أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سامي عبد الروؤف - مستقبل التحالف الامريكي البريطاني فى عهد براون















المزيد.....


مستقبل التحالف الامريكي البريطاني فى عهد براون


محمد سامي عبد الروؤف

الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 06:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتوقع الخبراء والمحللون السياسيون ألا يؤثر تنحي رئيس الوزراء البريطاني تـوني بليـر عن رئاسة الحكومة البريطانية وانتقالها إلى وزير خزانته جوردون براون ، سلباً على حالة الصداقة الأمريكية البريطانية والتي توطدت دعائمها بشكل ملحوظ طوال فترة حكم بلير (1997 – 2007 ) ولاسيما في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حيث وصلت هذه الصداقة إلى قمتها بتحالف بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب وهو ما تجسد في مشاركة بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في حربيها ضد كل من أفغانستان والعراق عامي 2002 و 2003،وينطلق هذا التوقع من فرضية أساسية مؤداها أن التغيير الذي جري في بريطانيا بانتقال زعامة حزب العمال البريطاني " الحزب الحاكم في بريطانيا منذ عام 1997 وحتي الآن " ومن ثم رئاسة الحكومة البريطانية من توني بلير إلى جوردون براون لا يعدو سوي أن يكون تغييراً في الشخصيات والوجوه وليس تغييراً في الأفكار والتوجهات والدليل على ذلك أن البيت الأبيض لم يبدي أية مشاعر للقلق تجاه مسألة تغير القيادة السياسية البريطانية ولم تصدر أية تصريحات رسمية من جانب الإدارة الأمريكية الحالية تعبر فيها عن قلق الولايات المتحدة الأمريكية إزاء الجدل الذي تصاعدت وتيرته داخل المجتمع البريطاني قبيل قدوم جوردون براون للسلطة في بريطانيا بل إن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أعلن في ٍمعرض إجابته على أحد التساؤلات التي وجُهت إليه أثناء إحدى المؤتمرات الصحفية في شهر مايو الماضي حول توجه إدارته بخصوص مسالة انتقال السلطة في بريطانيا من بلير إلى براون بأنه يتطلع للعمل مع جوردون براون مشيراً إلى إنه التقي معه في أكثر من مرة ووجده شخصاً منفتحاً وفعالاً على حد تعبير الرئيس الأمريكي، كما أعرب بوش عن ثقته في أن براون لن يتخلى عن المبادئ التي ألتزمت بريطانيا " تحت قيادة بلير" بتنفيذها في العراق بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها ترسيخ أسس الديمقراطية الليبرالية بالمجتمع العراقي وجعل العراق نموذجاً ديمقراطياً يحتذي به لدي كافة بلدان الشرق الأوسط ، وأضاف بوش في هذا السياق بأن براون يتفهم جيداً عواقب الفشل في العراق وذلك قبل أن يبادر براون نفسه بالقول بأنه " لا يفضل وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق"، وهو ما يوضح أن واشنطن لن تلاقي أيه صعوبات على طريق استمرار تحالفها مع لندن بعد أن تنحي بلير طواعية عن السلطة في السابع والعشرين من يونيو 2007 بسبب الضغوط الداخلية المتزايدة التي واجهها بسبب قرار المشاركة في شن الحرب على العراق عام 2003 - بل يمكن التكهن بأن الإدارة الأمريكية تشعر بمزيد من التفاؤل إزاء إمكانية التعاون مع حكومة براون بشكل لا يقل على الإطلاق عما كانت عليه حالة التفاعلات الأمريكية البريطانية طوال سنوات حكم بلير، غير أن ما يثير الانتباه هو تصريح جوردون براون في أعقاب إعلان بلير عن دعمه له – أي براون - كزعيماً لحزب العمال البريطاني بأن " هناك أخطاءاً قد ارُتكبت في العراق " دون أن يحدد براون طبيعة أو ماهية هذه الأخطاء وهو ما يطرح تساؤلاً محورياً حول ما يمكن أن يقوم به براون من تغيير في أعقاب توليه مهام القيادة في بريطانيا فيما يتعلق بوضع القوات البريطانية الموجودة في العراق خاصة وأن رؤية براون للموقف في العراق تبدو ذو طبيعة مزدوجة قد تظهر على إنها متناقضة في بعض الأحيان ففي الوقت الذي يعرب فيه براون عن رفضه لتحديد جدول زمني لانسحاب القوات البريطانية من أراضي العراق وهو المطلب الذي أصبح شعبياً داخل بريطانيا في ظل ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في معسكرات الجيش البريطاني بالعراق إلا إنه يصرح في الوقت ذاته بأن هناك أخطاءاً قد ارتُكبت في العراق هذا في الوقت الذي يدرك فيه براون بأن السبب وراء تنحي بلير هو عدم اعتراف الثاني بوجود أخطاء تتعلق بإدارة الوضع في العراق في أعقاب الإطاحة بنظام حكم صدام حسين والأهم من ذلك أن بلير لم يعترف حتى لحظة خروجه من السلطة بأن إدارته قد ضللت الشعب البريطاني وقامت بغزو العراق وفقاً لمعلومات إستخباراتية غير سليمة دارت بالأساس حول الزعم بسعي النظام العراقي السابق إلى حيازة أسلحة الدمار الشامل وصلته بتنظيم القاعدة، هذا بالإضافة إلى رفض بلير القاطع للدعوات المطالبة بانسحاب القوات البريطانية من العراق بحجة رفضه لمبدأ انسحاب القوات البريطانية قبل إتمام مهمتها في العراق على حد تعبيره ، وهو أمر - أي عدم اعتراف بلير بوجود أخطاء تتعلق بإدارة الوضع في العراق ورفضه لسحب القوات البريطانية من بلاد الرافدين - يراه الكثير من قدامي الساسة البريطانيين بأنه يشكل تحدياً محورياً لبراون حيث تقع على عاتقه مهمة ترويض الشعب البريطاني الذي فقد الثقة في بلير ومن قبله في حزب العمال بعد ثبوت زيف المبررات التي ساقها بلير لغزو العراق عام 2003 وبالتالي فإن براون عليه أن يبتكر ويطور من الوسائل والأساليب الإستراتيجية ما يلزم لإحداث تغيير ملموس فيما يتعلق بوضع القوات البريطانية في العراق بما يحقق قدراً من إعادة الثقة لحكومة العمال داخل بريطانيا ودون أن يكون هذا التغيير ذو نتائج سلبية على جوهر الصداقة الأمريكية البريطانية خاصة وأن براون مطالب بأن يضع نصب أعينيه مكانة حزب العمال التي تدهورت بشكل ملحوظ طوال السنوات الأربع الماضية – أي منذ مشاركة بلير في حرب العراق– خاصة وأن الانتخابات العامة التي ستُجري في عام 2009 ربما ستشهد أفول نجم العماليين في سماء السياسة البريطانية وذلك استناداً إلى أن الشعب البريطاني ربما سيفضل إيجاد نوعاً من التغيير في الحكم من خلال التصويت لصالح حزب المحافظين الذي استطاع قادته وعلي رأسهم ديفيد كاميرون أن يستغلوا الموقف في العراق وخاصة مع تصاعد أعداد القتلى في صفوف الجنود البريطانيين لتفتيت شرعية حزب العمال وهو الأمر الذي يمكن اعتباره على أنه أحد أبرز الأسباب التي دفعت ببلير للتنحي عن منصبه وعدم استكمال فترة ولايته الثالثة في الحكم والتي تنتهي بحلول عام 2009 ، وبالتالي فإن رئيس الوزراء البريطاني الجديد جوردون براون سيواجه إشكالية مستعصية على الحل تتمثل في العمل إنقاذ مكانة حزب العمال داخل بريطانيا ومواجهة ضغوط المعارضة في آن واحد والاحتفاظ في نفس الوقت بعلاقات سياسية متميزة مع واشنطن وتنبع الإشكالية في هذا الإطار من أن معظم قوي المعارضة داخل مجلس العموم البريطاني وخارجه تري في أن رضوخ بلير لمطالب الإدارة الأمريكية في إطار الحرب على الإرهاب وبالأخص في الأزمة العراقية الأخيرة قد أدي ببريطانيا إلى تحمل نتائج باهظة سواء مادياً أو بشرياً تمثلت في تحميل ميزانية بريطانيا بتكاليف حرب كان من الممكن أن يتم تكريسها لإصلاحات داخلية حقيقة ولاسيما في قطاعات التعليم والصحة والبيئة علاوة على سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف القوات البريطانية الموجودة في العراق ومن ثم تطالب معظم قوي المعارضة السياسية داخل بريطانيا وعلى رأسها حزب المحافظين والعديد من منظمات وهيئات المجتمع المدني ببريطانيا بضرورة تحلل قيادة حزب العـمـال من حالة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وإعلاء المصلحة القومية البريطانية ورفع شعار " بريطانيا أولا ً" كمحرك أساسي للسياسة الخارجية البريطانية ، وبناء على ذلك يمكن القول بأن براون سوف يجد نفسه في حيرة من أمره فهو مطالب بإتباع أحد سيناريوهان فإما أن يقوم بالالتزام بنهج سلفه توني بلير ومن ثم العمل على توطيد أواصر الصلات الأمريكية البريطانية من خلال مساندة السياسات الأمريكية والانغماس في تحالفات إستراتيجية متنوعة ومختلفة مع إدارة بوش إرضاءاً لأهداف هذه الإدارة وتجاهل الرأي العام الداخلي في بريطانيا مثلما فعل بلير من قبل وإما أن يقوم براون بتخفيض مستوي التحالف الإستراتيجي مع واشنطن بهدف إنقاذ حزب العمال الذي يواجه أزمة حقيقية للغاية تتمثل فى انحسار مستوي شعبيته نتيجة لعدة عوامل أولها ممارسات توني بلير وعلى رأسها كما سلف البيان المشاركة في حرب العراق وفقاً لمعلومات إستخباراتية مضللة وثانيها العديد من الفضائح الوزارية بحكومة العمال في عهد بلير هذا بالإضافة إلى فضيحة مقاعد مجلس اللوردات البريطاني والمعروفة اختصاراً باسم Cash-For-Honours-Affair والتي أضرت ضرراً بالغاً بسمعة حزب العمال فى الأوساط السياسية والشعبية داخل بريطانيا وهو ما ظهر جلياً في التقدم الملحوظ الذي حققه حزب المحافظين في الانتخابات المحلية الأخيرة على حساب حزب العمال – غير إنه ينبغي ملاحظة أن براون قد يتبع أسلوباً براجماتياً في التعامل مع الإشكالية السابق توضيحها من خلال التفاني في إجراء إصلاحات داخلية موسعة وبالأخص في قطاعات التعليم والصحة والبيئة التي طالما وجُهت الانتقادات إلى سياسات حزب العمال فيما يتعلق بالقطاعات الثلاثة المذكورة وإستغلها حزب المحافظين بقيادة كاميرون لإضعاف شعبية بلير وزيادة شعبية حزب المحافظين وشعبيته هو شخصياً ، والعمل على تقديم مزيد من السياسات المجتمعية الهادفة إلى استعادة ثقة المواطن البريطاني بحكومة العمال بحيث يستطيع براون على خلفية الرضا العام والقبول الشعبي الذي ستحققه برامجه وسياساته الداخلية الجديدة أن ينطلق في الاستمرار في التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكن بصورة مختلفة إلى حد ما عما كان عليه هذا التقارب في عهد بلير حيث سيسعي براون إلى الحفاظ علي الروابط الوثيقة بين حكومته وإدارة بوش دون أن يظهر للبريطانيين في مشهد الخاضع الذليل لواشنطن على أساس أن كثير من البريطانيين يرون أن بلير قد أضر سمعة ومكانة بريطانيا في السياسة العالمية من خلال تبعيته المفرطة لإدارة بوش وولاءه الأعمى لها، كما أن براون سيحاول قدر الإمكان أن يجعل هناك قدراً من التشاور بين لندن وواشنطن دون أن تفرض واشنطن على لندن أراءاً وتوجهات معينة فيما يخص التعاطي مع العديد من القضايا الداخلة في إطار علاقاتهما المتبادلة بحيث يظهر براون للبريطانيين على إنه ليس تابعاً للإدارة الأمريكية وخاضعاً لها مثلما كان عليه بلير وهو ما قد يساهم في استرداد حزب العمال لعافيته في الساحة السياسية البريطانية بشرط أن يستطيع براون استخدام الشرعية والمصداقية اللتان من المفترض أن يحققهما من خلال برامجه وسياساته الداخلية التي ينوي تبنيهما لخدمة أهداف ومصالح البريطانيين – لإقناع الشعب البريطاني بأهمية التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية وضرورة استمرار شراكتهما السياسية والإستراتيجية علي نفس النحو الذي كانت عليه في ظل قيادة بلير مع وجود تغييرات طفيفة تتمثل في محاولة براون إضفاء تغييراً شكلياً على علاقات بلاده مع واشنطن دون إحداث أية تغييرات جوهرية في مضمون العلاقات الأمريكية البريطانية بحيث يظهر براون للبريطانيين في صورة الحليف الناقد لواشنطن وربما سيحاول براون أن يُحسن استغلال التصريحات المتكررة لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية والتي تدافع فيها بقوة عن أهمية احتفاظ المملكة المتحدة برابطة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية - في إقناع الشعب البريطاني بمدي أهمية استمرار الصداقة مع الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة التي ستليها في حكم الولايات المتحدة وذلك بحكم التقدير المعنوي الذي يحظي به القصر الملكي البريطاني لدي كافة أفراد الشعب البريطاني بحيث يبدو براون على إنه ملتزماً ومتبعاً لتعليمات القصر الملكي بما يساهم في رفع مستوي شعبية براون، هذا علي الرغم من عدم إلزامية مثل هذه التصريحات والتعليمات بالنسبة للحكومة البريطانية على الإطلاق – غير أن نجاح براون في إقناع البريطانيين بأهمية التواصل مع البيت الأبيض على المستوي السياسي سيكون مرهوناً بأمرين أساسيين : أولهما مدي نجاح حكومته في تقديم نتائج إيجابية ملموسة يشعر بها المواطن البريطاني ويلمسها فيما يتعلق بالسياسات الإصلاحية الجديدة التي سيتبناها حزب العمال تحت قيادة براون في كافة القطاعات المجتمعية وعلى رأسها الإصلاحات في قطاعات الصحة والتعليم والبيئة ، وثانيها مدي قدرة حكومة العمال على مواجهة انتقادات حزب المحافظين المعارض وذلك على أساس أن حزب المحافظين سيعمل على شن حملات موسعة من خلال البرلمان " مجلس العموم " لانتقاد ممارسات العماليين وسياساتهم بهدف أن يثبت المحافظون للبريطانيين بأن حكومة براون لم تقدم الجديد لأبناء الشعب البريطاني وإنها تتطابق في توجهاتها وسياساتها مع حكومة بلير .

ورغم توقع البعض لإمكانية قيام براون باتخاذ سياسات مغايرة بعض الشيء لسياسات سلفه توني بلير سواء داخلياً " إصلاحات اقتصادية واجتماعية " أو خارجياً " محاولة إدخال نوعاً من التغيير على شكل العلاقة مع الولايات المتحدة والعمل على زيادة دور بريطانيا في عدد من القضايا الدولية كقضايا منطقة الشرق الأوسط ومشكلات القارة الإفريقية وكذلك الاهتمام بتدعيم رابطة الكومنولث .... إلخ " ، إلا أن هناك عدداً من التحليلات السياسية الغربية وبالأخص عدداً ليس بالقليل من التحليلات الصحفية بكبري الصحف والمجلات البريطانية - تري بأن مسألة انتقال السلطة من بلير إلى براون ليست سوي مسألة إحلال اسم مكان اسم آخر وأن المقصود من تنحي بلير ليس أكثر من امتصاص الكثير من حملات الانتقادات والمعارضة العنيفة لسياسات الحكومة العمالية وإعادة إستناسخها في صورة أخري ، ونتاجاً لذلك فإن خطوة التسليم والتسلم التي قام بها بلير وبراون تمثل حلاُ مناسباً من جانب العمال لنفض أيديهم من حمامات الدم العراقية وهي أيضاً يمكن توصيفها على إنها إجراء ذكي إلى أقصي درجة من جانب واضعي ومخططي سياسات الحزب لإتاحة الفرصة أمام براون لتثبيت أقدامه في الحكم واكتساب مزيد الخبرة العملية والشعبية قبل أن يواجه زعيم المحافظين ديفيد كاميرون في الانتخابات العامة المقبلة للتنافس على منصب رئيس الوزراء البريطاني في عام 2009.

وتجدر الإشارة إلى إنه في الوقت الذي سعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى إطلاق الكثير من عبارات الترحيب والإشادة بجوردون براون بهدف استقطابه بحيث يصبح حليفاً طيعاً لها في مجال الحرب على الإرهاب مثلما كان عليه بلير في السابق إلا أن الإدارة الأمريكية لم تتناسى الإشادة بجهود رئيس الوزراء البريطاني المتنحي توني بلير على الرغم من الانتقادات الحادة سواء الداخلية أو الخارجية التي وجُهت لبلير فيما يتعلق بعلاقته بالرئيس بوش حيث وصف الرئيس بوش – بلير- بأنه من أقوي القادة في القارة الأوروبية وإنه ظل أحد أبرز المدافعين عن حرب تحرير العراق لدرجة إنه كان يدافع عن قرار الحرب حتي في الفترات التي كان يواجه فيها حزب العمال البريطاني انتقادات شرسة بسبب هذه الحرب وتطابق توجهات السياسة الخارجية البريطانية مع مواقف الولايات المتحدة تجاه العديد من القضايا الدولية ولاسيما الموقف من العراق، ويلاحظ أن سبب إقدام الإدارة الأمريكية على الإشادة بالجهود التي بذلها توني بلير طوال سنوات حكمه في مجال السياسة الخارجية يكمن في المساندة القوية التي قدمها بلير لإدارة بوش الابن في أعقاب أحداث سبتمبر 2001 في مجال الحرب على الإرهاب وخصوصاً حشد الدعم والتأييد لقرار الولايات المتحدة بغزو كل من أفغانستان و العراق عامي 2002 و2003 على الترتيب " لاحظ في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر زيارات بلير لعدد من الدول الأوروبية قبيل غزو العراق لإقناع القوي الأوروبية المعارضة لحرب العراق آنذاك بمساندة قرار الغزو " وهو الدعم والتأييد اللذان دعما موقف الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص القضية العراقية على الرغم من افتقاد المبرر القانوني لشن الحرب على نظام صدام حسين حيث وجدت الإدارة الأمريكية في توني بلير أفضل نموذج لمن يؤيدها ويضفي الصفة العالمية على خطر الإرهاب وهو ما حدا بوزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول "2000 – 2005 " إلى اعتبار بلير على أنه ذا تأثير بالغ وعميق المدى في سريان حركة السياسة الدولية وإنه بإمكان الإدارة الأمريكية الاعتماد على بلير في حربها على الإرهاب لما له من تأثير إيجابي على الصداقة التي تربط بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وذلك انطلاقاً من كون بريطانيا هي الدولة الأولي التي بادرت بالانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب وهو ما تجسد بمشاركتها العسكرية في الحرب على أفغانستان عام 2002 للإطاحة بنظام طالبان والحرب على العراق عام 2003 لإقصاء صدام حسين من حكم العراق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وهو ما ثبت زيفه لاحقاً وكان السبب الرئيسي وراء تدني شعبية بلير إلى أدني مستوياتها داخل المجتمع البريطاني وتنحيه عن منصبه بعد ذلك وعلى الرغم من أن القضية العراقية تمثل المحور الرئيسي الذي تدور حوله العلاقات الأمريكية البريطانية منذ عام 2001 وحتي الآن إلا أن هناك العديد من القضايا الدولية الأخرى التي تدخل في إطار العلاقات بين البلدين تتمثل أبرزها في إدارة الوضع في أفغانستان في مرحلة ما بعد الإطاحة يطالبان ومواجهة الخطر النووي الإيراني وإحياء عملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط وأزمة إقليم دارفور بغرب السودان والتعاون بين البلدين في إطار كل من منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO ومجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى G.8 وهو ما يوجب علي براون الحفاظ على تحالف بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية نظراً لما تشمله علاقاتهما الثنائية من قضايا متعددة كما سبق الذكر خاصة وأن لندن تدرك جيداً بأن تحالفها مع القطب المهيمن يساعدها على إيجاد دور فعال لها في العديد من قضايا السياسة الدولية وبالأخص قضايا منطقة الشرق الأوسط كالبرنامج النووي الإيراني ومعضلة دارفور بالسودان وعملية السلام في الشرق الأوسط وأيضاً العديد من القضايا الشائكة بالقارة الإفريقية وعلى رأسها مشكلة الفقر في إفريقيا ... وهو ما يوضح أن بريطانيا في ظل قيادة براون ستلهث للحفاظ على صلاتها الوثيقة بواشنطن وهو ما حاول رئيس الوزراء البريطاني براون إظهاره على إستحياء أثناء أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة الأمريكية في مطلع أغسطس الحالي كما أن إدارة بوش الابن ومن سيخلفها في قيادة البيت الأبيض سواء كانت إدارة ديمقراطية أو جمهورية ستعمل على توطيد العلاقات مع بريطانيا في ظل احتياج واشنطن الواضح لبريطانيا باعتبارها معبرة عن الصوت الأمريكي داخل أوروبا والمحافظة على المصالح الأمريكية في حالة حدوث تعارض في المصالح الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوي الأوروبية الرئيسة بالاتحاد الأوروبي علي غرار ما أثبتته خبرة الحرب الأمريكية – البريطانية علي العراق عام 2003 وهو ما قد يثير إشكاليات متعددة على صعيد علاقة بريطانيا بالدول الأوروبية الكبرى داخل الإتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي بدأت تظهر بوادره في تصريحات الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي حينما أوضح بأن "علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة لاينبغي أن تكون على حساب علاقة بريطانيا بأوروبا ككل وإنه على بريطانيا أن تتعامل مع أوروبا من منطلق أن أوروبا بحاجة إلى بريطانيا وأن بريطانيا بحاجة إلى أوروبا " ، هذا على الرغم من إعلان ساركوزي في أعقاب فوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة في مايو الماضي عن رغبته في التقارب مع الولايات المتحدة بصورة كبيرة خلافاً لتوجهات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك .
وخاتمة القول أن تولي براون لمقاليد السلطة في بريطانيا لن يغير شيئاً فى جوهر ومضمون العلاقات الأمريكية البريطانية كما سبق البيان غير أن استمرار براون في دعم واشنطن والتحالف معها قد يسبب له إشكاليتان متباينتان ، أولهما سيكون داخل بريطانيا حيث انحسار شعبية حزب العمال تماماً داخل بريطانيا في حالة استمرار براون في الرضوخ الأعمى للإدارة الأمريكية شأنه في ذلك شأن بلير ، أما الإشكالية الثانية فهي مرتبطة بإمكانية توتر علاقات بريطانيا بالدول الأوروبية الكبرى وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وذلك في حالة قيام براون بإتباع أسلوب بلير القائم على تجاهل إرادة الاتحاد الأوروبي وتغليب المصالح الأمريكية على المصالح الأوروبية غير إنه ينبغي ملاحظة أن الإشكالية الثانية ستكون أقل حدة من الأولي على أساس أن ظهور محور "ساركوزي – ميركل " كبديل لمحور " شيراك – شيردور " سوف يساهم في تخفيف حدة الخلافات البريطانية – الأوروبية في ضوء سعي كل من باريس وبرلين لإحداث حالة من التقارب غير المسبوق مع واشنطن وهو ما قد يرتب ضعفاً وخمولاً سياسياً في دور الاتحاد الأوروبي - المتأزم أصلاً - في السياسة الدولية بوجه عام ، في حين أن الإشكالية الأولي ربما يؤدي تفاقمها إلى الإطاحة ببراون من دواننج ستريت10 من خلال الانتخابات العامة المقبلة عام 2009 بصعود التيار المحافظ إلى سدة الحكم في بريطانيا بعد غياب طويل عن السلطة دام لفترة تربو على العشرة أعوام.

المصادر
1. " واشنطن : شكراً بلير أهلا براون " ، جريدة الأهرام القاهرية ، 20 مايو 2007 ، ص 33 .
2. أنظر : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_6645000/6645153.stm
3. " واشنطن : شكراً بلير أهلاً براون " ، مرجع سابق .
4. أنظر : Tony Blair , " A Battle For Global Values " , Foreign Affairs , January 2007 , pp 84 – 89
5. أنظر : Andrew Grice , " Iraq : Blair s bloody legacy " , The Independent , 1st May 2007 , http://www.independent.co.uk/, 9 June 2007.
6. " المحافظون وأسلوبهم الجديد " ، جريدة الأهرام القاهرية ، 20 مايو 2007 ، ص 33 .
7. " الجارديان : تبعية بلير للسياسة الأمريكية أدت لنتائج كارثية " ،
http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=42205
8. هاني عسل ، " ماذا في جعبة براون " ، جريدة الأهرام القاهرية ، 20 مايو 2007 ، ص 33.
9. أنظر : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_6634000/6634799.stm
10. هاني عسل ، مرجع سابق ، ص 33 .
11. أنظر : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_4287000/4287385.stm
12. عمرو حمزاوي ، " الإتحاد الأوروبي وإعادة تعريف العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية : المسكوت عنه فى خطابات القوي الأوروبية " ، في : حسن نافعة ونادية مصطفي ( محرران ) ، العدوان على العراق خريطة أزمة ومستقبل أمة ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة ، 2003 ، ص 105 ، 106 .
13. أنظر : http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_6643000/6643343.stm
14. " ساركوزي يندد بخطط بوش لمكافحة التغير المناخي ويطالب براون بالتخلي عن آراء الماضي حول أوروبا " ، جريدة الأهرام القاهرية ، 6 يونيو 2007 ، ص 4.



#محمد_سامي_عبد_الروؤف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روسيا تدرج الرئيس الأوكراني في -قائمة المطلوبين-
- -واشنطن بوست- توجز دلالات رسالة روسيا لداعمي كييف بإقامة معر ...
- -كتائب الأقصى- تقصف تجمعا للقوات الإسرائيلية في محور نتساريم ...
- -حتى لو أطبقت السماء على الأرض-.. قيادي حوثي يعرض استضافة صن ...
- مستشار الأمن القومي الإسرائيلي: كنا قريبين من القضاء على يحي ...
- مقترح لهدنة بغزة.. حماس تفاوض وإسرائيل تستعد لاجتياح رفح
- نائب أوكراني يعترف بإمكانية مطالبة كييف بإرسال قوات غربية دع ...
- -أمر سخيف-.. مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعلق على اليوم ا ...
- جمود بمفاوضات انسحاب القوات الأمريكية
- إدانات أوروبية لهجمات استهدفت سياسيين في ألمانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سامي عبد الروؤف - مستقبل التحالف الامريكي البريطاني فى عهد براون