لحسن أزكزاو
الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:13
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في مبادرة من المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية ،طرح حلا سلميا يضمن له السيادة على الصحراء بالمحافظة على السياسة الخارجية والعملة والعلم والأمن بينما يترك للصحراويين حرية التصرف في الموارد والثروات ويكون لهم برلمان وحكومة محلية وامتيازات أخرى يسيل لها اللعاب .
وإذا كانت العديد من الأوساط الدولية قد رحبت بالمبادرة المغربية معتبرة إياها منطلقا وأرضية لمفاوضات قد تفضي إلى حل يرضي جميع الأطراف بما فيها الجزائر، فإنه على العكس من ذلك لا يحظى بالدعم اللازم خاصة من لذن المغاربة الذين يعيشون تحت وطأة الإقصاء والتهميش والعزلة على جميع المستويات(البنية التحتية ضعيفة جدا،الخدمات الصحية ضعيفة جدا ،التعليم دون المستوى، الشغل منعدم ،الاسعار مرتفعة عن باقي المغرب....وهلم جرا.) .أقصد بالحديث هنا بالخصوص سكان المناطق الجنوبية الشرقية للمغرب ( اقاليم. ورزازات. الراشيدية .طاطا .زاكورة .فكيك. تيزنيت ....) والذين ينظرون بعين الريبة الى هذا الحكم الذاتي ما لم يتم تعميمه على سائر التراب الوطني. إذ لا يعقل بتاتا أن تحظى الأقاليم الصحراوية بكل هذه العناية والاهتمام ( الأسعار منخفضة عكس باقي المناطق ، التوظيف المباشر لشباب الصحراء .التعويض عن البطالة...) بينما تترك المناطق الأخرى في مواجهة غير متكافئة مع الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية والنقل و الكراء والماء والكهرباء والبطالة المتفشية والخدمات الصحية المتدهورةو...و...و.وتتجلى خطورة الوضعية الاجتماعية لهذه المنطقة أكثر إذا قارناها بما هو عليه الأمر في المنطقة الشمالية الغربية(جهات الشاوية ورديغة وسلا زمور زعير وفاس تاونات وعبدة دكالةومراكش تانسيفت...)والتي تتركز فيها المرافق الاقتصادية والخدمات الأساسية في البلاد بما يوفر الشغل لساكنتها ولو نسبيا،ونفس الشيءإذا قارناها بالمناطق الشمالية للمملكة والتي أصبحت بدورها في السنوات الأخيرة محط اهتمام النظام المغربي بإنشاء وكالة خاصة لتنمية هذه الأقاليم علها تنسي ساكنتها ما عانته من تهميش مقصود في العهد السابق.
إذا استحضرنا ما سبق يتضح لنا أن المنطقة الجنوبية الشرقية للمغرب هي الوحيدة التي لا زال المسؤولون المغاربة يصرون على إهانتها بتهميشها ، ليس لأنها غير نافعة وغير منتجة ، لا والله ،بدليل أن المنطقة تزخر بثروات طبيعية هائلة تتوزع بين المعادن النفيسة كالذهب والفضة والزنك ومؤهلات سياحية تحسد عليها ،لكن دون أن يستفيد السكان المحليون منها في التنمية المستدامة في جميع المجالات ،بل يرون بحقد وحسرة عائدات ثروات منطقتهم تستغل في تنمية المناطق الأخرى(الغرب والشمال والصحراء) . لذلك بات طبيعيا مقاطعة الأغلبية الساحقة من ساكنتها للعملية الانتخابية التشريعية الأخيرة ،ولا شيء يوحي بأنها ستشارك في استحقاقات 2009 ،في ما يمكن اعتباره رسالة واضحة إلى المسؤولين في الرباط فحواها واضح لا غبار عليه ":إن الوطنية ليست بالبطاقة الوطنية ولا ببطاقة الناخب ،بل هي التمتع بالحقوق والالتزام بأداء الواجبات" . وبالمناسبة،فمقاطعة الانتخابات ليست هي الرسالة الوحيدة إلى المسؤولين بل حرر سكان هذه المناطق رسائل عديدة على أرض الواقع وليس على الأوراق : هكذاوجدنا من السكان من رمى بالبطاقة الوطنية على وجوه أعضاء المكاتب الانتخابية، ومنهم من كتب عبارات التذمر والإحباط على أوراق الانتخاب عوض التأشير على رمز حزب ما ،ومن السكان من رفض تسلم البطائق الانتخابية ، ومنهم من تمنى عودة الاستعمار الفرنسي والاسباني،ومنهم من شد الرحال ،قبائل وعائلات ،الى الحدود الجزائرية طالبين مستعطفين اللجوء إليها، ومنهم من قرر الموت في البحر محاولا الالتحاق بأصدقائه في أوروبا. ألا تكفي كل هذه الرسائل لإثارة انتباه من يهمهم الأمر إلى واقع المنطقة؟ أليست كل الرسائل المذكورة دليلا باتا على أن السكان ضاقوا درعا بسياسة التهميش التي يعانونها عن سبق إصرار وترصد ؟
إن الحكم الذاتي إذا أريد له أن ينجح فلا بد من توفر شروط أساسية ألخصها في الآتي :
ـ الديمقراطية: وهي تبني نظام ديمقراطي حقيقي بسلط مفصولة وانتخابات نزيهة وحكومة حقيقية وبرلمان مشرع ومراقب للحكومة.
ـ التعميم: التنصيص في الدستور على تعميم الحكم الذاتي على كافة جهات المملكة حتى لا يظل امتيازا لجهة دون أخرى وحتى ينسجم مع النظام الديمقراطي بمعناه الشمولي .
ـ الدسترة : وهي التنصيص في الدستور على أن النظام المغربي نظام فيدرالي ديمقراطي.
ـ الإستفتاء : وهو أخذ رأي الشعب المغربي قاطبة في هذه التغييرات الجوهرية محمل الجد عبر تنظيم استفتاء حر ونزيه مع القبول بنتيجته كيفما كانت.
ختاما، ليس مقبولا أن يبحث عن حل لنزاع الصحراء وتتناسى (بتاء مضمومة)مطالب المنطقة الجنوبية الشرقية،لا لشيء إلا لأن جبهة البوليساريو وراءها قوى داخلية في الصحراء تسبب القلاقل للسلطة، وقوى خارجية تتبنى هذا الملف تحت ذريعة "حق الشعوب في تقرير مصيرها" وتنزل بكل ثقلها في المحافل الدولية لهذا الغرض ،إلا إذا كان في الأمر دعوة لسكان المناطق المهمشة للإقتداء بجبهة البوليساريو لنيل مطالبها . لا أعتقد ذلك.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟