النوبى عبدالراضى
الحوار المتمدن-العدد: 2078 - 2007 / 10 / 24 - 08:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بل سولت لكم أنفسكم أمرا
لا نستطيع بحال من الأحوال أن نلغي عقولنا لمجرد مرضاة أحد , أو أن نرفض حقائق لمجرد أنها جاءت من الجانب الآخر- شرط أن تكون حقائق – فإعمال العقل فريضة إسلامية , أمرنا بها الله في غير موضع من كتابه العزيز .
وفي مقال لإبراهيم القبطي تحت عنوان " اغتيال براءة الأطفال "يوجه فيه هجوما عنيفا ضد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مستندا فيه إلى بعض الروايات – صحت أو لم تصح – والتي يضاف إليها كلمة هنا أو كلمة هناك , كما يعتمد فيها على فهم بعض الفقهاء وتفسيرهم للقرآن الكريم والسنة النبوية , وكما هو معلوم أن كتب التفسير والفقه ليست حجة على الإسلام ونبيه ؛ وإنما الإسلام حجة على الجميع ، فالنص القرآني أو النبوي هو مناط الفهم والمساءلة.وإليك تفصيل الرد على كل هذه الافتراءات:
القصة بين الحقيقة والتزييف:
يبدأ الكاتب إبراهيم القبطي هجومه بعد مقدمة تقطر أسى وحقدا بما يدعيه القصة الحقيقية"عندما كان محمدا صغيرا في مكة " أن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (ابن عم الرسول ) وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة (ابن عمته وصهره) قد لقيا محمدا (صلى الله عليه وسلم) في نيق العقاب بين مكة و المدينة،فالتمسا الدخول إليه فرفض الرسول مصرحا أنه لا حاجة له بهما أما ابن عمه فقد هتك عرضه وأما ابن عمته فقال ما قال بمكة والقصة وردت في سيرة ابن هشام والاستنتاج العبقري الذي وصل إليه صاحب المقال أن محمدا(صلي الله عليه وسلم ) قد تعرض صغيرا لحادث اغتصاب بمكة من ابن عمه وقبل أن نصل إلى الاستنتاج يحسن التنبيه إلي أن :
1- كلمة(صغيرا ) لم ترد مطلقا في الرواية ،وإنما هي من وضع كاتب المقال.
2- ابن عمه وابن عمته كانا في محاولة للاعتذار والاستسماح من الرسول قبل أن يدخل مكة بجيوشه لما بدر منهما من مواقف في مواجهة الدعوة الإسلامية و مهاجمتها وادعائهما عليه وسبهما له.
3- هذا الفهم من كاتب المقال ينم عن جهل بلغة العرب فهم يقولون "انتهك حريمه ،واستبى حرمه " ، لسب العرض والشتم . (جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر – تحقيق محمد محي عبد الحميد ).
4- كثير من القراء قد مروا بهذا التعبير ولم يخطر ببالهم هذا المعنى الذي وصل إليه كاتب المقال لمعرفتهم بمجاز لغة العرب وعليه أن يراجع لغته وأدواته التي يبدو ظاهرا في مقاله ما فيها من ركاكة وجهل بأبسط قواعدها .
وتكملة القصة كما في سيرة ابن هشام "فلما خرج الخبر إليهما (يعني رفض الرسول مقابلتهما) ومع أبي سفيان بني له فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعا وعطشا فلما بلغ ذلك رسول الله رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه وأسلما و أنشد أبو سفيان قوله في إسلامه معتذرا مما كان مضى :
لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدي وأهتدي
فالسياق سياق خلاف في قبول الدعوة ورفضها والموقف موقف اعتذار عن مهاجمة الدعوة ونبيها وما حدث من سب وتشهير ولكن الفهم المريض صور لصاحبه ما صور وخيل إليه ما خيل وكل إناء ينضح بما فيه .
منطق مقلوب :
ونقطة أخرى في معرض الافتراءات حيث يتحدث عن انطلاق المارد الجنسي بعد وفاة السيدة خديجة وبعد زواج دام أربعة وعشرين عاما,وانجب منها ستة أطفال.. تلك السيدة التي تكبره بخمسة عشر عاما وتوفيت عن خمسة وستين عاما .
كيف انطلق المارد بعد أربعة وعشرين عاما في بيئة تجيز له التعدد؟ كيف لا ينطلق المارد في ريعان الشباب ثم ينطلق بعد الخمسين ؟ لقد تزوج الرسول بعد خديجة بثلاث سنوات ,فما الذي سيطر على هذا المارد طيلة هذه السنوات ؟ إنه المنطق المقلوب والحديث ضد طبيعة الأشياء .
وإليك القصة الحقيقة- لمن شاء الحقيقة في زواج الرسول بعد خديجة,فبعد وفاتها – رضى الله عنها - , و تركها أولادها ود أصحابه لو تزوج,ولكن أحدا لم يجرؤ على مفاتحته في هذا حتى كانت خولة بنت حكيم السلمية فقالت له يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة 0 واقترحت عليه أن يتزوج فسألها في نبرة عتاب: من بعد خديجة ؟ فردت خولة: عائشة بنت أحب
الناس إليك ,فأجاب لكنها ما تزال صغيرة يا خولة ...فقالت تخطبها اليوم إلى أبيها ثم ننتظر حتى تنضج ... واقترحت عليه سودة بنت زمعة بن قيس العامرية ,فأذن لها رسول الله في خطبتها . (نساء النبي – د عائشة عبد الرحمن صـ59,58 )وانظر تاريخ الطبري جـ3 صـ192تـ محمد أبو الفضل إبراهيم .
وهكذا تزوج الرسول بعد خديجة سودة بنت زمعة وتقول المصادر عنها
أنها كانت أرملة مسنة ليس لها من المال و الجمال نصيب .
موقف أبي بكر
ويقول كاتب المقال أن أبا بكر لم يكن مؤيدا لهذا الزواج وهذا ادعاء باطل , واستنتاج خاطئ
فقصة خطبة عائشة :ولما جاءت خولة بنت حكيم لتخطب عائشة لرسول الله قال لها أبو بكر انتظريني حتى أرجع ، وقالت أم رومان –أم عائشة – "إن المطعم بن عدي قد ذكر عائشة على ابنه جبير ، ولا والله ما وعد أبو بكر شيئا قط فأخلف ، فدخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم جبير وكانت مشركة فقالت العجوز: يا بن أبي قحافة لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه ،وتدخله في دينك الذي أنت عليه ؟ فلم يرد أبو بكر ,بل التفت إلى زوجها المطعم فقال ما تقول هذه ؟ أجاب إنها تقول الذي سمعت ، فخرج أبو بكر وقد شعر بارتياح لما أحله الله من وعده ، وعاد إلى بيته فقال لخولة : ادعي لي رسول الله . (نساء النبي – عائشة عبد الرحمن )
فلم يكن تأخر رد أبي بكر ترددا في قبول خطبة الرسول لابنته ؛وإنما هو خلق عربي و إسلامي حتى يراجع خطبة هذا الشخص الكافر ويستبرئ من خطبته ويتحلل من وعده ،
نعم كانت عائشة صغيرة ,ولكنها كانت مخطوبة قبل الرسول لجبيرا بن المطعم , ولفظ النكاح يطلق على الزواج ومقدماته وبلوغ الفتاة في البيئة الصحراوية الحارة يختلف عنها في المناطق الباردة و الولي في الزواج لمصلحة الفتاة ومن لا ولي له فالحاكم وليه ؛ إذن الولي ليس لقهر الفتاة وإنما لمصلحتها.
أما عن أقوال الفقهاء وفهمهم , فهذا غير ملزم وإنما الملزم ما ورد في كتاب الله وصحيح سنة رسوله وفي صحيح السنة عن عائشة عن النبي أنه :"لا تنكح الأيم حتى تستأمر , والبكر حتى تستأذن فقالت عائشة :يا رسول الله البكر تستحي قال رضاها صمتها " (رواه البخاري)
وعن عبد الله بن عباس قال :جاءت فتاة بكر إلى رسول الله فشكت له أن أباها زوجها من رجل وهي كارهة له فخيرها النبي بين قبوله أو رفضه.(رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة)
وعن بريدة قال جاءت فتاة إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته فجعل النبي الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من هذا الأمر شئ (رواه النسائي و الترمزي وابن ماجة وأحمد)
وليس من حق (والدها) أن يقهرها .... كما ادعى كاتب المقال .
هذا عن الزواج في الإسلام,وعن حرية النساء في قبول أو رفض هذا الأمر , فكيف الحال على الجانب الآخر لمن أراد الحقيقة
الجنس شـــر
في ختام مقاله يقول "لقد تحول الجنس من نعمة إلهية إلى وسيلة شيطانية " ولنا أن نتساءل في أي شريعة اعتبر الجنس نعمة إلهية؟ ولنقرأ شهادة كاتبة غربية في كتاب إنجيل (المرأة ) : " فالعالم المسيحي في أوربا وأمريكا تخللته كراهية الجنس والخوف منه ونظرا لأن الرجال قد لقنوا اعتبار الجنس شرا ؛ فإنهم خافوا من النساء و كرهوهن ،هؤلاء اللاتي أوقعن بهم في تلك الأمور الجنسية الخطرة .
لقد شكلت المسيحية المجتمع الغربي وكانت هي الوحيدة بين الديانات الكبرى التي كرهت الجنس و خافت منه" (كارن ارمسترونج-إنجيل المرأة –الفصل الأول ص1
قال لوثر كم هو شئ مرعب و أحمق تلك الخطيئة أن الشهوة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن شفاؤه بأي دواء حتى ولو كان بالزواج الذي رسم لنا خصيصا من اجل هذه النقيصة التي تكمن في طبيعتنا
كما يرى القديس توما الإكويني "أن الجنس شر دائما " . (إنجيل المرأة صـ30كارن أرمسترونج)
أين الإباحية؟
وإذا كان كاتب المقال يسم الإسلام بالإباحية ,ويصف شريعة الإسلام بقوله "شريعة من الدعارة ,فليسمح لنا أن نورد هذه الوقائع الجنسية من الكتاب المقدس :-
1 – لوط زنى بابنتيه , وأنجب منهما ولدين . ( تكوين 19 )
2-رأوبين الابن البكر ليعقوب يزني بإحدى نساء أبيه .
( تكوين 35 – 2 )
3- داود زنى بامرأة أوريا الحثي أحد جنوده ,ثم تآمر عليه ,وقتله وبعد موته تزوج امرأته بثشبع , وأنجب منها سليمان . (صموئيل الثاني 11)
4 – أبشالوم بن داود يزني بسراري أبيه العشر. (صموئيل الثاني 16)
5- هوشع يتزوج زانيتين وينجب منهما ذرية . (هوشع1:2-3 )
قيم إسلامية
يقول كاتب المقال عن المسلمين أنهم وحوش تفكر بنصفها الأسفل وإليك واقعة من تاريخ الطبري " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم غزية بنت جابر من أبي بكر بن كلاب فلما قدمت على النبي وكانت حديثة عهد بالكفر فقالت إني لم استأمر في نفسي إني أعوذ بالله منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع عائذ الله وردها إلى أهلها . (تاريخ الطبري صـ167حـ3ت محمد أبو الفضل إبراهيم )
هذه قيمنا وهذه حريتنا , قيم لا يعرفها أ أولئك المدلسون الذين يحرفون الكلم عن مواضعه, والذين يجدون في أنفسهم من الحقد والكراهية لنبي الإسلام وشريعته الغراء وليتساءلوا بينهم وبين أنفسهم ما سر دخول الكثير من الأوربيين والأمريكيين دين الإسلام مما يطلق عليه الآن أسلمة أوروبا؟ مما دعا أحد السياسيين الأوربيين إلى المطالبة بالتظاهر ضد أسلمة أوروبا. إنه نور الله الذي يريدون أن يطفئوه بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون النوبي عبد الراضى
#النوبى_عبدالراضى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
