أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ماهر الطاهر - الانتفاضة تدخل عامها الرابع: لا خيار أمام شعب فلسطين سوى الصمود والمقاومة















المزيد.....

الانتفاضة تدخل عامها الرابع: لا خيار أمام شعب فلسطين سوى الصمود والمقاومة


ماهر الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 650 - 2003 / 11 / 12 - 01:41
المحور: القضية الفلسطينية
    


مسؤول قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الخارج

دخول الانتفاضة الباسلة عامها الرابع في ظل الواقع المريع الذي وصل إليه العالمين العربي والإسلامي خلال السنة المنصرمة، يمنحنا فرصة نحن بأمس الحاجة إليها للتأمل بالحالة الفلسطينية التي بلغت حد الأسطورة.. والاحتفاء بدمنا الذي ما زال يصمد ويقاوم، بل وأيضاً يهاجم ويوقع الخسائر بهذه الهجمة الصهيونية الوحشية، المدججة بأحدث ما توصلت إليه الترسانة الحربية الأمريكية.. لا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن ننحني بإجلال أمام الدم الفلسطيني الذي يتصدى وببسالة منقطعة النظير لطائرات الـ » أف 16« والأباتشي ودبابات الميركافا والبلدوزارات والصواريخ والمدافع..
نقول بقدر ما نفتخر بهذه البطولة الأسطورية، فالمناسبة تدفعنا لإمعان النظر في الحالة الفلسطينية والتأمل فيما آلت إليه والمسارات التي تتحرك عبرها.. فالظروف القاسية التي تمر بها القضية تفرض علينا اغتنام أية فرصة لتقييم ما جرى ويجري، ومصارحة شعبنا بما يحصل عبر تقديم جردة حساب شاملة له، نقدم خلالها أجوبة على أسئلة من نمط: ماذا تحقق خلال المرحلة السابقة؟ وماذا لم يتم إنجازه ولماذا؟ وهل كان بالإمكان أن تكون أمورنا أفضل مما هي عليه الآن؟..
قبل كل شيء يجب ملاحظة أن العام الرابع للانتفاضة أطلق إلى سطح الحياة السياسية الفلسطينية مجموعة من الحقائق الساطعة التي سيكون لها تأثيرها الحتمي على مجرى الأحداث.
الحقيقة الأولى، تتمثل في أن الانتفاضة أعادت الاعتبار للعديد من المفاهيم التي شابها بعض الخلط والالتباس في مراحل سابقة.. وأبرزها أن صراعنا مع الصهيونية صراع وجود.. فأحداث الحياة أثبتت بما لا يقبل الشك أن الصهيونية بكافة تلاوينها لا تريد سلاماً يستند لقرارات الشرعية الدولية، لأن ذلك يعني خروجها من جلدها العنصري، علماً أن قرارات الشرعية الدولية كانت القابلة التي ولدت على يدها الدولة العبرية.. الانتفاضة اندلعت حين كان ما يسمى باليسار الصهيوني في الحكم ممثلاً بحزب العمل وحركة ميرتس، أما الآن فاليمين الصهيوني المتطرف ممثلاً بشارون وغلاة المستوطنين، هو من يقود الدفة ويواصل إتمام المهمة، أي تمهيد المسرح لحل عنصري يسلب الأرض الفلسطينية ويتخلص من مشكلة السكان عبر حشرهم في باتوستانات بغيضة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً في قسوتها وبشاعتها، حتى في ظل نظام الأبارتايد البائد في جنوب إفريقيا،.. والآن نجد الجدار الفاصل الكريه وهو يكمل مهمة المستوطنات والطرق الالتفافية لخلق المعازل الفلسطينية المقبلة..
"صراعنا هو حول الوجود".. هذا بالضبط ما قاله شارون وهو يستنفر الجمهور الإسرائيلي الذي أعاد انتخابه ومنحه من الدعم والتأييد ما لم يحصل عليه أي رئيس وزراء آخر، حتى بن غوريون أو مناحيم بيغن.. شارون بسّط لهم الأمور إلى درجة الفاشية: »إما نحن أو هم».. »إن ما نقوم به في مواجهة الانتفاضة هو استمرار لحرب الوجود عام 1948»..
طبعاً حين نقول أن صراعنا مع الصهيونية هو صراع وجود، فإننا نعني قبل كل شيء أنه لا يمكن موضوعياً عقد أي اتفاق سلام مع الحركة الصهيونية بكل تلاوينها، طالما أنها تتمتع بكل السمات التي ميزت الحركات والدول العنصرية في باقي بقاع العالم..
ولذلك فإن على القيادة الرسمية الفلسطينية أن تعي هذه الحقيقة جيداً.. والترجمة السياسية المباشرة لها، ستكون حصراً بالتشبث بكل الثوابت الفلسطينية، أي عناصر المشروع الوطني الفلسطيني، المتمثل بحق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهذه العناصر مترابطة لا يمكن تجزئتها وفصلها عن بعضها البعض ككل متكامل، وعندما يجري الحديث عن حق العودة فهذا لا يعني إلا العودة إلى حيفا ويافا وعكا أي فلسطين التاريخية التي هُجّر منها الشعب الفلسطيني قسراً عام 1948.
إن التنازل عن أي من هذه العناصر، وكما أثبتت التجربة، وبناءً على قوانين الأمر الواقع وموازيين القوى، سيقود للمزيد من التنازلات، التي تؤدي بدورها لتسوية عنصرية بائسة، لن تتجاوز في أحسن الأحوال واقع الباتوستانات في جنوب إفريقيا، التي حاول نظام الأبارتايد فرضها على العالم منذ العام 1961 ، بدون نتيجة تُذكر بسبب رفض المؤتمر الإفريقي القاطع لها، الأمر الذي قاد فعلياً للانتصار الذي تحقق عام 1994، حين تفكك النظام العنصري هناك وولى للأبد..
المفهوم الآخر الذي أُعيد له الاعتبار خلال العام المنصرم يتمثل في عمق الارتباط بين الواقع الفلسطيني ومحيطه وعمقه العربي.. من المؤكد أن هذه الحقيقة ليست جديدة أبداً، بل تكاد تكون لازمة طالما تكررت في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي، لكن من المنصف أيضاً التأكيد على أن المشروع السياسي للقيادة الرسمية الفلسطينية، استند إيديولوجياً على نظرية القطرية الفلسطينية المستنسخة من خطاب القطريات العربية... فلسطينياً وعلى الصعيد الرسمي كان الشعار الأساسي هو "يا وحدنا".. و "أين العرب".. نظرياً، كان أصحاب هذه الأفكار يعتقدون أن الواقع الفلسطيني في حال تبنيه هذه النظرية سيتمكن من التخفيف من الآثار السلبية للحال المزري الذي يمثله الواقع العربي.. لكن على صعيد الممارسة العملية كانت الأمور تسير بالاتجاه المعاكس تماماً.. فبدلاً من تهريب الحالة الفلسطينية من الظرف السلبي العربي، كان الواقع الفلسطيني مضطراً المرة تلو الأخرى لدفع الثمن مضاعفاً.. ولا ينسى أحد هنا أن التبرير الأول لاتفاق أوسلو كان فضلاً عن انهيار الاتحاد السوفيتي، الواقع العربي الناشئ عن حرب الخليج الثانية.. أي أن أصحاب هذه النظرية كانوا ومنذ البداية يعترفون بعقمها..
ما حصل في العام الثالث للانتفاضة كان برهاناً إضافياً على إفلاس هذه النظرية.. فطوال مرحلة الاستعداد للحرب العدوانية على العراق، أُغدقت الوعود على الفلسطينيين بقرب حصولهم على دولتهم.. تحدث بهذا شخصياً كل من طوني بلير وبوش الابن.. المطلوب فقط كان تهدئة الوضع في فلسطين حتى لا يتم التشويش على المجزرة الوشيكة في العراق.. وكانوا بذلك لا يريدون فقط إجهاض الانتفاضة لقاء ثمن مجهول، من الواضح سلفاً إنه لن يكون إلا بخساً وتافهاً.. بل ويطلبون أيضاً خنوعاً فلسطينياً واستكانة لا حدود لها، وخصوصاً أن الراعي الأمريكي ظل طوال أشهر يذر الرماد في العيون، ويماطل في طرح مشروعه المسمى بخريطة الطريق، ولم يفعل ذلك إلا بعد تمكن قواته الغازية من دخول بغداد وبفترة، بدأت خلالها حملة ضغوط هائلة على الجانب الفلسطيني، والتي كان أبرزها إجبار السلطة الفلسطينية على ابتداع منصب رئيس للوزراء، أوكل بضغوط أمريكية للسيد محمود عباس.. بعدها فقط أُعلنت خريطة الطريقة رسمياً، وهذه الخريطة التي تستهدف قبل كل شيء إغراق الساحة الفلسطينية بالفوضى والحرب الأهلية.. ولكن رغم ذلك، وربما بنشوة ما حصل في العراق، سجل شارون عليها مئة تحفظ في (15) فقرة، كثفها بعد ذلك في (14) تحفظ.. وُوعد أمريكياً أن تؤخذ تحفظاته بعين الاعتبار..
في كل الأحوال، من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تخض الحرب في العراق فقط لحساب شريكتها أو بالأحرى ربيبتها في المنطقة، بل لتحقيق أهداف أكبر من ذلك بكثير، تتعلق بنظرتها للهيمنة على العالم عبر الاستحواذ والسيطرة على منابع النفط عبر القارات، الأمر الذي تعتقد أنه سيكسبها نقاط قوة، ستستخدمها لاحقاً مع أي منافسين دوليين على الصعيد الاقتصادي.. ومع ذلك يمكن القول أن إسرائيل كانت أبرز الرابحين الإقليميين من هذه الحرب، وهي بالتأكيد تحاول استثمار ذلك في مكاسب سياسية سواء على الصعيد الإقليمي عبر الدخول للأسواق العراقية والحديث عن إحياء خط أنابيب كركوك - حيفا.. أو بالنسبة لمسار المفاوضات، والتي حسب التقديرات الصهيونية ستجري تحت العصا الأمريكية.. ومع ذلك لا نستطيع القول أن الرياح تجري بما يشتهيه المركب الصهيوني أو حتى الأمريكي.. فالمقاومة المتصاعدة في العراق، جعلت قوات الاحتلال الأمريكي - البريطاني أشبه بكيس ملاكمة يُضرب يومياً وبشكل متواصل.. الأمر الذي يعني فعلاً غرقاً أمريكياً متزايداً في رمال العراق المتحركة.. وهذا ما اعترفت به ضمناً الدبلوماسية الأمريكية من خلال محاولتها المستميتة لجر المزيد من الدول الأخرى لمشاركتها أعباء الاحتلال المادية والبشرية، دون التفريط أو حتى الإيحاء بإمكانية مشاركة أحد بمكاسب هيمنتها على العراق، والمتمثلة في نهب ثرواته تحت مسمى إعادة إعماره التي يتضح يوماً بعد آخر.. إنها ستعود بالربح والفائدة فقط على الشركات الأمريكية، الأمر الذي جعل حتى الشركاء البريطانيين يعبرون عن استياءهم من إبعاد شركاتهم عن الكعكة العراقية..
إن الوضع الذي يتشكل الآن على أرض العراق يعيد رسم الوضع الجيوسياسي للمنطقة بأسرها.. فمقابل مخطط معلن لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط حسب ما تريده واشنطن حيث من المفترض أن يكون لإسرائيل الدور المركزي في المنطقة، وكان أكثر من مسؤول أمريكي قد أعلن بوقاحة عن بدء العمل بهذا المشروع.. بالمقابل نجد أن أمريكا مرتبكة في العراق، الأمر الذي يشير إلى انخفاض حدة الضغوط المباشرة التي كانت تتهدد إيران وسوريا ولبنان.. وباقي الدول التي تستهدفها التغييرات الأمريكية.. ولا شك أن المقاومة المتنامية في العراق، والتي بدأت تأخذ أشكالاً أكثر تنظيماً واتساعاً، ستربك بشكل أكثر المخططات الأمريكية للهيمنة على المنطقة.. لا شك أن الواقع السياسي الفلسطيني يعاني حالة تبعثر وانقسام رغم مرور ثلاثة أعوام على اندلاع الانتفاضة، وإذا لم نستطع تصحيح أوضاع الساحة الفلسطينية بهدف تصليبها وتأهيلها لمواجهة أعباء المرحلة القادمة، فإننا بالتأكيد لن نستطيع تحويل إيجابيات محتملة قد تبرز في الواقع العربي إلى نقاط لصالحنا..
الحقيقة الأهم التي أبرزها العام المنصرم، تتمثل في تماهي حالة الانتفاضة واندغامها مع فكرة المقاومة.. فالانتفاضة لم تعد مجرد أسلوب أو شكل تتخذه المقاومة الشعبية في مرحلة معينة من النضال، بل أصبحت في مسارها الحالي، رغم كل الإشكالات التي قد تثار، تمثل روح ونبض مقاومة شعبنا للهجمة الاستيطانية - الكولونيالية التي يتعرض لها والتي تكاد تبلغ الآن ذروتها الوحشية.. أفضل برهان على هذه الحقيقة نجده في المحاولات الأمريكية - الصهيونية المشتركة، ليس فقط الهادفة إلى إنهاء الانتفاضة وإعادة الأمور إلى ما قبل 28 أيلول 2000، بل لإنهاء روح المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها وتصفية حواملها التنظيمية.. وتجريد الشعب الفلسطيني من كل عناصر قوته، وحصر كفاحه بالشكل التفاوضي فقط، والذي يخضع بالمطلق لموازين القوى، وبالتالي دفعه للقبول بما يُرمى له من فتات.. وهذا بالضبط هو جوهر مشروع خارطة الطريق وما تمثله فعلياً.. فهذه الخريطة ليست مشروعاً سياسياً بقدر ما هي خطة أمنية، وليس هذا فقط، بل هي تقلب رأساً على عقب منطق الصراع في المنطقة من كفاح يخوضه شعب مظلوم مقهور ضد احتلال استيطاني يطبق عليه، إلى صورة كاريكاتورية حيث الاحتلال في حالة دفاع ضد »إرهاب» الشعب الذي يناضل ضده.. طبعاً هذا الأمر يتناقض تماماً مع قوانين الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعوب بالنضال ضد الاحتلال.. بالإضافة لذلك نجد أن خريطة الطريق تعيدنا إلى تجربة أوسلو التي جربها شعبنا، حيث تدعو للتفاوض على قرارات الشرعية الدولية بدلاً من البحث عن آليات تطبيقها.. كذلك فإن هذه الخريطة تدخلت بشكل سافر في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني عبر الحديث عن تحديد قيادته، وشكل النظام السياسي الذي يجب أن يتبناه ونوعية الإصلاحات التي من المفترض أن يجريها.. الأخطر من كل هذا أن هذه الخريطة تلزم السلطة الفلسطينية بتفكيك البنى التحتية لما يسمى »بالإرهاب» والمقصود الفصائل الفلسطينية المقاومة، وهذا يعني أساساً تحميل السلطة عبء مهمة لم يستطع الاحتلال إنجازها على مدى أكثر من خمسين سنة. وطبعاً هذا لن يتم في حال الشروع فيه إلا عبر حرب أهلية فلسطينية.. والأكثر سخرية أن الثمن السياسي لكل هذا لا يتجاوز ترتيبات مؤقتة طويلة الأمد لن تطول سوى 40% من مساحة الضفة، أما البقية فستظل تحت الاحتلال، وتمتد سلسلة المطالب الصهيونية لتصل إلى حد اعتراف الجانب الفلسطيني بالطابع اليهودي للدولة، وهذا لا يعني تخلياً مسبقاً عن حق العودة فقط، بل تهديداً مباشراً لأكثر من مليون وربع فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة منذ العام 1948..
والسؤال الذي يبرز هنا.. إذا كانت خريطة الطريق بكل هذه المواصفات، وهي كذلك فعلاً، فكيف ولماذا قبلت بها السلطة الفلسطينية؟ هل كان ذلك تكتيكاً لكسب ود الأمريكيين؟ أم هي المراهنة بأن شارون لن يقبل بخارطة الطريق حتى لا يوقف الاستيطان، وبالتالي لماذا يتحمل الجانب الفلسطيني مسؤولية فشلها؟ حتى لو كان هذا صحيحاً، فمجرد قبول السلطة بخريطة الطريق أوقعها بورطة تلزمها بتنفيذ الشق الأخطر والمتمثل بتفكيك الفصائل الفلسطينية، وإذا لم تفعل، فإنها ستعرض نفسها لتهمة رعاية الإرهاب أو السكوت عنه، الأمر الذي يعطي تبريراً لكل عمليات الاغتيال الوحشية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كوادر الانتفاضة، لأنها تقوم بمهمة تقاعست عنها السلطة الفلسطينية بعد أن قبلت بها.. ألم يقل شارون إنه يساعد رئيس الوزراء الفلسطيني من خلال عمليات اغتيال كوادر الانتفاضة، لأنه يقوم بمهمة من المفترض أن تنجزها السلطة الفلسطينية.. لماذا نلوم الأوروبيين حين وضعوا معظم الفصائل الفلسطينية تحت قائمة التنظيمات الإرهابية، وسلطتنا الفلسطينية تندد بأعمال المقاومة وتصفها بالإرهاب؟!.. عند هذه النقطة سنجد أنفسنا أمام أبرز خطايا السلطة الفلسطينية والتي بدأت ترتد عليها ونقصد استعمال الكثير من الأمور تحت ما يسمى بسياسة الانحناء للعاصفة أو التكتيك، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالتصريحات.. بدأ الأمر بالتنديد بالعمليات الفدائية ووصفها بالإرهاب، لاحقاً لم تقتصر التنديدات على العمليات التي تجري في الأراضي المحتلة عام 1948، بل اتسع الأمر ليشمل العمليات التي تستهدف العسكريين الصهاينة والمستوطنين في الأراضي المحتلة عام 1967.. هل سمع أحد أن نيلسون مانديلا أو المؤتمر الوطني الإفريقي وافق على تجريد عناصره من سلاحهم قبل توصله إلى الحل الذي قاد مانديلا من السجن مباشرة إلى القصر الجمهوري؟.. عندنا في فلسطين الأمور تختلف، فاستسهال الأمور والانحناء للعاصفة يبرر كل شيء!!.. نقول هذا ونحن نشعر بالأسى لما وصلت إليه الحالة الفلسطينية وبالتالي بات من الضروري بل والحيوي أن نستخلص الدروس والعبر من الأخطاء التي ارتُكبت.. إن سياسة التنازلات كانت خاطئة تماماً، بل وأوصلتنا إلى مسالك خطيرة، كذلك الأمر بالنسبة للتفاوض مع القاتل شارون، ونحن بالمناسبة لم نترك أية فرصة تمر دون أن ننبه لخطورة ذلك، فسفاح صبرا وشاتيلا لم يكن يرى في المفاوضات إلا حقنة يخدّر بها الرأي العام الدولي ويقنعه إنه رجل سلام يحارب »العنف الفلسطيني» و»إرهابيين» أدانتهم حتى قيادتهم الرسمية.. من هنا حذرنا من استمرار التفاوض معه، باعتبار ذلك نوع من الانتحار السياسي، وخصوصاً حين يترافق ذلك مع سياسة الانحناء للعاصفة، التي كانت تفتح شهية القاتل للحصول على المزيد من التنازلات، وبالتالي تشجعه على ممارسة المزيد من الضغوط ونفخ العواصف للحصول على انحناء أكثر إلى درجة التركيع..
لكن تظل طاقات شعبنا الفلسطيني وقدرته على العطاء بلا حدود.. فرغم المشهد الصعب الذي عاشته الساحة الفلسطينية طوال الأشهر الماضية نتيجة ترافق الظروف الموضوعية المجافية مع البنية الذاتية الهشة والسياسات المذعورة، المرتبكة، إلا أن فلسطين تثبت يوماً بعد آخر إنها قادرة على العطاء بلا حدود، وإن انتفاضتها قابلة للتجدد المرة تلو الأخرى، لأنها تغرف من نبع لا ينضب، وهي لا تريد سوى قيادة تقف مع شعبها وتثق بقدراته وطاقاته، وتقوده بحكمة وشجاعة وسط العواصف التي تهب على منطقتنا.. قيادة تستعد للمرحلة القادمة بشكل صحيح هذه المرة، وهذا لن يتم قبل تصفية تركة المرحلة السابقة برمتها عبر تقييم ما جرى واستخلاص العبر والدروس منها.. وبدون ذلك لا يمكن القول أن هناك استعدادات جدية لمواجهة القادم وهو بالتأكيد أعظم وأخطر مما مضى..

 



#ماهر_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. مكتب محمد بن سلمان ينشر فيديو على قارب وينعى بدر ...
- السعودية تقتص من الغامدي بقضية وفاة شعيب متأثرا بطعنة آلة حا ...
- ماكرون يواصل -غموضه الاستراتيجي- تجاه روسيا
- أميت شاه: استراتيجي هادئ، يخشاه الجميع، وكان وراء صعود مودي ...
- عالم روسي يتحدث عن تأثير التوهج الشمسي
- مركبة كيوريوسيتي تكتشف ماضيا شبيها بالأرض على الكوكب الأحمر ...
- أسباب الرغبة الشديدة في تناول الجعة
- أيهما أسوأ، أكاذيب إسرائيل بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتل ...
- البيت الأبيض يعترف بأن المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في ...
- تقارير: لا اتفاق حتى الآن في مفاوضات القاهرة بشأن غزة والمنا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ماهر الطاهر - الانتفاضة تدخل عامها الرابع: لا خيار أمام شعب فلسطين سوى الصمود والمقاومة