أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غادا فؤاد السمّان - هلوسات مثقّفة مُشبّهة بالفعل















المزيد.....

هلوسات مثقّفة مُشبّهة بالفعل


غادا فؤاد السمّان

الحوار المتمدن-العدد: 2111 - 2007 / 11 / 26 - 11:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كم من الوقت يلزمك كي تبدو راضيا أمام مرآتك، تقف في الطابور خلف شخوصك المتعددة تُبارك هذا وتلعن ذاك، حتى تصل إلى ماتظنّه حقيقتك وإن بعد حين؟!.
وجها لوجه أمامكَ وحدك، وخلف ظهرك أكداس الماضي تستحضرها لحظات وتغصّ مختنقا بالزمن الباهظ الذي تسرّب من مسامك ولم يترك لك غير قليل من زهو وكثير من ضجر.
تُذهلك خطواتك التي تُسابقك بلا هوادة، تُرهقك، تُسمّرك مكانك على أمل الإنطلاق نحو الأفضل، فالأفضل، فالأفضل، الذي يُلاحقك كهاجس موتور، تخاله قريبا كظلّك
لتدرك أنّ الأفضل على مرمى كوكب لم يتشكّل بعد، كوكب قد تجد فيه أملا، شغفا، شغبا، أحبّةً، ملاذا، أمنا، ووطن !
بدأ الحلم الجميل مع تميّزك على زمانك، تفاقم الحلم الجميل مع تميّزك على ذاتك، تعاقب الحلم الجميل، حبرا، ومعان، ومبان، ومواقف، وجرأة، وخيبات، وأخيلة، وحروف وافرة ومهدورة كمواسم تشرينية.
لديك فسحة للنشر هنا، وحيّز إطناب هناك، تصفيق مارق مُتكلّف، وتدبيج إطراء قد يعنيك، محاط أبدا بعناية السخط المتزامن مع تهافت المعجبين المرتدّين على أعقابهم عنك تارة وإليك أخرى.
كل ذلك كفيل بالانتفاخ وحريّ بالتوّرم ، هكذا الحال لديك ، وهكذا كان من الممكن أن يكون الحال لدي تماما، لكنّ بساطة أميّ التي هربتُ منها دهرا غلبتني، وجعلتني امرأة بغرور هشّ، وتباهٍ أبكم، وتفاخر أصمّ، خاوية الوفاض إلا من ثقتي بحروفي التي لا تقلّ نموّا في داخلي عن قمم الهيمالايا.
هكذا أتيت، وهكذا آثرت المضيّ دائما، محكومة بأمزجة الجغرافيا وخصوصيتي في غربلة رقيّ العواصم حيث لا شارات مرور بين المثقّف والجاهل، وحيث تندر الحدود الفاصلة بين النساء اللواتي لا يميّزن بين غسيل الصحون وغسيل الأفئدة، حيث تعدم التصاريح الأمنية بين الجِملة المفيدة والذكور المجترّة، حيث لا خريطة للطريق المرصوفة بالتعدي، وليس من ملصقات للتحذير وإن على عجل لمن نكتب ولمن نرفع الصوت نادرا والصمت باستمرار؟. الأخطر من هذا كله ضرورة البحث عن راعٍ، راعٍ يؤمن بالعقل لا بالعصا، راعٍ يؤمن بأهمية القطاع بعيدا عن حسابات القطيع، راعٍ يقدّس مفهوم الوطن، ويترفّع عن فكرة الاستيلاء الأرعن، والسلطة العمياء.
هكذا أراوح حبيسة الزمن المركّب بين عاصمتين مُتناقضتين، هكذا أتخبّط ضمن حدود المعنى المفقود لمفهوم الانتماء، هكذا أتهاوى صريعة وهم الاستقرار وطمأنينة المُرتجى، فكم شائك هو توصيف العلاقة بينهما، ومربك تصوير الوقائع، كم مخجل ترويج الشائعات، ومملّ رصد الحقائق، ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نُدرك أنه بين بيروت ودمشق ثمّة مسافة شاسعة للتناغم والالتباس، بين بيروت ودمشق ثمّة محطة إقلاع للتحليق الخائب والمراوحة القاتلة، بين بيروت ودمشق ثمّة مواطنون كُثُر تُربطهم كل مشاعر الحب والحقد والغلّ والسلام، ثمّة مثقفون يتبادلون سرّا وعلانيّة الكلمة الخفيّة لدخول العالمية وإن من الباب الخلفي لدائرة الضوء، ثمّة تجّار مشاعر يلعبون على بورصة العواطف الشاخصة بين البلدين يستغلون فراغ الأفئدة والجيوب، يستثمرون إفلاس الأمل ويستصلحون يباس المرحلة بتعميق الشروخ، وعلى امتداد التصدعات تنشط الأعشاب المرعية بالسياسات الخبيثة، المخصّبة بالأطماع، والمسمّدة بالسموم، ولبنان وحده بين "مزدوجين ومتجاوزين" رهن الخلافات الدولية والإقليمية والمحلية، رهن الطوائف والأحزاب والمذاهب والمصالح والغايات، رهن الأطماع التي لا تُبقي ولا تذر على أي بصيص نزاهة لأحد على الإطلاق، فهل أكتب عن هذا كلّه.. عن الأغلفة المغلقة والمتداولة بين صرحٍ ومجلسٍ ومبعوثٍ ومهووسٍ ومسؤولٍ ومتعدٍّ ومُتطاولٍ ومُتطفّلٍ ومعنيٍ حقيقيٍّ ومراوغ؟.
هل أكتب عن مسرح الدمى المُسيطر على مفاصل المدينة، ومسارح الدمّ المنذور للنتائج؟.
هل أكتب عن سأم المواطن؟، عن هلع الأمهات؟، عن حذر الشوارع؟، عن وجوم الأرصفة؟، عن دموع الجدران التي تحصي عبثا عدد أيام المغدورين بسبحة ألكترونية؟
هل أكتب عن وصلات الأخبار التي "تفسرّ الماء بعد الجهد بالماء "؟
هل أكتب عن هؤلاء الصامدين بيقين والشامخين بإيمان، هؤلاء العازمين على توفير الأمن، رغم أنف كل العابثين بأمان البلد، الذين لا أملك لهم سوى يد مهزوزة ألوّح بها تلويحة عابرة عند كلّ حاجز ومفرق ومصفحات عسكرية تتمركز عند منعطفات الطرق ومفارق التاريخ المرّ، تسوقنا قُدُما نحو المجهول؟.
سألني صديقي المثقّف والطيب جدا، وما دخلك أيتها الدمشقية بالمصير المنتظر لمَ لا تتركي بيروت وشأنها؟ وقد تغاضى هذا الطيب جدا أنني أنتمي إلى بيروت بحكم العِشرة والحبر والحرف الشاهد بيننا، بحكم العقد والنصف من الزمن والمواقف والخيبات، بحكم الانتظار لجدية الحكومة وجدواها علّها تنهض من سُباتها لتنتقي "رعاياها " بجدارة، وتعي بحنكة وحكمة معنى أن أرفض غوغائية "التجنيّس" وعشوائية الانتماء يوم أفتُتِح الباب للتزاحم، تحت عباءة السلطة المُستعارة، والأمن الملغوم، وقبل أن أسمع جواب صديقي المثقّف الطيب جدا استودعته سؤالي ومضيت، تراني لو حملت ورقة التجنيس مع من حملوا، هل بوسعك أن تعتبرني وقتها معنية بالوضع اللبناني وأمنه، وبيروت وشأنها؟
أجزم أنّ الكتابة عن رئيس مُنتظر للبنان هو ضرب من ضروب الإدّعاء المكشوف أو الغباء المغْرض، خاصّة وأنّ جميع الأقلام وفي مجمل المنابر مُستلّة من غمدها إمّا للطعن بهذا أو للإشادة بذاك، وأنّ أي تحليل موضوعي لمنطق الأمور الحالية، سيأتي فارغاً من المنطق نظرا لانعدام منطقيّة الأمور الحالية أصلا، لهذا آثرت الكتابة من ذاتيّة مشوشة تُشبه جملة وتفصيلا ذاتيّة الراهن المشوش بضراوة.
ولو قدّر لي فسحة مختلفة للبوح لا مُخلّة للاتزان في وقت ملائم للتفكير، وليس للتكفير كالذي يتربّص بنا، لدوّنت علنا شغفي ب"بطرس حرب" ليس لأنه يندرج تحت لائحة التقويم السياسي من السنة "الحريرية" بل لأنه وباختصار شديد رجلٌ يليق بكلمته وحضوره ورأيه ورؤيته وفكره وحواراته المعتّقة في خوابي المنطق، رجلٌ يحرّك كافة كثبان الأمل الهامدة في صحراء كينونتي وكياني، يحرّك مداراتي العاطلة عن الاكتراث لأكترث ولاستعيد إصغائي وانتباهي ومواطنيتي "المكتسبة" وأنوثتي المنسيّة. أكتب وياله من فعل منافٍ للحكمة أرتكبه بدافع الهلوسة في زمن الخوف، تحت وطأة البرق والرعد والمراوحة وانهمار التصاريح الكاسحة للطمأنينة كهذا الشتاء المُبكر، والانتخابات المؤجّلة منذ سقوط الاحتلال والاحترام بين كافة الجهات الرسمية. أكتب ولم يبق في الطابور سواي بعدما انتحرت كافة "شخوصي" لفداحة المرحلة وضآلة مرآتي المهشّمة التي تعكس الواقع الآثم بدقة مُتناهية.
أكتب لأحدٍ قدْ يحلو له أن يقرأ فعلا، وإن بعد حين.
www.geocities.com/ghada_samman



#غادا_فؤاد_السمّان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غادا فؤاد السمّان - هلوسات مثقّفة مُشبّهة بالفعل