أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ناهد بدوي - سياحة في العيون الحرة














المزيد.....

سياحة في العيون الحرة


ناهد بدوي

الحوار المتمدن-العدد: 639 - 2003 / 11 / 1 - 04:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



    في باريس لم أهتم كثيراً برؤية برج ايفل وقوس النصر وغيرها من المعالم السياحية. الوسائل البصرية الحديثة كسرت من حدة الدهشة عند زيارة بلد جديد إذ لا جديد فيه لم يسبق مشاهدته أو كان باستطاعة المرء رؤيته وهو جالس في بيته. لكن الدهشة حقا كانت برؤية أشياء أخرى لم تفلح كل تلك الوسائل السمعية البصرية في إيصاله إلي ورفعه إلى حد الإدراك.
   الدهشة هنا تجلت بالتفاصيل الصغيرة التي تستطيع التقاطها بالشوارع والمترو. والمترو هو مكاني المفضل للمراقبة والتفكير والتأمل. فهنا أم مع طفلها وهناك مجموعة من المراهقين يتحدثون وبجانبي شاب يداعب شعر حبيبته.والتسول بشكليه المباشر وغير المباشر أي عبر عزف الموسيقى. ويوجد هنا شكل جديد من التسول لا نعرفه في بلادنا ويتكرر كثيرا هنا، بأن يقف أحدهم في مقدمة قاطرة المترو ويبدأ بالكلام بكل قوة واتساق، يبدأ بالتحية للجميع وبالاعتذار من الإزعاج الذي يمكن أن يسببه لهم، ثم يبدأ بشرح قضيته وكأنه قائد سياسي محنك وبعدها يدور على الركاب طالبا نقودا وتعاطفا مع وضعه. ثم يشكرهم على كافة الأحوال ويغادر المترو عند توقفه في المحطة التالية. الذي أدهشني هو أنه حتى المتسول هنا يجيد التعبير عن رأيه وأحواله أمام الناس وبكل ثقة وطلاقة.
   الأطفال يغردون كالعصافير وإذا ابتسمت لهم بادروك بالضحك واللعب، لا يستغربون. ولا يخافون فهم لم يعهدوا العنف من أحد. وهم يشعرون بالأمان كالحمائم والعصافير في هذه البلاد، إذ لأول مرة في حياتي أرى عصفورا يقف على الطاولة التي نحتسي عليها القهوة ويتنزه عليها دون خوف فهو لم يعهد العنف من أحد. المراهقون يتسامرون ويضحكون وعيونهم تبتسم قبل شفاههم.يلعبون ألعابهم ومقالبهم الصغيرة بحرية فهم لم يعهدوا العنف من أحد. أما الكبار فقد تميزت عيونهم بالوداعة والهدوء الداخلي وخاصة عيون النساء تنظر بحرية وأمان واسترخاء. لا تهرب إلى الفراغ كعيون النساء في مجتمعاتنا كي لاتتهم بأشياء لاتحمد عقباها. أحيانا تكون عيونهن قلقة وأحيانا أخرى حزينة ولكنها أبداً لاتسدل باتجاه الأرض خوفا من شئ ما، فهي لم تعهد العنف من أحد.
    والزحام هنا مدهش أيضاً. ليس الزحام بحد ذاته وانما شكله، فرغم كثافته الكبيرة (أكثر من بلادنا) خاصة في أوقات الذهاب إلى العمل والعودة منه. رغم الأعداد الهائلة التي تصعد إلى المترو وتنزل، لا أحد يلمس أحدً ولا أحد يدفش أحداً.. فهم لم يعهدوا الدفش من أحد.
والأهم من هذا كله أنني أنا المرأة الآتية من الشرق أجلس بحرية دون خوف من اغتصاب العيون لجسدي كما عهدت في بلدي. أجلس بحرية ودون خوف من اعتداءات صغيرة تعودت عليها في بلدي حتى اعتقدت بأنها من طبيعة الأشياء كأن يلتصق بي مراهق أو أعاني من قرصة مكبوت أو لمسات مسروقة مني ورغما عني. أجلس بحرية ودون خوف من صرخة عسكري أو لسعة سوط سمعته في بيتي قبل سماعه في سجني. تصوروا أنا أجلس بحرية واسترخاء أنا المرأة التي عهدت العنف من كل الناس!!
   لكني مشتاقة جدا لبلدي ولا مفارقة هنا إذ أن الذي يميز بلادنا ليس حرارة الشمس فحسب وانما حرارة الأهل والأصدقاء. ولكم حلمت هنا بأن، وكم سيكون ذلك رائعا، أن تمتزج تلك الحرارة والحميمية مع تلك الرائحة الذكية التي تعيد تشكيل الصدور بشكل أرحب وتعيد تشكيل العالم بشكل أجمل. تلك الرائحة التي تسمى.... الحريــــــــــــــة. نعم إني أصرخ هنا: الحريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
ناهد بدوية
دمشق
باريس صيف 2003



#ناهد_بدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخيارات الاقتصادية في سورية والحركة النقابية الحقيقية
- المنطقة العربية بين مطرقة املاءات دافوس وسندان التأخر والركو ...
- الديمقراطية حاجة موضوعية في بلادنا مخاطر للاحتلال الأمريكي ع ...
- الشباب ضمير البشرية في مناهضة العولمة والحرب
- هل يرى السوريون ضرورة مناهضة العولمة ؟


المزيد.....




- الخرطوم تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمار ...
- استمرار الاحتجاجات في جامعات أوروبا تضامنًا مع الفلسطينيين ف ...
- الرئيس الإيراني: عقيدتنا تمنعنا من حيازة السلاح النووي لا ال ...
- مظاهرة ضد خطة الحكومة لتمديد استخدام محطة -مانشان- للطاقة ال ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع ...
- أطباء المستشفى الميداني الإماراتي في غزة يستأصلون ورما وزنه ...
- مجلس أميركي من أجل استخدام -آمن وسليم- للذكاء الاصطناعي
- جبهة الخلاص تدين -التطورات الخطيرة- في قضية التآمر على أمن ا ...
- الاستخبارات الأميركية -ترجح- أن بوتين لم يأمر بقتل نافالني-ب ...
- روسيا وأوكرانيا.. قصف متبادل بالمسيرات والصواريخ يستهدف منشآ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ناهد بدوي - سياحة في العيون الحرة