عبد السلام المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2062 - 2007 / 10 / 8 - 12:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كانت حماس قد انتقدت بحدة اتفاق أوسلو الذي بدأ بمرحلة غزة أريحا أولاً، فإن حماس تقبل اليوم بغزة أولاً دون أريحا أو أي جزء من الضفة الغربية. ثمة اتفاقات مريبة على الأرض بين إسرائيل وحماس، فإسرائيل تفضل عملياً الوضع الحالي، أي التعامل مع جسمين وكيانين فلسطينيين، لا يقوى أي منهما على المطالبة بأكثر مما هو عليه الوضع الآن. حماس أوقفت إطلاق الصواريخ التي كانت تستخدمها لمناكفة أبو مازن وليس لتحرير فلسطين، أي أن الخسائر الفظيعة والمؤلمة للشعب الفلسطيني من موت وحصار وتجريف وحواجز وتقييد للحريات، إنما كان بفعل صراع حماس مع السلطة على السلطة ذاتها، ولم تكن حماس يوماً حركة مقاومة ذات أهداف نبيلة أو إنسانية. حتى العمليات ضد المدنيين في إسرائيل كان هدفها توجيه رسالة إلى إسرائيل بأن فتح عنوان خطأ وإذا أردتم السلام والأمن فإن حماس هي العنوان. هكذا بكل بساطة يتضح أن حماس كانت وما تزال عبارة عن مشروع للصراع على السلطة ليس أكثر.
فتح من جهتها لم تثبت يوماً أنها مشروع علماني ديمقراطي، بل على العكس، كانت فتح وما تزال وجه آخر للإسلام السياسي، أي السياسة التي توظف الإسلام والدين لغايات محددة وهي السيطرة على عقول البسطاء والدهماء، وبالتالي يتضح الآن مدى الهوة السحيقة التي تفصل الشعب الفلسطيني عن تحقيق أهدافه، ويبدو أن الإسرائيليين محقين في تصريحاتهم من أن الشعب الفلسطيني غير جاهز لا للسلام ولا لحل الدولتين، ذلك أنه بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وفتح على أجزاء من الضفة، أصبحت إسرائيل في حل من التزامتها الدولية تجاه الفلسطينيين وبالذات تجاه منظمة التحرير التي تسعى لإقامة دولة في حدود 67. حماس من جهتها تفضل النموذج السوري للهدنة مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه، مع تأجيل لكافة القضايا المصيرية مثل القدس واللاجئين بدعوى أننا لم نوقع ولم نتنازل، وإسرائيل تحتاج بالفعل إلى من يحكم غزة ويمنع إطلاق الصواريخ. على الأرض تقوم مجموعات حماس بالتعرض لمطلقي الصواريخ من الفصائل الأخرى بينما ينفي السياسيون على الفضائيات تلك الممارسات، والصفقة المرسومة بين إسرائيل وحماس باتت ظاهرة للعيان: خذوا غزة واحفظوا أمن الحدود. أي مثل الأردن ومصر .. مثلاً، لكن دون توقيع اتفاق على الورق، وإلا كيف سمحت إسرائيل لأعضاء من حماس بالعودة عبر معبر رفح قبل أيام، ما هي الصفقة ؟؟؟ لا أحد يعلم، لأن حماس تشتغل مع إسرائيل من تحت الطاولة، وبعد أن وصلت حماس إلى السلطة، فلا مانع لديها من تطبيق اتفاقات أمنية بحجة المصلحة العليا للشعب الفلسطيني كما يقول أبو زهري، من دون أن يعلم أحد أين كانت المصلحة العليا عندما كان أبو مازن يوشك أن يوقع تفاهمات معينة. مسموح لحماس ممنوع لأبو مازن !
إن واقع التجزئة للشعب الفلسطيني بهدف شرذمته والقضاء على طموحه الوطني، تتحمل مسؤولياته حماس بالدرجة الأولى، وإن سير حماس باتجاه غزة أولاً وغزة أخيراً لا يمكن تفسيره خارج إطار خيانة الشعب الفلسطيني، ولو كان لدى حماس ذرة من الحرص على المصالح العليا على الشعب الفلسطيني، فإن عليها التراجع الفوري عن صفقة غزة أولاً وأخيراً لصالح المشروع الوطني ومؤتمر الخريف، لا أن تكرس الوضع الحالي الذي يخدم إسرائيل لصالح انتفاع قيادة حماس بسلطة غزة وحدها. على حماس أن تتراجع عن حسمها العسكري وأن تعمل على إرجاع الأمور لما اكنت عليه قبل الحسم.
من جهة أخرى، فإن أبو مازن قد أخطأ بتسليم فتح رواتب دون التوجه للأعمال، لأن تلك الأموال تذهب ببساطة لخزينة حماس التي تقاسم الشعب لقمته حتى الغاز والطحين اللذان ارتفعت أسعارهما لأكثر من الضعف لأجل أن تعوض حماس شيئاً من الحصار المفروض عليها. الأوضاع في غزة قاتلة والحصار ظالم، وحماس تحيل الحصار على الشعب المسكين ليدفع ثمنه الغلابا والمستضعفين والعاطلين عن العمل، هل هذا هو الإسلام ؟؟؟ أليست العمليات الهمجية ضد المدنيين في إسرائيل والتي تسببت في بناء الجدار خيانة لأهداف الشعب الفلسطيني ؟؟؟ أليس قمع الحريات والصحافة خيانة ؟؟؟ أليس قبول صفقة غزة أولاً وأخيراً خيانة ؟؟؟ أليست سرقة طحين الناس والفقراء والمواد الأساسية خيانة ؟؟؟
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟