أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جباره - سنابل تحترق بصمت















المزيد.....

سنابل تحترق بصمت


سعاد جباره

الحوار المتمدن-العدد: 2099 - 2007 / 11 / 14 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


تتهامس رياح المساء بشيء من العتاب و القلق معا، تتهامس محدثة تلك الحركات المتناغمة، يخرج صوتها ليرد صداه في المكان، تتابع جولتها الليلية تنشئ حديثا ناعما هنا مع أوراق الشجر الملونة، تحركها ترقص معها، توقظها من نومها العميق بعد سقوطها على الأرض، تراقصها على الأرض وتحمل معها واحدة، يشتد الشجار بينهما حتى لتبدأ الواحدة منهن بملاحقة الأخرى، الأمر مع تلك الورقة مختلف، هروبها غير مجد، تهرب كيف وإلى أين؟! تتابع هربها حتى تهون قواها وتعود تسقط ثانية إلى الأرض، وترحل الرياح تاركة جسد تلك الورقة ساكناً كأنها تعطيها إشارة واضحة بأنها ملت اللعبة، أو أنها تريد الاسترخاء قليلاً قبل متابعتها ثانيةً، تتابع سيرها تاركة أسطح المنازل، أوراق الأشجار، أغصانها، لتقتحم الأبواب والنوافذ، وتعكر هجعة السرير وسكون الستائر، وتبدأ من جديد بلعبةً جديدة، تقفز في المكان، تداعب السرير، والخزانة، مساحيق التجميل، والعطر، وتحرك هجعة بعض الصور النائمة داخل ألبوم صغير بالقرب من السرير، تحدث ما يشبه الصفير، تحرك الصور تصفقها بعضها بالآخر كمن يغلق باباً بعد باب، يمر عليها سريعاً فيرى به ما تحمله من ذكريات، من أيام من أحلام، وتبتعد تاركة الصور وحدها، ترحل لتقف مشدوهة أمام ذلك الجسد الراقد على الكرسي تلك الساعة المتأخرة من الليل، هناك كان تجلس بعيون واسعة لا يعكرها النعاس، كأن النوم هرب من قاموس مفرداتها.
شيء يقض مضاجعها، يسرق النوم من بين جفونها، عيونها السوداء احتفظت ببريق الهي مميز، في تلك الحلكة من تلك الليلة، لم يكن لجلوسها أي معنى واضح، عيونها مفتوحة، وجسدها ملقى على الكرسي دون حراك، الهواء عاجز عن إلقاء نفسه بين أحضانها، لم يكن ليقبل الهزيمة، فراح يلفها بشيء من نفسه، يرقص مع خصلات شعرها، دق ناقوس أيقظ قلبها تلك الساعة، وعلا صوت المؤذن:" إذن فقد جاء صباح جديد، صباح انتظرته طويلا، جاء تراه يرحل كغيره؟" تلفظت كلماتها الأخيرة واتجهت تريد الوضوء والصلاة، ختمت صلاتها بيدين تتوجهان لله داعيتين متوسلتين، سارت بعد ذلك متجهة إلى غرفة ابنها، ينام ملاكاً في مهده، ترقد أعوامه الثلاثة على جبينه قبلة لم يتمها بعد، هذا العام هي بانتظار يوم ميلاده الثالث، أطلقت أمنية يشوبها الحزن والبكاء، تمنت لو أن وحدتها تكسر هذا العام ، كان أملاً حزيناً وأمنية باهتة، ربما أن التكرار جعل منها أكثر من قهوة صباحية، تقف أمام مهده تنظر وجهه، معالمه، يده الغضة، ترقبه كأنها ترى فيه انعكاساً لشخص آخر، بينما هو نائم غير مكترث بما تقوله عيونها، وما يجيش به قلبها، ولم ير الحزن في عينيها، أو ربما رآه لكن فهمه تعذر عليه، تنظر أغراضه، سريره، ألعابه، صوره، تلتصق بها حد التوحد: - "كم تشبه أباك يا طفلي، لكما نفس الابتسامة وذات النظرة المبهمة، لغة واحدة للحزن، كم تشبهه !! تمسك إحدى الدمى تحنو عليها كأنها أمٌ لها:- "لقد أحضرها والدك قبل ولادتك " كان يستمتع بقتل الوقت، باستباق الدقائق والساعات، يوم خطبتنا فعل الشيء ذاته، جاء ومعه الشيخ والشهود قبل أن يضع في يدي خاتماً، دائماً كان هناك ما يخاف حدوثه، ما يهرب منه ".
تشق الشمس طريقاً إلى صدرها، تضيء نافذة في قلبها، تغرس أملاً، تخرج تاركة له تلك الطريق يشق فيها أحلامه، تتركه ينعم بذلك الهدوء والسكون، وتحمل معها تلك الدمية وتبتعد مغلقة الباب، تقف حاملة الدمية موجهة نظراتها تجاه صورة زفافها المعلقة على الحائط الأبيض أثار فضولها، الابتسامة حرك فيها علامات الاستغراب:-" يوم زفافي كرر عليّ جملته تلك التي لا أنساها، لا اسقط منها حرفاً "ستكونين سجني الأخير الذي أحبه وأرضاه وأسعد به " لم أكن لأستغرب جملته تلك في وقتها فقد كانت جملة غزل مفعمة بالحياة، ومن جهة أخرى فقد كانت تقنعني بحياة أستقر فيها مع أسير سابق في سجون الاحتلال " يغريها الأبيض بالابتسام فقد حمل أليها ساعات سعادة مسروقة من حضن الخوف والترقب.
تدخل غرفتها ثانية، كأنها تهرب من الهاتف، من دقات الساعة، من عقاربها، وتلهو بالبوم الصور، كانا يبتسمان، صور زفافهما ، صور تبعت ذلك، صور طفلها في أيامه الأولى، كان يبلغ الشهرين من الزمن، التقطت له صورة مع أمه وأبيه، وقفت عليها واحدة واحدة، صمتت حزنت، في صوتها يقطن الشجن: "يوم ذاك، يوم بلغ الشهرين من العمر، ليلا بينما كان والده يداعبه يلهو وإياه، طرق الباب بعنف، ما هي إلا دقائق حتى اقتحم البيت، انتزعوا الطفل من بين ذراعيه كبلوا يديه، عصبوا عينيه ، رحل معهم، غادر، ابتعد ".
هناك وقفت ذاكرتها، هناك تحجرت معالم الإنسانية الصماء التي لم تسمع نحيبها، البكماء التي لم تجب توسلها، تذكر رحيلها بين الجمل والكلمات، بين الأماكن والأشخاص لتبحث عن مكانه، أين ذهبوا بحلمها الصغير، أين حط زوجها ؟ كم كانت تلك المعلومة عظيمة قبل الحصول عليها ، وكم بدت باهتة يوم حطت في آذانها ، يوم ذاك فكرت به ، طردت دمعة من بين جفونها، قامت تريد أن تعزي فيه الإنسان، لم تملك إلا أن تبعث له بعض الأغراض والحاجيات التي تلزمه في أسره ، بعثت له حبا وشوقا، فكرت به بكل ما يحب وأعادوا لها كل شيء ، لم تصله الحقيبة ، عادت تحت عبارة " غير مطابق للمواصفات " الحب مرفوض، وبث الأمل ممنوع ، التزمي ألوان محددة سوداء ، رمادية، تلك التي تبعث حزناً داخلياً عميقاً في النفس، رحلت الحقيبة ولم تصله فقد غيروا سجنه نقلوه من معتقل لآخر لم يصله حبها، لم تصله الحقيبة .
تترك ذاكرتها المتحجرة ، رسالتها الباهتة التي أثقلها عدم الوصول، وتلتفت إلى الساعة، إلى المفكرة اليومية ، إلى الهاتف مفردات لاحقتها طوال ثلاثة أعوام، غاب صوتها وبهت جمالها بين تلك المفردات : " دوما كنت انتظر يوما ما في شهر ما في عام ما لأعرف جديداً عما يحدث، رهن الاعتقال، رهن التحقيق ، ثم تمديد لمدة التحقيق، شهر شهرين ، الأيام تمضي سكاكين حادة، ولا شيء يحدث" دقت الساعة العاشرة صباحاً : " لم يحدث شيء ، لم يثبت شيء ، لم يكن هناك شيء ، لا أدري لكني أفهم تماماً ماذا يعني أن يحكم شخص تحت عبارة إداري" تنظر هنا وهناك تنتظر شخصاً ما : " انتظرت وفي كل مرة يصدمني الهاتف بالتجديد لمدة أخرى وأخرى وأخرى … يلف الصمت ملامحها فجأة أصبح عليها أن تكف عن ذلك ، اليوم نهار جديد، يوم عليها أن تزرع فيه أملاً وتنتظر، خرجت تتخذ من النافذة عيناً لها، عيونها السوداء تلتمع تحت ضوء الشمس ، والشارع ينام أسفل نافذتها غارقاً بأثقال البشر ، كانت تعلم أن مئات العيون تقف خلف النوافذ بانتظار قادم ما نظرت كان إلى جانبها ابنها يتخذ له مكان خلف النافذ يشاركها الشعور الذي لا يعرف النداء الذي لا يفهم ، يقف محلقا بعيونه إلى الأعلى حيث ترقص السماء بين جفنيه .



#سعاد_جباره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسلسل المتوحش الحلقة 32 على قصة عشق باللغة العربية.. موت روي ...
- اخيرا HD.. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 ( مترجمة للعرب ...
- مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر قناة الفجر الج ...
- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان
- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جباره - سنابل تحترق بصمت