أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - باهر محمود عبد العظيم - عادات المصريين في خطر















المزيد.....

عادات المصريين في خطر


باهر محمود عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تعرضت الشخصيه المصرية لعدة هجمات ثقافية فى الربع قرن الماضى ادت لتغيير كثير من ملامحها ومحو بعض تفاصيلها نهائيا , وتعددت مصادر تلك الهجمات ما بين خليجيه متزمته او امريكيه متحررة , ورأينا العديد من التناقضات التى حلت على الشخصية المصرية كنتيجة لتأثير تلك الجهات عليها , ومع مرور الوقت وتردى الحالة الاقتصاديه والثقافية تغلب جانب التزمت على جانب التحرر , وسادت عادات وتقاليد جديدة لم يعهدها المجتمع المصرى من قبل , وتعتبر هجرة المصريين كعمالة للخليج فى بداية الثمانينات من اهم اسباب ذلك التغير , خاصة مع بداية حرب الخليج الثانية وعودة الكثير منهم هربا من جحيم الحرب , وقد عادت تلك العمالة محملة بعادات وثقافات بدوية مخلوطة بالدين ومتأثرة بالفكر الوهابى والسلفى لتفرض شكل جديد من الحياة على المجتمع المصرى , ونظرا لطبيعة المصريين العاطفية تجاه الدين حدثت التغيرات سريعا فى غفلة من المؤسسات الثقافية والاجتماعية التى كان عليها دور هام من خلال توعيتها للمواطنين بالاسلام الصحيح والبعد عن التشدد والفكر الصحراوى المختلط بالاسلام , الا اننا فوجئنا بتوغل التيارات الاسلامية المتشدده وفرضها للكثير من افكارها بصورة ادت "لدروشة" المجتمع المصرى وتخليه عن وسطيته المعروف بها .
وساعد مثلث دول العالم الثالث المعروف ( الجهل , الفقر , المرض ) على المزيد من التدين المظهرى وشيوع الخرافة والاساطير بين الطبقات المتوسطة والفقيرة والتى تمثل اغلبية المجتمع المصرى , وقد اعتبرت تلك الطبقات الدين هو الملاذ الاخير والطريقه الوحيده لكسب الآخره بعد خسارتهم الدنيا .

اما عن التأثر التزمتى الدينى كان اهم ملامح تغيره فى مقدمتها تدهور واحتقان العلاقة بين المسلمين والاقباط , ففى الفترة الاخيرة شهدت مصر العديد من حوادث الفتنة الطائفية التى لم تكن بهذه الدرجة من العنف والطائفية من قبل , واضحت ثقافة الانقسام هى الثقافة السائدة ولغة الحوار الوحيدة بين الطرفين , وراينا ما حدث فى الاسكندرية نتيجة لتسرب غير معروف مصدره لسى دى محمل بمسرحية قيل انها اساءت للاسلام , وراينا تفجر قضية اختطاف المسيحيات وارغامهن على الدخول فى الاسلام , واستحوذت قضية "وفاء قسطنطين" على اهتمام الراى العام لفترة ليست بالقصيرة , وبدأت حرب الفتاوى تنتشر بين الطرفين , فمن ناحية ظهرت فتاوى اسلامية تمنع تعامل المسلمين مع المسيحيين سواء من ناحية العلاقات الانسانية او التجارية او حتى المصافحة والقاء السلام , ومن ناحية اخرى اتخذ المسيحيين لانفسهم "جيتو" اجتماعى ليزداد انفصالهم عن المسلمين , وبدأت الفتاوى المسيحية تظهر وتشير الى المزيد من العزله والابتعاد , ثم تطورت لاعلانهم انهم مضطهدين ولهم حقوق كثيرة مهضومه وحان وقت اعادة النظر فيها , واختفى تماما شعار الوحده الوطنية وحل محله شعارات اخرى تحتوى على "هم" و"نحن" , وفشلت الكثير من المحاولات التى بذلت لتجميع الصف مرة اخرى مع وقوف المتطرفين من الجانبين ضد الوحدة والمصالحة , وظهرت الدعوات المطالبة بعودة الجزية او الطرد من ناحية , ومن ناحية اخرى ظهرت الدعوات التى تنادى بعودة مصر الى الهوية الفرعونية بدلا من العربية , واستمرت ثقافة الانقسام فى بسط سيطرتها على المجتمع حتى وصلنا لمرحلة رفض الآخر فى اى مناسبة حتى لو فى الرياضة .

اما عن ملامح التغيير في سلوك المصريين فقد كان لعامل الاعلام الخليجي دور كبير فى التأثير على ثقافة المواطن المصرى البسيط الذي فوجىء بانتشار الكتيبات ذات الطبعة الفاخرة وشيوخ الفضائيات والفتاوى من كل حدب وصوب , ووجد نفسه محاصرا من جميع الاتجاهات بالفكر الوهابى الداعي دوما للتحريم والغاء العقل ووقف الاجتهادات , فوجدنا من ينادى بالعودة لعصور الاسلام الاولى بكل عاداتها وتقاليدها من تناول الطعام باليد وارتداء الجلباب واطالة اللحية مع حف الشوارب , وذهب اّخر لضرورة تحريم جميع الاعياد بما فيها الوطنية (لعدم اعتراف الاصوليين بما يسمى وطن) والاعياد الفرعونية مثل شم النسيم او حتى اعياد مثل الحب او عيد الام , واكتفوا فقط بالعيدين الاسلاميين الصغير والكبير وحرّموا حتى الاعياد الدينيه المصرية مثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف , ثم فوجئنا بمن يدعو للاهتمام بالمظهر والطقوس على حساب الجوهر , فانتشرت ظواهر مثل الحجاب والنقاب مع استخدامهم كوسيلة دينيه مظهرية بلا سلوك دينى حقيقي يدعمهم , وانتشرت تناقضات مثل الاهتمام بالصلاة وتقبل الرشوة , او قضاء بعض موظفي الهيئات الحكومية وقت طويل فى الصلاة على حساب خدمة الجمهور , وظهرت الميول التحريمية فى شتى مناحى الحياة , فانحاز رجال الدين للتحريم على حساب التحليل لدرء الشبهات , واستخدمت تفسيرات القراّن المتشدده والاحاديث النبوية الضعيفة كاداة لفرض الفكر التحريمي , واكتسب رجال الدين قداسة وحصانة لم تكن معروفة سابقا في الاسلام الذي نهى عن وجود رجال دين , واصبح نقدهم محظور ومواجهتهم ممنوعه , ووجدنا كل من يطلق لحيته ويرتدى الجلباب يسمى "شيخ" ويعامل باحترام مبالغ فيه ويطلق الفتاوى اينما ذهب , واصبحت ابسط الامور الدنيوية محل سؤال المواطن المصرى لطلب الفتوى فيها , وظهرت فتاوى مثل تحريم شفرة الحلاقة وحرمانية خلع المرأه ملابسها امام الحيوانات ..... الخ , ثم انتشرت ظاهرة التجارة بالدين والفتاوى المعلبة فى الفضائيات , فظهرت منتجات مثل التليفون الاسلامى او الاعشاب الاسلامية التي جاءت كنتيجة لانتشار ما سمىّ بالطب النبوى , وراجت تجارة الكتب التى تدعو لنبذ علوم الطب الحديثه والاتجاه لطب الاعشاب , وانتشرت مقالات الاعجاز العلمي التي نسبت كل الاكتشافات الطبية الحديثة للاسلام , بل واتجهت لعلاج الامراض المستعصية على العلم مثل انتشار اسطورة الحمامة التى توضع فوق السرة لسحب فيروس سي او التداوى ببول الابل , واتجه المواطن المصري لتلك العلاجات نتيجة لتأثره بالاعلام وفقره ومرضه , وانعكس ذلك بالتبعية على سلوكياته التي انحازت للخرافة على حساب الاهتمام بالعلم والثقافة .

وبعد ان كانت مصر منارة الثقافة والفنون تغيرت نظرة المصريين للفن باعتباره من المحرمات , واتجه نجوم السينما والغناء فى السبعينات والثمانينات الى الاعتزال واعلانهم توبتهم عما ابدعوه من فنون , وظهروا فى الفضائيات لدعوة زملائهم للتوبة قبل الحساب , واستغل اّخرون الدين كوسيلة لكسب الجمهور وتحقيق الارباح المادية , فاتجة كثير من نجوم الغناء الحاليين الى الاغنية والكليب الدينى , بل واتجه اّخرون لرفع الآذان فى الجوامع القريبة من منازلهم , وتقمص البعض دور المدافعين عن الاخلاق والدين فابتدعوا مصطلح"السينما النظيفه" فى محاولة لكسب الجمهور المتدين , ثم فوجئنا بتولى رجال الدين مهمة الرقابة على جميع اشكال الفنون , فوجدنا شيوخ الازهر يحرمون تداول كتاب او مشاهدة فيلم معين , وطلبة الازهر يتظاهرون لفقرة في كتاب لم يقرأه اغلبهم , وشيوخ الفضائيات يزعقون بحرقة لاعتراضهم على مشهد سينمائي , ثم انتقلت العدوى لاعضاء مجلس الشعب الساعين لتجديد ترشيحهم , فوجدنا الاستجوابات تنهال على روائي او مخرج لانه لم يراعي شروطهم الاخلاقية والدينية فى عمله وتترك في نفس الوقت مسئول فاسد يمرر مبيدات مسرطنة او يحتكر سلعة استراتيجية , واصبح المواطن المصري ينظر للفن ليس باعتباره متذوقا له وانما مراقبا لكل كبيرة وصغيرة فيه وحكما على ضمير صنّاعه .

التدين في مصر ابتعد تماما عن معنى الدين في حد ذاته , فانتقل من وسيلة لضبط الاخلاق ولتنظيم علاقة الانسان بربه الى مزايدة على من الاكثر تدينا والمنافسة على من يثبت انه الاكثر تطرفا , وتدخل الدين في كل صغيرة وكبيرة حتى اصبح كل تصرف مرتبط بمدى قربه او بعده من الحلال والحرام , واعتقد المصريون انهم من فئة الملائكة الممنوع عليها الخطأ فاصبحوا يراقبون تصرفاتهم ويحسبونها بدقة خشية الوقوع في اى خطأ , على الناحية الاخرى انتشرت الرشوة وانعدمت الاخلاق واختفى الضمير وحلت المظاهر محل التصرفات , وظهر التناقض فى سلوكيات المصريين ما بين التزمت والفوضى , وتغيرت العادات للتماشى مع عادات بدوية اختلطت بالدين , واختفت الشخصية المصرية تحت تأثير الاعلام الصحراوى , واذا لم تنتبه المؤسسات الثقافية لما يحدث سيستمر التدهور وسينغلق الشعب المصرى اكثر وينسى انه كان مصدر ومصّدر للثقافة قبل ان يصبح متلقي ومستورد لها .



#باهر_محمود_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب الإخوان–كيف تتوازن سلطات الدولة المختلفة مع لجنة ظل الله ...


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - باهر محمود عبد العظيم - عادات المصريين في خطر