عراق الطوابير

حذام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2025 - 2007 / 9 / 1 - 10:44
المحور: كتابات ساخرة
    

أنا أقف في الطابور.. أذن أنا موجود ... هذا ما يفكر فيه العراقي هذه الأيام، فالحياة في العراق أصبحت متاهة من الطوابير.. بل ليس هناك مكان ولا زمان دون أن يكون هناك طابورا من البشر المنهكين المتعبين من طول الانتظار.. فعندما تتنقل في الشارع العراقي تفاجئك طوابير على أفران بيع الصمون والخبز، ولا ادري حقيقةً لماذا هذا الطابور بالذات !!! فأفران الصمون والحمد لله قريبة من تعداد العراقيين .. تبتعد مسافة لتجد آخر على طول الشارع، فتكتشف انه طابور محطات البنزين، ورغم تصريحات المسؤولين بقرب حل هذه الأزمة وزيادة كمية مادة البنزين، لكن الحقيقة أن الذي زاد وكثر هو عدد الطوابير لتسد بذلك الشارع ويصبح عبارة عن مدخل لا يتسع إلا لسيارة واحدة ذهابا وإيابا .. والطريف، بل الغريب أن طوابير محطات البنزين تزداد طولا وعرضا لتتجاوز مسافة مدينة كاملة، بحيث انك تقف طويلا تفكر هل يعقل هذا؟!! أن يضيع يومك بالانتظار؟ وهل كمية المخزون من بنزين المحطة يكفي هذا العدد اللامتناهي من السيارات؟!! إلا أن أصحاب السيارات يبدو أنهم متفائلون ولديهم أمل كبير بالحصول على الكمية أو الحصة المقررة لهم.
نعود إلى موضوع الطوابير، فهناك سلسلة منها في نقاط التفتيش الموزعة على طول شوارع بغداد، ويقال والله اعلم أنها للحفاظ على سلامة المواطنين .. والمفارقة أنك عندما ترى الأعداد المهولة للسيارات المتراصة مع بعضها والمتنافسة على أي منفذ لاختراق نقاط التفتيش .. تجزم بان أي إرهابي سيجدها فرصة ذهبية له للقضاء على أكبر عدد من الأبرياء اللذين تزداد طوابيرهم يوميا.. لنكتشف في النهاية أنهم أيضا واقفين في طابور رهيب، لكنه هذه المرة طابورا بانتظار النهاية.. إن لم يكن اليوم فغدا.
وتستمر بالسير في هذه الشوارع التي باتت تئن من كثرة ضغط الإنفجارات وهول ما يحصل عليها يوميا، وهنا ستكون على موعد مع طابور من نوع آخر، فهو متفرع إلى عدة طوابير ملفوفة بطريقة حلزونية منتظمة، أو غير منتظمة، لتتفاجأ بأنها لأعداد هائلة من البشر اللذين افنوا عمرهم في خدمة البلد لينتهي بهم المطاف عند هذا المكان البائس الذي يسمى دائرة التقاعد العامة، حيث توزعم على المصارف لاستلام رواتبهم الهزيلة (مثل أجسادهم) حتى بعد كل الزيادات التي تكرمت بها الحكومة،.. الغريب ان كل التصريحات من لدن المسؤولين في الدولة توضح وتؤكد بأنهم حريصين ومتفانين في خدمة المواطن، لكن المواطن يبقى هو الخاسر دائما، وهو الضحية وسط كل هذه الملحمة من الصفقات والاجتماعات والمؤتمرات، ولم يشمل بشيء إلا بالانفجارات والاغتيالات والاتهامات .....!

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات