أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بوطيب - العصفور الشاعر - قصة














المزيد.....

العصفور الشاعر - قصة


جمال بوطيب

الحوار المتمدن-العدد: 2027 - 2007 / 9 / 3 - 04:41
المحور: الادب والفن
    


... وحين جاءت سكرة الموت، التفت لعصفور المسكين ذات اليمين وذات الشمال، لم يجد من يحدثه. انتظر طويلا ، ثم قال كل شيء للقفص الحديدي الصغير ومات. مات العصفور.. وقيل انتحر . الأشياء الكثيرة التي وجدوها في القفص أثارت أسئلة مقلقة ومحيرة. وجدوا إناء القمح طفحا، فقالوا: شبع العصفور ولم يقو على الأكل. وقالوا: أضرب عن الطعام ولم يأكل. وقالوا:إن الأكل وضع بعدما مات العصفور... تساءلوا ما الذي يمكن أن يكون قد قاله العصفور قبل موته، وعن أي شيء تحدث.. وبماذا أوصى، وكيف مات؟؟ تأسفوا في أعماقهم وقال كل واحد في سره:
" ياليت العصفور لم يمت. وياليت سليمان لم يمت وياليت الموت لم يكن".
كان بويب القفص الحديدي الصغير مشرعا. حين لاحظوا ذلك تساءلوا لماذا لم يهرب العصفور؟ ولماذا لم يأكل؟ كانت أسئلتهم كثيرة ، وأجوبتها لا يملكها أحد غير العصفور. ولا يفهمها أحد غير سليمان. لكن العصفور مات. وسليمان أيضا مات. والأسئلة وحدها لم تمت. فمن فتح البويب؟ ومن قتل العصفور؟ ومن اشترى القمح ووضعه في الإناء ومن صاحب القفص؟ ومن أين ينحدر العصفور؟ لا أحد يدري.
في التحقيق قال القفص الحديدي الصغير:" لم أفهم كثيرا من كلام العصفور. كان في أول الأمر يغرد تغريدا حزينا، ومن مدة لم يغرد. كان كثيرا ما يتحدث عن حبيبته وأيام الحصاد والزفاف والجنة. سمعته يوما يقول: إن الأجنحة نعمة ربانية لا ينبغي أن تكون لغير العصافير، وكان كثيرا ما يقول: إن من لم يحب لن يكون في وسعه كتابة قصيدة ، وإنه لا احد غير العصفور يستطيع أن يكتب حرفا واحدا عن القفص، وكان آخر ما فاه به. وهو يحتضر:
- إني لم أوفق في الكتابة عنك يا عزيزي، فكن أصيلا أيها القفص الحديدي الصغير واكتب عني.
قال طائر نصب نفسه للدفاع عن العصفور: العصفور لم يمت وإنما قتل. وما قاله القفص ليس بكلام القفصان، وفيه كثير من الغلو. صحيح أن العصفور كان عاشقا، ولكنه لم يتمن قط أن يصبح شاعرا... وإن كنت شخصيا لا أنكر التقارب بين الشعر وكلام العشاق.
وحين وقفت حبيبة العصفور المسكينة على قبره، تركت الدموع تنحدر على خديها الشاحبين بكل حرية وقالت:
- نم مطمئنا يا حبيبي. فلست العصفور الوحيد في العالم. سيستمر العشق وتنظم القصائد وتنشر الأخبار. نم ، فقاتلك ساومك على بيع جناحيك لكنك أبيت، فقتلك. نم فقد قالت عصفورة مجربة: نحن الفقراء ننظر دائما إلى ما يملكه الأغنياء، ونتمنى أن تزول تلك النعمة عنهم. وها أنت ترى كيف أن صاحبك طمع في جناحيك وكيف أن الحكمة قلبت. فلا تبتئس. فإن كانت لهم الأرض فإن الأرض لنا والسماء.
قال صاحب القفص ودمعة يتيمة تنحدر ببطء على خده: يشهد الله أني كنت أحبه... وكان المرحوم يحب عصفورة لا أعرفها...واحتراما لحبهما فتحت له بويب القفص الحديدي الصغير ليذهب إليها.
وفي الصباح وجدته جثة هامدة. احترت ماذا أفعل. بكيت كثيرا ولكن غليلي لم يشف... وأنا الآن أطالب، سيدي القاضي، بالتحقيق في هذا الأمر وكشف القاتل.
مسد القاضي الوقور لحيته البيضاء وقال: ".... ثم إن وفاة عصفور لا ينبغي أن تعطل مصالحنا، و بإمكان كل من تمسه وفاة هذا العصفور أن يراسل شركة التأمين الوطنية مطالبا بالتعويض، وينتظر الرد".
وحين صارت قاعة المحكمة فارغة، تقدم الشاهد الذي رفضت هيئة القضاة السماع لشهادته نحو طاولة القضاة. تصورهم يسمعونه. قال:
- صدقوني، أنا الذي شاهدت وفاة أكثر من عصفور ...أعرف آخر الكلمات التي ينطقون بها. ولو لم يمت العصفور.. ولو لم يمت سليمان لتأكدتم من صدق قولي. لي اليقين أن العصفور وهو يلفظ آخر أنفاسه كان يردد:
- " أضاعوني وأي فتى أضاعوا..."



#جمال_بوطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاغة الضمير في النبوة الكنعانية- كتاب الرماد لعبد الله رضوا ...
- السرد ديوان العرب : تأصيل النسب
- الموت المغربي : رؤى نصية
- الجماعات المحلية والتنمية الثقافية


المزيد.....




- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بوطيب - العصفور الشاعر - قصة