أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوار محمد - قراءة في مجموعة ظلال بلا أجساد















المزيد.....

قراءة في مجموعة ظلال بلا أجساد


نوار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2048 - 2007 / 9 / 24 - 09:24
المحور: الادب والفن
    



صدرت هذه المجموعة القصصية عن دار الكتاب العربي أخيرا ضمن إصدارات " الجزائر عاصمة للثقافة العربية " 2007 وهي المجموعة الخامسة للكاتب والقاص بعد مجموعات : أخاديد على شريط الزمن ، القرص الأحمر ، الشموخ ، الدفْء المفقود .
تضمّ المجموعة الجديدة التي جاءت في 142 صفحة بعد الإهداء ، إثني عشر قصة لم تنشر من قبل وهي : زمن الخوف ، الرحيل ، أشواك على الدرب ، عناقٌ أبديٌّ ، المرافئ المغلقة ، أقوى من الأقنعة ، رجلٌ على الهامش ، تباريح ، التشظّي ، إصرار ، الوجْــد الزائف ، أحياء يتنكّرون للشمس .
وإذا كان القاص خلف بشير وهو من كُتّاب القصة القصيرة منذ السبعينيات من القرن الماضي معروف لدى قرّائه ، ولدى النقّاد برؤيته الواقعية ؛ فإنه في المجموعة الجديدة حاول أن يزاوج بين اتجاهات شتّى ، وأن يجرّب بعض أنواع التقنيات التي كان لها تأثيرٌ فنّيٌّ وجماليٌّ في إبداعه القصصي ، ومنحه أبعادا أخرى ..وبالرغم من هذه المُزاوجة ، ومن تنوّع التقنيات المستخدمة ظلّت الواقعية هي التقنية التي بُنيت عليها أغلب قصص المجموعة ، وإذا أضفنا إلى ذلك التوفيق الذي أصابه القاص في استخدامه للّغة ، وتنويعه بين مستويات القصّ ، وانتقاله من مستوى إلى آخر في خفة ورشاقة ، وسلاسة واتّساقٍ لأدركنا قيمة هذه المجموعة القصصية .
ممّا تتميّز به قصص المجموعة أن كلّ نصٍّ قصصيٍّ تمهّد له مقولة لفيلسوف ، أو حكيم ، أو عبقرية من عبقريات التاريخ الإنساني : كونفوشيوس ، بابليليوس ، بوشكين ، وليام جيمس ،نيتشه ، تولستوي ، برناردشو ، جواهر لال نهرو ، أفلاطون ، جوستاف لوبون .
يبدو القاص منذ البداية في الإهداء الذي يتصدّر المجموعة مُصِرًّا على تفجير تلك القوى الكامنة في الإنسان ، وألاّ تبقى حبيسة جهْل الآخر ، أو طغيانه ، أو إقصائه لهذه القوى التي ينبغي أن تبرز ، وأن تنفجر في سبيل الخير :
« إلى أولئك الذين يُدركون ما في الإنسان من قوى كامنة ، وبإصرار عجيب يفنون أعزّ أيامهم في إبراز تلك القوى وتفجيرها نحو سبُل الخير...
وحدهم متيقنون أن كل شيء في الطبيعة مُسيّرٌ ؛ أمّا الإنسان فهو وحده المخيّر ... وحده الإنسان يملك العقل والإرادة ...وحده الذي في مقدوره أن يكون حُــرًّا إذا شاء .
... إلى أولئك الذين يعلمون أن الإنسان لا يستطيع أن يتطوّر، إذا لم يجرّب شيئا غير معتادٍ عليه ؛ وليس بدعا أن يحلم هذا الإنسان بالنجوم ، ولكن في نفس الوقت يجب ألاّ ينسى أن تبقى رجلاه على الأرض راسختيْن .»
القارئ المدقّق لقصص المجموعة يستنتج أن القاص ينتقي لقطاته من عالم الفقراء والمهمّشين ، والمطحونين في عوالم : الريف ، القرية ، المدن الصغيرة التي لا تختلف عن عالم القرية ، وإن كانت السيادة لِعالمي الريف والقرية ، ويدعو إلى الحفاظ على سكينة الريف ، وحيوات أهله الطيّبين ..ويدين في قصة : " زمن الخوف " الإرهاب الهمجيّ الذي استهدف أحد الرجال الطيّبين ذوي البرّ والإحسان الذي ينجو نتيجة عدم خروجه لصلاة الفجر ، وتكون الضحية ابنته التي تطير أشلاء ، وهي تتخطّى عتبة باب المنزل أين وضعت رجلها على الجسم المتفجر حيث كانت متوجهة إلى المدرسة..تُقتل البراءة وهي تستقبل يوما جديدا ..تخطّ الخطى نحْو رحاب العلم :
ـ ألست أنت الذي زرعت الأمن والطمأنينة في نفوس أبناء القرية ؟ أأنت أم غيرك الذي جذّر في ناسها البسطاء حبّ الحياة والتعلق بالبقاء ؟ أما فتئت تكرر في كل مناسبة :
ـ الحياة يا ناس نعمة ..لننعمْ بها ..في مواساتك لغيرك تكرر دوما : " النوائب امتحان لنا ..لِنتَحَدَّ هذا الامتحان ..لا نستسلمْ بسهولة ..لا نبكي ..إن بكاء الرجال ضعفٌ ومهانةٌ "
ها أنك بكيتَ وأبكيتَ ..ولا تزال تبكي وتُبكي ..
في البداية تناهى إلى أسماع القرويين الطيبين خبرُ الحدث البشع .تسرّب الخوف ليلتها وسكن النفوس .تضاعف الهلع لاستهداف القرية الآمنة ، واستهداف رجلها الطيّب في ابنته البريئة ذات السبع سنوات :
ـ تناهى إلينا أن البنية لمّا اقتربت من مدخل منزل الحاج ، لفتت نظرها ولاّعة ذهبية اللون ..برّاقة ..جميلة الشكل بمحاذاة أرضية عتبة المدخل ..بدهشة الطفولة ..بفضول البراءة ..انحنت ..بالأنامل الغضة لمستها ...فكان ما كان .
ـ يا للهول ويا للبشاعة ..البراءة تدفع ضريبة غيرها في هذا الزمن ال.... قالها أحدهم وقطرات من الدمع تنفلت من عينيه .
ـ حتى المعرفة لها ضحاياها الصغار أيضا ..نطقها أحدهم .
كان صمت تلك الليلة الموالية للمأساة غريبا عن القرية الهادئة ..الوديعة ..ملأ الحزن القلوب كما امتلأت الحناجر صمتا ..ووُرِيت البنية ذات الربيع التاسع التراب عصر ذلك اليوم ..تطايرت صباحه أشلاء ..اختلطت الأعضاء المتناثرة بوريقات الكراسات ..وريقات دُوِّنت بها خلاصات بأنامل غضة تطايرت ..صاحبتها لحظتها انحنت بنية التقاط ولاعة ذهبية اللون ..جذّابة الشكل وُضعت بإتقان بمحاذاة مدخل الجار الثري صاحب المؤسسة ..قدمت البنية كعادتها ..تدق الباب كي تترافق مع رفيقتها وندتها ابنة صاحب المنزل الثري..تطايرت أشلاء ..تضمخت وريقات الكراريس بدمها الطاهر الزكي .. بدهشة الطفولة ..أطبقت على الولاّعة الذهبية اللون ..ولاعة وُضعت بإحكام ..وُصلت بجسم رهيب تحت التراب ..مصيدة كانت معدّة بإحكام لجسم أخر غير جسم البنية .
تطايرت البنية أشلاء ..صعب يومها لملمة الأطراف ..العضلات المتناثرة ..رحلت البراءة وهي تجهل لماذا تطايرت أشلاء ..رحلت وما تدري شيئا عن الأجسام الرهيبة التي تُزرع تحت وجه التربة ..
ومن أجواء المجموعة نقرأ من قصة " الرحيل " :
قال لك أحد أصدقائك يوما و هو يتفحص وجهك أكثر:
ـ لقد تراكمت عليك الأدران، إنك تحتاج إلى صقل و لن تصقلك غير زوجة وفية، و فيما ذهبت أصابعك الواهنة لحظتها تعبث داخل جيبك بالقطعة النقدية الوحيدة التي ستمدها إلى القهواجي مقابل فنجاني القهوة لك وله، رحت تضحك على حالك، و تضحك من كلامه.ص: 17
ونقرأ في الصفحة 20 تلك المعاملة المُذلّة من المسؤول الإداريّ الشبه الأمي للشاب المتخرّج من الجامعة ، والحامل لأعلى الشهادات التخصصية ، ممّا يجعله يُصاب بالإحباط فيختار بين الانتحار ، أو الرحيل ، وهو مصير الآلاف من خيرة الشباب العربي :
مسح مضمون الدبلوم بعينيه، بخبرة المحترفين وضع الوثيقة المزخرفة في الملف، وضعه جانبا مع غيره من ملفات أخرى شبيهة له، ثم التفت إليك، لمحت لحظتها من نظرته علامات من الأسف و العطف الكاذبين. ما كنت تنتظر المعجزة فالجواب عرفته مسبقا قبل دخولك، لكنه الفضول و الأمل معا... إنك فضولي دوما تُـصرّ على معرفة المجهول و الوقوف عليه بنفسك. رئيس المصلحة يخاطبك بنبرة تجاهلية لواقع سوق العمل في البلد:
ـ يا إلهي شاب مثلك في ريعان الشباب، متحصل على إجازات جامعية عالية، دبلوم الدراسات العليا في الفيزياء، يتسول، يتسول منصب عمل، كمدرس في التعليم ، وفي أي مستوى، حتى لو كان المستوى الابتدائي. أية قيمة أدبية أو اجتماعية أو حتى عملية لشهادة جامعية عليا لا توفر لحاملها لقمة العيش. أية قيمة ؟ أية قيمة بالله ؟
لكن بطل القصة آثر الرحيل :
مواطن العشق تتألق مشرقة أخاذة في مخيلتك و الذاكرة تجوب بعيدا . تجذبك إليها بقوة .
لقد اكتشفتُ سرّ الحياة لأجرب مثل غيري … هو سرٌّ لا يمنح إلا للمغامرين.
ومن قصة " رجل على الهامش" نقرأ :
زرعتَ جسدكَ في هذه المدينة منذ خمسة عشرة عاما ..لمّا ضاقت بك رحاب بلدتك وتراءى لك حينها أن الوطن وهْمٌ .. بذلوا الكثير من أجل غرس غير ذاك في ذهنك . في كل مراحل التعليم عملوا المستحيل من أجل إقناعك أن الوطن جنة الله على الأرض لا يضاهيه وطن آخر .
الأعمار بيد الله ، كالعشرات من بني وطنك والأعداد من بني بلدتك ، كان بالإمكان أيامها أنْ يجد المارّون صباحا رأسك مثبّتا على عمود حديدي وجثتك غير بعيدة..الكلّ كان يسرع الخُطى ..يسابق الزمن .. أشياء كثيرة كانت في انتظارهم..مفاجآت ..أحداث ما تعوّدوا عليها ..سلوكات مستجدّة زرعت فيهم الرعب ..افتكّت منهم البسمة ..سحبت منهم الفرح ..
*
حططت رحالك بهذه المدينة النائية الباردة ..قطعت البحار لتصل إليها ..قبل القدوم إليها طفت ربوع الوطن ..قادتك قدماك لكل تجمع عمراني أينما كان ..بحماسة الشباب كان طموحك لا حدود له .. أن يكون لك وجود فاعل على أديمه ..
لمّا ضاقت بك الرحاب ما اخترت هذه المدينة طوْعا..وما كان بإمكانك استخراج المدن المحبوسة في الذاكرة كي تنتقي .. هي مدينة يلفّها الصقيع ..يعشش فيها ..يتمترس فيها ..تراءت لك في البدايات كذلك ..سرعان ما ألفتها وألفتك ..تحولت العلاقة الباردة إلى علاقة حميمية دافئة ..هذه المدينة فتحت لك ذراعيْها ..أحاطتك بالرعاية ..غمرتك بحنانها وعطفها ..طاب لك المقام فيها ..فتمسّكت بها .
بقية القصص بالمجموعة نصوص تُـرافع عن هؤلاء المغلوبين في عالم لا يرحم ..وكما يتبيّن للقارئ أن اللغة التي وظفها الكاتب لغة معاصرة ، تخلو تماما من اللفظ الغريب المهجور، وتنحو نحو السهولة الغير المُخِلّة بالمعنى، وتوصيل الفكرة ولكن في سبْكٍ دقيق وتحكُّم متين ، وتقنية تتراوح بين السرد بضمير الغائب (هو) تارة ، وضمير المخاطب( أنت) تارة أخرى ، أو التراوح بينهما ، وبين الحوار الذي يُعطي حركية أكثر لتحرّك البطل ، وتفاعل الشخوص في القصّ .
إن ما يميّز هذه القصص هي التقنية السريعة في سرد المشاهد داخل القصة الواحدة ، والمتضاربة في الزمان والمكان عبْر رؤية نقدية للواقع الآخذ في التعفّن ..أي أن القصة الواحدة قد تحتشد بالعديد من القصص القصيرة التي تنضوي ، وتتلاقح في نسيج القصة العصيّ لتنتظم في آخر المطاف في كينونة قصصية متكاملة.
قصص المجموعة كلها تحمل قيما إنسانية تدعو إلى التحرّك الإيجابي .. قصص ترافع عن المقهورين ، وتدعو إيحاء وتصريحا إلى النضال الأبدي ضدّ الظلم والقهر ، ومصادرة حقّ الآخر في العيش الكريم .. القصة القصيرة فنٌّ راقٍ والفنّ موقفٌ ووسيلة نضال دوما ، وإلاّ ما هو بفنٍّ .
إن القصة موقفٌ ..القصة فنٌّ له رسالة إنسانية حضارية راقية ؛ وتأكيدا فإن الفنّ الحقيقي في القصّ من أهدافه ليس الإخْبار عن الوقائع والأحداث ، وخلْق فضاءات للبوح فحسب ، إنما من أهدافه الإمتاع من خلال التحكّم في مفاصل اللغة ، وتوظيف جمالياتها حتّى يحسّ المتلقّي أنه ليس قارئا فحسب ؛ بل متلقّيا ومنتجا مشاركا للكاتب فيما يبدع .



#نوار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوار محمد - قراءة في مجموعة ظلال بلا أجساد