أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - محمود نمر موسى - عَودة إلى الأرض المقدسة:كيانان فاشلان بحاجة لنموذج جديد















المزيد.....



عَودة إلى الأرض المقدسة:كيانان فاشلان بحاجة لنموذج جديد


محمود نمر موسى

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:46
المحور: ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
    


الأرض المقدسة:

ما العمل؟ لماذا لم تنجح خطط بلا عدد وحروب مستمرة ومفاوضات بلا نهاية في تقسيم الأرض التي بين البحر والنهر و تحقيق العدل والسلام؟ هل أنّ هذه الأرض لا يمكن تقسيمها؟ متحديةًًًًً ظلت هذه القطعة الصغيرة من الأرض في رفضها أن تقطّع إرَباً. وكأنها أرادت أن تبرهن على حكمة أحد زعماء السكان الأصليين في أمريكا الشمالية، الذي عندما طلب منه الرئيس الأبيض التفاوض حول تقسيم الأرض أجاب: "الأرض ليست ملكاً للإنسان كيما يقسمها".

هناك العديد من الأسباب التي تجعل التقسيم غير ممكن:

1.الهوية والتاريخ الميثولوجي للفلسطينيين واليهود يرتكزان على المساحة الكلية للأرض. ولا يمكن لأي طرف منهما أن يقبل إلى الأبد ان يبقى محروماً مما يعتبره وطنه.
2.المزيج الديمغرافي: 450,000 يهودي يعيشون في"مستوطنات" على أراضٍ احتلت عام 1967 . و 1,25 مليون فلسطيني يعيشون داخل خط الهدنة المرسوم عام 1949. علماً أن معظم اللاجئين الفلسطينيين كانوا طردوا من أراضٍ داخل خط الهدنة.
3.نظراً للجغرافية وتوزيع السكان، فإنه لا يمكن رسم أي حدود. كما أنه لا يمكن
تقسيم القدس والأماكن المقدسة، فهذه مشكلة معقدة للغاية.
4. المصادر الطبيعية الشحيحة، خاصة المياه، في قطعة من الأرض صغيرة إلى هذا الحد، لا يمكن تقسيمها وستبقى مصدر توتر.
5. الاقتصاد والتجارة والقوى العاملة متداخلة.
6. الشرعية السياسية القانونية: الدول القائمة على العِرقية بدلاً من المواطنة دول تمارس التمييز وتخرق القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان.

إن كل هذه البقعة من الأرض، في هذا الوضع الراهن، هي كيان واحد بحكم الواقع. إنها جغرافية واحدة، بموارد مشتركة وديمغرافية مختلطة واقتصاد مشترك. غير أن فيها الآن فرقأً شاسعاً في القوة السياسية والثروة الاقتصادية وفي توزيع الموارد، إضافةإلى إنكار حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. لا يمكن تحقيق السلام إلاّ بمعالجة اختلالات كتلك، وهذا ما نعمل من أجله.

هاكم ما قاله في هذا المعنى Meron Benvenisti في العدد 99 من الدورية Challenge ، سبتمبر-أكتوبر 2006.

"ما لدينا الآن على الأرض هو واقع ثنائي القومية، ولا فكاك من ذلك. الضغوط الديمغرافية والموارد الاقتصادية المحدودة التي على الجميع أن يتقاسموها والفجوة الاقتصادية الضخمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، كل ذلك يجعل من حل الدولتين أمراً مستحيلاً. لقد بدأ العديد من الفلسطينيين يرون أن لا مجال لدولتين. الخطوة التالية هي أن يقولوا،’ضمونا! نريد حقوقاً مدنية!‘ حينئذٍ يبدأ النضال الكلاسيكي لتحقيق المساواة".

المطالبةبهذا الحل لهذا النزاع، يجعل النضال نضال قيم لا صراعاً على بقعة صغيرة من الأرض. إننا نختار الإنسان والمجتمع بدلاً من الدول، والتضامن بين الأعراق بدلاً من العصبيات القومية والدينية، وأن نكون و نصير بدلاً من أن نحوز و نجمع. خيارات مثل هذه كانت على الدوام متاحة للإنسانية لتأخذ بها.

دعونا نخاطب أولئك الذين يقولون أننا حالمون غير واقعيين:

ماذا لدينا غير التاريخ يخبرنا كيف ستجري الأحداث؟ كلما فشل المستعمرون في إبادة السكان الأصليين، انتهى بهم الأمر إلى أن يكونوا في كيان سياسي واحد. ولن تكون
فلسطين استثناء. لقد تخلصت الإنسانية أثناء تقدمها الواضح، وإن لم يكن مضَّرداً، نحو الكمال الأخلاقي من العبودية وسوف تقضي على الاستعمار والإمبريالية. ومن المشجع أن الفترات من التاريخ التي تتناوب فيها غلبة المستبد وغلبة الجماهير العريضة، والتي تمتد عادة قرابة 30 سنةً، صارت منذ وقت قريب إلى فترة مؤاتية للجماهير.

ثم أنتم أيها "الواقعيون" إلى أين قادتنا واقعيتكم؟ ألم تتعلموا من التاريخ درساً أنه لا طرق مختصرة في الكفاح من أجل التقدم الأخلاقي وحقوق الإنسان؟ أيّ حل لديكم لهذا الصراع؟ الحقيقة هي: أنتم ليس لديكم حل بديل.

دعونا نخاطب الفلسطينيين:

لقد تصرفنا باستمرار بردود الأفعال بسبب حالة الاستعجال التي نعيشها منذ عقود. علينا أن نخطط لما نريد على المدى البعيد، وبشكل جمعي كأمة، بما في ذلك أولئك الذين في فلسطين التاريخية والذين في الشتات.

يحكى أن امرأتين كل منهما تزعم أنها الأم الحقيقية لطفل من الأطفال احتكمتا إلى قاضٍ حكيم. وعندما حكم القاضي بأن يشطر الطفل وتعطى كل امرأة نصفاً، رفضت الأم الحقيقية القرار.

في عام 1947، رفضنا مثل أم الطفل الحقيقية، أن تقسم الأرض. ولكن أولوية القاضي لم تكن لا مصلحة الطفل ولا مصلحة المرأتين، ما كان يهمه هو مصلحته. ما لدينا الآن هو كيان واحد بحكم الواقع، وإن يكن فيه تباينات شاسعة بين العرب واليهود. لماذا يجب علينا أن نقبل تقسيم الأرض؟ وهل يضير الطفل أن يكون له أكثر من أم واحدة؟

لقد بالغنا في التركيز على دور "الدولة" في حياتنا في وجودنا الجمعي وأهميتها لرفاهنا كشعب. بدلاً من على الدولة، لا بد أن يكون تركيزنا على الوطن والمجتمع. التركيز هكذا على الدولة سوف يقودنا إلى تقديم تنازلات ضارة بوجودنا كشعب. إن القبول بدولة ضمن حدود 1967، حتى مع إزالة جميع المستوطنات، وهو ما لن يحدث، سوف يحرم أكثر من ثلثي شعبنا من وطنهم. قبول كهذا سيتركنا في مواجة السؤال المنطقي الذي يسأله كثيرون في العالم: إذا كنتم تريدون دولة قائمة على أساس عرقي لأنفسكم، فلماذا تنكرون ذلك على اليهود؟

دولة كهذه ستكون شحيحة الموارد ومعتمدة على المصادر الأجنبية لبقائها. ومع الاختلال في موازين القوى مع إسرائيل، فإن دولة كهذه لا يمكن أن تكون مستقلة، ولن تحصل على حصة مناسبة من الموارد الشحيحة، كالمياه والتجارة والاقتصاد والقوة العسكرية. وجود كهذا يعيد إلى الذاكرة قول Rafi Eitan عام 1983، وكان حينذاك رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي وهو الآن قائد أحد الأحزاب في الكنيست:"عندما نأخذ الأرض، سنترك الفلسطينيين كصراصير في زجاجة".

يعرِّف علم السياسة دور الدولة بأنه تقسيم ما له قيمة بين السكان، سواء أكانت تلك القيمة سياسية أم اقتصادية. ومع تزايد شح القيمة، يصبح الصراع الداخلي أشد ضراوة. هذا يفسر الفساد والصراع على الموارد السياسية والاقتصادية والضعف الناتج في النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا منذ تأسيس "السلطة" بناء على اتفاقيات أوسلو. ألم نكن أفضل حالآً اجتماعياً واقتصادياً بدون هذه السلطة الوهمية؟ ألا يثبث هذا صحة القول:"لا يمكن هزيمة الشعب، أما الدولة فيمكن هزيمتها".

انشغالنا ب"الدولة" حدّ كثيراً من اتصالنا بالشعوب العربية. فقادتنا يخاطبون الحكومات بدلاً من الشعوب. وَهْم الحكومة هذا جعلنا نغفل أن زكاة أموال ثلاثة من أثرياء العرب تعادل ميزانية السلطة الفلسطينية؛ بينما يقوم شبابنا ببناء سور الفصل العنصري والمستوطنات من أجل البقاء. ولقد ساهمنا بفاعلية في صناعة ثروات أولئك الأفراد.

إن علينا كشعب أن نعيد الاتصال بالعالمين العربي والإسلامي والقوى الشعبية في أرجاء العالم. ويجب أن نبين دائماً أن هذا الصراع هو صراع السكان الأصليين ضد الاستعمار والإمبريالية. يجب أن لا يرى العالم هذا الصراع على أنه بين شعوب و ديانات. يجب أن يكون لنا أهداف تشاركنا فيها الغالبية العظمى: حقوق الإنسان والمساواة؛ ومحاربة كل أشكال التمييز العنصري؛ ومناصرة الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن المنظمات التي تقوم على الأيدلوجيات(القوميةأو الإسلامية أو الليبرالية أو الماركسية) تجلب الفرقة والضرر.

إننا الآن نتساءل عما إذا كان من مصلحتنا أن نطالب السلطة بحل نفسها أو أن تحصر عملها في الخدمات الأساسية. لا بدّ من إصلاحات كبيرة في منظمة التحرير الفلسطينية أو أن تستبدل بمنظمة جديدة. ومنظمة كهذه يجب أن تمثل كل الفلسطينيين ديمقراطياً وألاّ ترتكز على الفصائل. كما يجب فتح باب العضوية فيها لليهود تمهيداً لدولة ديمقراطية لكل من يعيش على أرض فلسطين التاريخية وللاجئين.

فلنستمع لقولين في خصوص حل هذا النزاع، أحدهما لفلسطيني والآخر لإسرائيلي. الأول للمفكر الراحل إدوارد سعيد الذي كتب في جريدة الأهرام المصرية مقالاً بعنوان: البديل الوحيد.

" الحقيقة التي لم نولها الاهتمام الكافي هو أنه لمناوأة الفكر الإقصائي الصهيوني، لا بد لنا من تقديم حل للنزاع يقوم، كما قال مانديللا، على التركيز على الإنسانية المشتركة بين اليهود والعرب. شعبان في دولة واحدة. أو، المساواة للجميع. أو، صوت واحد لكل شخص. أو، الإنسانية المشتركة معتمَدةً في دولة واحدة."

القول الآخر لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، الذي قال في عدد 19 شباط/فبراير،2004 من جريدة هاآرتز:

"ليس لدينا وقت بلا حد. فالفلسطينيون غير المهتمين بحل الدولتين عن طريق المفاوضات في تزايد، لأنهم يريدون تحويل جوهر الصراع من نموذج جزائري إلى نموذج جنوب إفريقي. من نضال ضد "الاحتلال" حسب قولهم، إلى نضال من أجل صوت واحد لكل شخص، وهو نضال أكثر شعبية، وفي النهاية أقوى. بالنسبة لنا، هذا يعني نهاية الدولة اليهودية".

نقول لليهود في كل مكان:

دعونا ننظر فيما لديكم الآن وما يمكن أن يوفره لكم حل "الدولة الديمقراطية الواحدة".

إن إسرائيل ككيان سياسي كانت تجربة فاشلة. لقد فشلت في اجتذاب اكثر من ثلث يهود العالم لأن نوعية الحياة التي تعيشها الغالبية العظمى حيث هم أفضل. وبدلاً من أن تكون إسرائيل عوناً ليهود الشتات، فإنها لا تستطيع العيش بدونهم؛ لقد أصبحت عبئاً مالياً وأخلاقيا على اليهود.

لقد فشلت إسرائيل في أن تكون مستقلة لأنها لا تستطيع البقاء بدون الدعم المالي والعسكري والسياسي من الولايات المتحدة. لقد أصبحت ملحقة بالولايات المتحدة في مسعاها للهيمنة على العالم واضطهادها واستغلالها للشرق الأوسط وموارده. وفي سبيل ذلك، شنت إسرائيل الحروب وسببت ما لا يوصف من المآسي لشعوب المنطقة. هل يمكنكم الاعتماد على دعم الولايات المتحدة الدائم. لقد بدأ الحديث، حتى في الجناح اليميني في الولايات المتحدة عن أن إسرائيل صارت عبئاً. الولايات المتحدة إمبراطورية في طور الانهيار؛ هل يمكنكم الاعتماد على أنها ستبقى قادرة على المحافظة على أطراف إمبرطوريتها؟

إن إسرائيل باعترافها و"قوانينها الأساسية" دولة عنصرية وغير ديمقراطية بسبب تمييزها الواضح ضد الفلسطينيين، السكان الأصليين. كما أن إسرائيل فشلت في توفير حياة رغدة لسكانها. ففي دراسة علمية دقيقة لنوعية الحياة أجراهاMercer Human Resources Consulting على 215 مدينة رئيسية في العالم باستخدام 39 معياراً صنفت تل أبيب، المدينة الإسرائيلية الوحيدة ضمن الدراسة، في نفس المستوى مع مدن في العالم الثالث مثل بانكوك و ساو باولو. أكثر من ثلث الاطفال الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر، النسبة الأعلى بين الدول الصناعية. وحسب بنك إسرائيل المركزي، فإن الفقر ازداد أكثر من 50% في السنوات الخمس الأخيرة.

في العنف المدرسي لا يسبق إسرائيل إلا الولايات المتحدة. يقال أن لديكم رابع أو خامس أقوى جيش في العالم، وأكثر من 200 قنبلة نووية؛ ولكن على الطفل أن يأخذ سكينته مع ساندويشته إلى المدرسة؛ فهل يمكن لقنابلكم النووية أن تحميه من أقرانه؟ إسرائيل كيان فاشل. فقد صنفت منظمة الشفافية الدولية إسرائيل كواحدة من أكثر الدول الصناعية فساداً، بسبب ممارسات نخبكم السياسية والاقتصادية.

ألم تجعلكم إسرائيل تغيرون دوركم في تاريخ الإنسانية من قوة من أجل التقدم الأخلاقي وحقوق الإنسان إلى ملحق بالقوة العالمية الأكثر عدوانية وظلماً.

فلنتذكر أنه في ذروة الحرب الباردة في الولايات المتحدة عندما حاولوا أن يجدوا أحداً يضحون به لإسكات القوى التقدمية، وجدوا اثنين من اليهود،Julius و Ethel Rosenberg وأعدموهما بتهمة الخيانة بناء على أدلة غير مقنعة ، واهية.

ولنتذكر أيضاً اليهوديين، Andrew Goodman و Michael Schwermer ، وهما من المحاربين ضد الفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة، اللذين اغتالتهما القوى العنصرية مع رفيقهما الأسود عام 1964. هل أنتم كما في الأغنية التي كتبت عن :Goodman "He Is My Brother" (إنه أخي)، أم أن إسرائيل جعلتكم إخوة و أخوات لذلك النيويوركي الآخر،Baruch Goldstein؟ كم غيرت إسرائيل من دوركم في تاريخ الإنسانية!

إلى اليهود الذين كانوا حتى عهد قريب في مقدمة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا: ألا تتذكرون كيف احتضنت إسرائيل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا حتى النهاية، متبادلة معه تكنولوجيا صناعة القنابل النووية، إضافة للتعاون الاقتصادي والسياسي. وبأي معيار موضوعي، فإن سياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين هي أسوأ بكثير مما مارسته جنوب إفريقيا ضد السكان الأصليين السود. إننا ندعوكم لتجاوز العِرقية وأن تستحضروا إنسانيتكم.

إننا نسأل اليهود في كل مكان: ما هي الصفة الرئيسية لإسرائيل. هل هي حقاً اليهودية؟ من الذي يسيطر على إسرائيل من القمة إلى مستوى مدير مدرسة ابتدائية؟ ليسوا خريجي المدارس التلمودية (Yeshiva Schools )، ولكن خريجو المؤسسة العسكرية. صفة إسرائيل الرئيسية هي أنها دولة عسكريةاستعمارية، مرتزقة. ضمن إخفاقاتها الكثيرة، هل أخفقت إسرائيل في أن تكون دولة يهودية؟

هل أنتم كما أرادتكم اليهودية: "نورٌ على الأمم"، أم أنكم أصبحتم ناراً على الأمم. قد تكونون كسبتم قطعة صغيرة من الأرض، ولكن هل خسرتم روحكم، إنسانيتكم؟

لنرى البديل الذي يمكنكم الحصول عليه في نظام "الدولة الديمقراطية الواحدة مع المساواة للجميع".

يمكن أن يكون لكم عيش بسلام بدلاً من وجود ِلقتال. حتى لو صرتم أقلية، فستحصلون على ضمانات بأن تكونوا أقلية محمية تديرون بأنفسكم شؤونكم الخاصة كالدِّين و الثقافة. ويمكن للدولة أن تكون وطناً روحياً وثقافياً لكل يهود العالم. إذا كنتم، كما تقولون، تريدون العودة للوطن، فإنه، إذن، يلزمكم أن تعودوا جسداً وروحاً. إلاّ أنكم بالجسد لا الروح جئتم. ليس بالروح بل بالسيف جئتم. سيف الاستعمار والإمبريالية. الأوروبيون ميزوا ضدكم لأنهم اعتبروكم شرقيين أدنى منهم. الآن "تعودون" وتقولون لمن في الشرق:"نحن أوروبيون وأرقى منكم"، كفى هزلاً!

دعونا كلانا ننحي الانتهازيين منا الذين لا ولاء عندهم لأحد إلاّ لأنفسهم.المحافظين الجدد-الاستعماريين الجدد منكم، والانتهازيين منا التواقين إلى أن يكونوا مدراء سجن يسمونه دولة.

إن دولة ديمقراطية واحدة كالتي وصفنا، تعيش في سلام مع الشعوب حولها، سيكون لها سوق اقتصادية كبيرة مفتوحة. دولة كهذه يمكن أن تكون جسراً اقتصادياً وثقافياً بين الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية. حينئذٍ يجوز لكم أن تكونوا مرة أخرى نوراً على الأمم. إلى الذين يقولون إن العرب واليهود لا يمكنهم أن يتعايشوا وكأن هناك شيئاً متأصلاً يمنعهم من العيش بسلام نقول قولكم هذا خاطىء وساخر. إن المسلمين والمسيحيين واليهود عاشوا معاً وازدهروا منذ وجدت هذه الأيان وحتى قدوم الاستعمار إلى المنطقة. الكثير من المؤرخين يعتبرون أن العصر الذهبي لليهود كان في إسبانيا حيث حكم المسلمون قرابة 800 عام. وعندما حل الكاثوليك محل الحكم الإسلامي، ذهب اليهود إلى دول إسلامية أخرى مثل المغرب وتركيا. وحتى إبان فترة الانتداب البريطاني قبل 1948 ورغم المحاولات الصهيونية لفصل اليهود عن الفلسطينيين، فإن آلافاً من العمال عملوا جنباً إلى جنب في المصافي وسكك الحديد والمؤسسات الحكومية دون عنف ذي بال. لم ينشأ العنف إلاّ بعد قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة في 29 تشرين ثاني/نوفمبر، 1947. التقسيم هو الذي أدى إلى العنف وليس العكس.

كلانا خبرنا التجربة نفسها في التشرد والاضطهاد والتمييز ضدنا. دعونا نُرِ العالم المعدن الذي منه صنعنا. يمكننا أن نكون مثل تمثالين صغيرين مصنوعين من ذهب عند طرقهما تنبعث منهما موسيقى جميلة. بوسعنا أن نري العالم قدرة النفس الإنسانية على قهر الصعاب. دعونا نكون معاً في جوقة من الموسيقى الجميلة. هذا خيار يمكن أن نأخذ به بدلاً من هذا الوضع الذي يحزن الجميع.

فلنعجل قدوم يومٍ يجلس فيه جد يهودي وجد فلسطيني مع حفيديهماعلى جبل الكرمل، حيث يتأمل الأربعة البحر في سعته وجماله؛ كل جد يحدث حفيده عن تاريخ وبطولات شعبه، بينما يكد الأبوان معاً متساويين متضامنين.

نقول لأوروبا:

هذا الصراع من نتاجكم. ومن واجبكم الأخلاقي أن تحلوه. كما أن لكم في ذلك أيضاً مصلحة مباشرة اقتصادياً وإستراتيجياً. الصهيونية وإسرائيل نتاج أيديولوجي أوروبي. فإننا لا نقرأ في كتابات ثيدور هيرتزل لا موسى ولا ابن ميمون. إننا نقرأ هيجل في حديثه عن "روح الأمة" و "الدولة الأمة كتجلٍّ لإرادة الله".

كما أن الصهيونية هي تجلٍّ للفكر الأوروبي الاستعماري الذي ساد في أوروبا في القرن التاسع عشر. فإن الامم الأوروبية الأخرى كلها تقريباً خرجت تستعمر بقعة من بقاع الأرض؛ وفي ذهنهم أن أي أرض سكانها غير أوروبيين هي فارغة مجازاً ويتوجب أن تكون متاحة للأوروبيين. فلماذا، إذن، لا يكون الأمر نفسه لليهود؟ هذه التركيبة من أيدولوجية "أمة واحدة في دولة واحدة" والحركة الإستعمارية بتوجهاتها العنصرية والتفوقية تجاه غير الأوروبيين هي ما أوحى لليهود الأوروبيين أن ينطلقوا في مغامرة استعمارية. فلو أن الصهاينة كانوا "يعودون للوطن"، فلماذا انتظروا 19 قرناً، ولماذا حتى ذروة القومية والإستعمارية الأوروبية. وإنكم إذ تجاوزتم هذه المرحلة من نموكم، لماذا تواصلون تأييد إسرائيل، وهي دولة أوروبية متحجرة في القرن التاسع عشر. إنكم لا تقبلون أن تقام دولكم على العِرقية بدلاً من المواطنة، وقد قطعتم شوطاً كبيراً نحو إقامة "دولة عليا"(superstate) متعددة القوميات. وفي نفس الوقت تستمرون بتأييد دولة هي باعترافها لليهود فقط، وفيها تممييز مؤسَسِيّ ضد الديانات والقوميات الأخرى. ألا تتذكرون القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين حين سادت القومية، وكيف كان ذلك سبب حروب مستمرة تقريباً؟ فلماذا إذن تستمرون في تأييد القومية المتعصبة وحروبها المستمرة؟ بدون دعمكم الكامل؛ خاصة البريطاني والفرنسي والألماني؛ ما كانت إسرائيل لتقوم وتستمر. هنالك كانت بريطانيا واتفاقها التآمري بين مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو عام 1916 لتقسيم العالم العربي بينهم. وتبع ذلك إعلان بلفور عام 1917 ومؤتمر باريس عام 1919، وخططه لإنشاء إسرائيل، من أجل، كما قال ونستون تشرتشل،"حماية قناة السويس، خط الحياة العظيم لإمبرطوريتنا."

بدلاً من القيام بما كلفتها عصبة الأمم به من مساعدة الناس في العالم العربي على إقامة دولتهم، عينت بريطانيا بين عامي 1920 و 1925 الصهيوني المعروف هربرت صامويل مندوباً سامياً في فلسطين، والذي قام بتأسيس نواة الدولة اليهودية بمؤسسات إدارية ومالية وتعليمية وعسكرية للصهاينة فقط، بمعزل عن تلك التي للسكان الأصليين. واستعملت الحكومة البريطانية كل قوتها العسكرية لقمع أي احتجاج ضد هذه الإجراءات وواصلت تسهيل هجرة الصهاينة وتقوية مؤسساتهم.

وقدم الألمان والنمساويون دعماً مالياً ضخماً لهذه الدولة ساهم مساهمة حاسمة في بقائها.

أماالفرنسيون،فبالإضافة لمؤامراتهم مع البريطانيين، فقد بنوا الأسلحة النووية الإسرائيلية التي ما تزال تهدد المنطقة بأسرها والسلام العالمي.

إن الصراع الحالي إذا لم يحل فسيستمر مصدراً للتوتر بينكم وبين العالمين العربي والإسلامي. إن من مصلحتكم أن يحل السلام الدائم في المنطقة وأن تتطور اقتصادياً. إن في هذا مصلحة اقتصادية لكم لأن المنطقة هي شريكم الاقتصادي الطبيعي نظراً لقربها.

من أجل تلك الغاية ندعوكم لأن تفصلوا سياستكم تجاه الشرق الأوسط عن سياسة الولايات المتحدة تجاهه. لأنه إضافة لمصالحكم الاقتصادية والإستراتيجية، فإن هناك فروقاً ثقافية كبيرة بين أوروبا والولايات المتحدة جعلت من يدرسون الأنثربولوجية المقارنة يتساءلون:أيّ اتجاه هو الغرب؟ عسى أن تنعكس هذه الفروق الثقافية في سياستكم الخارجية.

نقول للمجتمع الدولي:

إن قيام دولة إسرائيل برعاية مباشرة ودعم مستمر من أوروبا الغربية والولايات المتحدة تسبب في حالة حرب وتوتر مستمرة في الشرق الأوسط بأسره ويهدد السلام العالمي. إننا ندعوكم أن تهتموا بحل هذا النزاع اهتماماً فعالاً.

لقد تحدت إسرائيل المجتمع الدولي برفضها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وأحكام محكمة العدل الدولية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. لقد رفضت تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. وقد حال دون إقراره من قبل مجلس الأمن فيتو الولايات المتحدة الأمريكية 41 مرة.

لقد تحدت إسرائيل محكمة العدل الدولية التي طالبت بإزالة جدار الفصل العنصري المقام على أراضٍ احتلت عام 1967. إنها تحتل بالقوة منذ عام 1967 تلك الأجزاء من فلسطين التاريخية المعروفة بالضفة الغربية وقطاع غزة وترفض الانسحاب كما طالبها مراراً قرار الأمم المتحدة 242. إنها لم تفتأ تسبب معاناة هائلة لِل 3,5 مليون فلسطيني الذين يعيشون هناك بنية دفعهم إلى خارج أرضهم كما فعلت سابقاً عام 1948.

في قرارها رقم 3379 لسنة 1975 أعلنت الجمعية العامة أن الصهيونية نوع من أنواع العنصرية. كبير الأساقفة دزموند توتو، الجنوب إفريقي الحاصل على جائزة نوبل للسلام زار فلسطين/إسرائيل وكتب في صحيفة الغاردين البريطانية في عدد 29 نيسان/أبريل،2002:
"لقد حزنت كثيراً أثناء زيارتي للأرض المقدسة؛ لقد ذكرتني كثيراً بما حدث لنا نحن السود في جنوب إفريقيا". دعونا نطلب من كبير الأساقفة توتو أن ينشأ "لجنة للحقيقة والمصالحة" لهذا النزاع كما فعل في جنوب إفريقيا وآيرلندا الشمالية.

في الحقيقة، إن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين أسوأ بكثير مما جرى في جنوب إفريقيا.

ما لدينا الآن في فلسطين/إسرائيل هو كيان واحد بحكم الواقع ولكن بتباينات شاسعة بين اليهود والفلسطينيين. هدفنا هو سلام دائم للشرق الأوسط وبالتالي لكل العالم عن طريق إنشاء دولة واحدة لليهود والفلسطينيين مع المساواة والديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هدف كهذا لا يمكن أن يتحقق دون تدخلكم. إذا ما استمرت إسرائيل في تحدي القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، فإننا ندعوكم لمقاطعة إسرائيل ومعاقبتها.

ما معنى أرض الميعاد؟

يقال أن هذه أرض مقدسة. ولكن هل هكذا تعامل الأرض المقدسة؟ أشجارها تقتلع بالآلاف. بيوتها تدمر. مواقعها الأثرية وتراثها المادي يتعرض للكثير من التغيير ويشوه بجدران ومئات من نقاط التفتيش. مياهها ومواردها الشحيحة تتعرض للاستغلال الزائد والتلويث. هذا، إضافة للإشعاع النووي، يتسبب بواحد من أعلى معدلات السرطان في العالم. وبوجود 10000 سجين بينهم 400 طفل، يكون فيها أعلى معدلات الاعتقال في العالم. لا يمر يوم إلاّ ويقتل مدنيون بأسلحة من أفتك ما تم اختراعه.

يقال أن هذه هي "أرض الميعاد". ولكن ما معنى أرض الميعاد؟ هاكم ما قاله مارتن لوثر كنغ قبل اغتياله بثلاثة أيام على يد القوى العنصرية في الولايات المتحدة. باكراً في أحد أيام نيسان/أبريل عام 1968، وقف بين أزهار الكرز في واشنطن، وبصوته المميز قال:"لقد صعدت إلى أعلى الجبل ورأيت أرض الميعاد، حين يقاس الإنسان بأخلاقه لا بلون بشرته".

في ملاعب كرة القدم والكريكت في إنجلترا، يغني أبناء العمال الإنجليز: "سنبني قدساً جديدة على أرض إنجلترا الخضراء الجميلة". ونحن: الفلسطينيين واليهود، ومعنا كل المناضلين من أجل التقدم الأخلاقي للإنسانية سوف نبني قدساً جديدة على أرض القدس الخضراء الجميلة. ومن كان لديه شك، فلينظر ويرَ ما حققناه: نحن العبيد، نحن النساء، نحن السكان الأصليين في كل مكان، نحن البؤساء في هذه الأرض. انظر ما حققناه!

ألقيت في المؤتمر الدولي لِ " جمعية دولة ديمقراطية واحدة" الذي عقد في جنيف في
7- 8 أكتوبر /2006 http://www.one-democratic-state.org .
 



#محمود_نمر_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بيرنز يعود إلى القاهرة وواشنطن تأمل -جسر الفجوة- بين حماس وإ ...
- -الماموث-.. -أكبر مكنسة- لامتصاص الكربون في العالم تدخل حيز ...
- بايدن يصرح لـCNN بنصيحة أوباما له بشأن الانتخابات المقبلة
- مناورة -غير عادية- لمقاتلات روسية قرب أمريكا.. ومصدر يوضح ال ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي دفن فلسطينيين في مقبرة جماعية داخل مجم ...
- الاتحاد الأوروبي يعلن عدم تجديد تفويض بعثة تابعة له لتدريب ا ...
- الرئيس الأمريكي يحذر إسرائيل من تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى ...
- 5 دول تتجه للاعتراف قريبا بدولة فلسطين
- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح


المزيد.....

- -دولتان أم دولة واحدة؟- - مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري / رجاء زعبي عمري
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ... / عادل سمارة ومسعد عربيد
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ... / سلامة كيلة
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية- / عادل سمارة ومسعد عربيد
- ماركس وحده لا يكفي لكنه ضروري - تعقيب على رد الصديقين عادل و ... / سلامة كيلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - محمود نمر موسى - عَودة إلى الأرض المقدسة:كيانان فاشلان بحاجة لنموذج جديد