنا، الذي علينا منذ اللحظة، عدم التمسح فيه، والبدء في تسطير تاريخ جديد، لأننا لم نعد ننتمي لذلك التاريخ البعيد بصلة.

- القاهرة



#يحيى_مجاهد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - يحيى مجاهد - خليك أكثر تواصل