علي عبد الرحيم صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2096 - 2007 / 11 / 11 - 11:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لكل شخص منا طريقة سلوكية لغوية خاصة به في التعبير عما يدور و يجول في مخزونه المعرفي و العقلي ، و هذه الطريقة ثابتة نسبيا ً بحكم عادة الشخص التي تحكمه في التعبير ، فالبعض قد يفضل أسلوبا ً مباشرا ً مرنا ً واضحا ً يشعرك بالارتياح عند التحدث معه ، و البعض تجده يلتف حول أمثلة معينة ليجد فيها مدخلا ً للحديث عما يريد أن ينقله من رسائل اتصالية ، و البعض الأخر نجده يتخبط و يتعثر في أفكاره و أسلوب حديثه و يراوح بيديه و كأنها مروحة على درجة Full دون أن تفهم منه شيء ، و بين هذا و ذاك فأن الوسائل التعبيرية التي يستخدمها بني الإنسان متعددة بتعدد الطرق التي يستخدمونها في تواصلهم ، فمنها اللفظية المتمثلة في الكلام و الكلام المكتوب ، و منها دون اللفظية المتمثلة في التعابير الحسية و الحركية و المظهر العام و لغة الأعراض ، مثل رفع الحاجب إلى الأعلى تعبيرا ً عن الدهشة و التعجب ، و احمرار الوجه تعبيرا ً على الخجل أو الغضب ، و عض الشفاه تعبيرا ً عن الحسرة و الألم ، و غض البصر و أبعاده تعبيراًً على الزعل و الخصام أو عدم الرغبة في الحديث و التواصل ، أو أبقاء النظر متواصل عبر العيون تعبيرا ً و دليلا ً على الحب و الاهتمام و الألفة .
ما هي لغة الأعراض ؟
تعد لغة الأعراض من وسائل الاتصال الغير لفظية ، التي نتمكن بواسطتها أن نرسل رسائل إلى الآخرين عما نحسه أو نعانيه من ألم و حسرة دون أن نجرح كرامتنا و اعتزازنا بذاتنا ، فالشعور بالإحباط و الحزن و الألم الذي يسببه لنا شخص حبيب و عزيز على قلوبنا كما في حالات ( الزعل ) و الخصام ، كثيرا ً ما يتحول إلى مرض جسمي نشكو منه و نعانيه لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر ، و كأننا نشتكي أليه ما الم بنا و ما تسببه لنا من ألم و فراق ، و لكن بوسيلة غير مباشرة ، دون أن تجرح كبريائنا .
أن لغة الأعراض لغة مشتركة بين البشر ، و تتفاوت من فرد إلى أخر و من جنس إلى جنس ، و من مجتمع إلى مجتمع أخر ، كما أنها لغة مشتركة بين الدوافع اللاواعية و شبه الواعية ، تعبيرا ً عن مواقفنا و مشاعرنا وعن خبراتنا الذاتية ، فالأعراض التي نقاسيها ليست ألا رسائل اتصالية تعبيرا ً عن مخاوفنا من فقدان الأخر و في نفس الوقت لومه و تحميله مسؤولية ما أصابنا من جرح ، و كأننا نتودد إليه و نرجو منه مراجعة الموقف المزعج الذي حدث فيه ( الزعل ) رغبة في إرجاع المياه إلى مجاريها و سابق عهدها ، و لكن في الوقت نفسه لومه و عتابه بسبب ما حدث له معاناة .
أن لكل غرض دافع ، كما أن لكل رسالة محتوى ، وللغة الأعراض عدة محتويات أساسية و حالة ( المرض ) مثالاً على ذلك، تتقسم محتويات لغة الأعراض الاتصالية إلى ما يلي : ــ
1 . محتوى وظيفي ( معرفي ) : و هو محتوى يعبر و ينقل بصورة غير مباشرة معلومات منطقية أو غير منطقية عما يحمله الشخص من أفكار و معلومات تتعلق بشأن الموقف المزعج الذي أصابه ، و قد تكون هذه الأفكار عبارة عن حجج و أسباب يتخذها الشخص في الدفاع عن موقفه أو الظلم الذي أصابه .
2 . محتوى عاطفي : وهو محتوى يعبر فيه الشخص عن مشاعره و الانفعالات التي يوجهها إلى الشخص الأخر موضع الخصام و الزعل ، و فيه يركز الشخص مشاعر الحزن و الصراع الذي يعانيه و يتألم بسببه .
3 . محتوى رمزي : يتمثل هذا المحتوى بالأعراض التي يظهرها الشخص للأخر ، فمرض الأنفلونزا المصاحبة بارتفاع درجات الحرارة و زكام الأنف و صداع الرأس و ارتعاش الجسم و ضعفه ، ما هي سوى محتويات رمزية ينقل بها الشخص ما أصابه أو حل به من غبن ، نجمت عن ضعف مناعته الجسدية ، بسبب ما عاناه من إحباط . فالمادة اللاشعورية المكبوتة بسبب الموقف الذي عاناه الشخص تحول إلى أعراض نفس ــ جسمانية كطريقة للحديث و الكلام إلى الأخر موضع الخصام .
لغة الأعراض بين المصارحة و الكتمان
نجد مما سبق أن لغة الأعراض حالة اتصالية ، معرفية ، انفعالية ، رمزية ، ينقل بها الشخص ما أصابه أو حل به من خبرات مؤذية نتيجة موقف مزعج ، إلى الشخص الأخر موضع الحديث أو النزاع .
تعد لغة الأعراض لغة مقاربة إلى الكتمان ، و نقول مقاربة إلى الكتمان لأن الشخص رغم التكتم الذي يحتفظ به ، نجده يعبر عنه بطريقة غير مباشرة و صريحة ، أي كتمان ينقصه الضبط و التحكم ، و الكتمان مضر على صحة الشخص النفسية و الجسدية ، فمثلا ً الطاقة التي تنبعث منا جراء موقف أثار فينا الغضب بسبب موضوع أو حادثة ما لا نقدر عليها ، فأن هذه الطاقة التي تبعثها أجسادنا لا تذهب ألا في أعضائنا و عضلاتنا و خلايانا العصبية ، الأمر الذي يصيبنا بالمرض و الإعياء و التعب .
عكس ذلك ما نجده في المصارحة و التي تعني أن يكشف الشخص عما يعانيه في صيغة من العتب الجميل الغير مشحون بانفعالات حادة و أفكار سوداوية ، فالصراحة غير مؤذية بحد ذاتها ، أذ أن الصراحة التي لا تحمل انفعالا ً حادا ً وردا ً قاسيا ً هي دائما ً مقبولة و تحمل في دواخلها مشاعر الحب و الود و التقرب و الاهتمام ، و تجعل من المشاعر و العلاقات أشد في تماسكاً و أكثرها قوة و متانة من سابقتها ، شرط ألا تكون المصارحة هدامة ، تتصادم مع الآخرين و تجرح كرامتهم و أحاسيسهم و النيل من قيمة ذاتهم .
أذ ليس هنالك أجمل من مشاعر الحب و رقة الإحساس و رهافة المشاعر المتبادلة ، بيننا و بين الآخرين ، بعيدا ً عن التعالي و التكبر و الغرور .
#علي_عبد_الرحيم_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟