مجيد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 12:09
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لقد حدد كارل ماركس في مؤلفه الهام (رأس المال) أسلوب الإنتاج الرأسمالي بثلاثة شروط، هي:
أولاً: أن المنتجين المباشرين لا يملكون وسائل الإنتاج، بل هم ملزمون ببيع قوة عملهم لمالكي وسائل الإنتاج، وهكذا يدخل طرفا المعادلة هذه في تناقض وصراع فيما بينهما.
ثانيًا: مالكو وسائل الإنتاج هؤلاء منظمون في إطار شركات منفصلة تتنافس فيما يبنها حول ميادين الاستثمار والأسواق والمواد الخام.. إلخ. وأن هذه المنافسة ستدفع بهم إلى الاحتكار، والانتقال بهذه المنافسة إلى مستويات متصاعدة.
ثالثًا: مالكو وسائل الإنتاج هؤلاء ملزمون بحكم هذه المنافسة فيما بينهم باستحصال أقصى فائض قيمة ممكن من المنتجين المباشرين، أي من العمال ومن هم في حكمهم. (= فائض التشغيل، أو فائض عمليات وفقًا لمصطلحات نظام الحسابات القومية للأمم المتحدةـ على وجه التقريب).
وذلك من أجل أن يراكموا مزيدًا من رأس المال في ظل أتمتة متعاظمة (=تطور تكنولوجي ـ معلوماتي)، وتشريك اجتماعي للعمل. وزيادة للتركيب العضوي لرأس المال، لصالح المجسَّد منه في وسائل الإنتاج، كالأبنية والآلات والمعدات والأجهزة والمواد الأولية والمعرفة بالانتفاع منه، مع تزايد الاغتراب عمومًا. في إطار هذه الشروط وفقاً لتأكيد كارل ماركس في مؤلفه (رأس المال)، وذلك قبل أكثر من مائة وثلاثين عامًا، فإن الرأسمالية ـ كما تنبأ ـ ستبسط هيمنتها على مزيد من البلدان (=النزعة العولمية للرأسمالية)، وستعجل في نشر رأس المال في كل زوايا الأرض. وستزيد من عدم المساواة بين فئات المجتمع الواحد، وبين الشعوب. وستقود إلى مزيد من التقدم التكنولوجي وفنون استخدامه، وكذلك إلى مزيد من الفساد السياسي، وإلى انحدار الثقافة وشيوع الوهن في المجتمع الحديث.
وأضاف كارل ماركس أن النقود ستغدو القيمة المكوّنة الذاتية لكل الأشياء، وستجرد العالم بأسره من قيمه الخاصة، بشرًا وطبيعة. إلا أنه ـ أي كارل ماركس ـ قد أشار إلى بديل مرتجى ينزع أساسًا إلى الحرية الإنسانية والعدل الاجتماعي، كما جاء في كتاب (مستقبل الرأسمالية) لمؤلفه الاقتصادي الأمريكي لستر ثورو.
هذا وقد ظهر من يميل إلى القول إن النظام الرأسمالي القائم لم يعد (رأسماليًا)، على النحو الذي سبق ذكره، مدعين تسميته بالرأسمالية الإداروية، مستندين في ذلك إلى التقنيات الكينزية (نسبة إلى الاقتصادي الإنجليزي جون كينز)، وتدخل الحكومات الرأسمالية لضبط بعض التوازنات، أو بالقول إن البناء الاقتصادي الجديد للرأسمالية، يقوم على عدة أسس أهمها ما يدعى بـ(الاقتصاد التكنولوجي) أو بـ(اقتصاد المعرفة)، إشارة إلى مدى تأثير التكنولوجيا والمعلوماتية على العمليات الاقتصادية، وضبط الاختلالات والتناقضات. ومحاولة المؤسسات الاحتكارية العابرة للحدود، لضبط العمليات الاقتصادية في إطار المؤسسة، وإجراءات الضمان الاجتماعي، فيما صار يعرف بدولة الرعاية الاجتماعية. وهذه الضمانات الاجتماعية قد أخذت تتآكل بفعل إجراءات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبلدان رأسمالية أخرى.
لقد حققت الرأسمالية نجاحات اقتصادية، وإن كان التراكم الرأسمالي في المراكز الرأسمالية، بجزء منه، مرتبطًا باستغلال الأطراف التابعة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال علاقات غير متكافئة، كما أحرزت الرأسمالية إنجازات هائلة في التقدم العلمي التكنولوجي (التقني) المعلوماتي وغزو الفضاء. وأدخلت كثيرًا من التغيرات في تجديد بنيتها العامة. كما جاء على سبيل المثال في كتاب (الرأسمالية تجدد نفسها) لمؤلفه الراحل د. فؤاد مرسي. وكان ذلك بحكم قوانينها الخاصة، أو بحكم المنافسة مع النظام الاشتراكي، والضغوط التي واجهتها عالميًا وداخليًا. فبفعل نضال الجماهير حققت الرأسمالية إنجازات أخرى هامة، مثل الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، وتأسيس المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية ومنظمات المجتمع المدني، والحرية النسبية للإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وعبر شبكة الإنترنت، والتعددية الدمقراطية للعمل الحزبي.. إلخ، وإن كانت الاستفادة الفعلية من هذه الإنجازات محكومة بالقدرة على التمويل، مما جعل ملايين الناخبين يعزفون عن ممارسة هذا الحق النظري.
ولكن بعد أن زال أخطر منافسيها ممثلاً بالتجربة الاشتراكية الأولى في الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، فقد تساءل بحق الاقتصادي الأمريكي لستر ثورو، بقوله فهل تطمئن الرأسمالية إلى مستقبلها؟ وهل وجدت سبيلاً إلى حل التناقضات العميقة المتأصلة فيها؟
يتضح لنا من وقائع تطور الرأسمالية، أنها أنتجت مجتمعات تتميز بسيادة القلة الثرية التي تتحكم بالمواد وبالبشر، وانتشار الفقر واتساعه باستمرار. وإن نسب النمو الاقتصادي فيها تتدنى أكثر فأكثر طوال العقود الأخيرة. والبطالة باتت مستحكمة وآخذة بالازدياد، والتفكك الاجتماعي يتوسع مع انتشار العنف والجريمة والتدهور البيئي. والأسواق المالية تضطرب بعنف منذرة بانهيارات كبيرة في العديد من البلدان، من جنوب آسيا مرورًا بروسيا وصولاً إلى البرازيل وغيرها. ومعدلات الأجور والمرتبات للغالبية من القوى العاملة والمتقاعدين تتدنى باستمرار ويتدهور المستوى المعاشي للجماهير الواسعة التي صارت تفتقد الخدمات الصحية والتعليمية.
والعجز في التعامل مع العالم الخارجي يتضخم في البلدان الرأسمالية التابعة بشكل خاص، المثقلة بالديون وفوائدها المتراكمة، مما يهدد الأسس التي تقوم عليها التجارة الدولية. لا سيما في ظل تدهور أسعار الصرف للكثير من العملات الوطنية مقابل الدولار واليورو. وقد جاءت عام 1999 بالعملة الأوربية الموحدة (اليورو) للحد من هيمنة الدولار الأمريكي، الذي لا شيء يعطيه شرعية الانفراد بأسواق البورصة والصرف والمبادلات التجارية العالمية، كما قال الفرنسي ميشال جوبير. والجديد في ظاهرة اليورو القوي أمام الدولار، أنها تبشر ببداية نهاية عصر القطب الأمريكي الأوحد وبزوغ علامات لنمو أكثر من قطب واحد في أوربا وآسيا وأمريكا اللاتينية المناهضة.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟