أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام زه‌ندي - وهبنة الإسلام و وهبنة الحياة















المزيد.....

وهبنة الإسلام و وهبنة الحياة


سلام زه‌ندي

الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 11:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإسلام دين ظهر في حقبة تأريخية معينة و لأسباب إقتصادية وإجتماعية وسياسية معروفة. فعند ظهور الإسلام ما کانت البشرية خالية من الديانات و الحضارات، وما کانت الدنيا غارقة في الظلمات والجهل. ظهور الإسلام ، کباقي الحرکات الإجتماعية الأخري، کان لأسباب إجتماعية و إقتصادية وفکرية خاصة بالمنطقة وبترکيبتها الجيوسياسية آنذاك.
مع عقلنة عملية التفکير البشري وتنقية العقل من الخرافات وإبتداء تحرير الإنسان من واقعه‌ الوحشي البربري ، بدأ الفکر البشري البحث عن طرق وآفاق أخري لديمومته‌. وبدأت ظاهرة بناء المجتمعات البشرية المبنية علي أسس واقعية وعقلانية تظهروتسود . وبطبيعة الحال وصل هذا‌ النموذج الفکري الجديد المتمثل بعقلنة الحياة وبأنسنة التعامل مع الإنسان الي منطقة الشرق الاوسط . ففي هذه‌ المنطقة الموبوءة بالغيبيات والمحکومة بإلغاء العقل کانت عملية إنتشار الرؤي العقلانية للحياة غير موفقة. ولکي نفهم وضعنا الفکري فهما واقعيا وتحليل الأسباب الأساسية وراء هذا الکم من التخلف والخواء الفکري الذي يسود المنطقة، يحتم علينا الموضوعية في التفکير. والموضوعية تحتم علينا تفسيرظاهرة إلغاء العقل في هذه‌ المنطقة والبحث عن اسبابها في تأريخ المنطقة وفي ترکيبها السکاني و العرقي والفکري وهيکل إقتصادها القديم و الحديث، وليس في الغيبيات أو في هلوسات دونکيشوتية قومية بالية.

طرق البحث العلمي في العلوم الإجتماعية تختلف عن الآليات البحث العلمي في ( علي سبيل المثال وليس الحصر) العلوم الطبيعة. البحث في ظاهرة إجتماعية أو طبيعية ومحاولة تفسيرها لإيجاد حلول لها يحتم علي الباحث الموضوعية. الموضوعية في العلوم الطبيعية ليست قابلة للمناقشة بينما في العلوم الإجتماعية قد تضل الموضوعية سبيلها بين الإجتهادات اللاعلمية والإستنتاجات الممزوجة بالرغبات والفهم المسبق للأشياء.
لنأخذ مثالا لتوضيح الفکرة: لعدم وجود ماء مسلم و ماء کافر، نباتات مسلمه‌ وأخري کافرة، فعملية تنقية المياه‌(علي سبيل المثال) في المملکة العربية السعودية و في المملکة السويدية هي نفسها. الترکيب الذري للماء ليس مختلفا في الديار المسلمة عنها في الديار الضالة ،ليس الماء مکون من ذرات مسلمة في المملکة المغربية و من ذرات کافرة في المملکة المتحدة. وطرق مکافحة الجراثيم الموجودة في المياه‌ متماثلة. لأن الجراثيم في پاکستان (التي تعني بلاد النقاء) هي نفسها في الدنمارك، لها نفس الترکيب الأحيائي وتنمو وتختفي لنفس العوامل المؤثرة . لذلك لاخيار أمام الباحث في مجال العلوم الطبيعية ، بعمامة أو بغير عمامة ، في الديار الکافرة کانت أم المؤمنة ، سوي أن يسلك طريق البحث نفسه. أما البحث في أشکاليات ظاهرة إجتماعية معينة فقابل لتأويلات و إجتهادات مختلفة . أحيانا يکون البحث مبني علي الرؤي و القيم الأخلاقية و الإجتماعية السائدة في المجتمع ويجاهد لترسيخهما . وهذا ما يحصل في منطقتنا عندما نبحث في تأريخنا وفي ترکيبة قيمنا الفکرية. هذه‌ اللاموضوعية في فهمنا لانفسنا قد ساقنا الي العقم الفکري . فإن تخليد القيم السائدة وإلغاء التشکك بها ، وتمجيد الماضي وإعلان معصوميته‌ ، و تحريم الموضوعية و التفکير الحر قد حول البحث العلمي في حقول العلوم الإجتماعية في الجامعات والمدارس في الشرق الاوسط الي الشعوذة. بذلك يکون عسيرا ، إن لم نقل مستحيلا ، علي الباحث من الإعلان عن إستنتاجاته‌ وتحليلاته‌ إذا ما خالفت هذه‌ الأخيرة القيم الإجتماعية السائدة. وبهذا يکون موت العقل وهروب الوعي لا مناص منهما.

الديانة المسيحية أجبرت نفسها علي الإمبراطورية الرومانية بعدما رأت الإمبراطورية بأن الدين الجديد قد يساعدها علي الحفاض علي وحدتها وتقوية شرعيتها . وهکذا إحتضنت الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية وضمتها في هيکلها الإجتماعي ودمجتها في مؤسساتها وقيمها الإجتماعية السائدة . وبذلك لم تکن هناك حاجة لرجال معصومين ، خلفاء الله‌ علي الارض ، لمحاربين يقتلون الناس ليدخلوا الجنة. الهيکل الإجتماعي و السياسي للامبراطورية لم يتغير. النخبة السياسية لم تتغير. فکل ما حدث هو إستحداث فئة إجتماعية جديدة بجانب الفئات الفاعلة من القادة السياسيين و العسکريين وهي فئة رجال الدين. ولکن ما حدث عند إنتشار الإسلام في منطقة الشرق الاوسط هو إسقاط إمبراطوريات وإستبدال الفئات الحاکمة کليا ، وتغير جذري في الهيکل الإجتماعي والترکيب العرقي للمنطقة. وهذا التغيير حدث بشکل مذهل و سريع و دموي . فاصبح الحاکم الجديد معصوما، فهو خليفة الله‌ و السلطان والمجاهد والمحارب والفاتح وأمير المؤمنين. الترکيب الإجتماعي والفکري لهذه‌ الطبقة الجديدة الآتية من الجزيرة العربية ما کانت مأهلة لکل هذا الکم الهائل من التغيرات. والصراعات القبلية بين افرادها ما إختفت علي رغم إمتلاكها السلطة في کل هذه‌ الارجاء الواسعة. فکل قتل و نهب وغدرو إغتصاب وصراع علي السلطة بين افراد هذه‌ الفئة ، وبينهم وبين الآخرين قد أرتکبت باسم الدين. وشرعية الحاکم وسلطته‌ کانت مبني علي سيفه‌ وقدرته‌ علي قتل خصومه‌. کان الحاکم يري بأن (رؤوسا قد أينعت حان خطافها). فالقيم البدوية إرتطمت بقساوة بالثقافات الإجتماعية و السياسية السائدة آنذاك . والنخبة المسلمة ضاعت بين مغريات السلطة وبين القيم التي أتي بها ومن أجلها والمتمثلة بالدين الجديد. هذه‌ الحالة الغريبة قد خلقت ثقافة مبنية علي نفي الآخر، في الحکم وفي السياسة وفي الفکر. هناك سلطان وهناك رعية. کان الحاکم يتهم خصمه‌ السياسي أو الفکري بالمرتد أو المشرك أوالخوارج أو الباطني أو الرافضي أو العجمي أو الشعوبي أوبکونه‌ زنديقا وبعدها کانت إزالة الخصم مشروعا وجهادا.
هذه‌ التقلبات الإجتماعية الحادة والتي طال لقرون قد أحدث شرخا عميقا في شخصية الإنسان الشرق الاوسطي وترکيبه‌ الفکري وتصوره‌ الحضاري . وآثار الإرباك في تکوين شخصية الإنسان الشرق الاوسطي واضحة جدا و خاصة عند إلتقائه بثقافات أخري وإحتکاکه‌ بنظم إجتماعية مختلفة. الفرق الهائل بين تصوره وفهمه‌ للثقافة والحضارة والحرية الشخصية السائدة في مجتمعه‌ وبين الواقع السائد في الثقافات الآخري يجعل الانسان الشرق الاوسطي يحس بانتقاص رهيب و مخيف في وجوده‌ ،و يصاب بنکوص حاد عندما يکتشف فهمه‌ الأعوج عن الانسان وعن الحياة. و التغيير قد يکون عسيرا وخاصة للفرد الذي قد تمال في تصديقه‌ کونه‌ فردا ينتمي لأحسن أمة أخرجت للناس. فهذه‌ الشخصية لامحال شخصية مرتبکة نرجسية خاوية من مستلزمات لإستقبال الجديد ومفلسة من إحداث التغيير. والحل الوحيد لإبقاء وجوده‌ الهش هو رجوعه‌ الي الماضي التليد وإضافة خرافات علي خرافاته‌ ونعت الناس أجمعين بالکفرة والصليبيين. وبهذا يعطي شرعيه‌ لمزاولته‌ القتل وإخفاء الإرباك في شخصيته‌ وتستر علي داء النکوص في تکوينه‌ النفسي. إن رد الفعل لقادة الشرق الاوسط عند إنهيار الإمبراطورية‌ العثمانية و وصول ظاهرة الإستعمارالي المنطقة في بداية القرن الماضي قد يعطي صورة واضحة لهذه الشخصية وآفاق تفکيرها.
وحتي بعد ظهور الدول القومية الحديثة في المنطقة و وصول الفکر القومي اليها من أوروبا لم تتغير الحالة الفکرية ولا التصور الحضاري عند النخبة الجديدة الحاکمة في المنطقة ، لا في منطقهم ولا في خطاباتهم . فکل إخفاقاتهم وإنتکاساتهم کان سببها الإستعمار والصهاينة وليس قصورهم العقلي لفهم الواقع . لم يفلحوا في تحسين العلاقة بين الحاکم و المحکوم وإحداث تغيير في شرعية الدولة وتبني مفهوم المواطنة بدلا من الرعية . وبقي الحاکم حاکما بمفهوم عصر الفتوحات، معصوما وابا وقائدا أوحدا وموحدا للأمة. الأمة نفسها، کمفهوم ، تحولت من کونها مجموعة بشرية تدين بديانة معينة الي مجموعة بشرية ذات إنتماء أثني معين. وظاهرة محکات الماضي وتصور الحاضر بشرائط ومکونات الماضي کانت جلية بشکل خاص عند قادة الشعوب العربية. فالفرد في المنطقة العربية لم يکن يعرف إذا ماکان المقصود بکلمة الأمة هي الأمة الإسلامية أم الأمة العربية . کان هناك قصور واضح عند النخبة المثقفة في فهم مستلزمات الزمن الجديد وإجاد آليات جديدة لمعاصرته‌ ومواکبته .لم يحدث أي إنقلاب في النموذج الفکري السائد منذ عصر الهجمات الإسلامية. النخبة المثقفة لم تناقش ولم تنتقد ولم تحاول تحسين الوضع الفکري لدي الشعوب العربية. والقادة والنخب التي تبنت الفکر القومي والتي تصلطت علي الشعوب العربية بعد الحرب العالمية الثانية تراجعوا وإحتموا تحت عباءة الدين بسسب النقص في شرعيتهم کحکام والنقص الفادح في هيکل نظامهم السياسي. وهکذا کان من الصعب علي الشعوب العربية من التفريق بين حاکما کصدام حسين أو معمر القذافي وبين خالد بن وليد أو القعقاع. الشعوب العربية مرتبكة ، لاتميز بين رئيسا لدولة عصرية في عالم يسودها قوانين دولية ودبلوماسية وإحترام الإنسان ککائن حر وبين محارب يشهر سيفه‌ ويقتل يمينا ويسارا باسم الدين ويلحق دول مستقلة لإمبراطوريته‌ ويدعوا حروبه‌ بالفتوحات ويقعد علي کرس الحکم حتي يوم الدين.

الخلاص من هذا المرض المميت قد يکمن في إعادة قراءة التأريخ قراءة موضوعية و إنسانية ومن منظارمعاصر. يجب إعادة صياغة الکتب التي تدرس في المدارس. فإحتلال اسبانيا بقيادة طارق بن زياد ماکانت فتحا وإنما إحتلال لبلاد کان يقطنه‌ شعوب مسالمة ، تماما کما کان الإحتلال الاوربي لمنطقتنا. فأنه‌ لخطأ فادح إذا إستمرنا بتلقين جيلنا الجديد بأنه‌ ما نفعله‌ نحن من دمار وقتل هو شيء مقبول وندخل الجنة بسببه‌ وما يفعله‌ الآخرون شيء قبيح ومصيره‌ الجهنم. فإنه‌ لخطر مميت بإخفاء إنتقاصاتنا ورکودنا الفکري وتمجيدنا للماضي بدون الحديث عن الوضع الراهن. فوهبنة الدين والحياة والرجوع الي الاحلام لايحل مشکلة منطقتنا. والخطوة الاولي للخلاص هي الديمقراطية ، الديمقراطية في البيت ، في المقهي وفي مؤسسات الدولة ، والخطوة الثانية هي الکف عن صناعة المقدسات و المقدسين (بفتح الدال).
لمن المؤسف بأن مجموعة من المشعوذين يوهبنون الدين ويبدعون في قتل الناس ، لکن الأخطر علي الشعوب العربية هي المجموعة الشبه‌ الأمية أو الشبه‌ المثقفة التي توهبن الحياة نفسها. تستغل التکنولوجا الحديثة لإغتصاب الحقيقة ولخنق الفکرالإنساني الحديث.





#سلام_زه‌ندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام زه‌ندي - وهبنة الإسلام و وهبنة الحياة