جاك بيده
الحوار المتمدن-العدد: 2068 - 2007 / 10 / 14 - 14:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جيرار دومينيل
جاك بيده
بات شائعاً في فرنسا - بل حتى إلزامياً - "المساجلة" في كل أمرٍ ومع أيٍّ كان. وتؤكّد هذه الدعابات، التي تتناقلها وسائط الإعلام بكثرة، أن المجتمع "مطمئنّ" ومواقف "الشركاء الاجتماعيين" قابلة للتوفيق فيما بينها نتيجة الحوار.
مع ذلك، يثابر البعض على ربط الأفكار والمشاريع بمصالحٍ غير قابلة للاختزال، ولا يمكن خنق تصادمها بواسطة أي "مشاورات" محتملة. وإذا ما حللنا الانشقاقات الكبرى في التاريخ، فإن تفوّق مقاربة كهذه تظهر مباشرةً للعيان. فكيف يمكن لطبقةٍ اجتماعية فرض هيمنتها؟ وفي هذه الحال، بالتحالف مع من؟ التحليل السائد في أوساط اليسار، والمستوحى من كارل ماركس، يقول بأن ثورةً تحدث كلّما باتت المؤسسات وعلاقات الملكية تخدم مجموعةً اجتماعية "عاجزة عن الاستمرار في أداء دورها كطبقة حاكمة" ("بيان الحزب الشيوعي"، 1848). ومن ثَمَّ تعيق قيام مجتمع جديد. ففي عام 1789، طالبت البورجوازية الفرنسية بحريّة الأعمال والأرباح، فاضطرّت عندها إلى مجابهة سلطة تجمع بين طبقتي النبلاء ورجال الدين. وقد انتصرت بفضل تحالف (مؤقّت) مع البروليتاريا.
ولكن لن تحصل هذه الترسيمة لبورجوازية ثورية متحالفة مع الجماهير الريفية والمدينية في مكانٍ آخر. فهناك بورجوازيات أخرى رفضت (أو سترفض لاحقاً) ربط مصيرها بالفلاّحين الفقراء أو البروليتاريين. أمّا في فرنسا، وبحسب المؤرخ ألبير سوبول، "فلم توافق البورجوازية على التحالف الشعبي ضد الارستقراطية إلاّ لأن الجماهير كانت تابعة لها. وفي حالة العكس، لكانت على الأرجح تخلّت، كما في ألمانيا القرن التاسع عشر، وبشكلٍ أقلّ في إيطاليا، عن دعم حلفاءٍ على درجة عالية من الخطورة" ("الثورة الفرنسية"،La Révolution française, PUF, 1965).
ذلك أنّه كان هناك نموذجاً جاهزاً لمن لا يريدون اللعب بالنار، أي دفع الجماهير الثورية (كما في فنزويلا اليوم؟) داخل الحياة السياسية: إنها الثورة الإنكليزية التي جمعت بين البورجوازية والارستقراطية من مالكي الأراضي. هنا أيضاً، لا يعود الخيار إلى أمزجة شخصية أو إلى نقاشٍ فكريّ، بل ترتبط كليّاً بالمصالح. فالارستقراطية الإنكليزية التي دخلت باكراً إلى مجال الإنتاج والتجارة - خلافاً لزميلتها من الجانب الآخر لبحر المانش (فرنسا)، التي كانت أكثر هامشيةً - لم يكن أمامها أيّ سببٍ لمناهضة نمط الإنتاج الرأسمالي الصاعد. فرأينا أنّه في اللعبة الثلاثية، قد تغيّر مجرى التاريخ وفق المسار الذي اختارته البورجوازية في الوصول إلى السلطة مع الشعب أو بالتفاهم مع الأرستقراطية.
ولطالما سعى اليسار إلى تسريع التغيير الاجتماعي عن طريق التعبير عن أولويات "الجماهير الكادحة"، وتعبئتها سياسياً ضد الرأسمالية. وكان عليه، في هذه الحال، إرساء تحالفات - مع الفلاّحين والعمّال المستقلّين إبان الجبهة الشعبية في فرنسا، ومع المهندسين والكوادر لاحقاً - لكن مع الإمساك بالمقوَد. لكنّه، منذ قرابة الثلاثين عاماً، انقلب توجّه العديد من الأحزاب الاشتراكية أو العمّالية، إذ فضّلت "الطبقات الوسطى" على الفئات الشعبية. وخير دليلٍ على ذلك إعادة تموضع "الديمقراطيين الجدد" في أميركا، و"العمّاليين الجدد" في بريطانيا، مثلهم في ذلك مثل غالبية الاشتراكيين-الديمقراطيين الأوروبيين.
وقبل خمسة أعوام، قام الوزير الاشتراكي السابق دومينيك ستراوس كاهن بالتنظير للانمحاء السياسي لبروليتاريا الأزمان الغابرة، عندما كتب يقول: "للأسف، لا يمكننا أن نتوقّع دائماً من الفئة التي هي أكثر حرماناً مشاركةً صافيةً في الديمقراطية البرلمانية. ليس لأنّها تدير ظهرها للتاريخ، بل لأن تدخّلها يتّسم غالباً بالعنف". وهو يخصّ بالمقابل بكل الفضائل "المجموعة الوسيطة"؛ لاسيّما وأنّ، حسب ما يقوله، "التحليل الماركسي المبسّط و خصوصاً العملي" قد بات "متقادماً" caduque: "فمع توسّع ادخارات العاملين، لم يعد التمييز الوظيفي بين مداخيل العمل ومداخيل الرأسمال يتطابق تماماً مع التمايز الشخصي بين الأفراد الذين يعيشون من العمل وأولئك الذين يستفيدون من رأس المال" ("الشعلة والرماد"، La Flamme et la cendre, Grasset, 2002).
وبدورهما، يقترح الخبيران الاقتصاديان جيرار دومانيل وجاك بيده مناقشة بعض أسس التحليل الماركسي. لكنّهما، بدل السعي للتشويش على الدور التاريخي للطبقات الشعبية أو محوها، يقترحان التطلّع إلى تحالفات جديدة على المستويين الوطني والدولي. من أجل، ربما، استعادة الريادة.
* مدير أبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية (EconmiX)؛ وفيلسوف وأستاذ متقاعد في جامعة باريس العاشرة-نانتير
* مساعد رئيس مؤتمر ماركس الدولي الخامس الذي سينعقد في جامعة السوربون وفي جامعة باريس العاشرة-نانتير من 3 إلى 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2007(netx.u-paris10.fr/) .
لوموند ديبلوماتيك
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟