أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - إدوارد سعيد - الخيار الوحيد















المزيد.....

الخيار الوحيد


إدوارد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:38
المحور: ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
    


ترجمة أيمن أبو الليل - خاص لأجراس العودة

أول مرة زرت فيها جنوب أفريقيا كانت في عام 1991.. وقد تم ذلك في فترة مظلمة ورطبة وشتائية كانت فيها سياسة التمييز العنصري (الأبارتهيد) لاتزال هي الحاكمة، على الرغم من أن نيلسون مانديلا وأعضاء التجمع الوطني الإفريقي قد أطلق سراحهم. أما المرة الثانية التي عدت فيها إلى جنوب أفريقيا فقد كانت بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ. وفي هذه المرة، وكان الوقت صيفاً، ألفيت نفسي في بلد ديمقراطي أُلغيت فيه الأبارتهيد، وأصبح التجمع الوطني الإفريقي في سدة الحكم، والمجتمع المدني النشط منخرط في عملية إنجاز المساواة والعدالة الاجتماعية في بلد لا يزال يعاني من الانقسام والضائقة الاقتصادية.. لكن حرب التحرير التي قضت على التمييز العنصري (الأبارتهيد) وأنشأت أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في 27 نيسان 1994، قد بقيت واحدة من أعظم الإنجازات الإنسانية في التاريخ المكتوب. وعلى الرغم من كل المشاكل التي تثقل حاضر جنوب أفريقيا، إلا أنه بلد يشجع الآخرين على القيام بزيارة له، والتفكير فيه، وهذا يعود في جزء كبير منه إلى حقيقة أنه بلد يمسنا كثيراً نحن العرب، في نضاله، وأصالته، ومثابرة شعبه.
جئت، هذه المرة، إلى جنوب أفريقيا، كعضو مشارك في مؤتمر تنظمه وزارة التعليم حول قيم التعليم. هذا بالإضافة إلى أن هنالك صداقة قديمة وإعجاب شديد من ناحيتي يجمعني بوزير التعليم قادر أصمال، وهو الذي كنت قد التقيته عندما كان منفياً في ايرلندا وتعرفت عليه. ولن أطيل في الحديث عن شخصه في هذا المقام، إذ سأسهب في ذلك في مقالتي التالية، ولن يكفيني هنا أن أقول بأنه استطاع، كعضو في الوزارة، وناشط منذ فترة طويلة في التجمع الوطني الإفريقي، ومحام وأكاديمي ناجح، استطاع أن يقنع نيلسون مانديلا (وهو الآن في الثالثة والثمانين من عمره، وفي صحة سيئة، وقد انسحب رسمياً من الحياة العامة)، بأن يلقي كلمة المؤتمر في ليلة الافتتاح. ولشد ما كان تأثري بما قاله مانديلا حينئذ، وذلك يعود إلى مكانة مانديلا الرفيعة وجاذبية شخصيته، من ناحية، وإلى الكلمات البديعة التي تفوّه بها، من ناحية ثانية. ولأن مانديلا محامي بالممارسة، فهو لذلك إنسان بليغ فصيح على نحو فريد من نوعه، ولذلك أيضاً يبدو، وبالرغم من آلاف الفرص التي تسنّت له ليلقي فيها خطباً طقوسية، بأن هنالك على الدوام شيء عصي عن الكلام..
ولشدّ ما كانت دهشتي هذه المرة عندما تناهى إلى مسامعي عبارتان مقتطفتان من الكلمة الجميلة عن التعليم التي ألقاها مانديلا.. هذه الكلمة التي لفتت الانتباه بدون أي مجاملة إلى حال الغالبية المقهورة الراهنة في البلاد، وإلى >.. وهكذا ذكر الحاضرين بأن >. غير أن العبارة الأولى التي أدهشتني هي عندما قال بأن الحملة على سياسة التمييز العنصري (الأبارتهيد) هي > التي <<أسرت مخيلة العالم>>.. أما العبارة الثانية، فقد وردت في سياق وصفه للنضال ضد الأبارتهيد ليس فقط كحركة للقضاء على التمييز العرقي، بل أيضاً كوسيلة <<لنا كلنا، حتى نؤكد من خلالها إنسانيتنا المشتركة>>. لقد صُوّرت كلمتي <<لنا كلنا>> هنا، بما تشمله من جميع أعراق جنوب أفريقيا، بمن فيهم البيض الذين كانوا يؤيدون سياسة التمييز العنصري، على أنهما كلمتان تعنيان الاشتراك في نضال هدفه الأخير هو التعايش، والتسامح، و<<إدراك القيم الإنسانية>>.
لقد أصابتني العبارة الأولى بدهشة موحشة، ودفعتني إلى التساؤل: لماذا لم يأسر النضال الفلسطيني (حتى الآن) مخيلة العالم.. ولماذا، بخصوص هذه النقطة بالتحديد، لا يظهر هذا النضال بصورة نضال أخلاقي عظيم يتلقى، على حد تعبير مانديلا فيما يخص تجربة جنوب أفريقيا، <<دعماً عالمياً حقيقياً.. من الجماعات والأحزاب السياسية؟>>.
وفي الحقيقة، لقد تلقينا مقداراً كبيراً من الدعم العام، ونضالنا نضال أخلاقي ملحمي، والصراع بين الصهيونية والشعب الفلسطيني، وباعتراف الجميع، أكثر تعقيداً من النضال ضد الأبارتهيد، وفي كلتا الحالتين، فإن هنالك شعب قد دفع الثمن وانتهى، وهنالك شعب آخر لا يزال يدفع ثمناً باهظاً في سيرورة من الطرد والتطهير العرقي والاحتلال العسكري والظلم الاجتماعي الكبير. اليهود أناس عانوا تاريخياً من الاضطهاد والإبادة الجماعية، ولارتباطهم الديني القديم بأرض فلسطين وعدتهم الإمبريالية البريطانية <<بالعودة>> إلى وطن، وقد أدرك العالم في غالبيته (وخاصة الغرب المسيحي المسؤول عن ممارساته المتطرفة المعادية للسامية) بأن هذه <<العودة>> ما هي إلا تعويض بطولي وعادل على المعاناة التي عانوها.ومع ذلك، وعلى مرّ السنوات، أقلاء هم الذين نظروا بعين الاهتمام لاحتلال القوى اليهودية لأرض فلسطين، أو للعرب الموجودين فيها الذين يدفعون ثمناً باهظاً يتمثل في تفكيك المجتمع وترحيل الغالبية وتطبيق قوانين ونظم مزيفة.. أبارتهيد حقيقي.. من شأنها أن تحارب هؤلاء في داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة على حد سواء. لقد كان الفلسطينيون هم الضحية الخرساء للظلم الفادح، هذه الضحية التي أُزيحت بسرعة عن خشبة المسرح على يد جوقة إسرائيل المنتصرة المذهلة.
وبعد انطلاقة حركة التحرير الفلسطينية الخلاقة في أواخر الستينيات، تبنت شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية التي كانت مستعمرة في السابق النضال الفلسطيني، غير أن ميزان القوى الاستراتيجي كان في صالح إسرائيل، فهي التي تلقت دعماً غير مشروط من الولايات المتحدة (خمس مليارات دولار سنوياً)، وهي التي وقفت إلى جانبها في الغرب وسائل الإعلام والنخب الليبرالية وغالبية الحكومات. ولأسباب معروفة إلى درجة أننا في غنى عن الخوض فيها هنا، كان المناخ العربي الرسمي إما منافقاً بشكل مطلق، أو تنقصه الحماسة في تقديم الدعم المادي والمعنوي الحقيقي.
ومع ذلك، ولأن أهداف منظمة التحرير الفلسطينية الإستراتيجية المتغيرة على الدوام كانت مشوبة بممارسات إرهابية عقيمة، وهي كذلك أهداف غير موجهة وليست مصاغة ببلاغة، ولأن رجحان النقاش الثقافي في الغرب إما مجهول أو يساء فهمه من قبل صناع السياسة الفلسطينية والمثقفين الفلسطينيين.. لم نكن يوماً قادرين على المطالبة بأساس أخلاقي رفيع على نحو فعال. وقد كان باستطاعة المعرفة الإسرائيلية على الدوام أن تلجأ إلى، (وأن توظف)، الهلوكوست، والنشاطات المرتجلة واللامناسبة سياسياً للإرهاب الفلسطيني على حد سواء، وأن تحيد رسالتنا بالتالي، أو أن تلّفها بالغموض، كما كان واقع الحال. ولم نركز أبداً نحن كشعب على أهمية النضال الثقافي في الغرب (نضال أدرك التجمع الوطني الأفريقي منذ وقت مبكر بأنه المدخل إلى تقويض سياسة التمييز العنصري) وببساطة لم نلقي الضوء بطريقة إنسانية، متساوقة، على عمليات السلب والتمييز التي تطبقها علينا إسرائيل. إن غالبية مشاهدي التلفزيون اليوم ليست لديهم أية فكرة عن سياسات إسرائيل العنصرية على الأرض، أو عمليات النهب والتعذيب والطرد الممنهج للفلسطينيين فقط لأنهم ليسوا يهوداً. وكما كتب صحفي زنجي من جنوب أفريقيا يقول في واحدة من الصفحة المحلية في زيادة قام بها إلى غزة، بأن الأبارتهيد لم يكن بهذه القسوة والوحشية التي عليها الصهيونية: التطهير العرقي، والإذلال اليومي، والطرد الجماعي على نطاق واسع، والاستيلاء على الأراضي.. الخ.
ولكن حتى لو كانت هذه الحقائق التي تشكل أفضل سلاح في المعركة على القيم بين الصهيونية والفلسطينيين معروفة، إلا أنها لا تكفي.. والحقيقة الوحيدة التي لم نولها ما يكفي من التركيز هي حقيقة أنه كان علينا، حتى نقضي على الصهيونية، أن نقدم حلاً للصراع يؤكد، على رأي مانديلا، إنسانيتنا المشتركة كعرب ويهود؛ فالغالبية العظمى منا لا تزال غير قادرة على تقبل فكرة مفادها أن اليهود الإسرائيليين موجودون على هذه الأرض ليبقوا فيها، ولن يرحلوا عنها، كما أن الفلسطينيين لن يرحلوا أيضاً. وهذه حقيقة قابلة جداً للفهم حتى يتقبلها الفلسطينيون، خاصة وأنهم لا يزالون يخسرون الأرض ويعانون بشكل يومي من الاضطهاد. غير أننا في افتراضنا اللامسؤول والمتسرع، عندما قلنا بأنهم سيضطرون إلى الرحيل (كما رحل الصليبيون)، لم نركز التركيز الكافي على فكرة إنهاء الاحتلال العسكري كضرورة أخلاقية، أو على فكرة أن نقدم لهم صيغة حل تضمن لهم الأمن وحق تقرير المصير بما لا يلغي أمننا وحقنا في تقرير مصيرنا. وينبغي لهذا، وليس الأمل المستحيل بأن يعطينا رئيس أمريكي خلي البال دولة، أن يكون الأساس لحملة كبيرة في كل مكان.. شعبان في أرض واحدة.. أو المساواة للجميع.. أو فرد واحد ـ صوت واحد.. أو إنسانية مشتركة أكيدة في دولة ثنائية القومية.
أعرف بأننا ضحايا احتلال مروع، احتلال عسكري غاشم، ولوبي صهيوني يكذب دوماً إما ليحولنا إلى لا ـ شعب أو إلى إرهابيين، ولكن ما هو البديل الحقيقي لما اقترحته؟ حملة عسكرية؟ حلم.. المزيد من مفاوضات أوسلو؟ من الواضح لا.. المزيد من الخسارة في أرواح شبابنا البواسل الذين لا يقدم لهم قائدهم أية مساعدة أو توجيه؟ للأسف لا.. الاتكال على الدول العربية التي تنكرت حتى لوعدها بأن تقدم المساعدات الضرورية؟ هيّا، ولنكن جديين!
اليهود الإسرائيليون والعرب الفلسطينيون أسيروا نظرة سارتر للجحيم، أي <<الشعب الآخر>>. لا يوجد مفر. الفصل مستحيل في أرض صغيرة كهذه، كما التمييز العنصري (الأبارتهيد). والقوة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية تعزل الإسرائيليين عن مواجهة الواقع. وهذا هو المعنى من انتخاب شارون.. مجرم حرب من قبل عهد الطوفان يأتي من سديم الزمان لماذا.. ليضع العرب في مكانهم الصحيح؟ اليأس! ولذلك، يقع علينا عبء أن نقدم الجواب الذي لا تستطيع لا القوة ولا جنون العظمة أن يقدمانه ولا يكفي أن نتحدث عن السلام بشكل عام. على المرء أن يتجنب الأسس المجردة، وأن يعرف بأن هذه الأسس لا تأتي إلا من رؤية أخلاقية، وليس من <<براغماتية>> ولا من <<عملاتية>>. وإن كان علينا كلنا أن نعيش.. وهذه هي حاجتنا الملحة.. فإن علينا أن نأسر ليس فقط مخيلة شعبنا، بل مخيلة مضطهدينا أيضاً.. وعلينا أن ينتقد بالقيم الديمقراطية الإنسانية.
هل تسمعني القيادة الفلسطينية الحالية الآن؟ وهل بإمكانها أن تقترح حلاً أفضل من هذا، مع سجلها الذي لا قرار له في <<عملية سلام>> أدت إلى كل هذه الأهوال؟




#إدوارد_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجر التعريفات


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- -دولتان أم دولة واحدة؟- - مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري / رجاء زعبي عمري
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ... / عادل سمارة ومسعد عربيد
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ... / سلامة كيلة
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية- / عادل سمارة ومسعد عربيد
- ماركس وحده لا يكفي لكنه ضروري - تعقيب على رد الصديقين عادل و ... / سلامة كيلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - إدوارد سعيد - الخيار الوحيد