|
ربح من دون نهاية: رأسمالية ما زالت في بدايتها
مايكل هاينرخ
الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 11:06
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تشهد النقاشات حول "اشتراكية القرن الواحد والعشرين" صعودًا هذه الايام. مع ذلك، سيكون هذا القرن بالدرجة الاولى على الارجح قرن الرأسمالية اكثر منه قرن الاشتراكية. ليس فقط بسبب وجود تجدد اقتصادي مرة اخرى. تتبادل الازمات والازدهار الاماكن دومًا في الرأسمالية، ولكن خلف هذا المسير من الصعود والهبوط هناك ميول نحو توسع ونمو مطرد للرأسمالية، التي تبتعد عن نهايتها.
المعجزة الاقتصادية كمرحلة
بدأت الرأسمالية الحديثة في القرن الثامن عشر في انكلترا. لقد وضع سير النموذج التطوري لكل من فرنسا، المانيا، والولايات المتحدة الهيمنة الانكليزية موضع السؤال في نهاية القرن التاسع عشر. في النصف الاول من القرن العشرين، نمت الرأسمالية في اميركا اللاتينية وفي الجنوب الاوروبي، ما عدا الثورة الروسية ولاحقًا الصينية حيث اصبح جزءًا مهمًا من العالم خارج نطاق التدخل المباشر لرأس المال. وقد سارت الديكتاتوريات الدولاتية المتنامية في هذه البلدان قدمًا بجانب سيرورة التصنيع التي لم تؤدي الى ضحايا اقل كما حصل في تطور رأسمالية الغرب.
بعد حربين عالميتين، وازمات اقتصادية عالمية تخطت كل الازمات السابقة، وبعد القومية الاشتراكية [النازية] والهولوكوست، اعلنت الولايات المتحدة الاميركية نفسها كقوة رأسمالية مهيمنة مع الاتحاد السوفياتي كنقيض لها. ادت الظروف السياسية والاقتصاد الاستثنائي في اوروبا الغربية واميركا الشمالية الى ازدهار لا سابق له في السنين بين 1955 و 1974, مما ساهم ايضًا في التطور الرأسمالي في اليابان. خلال هذه الفترة من "المعجزة الاقتصادية" ارتفع الدخل الفعلي بشكل دراماتيكي، وازدادت نفقات دولة الرفاه: على الاقل في المتربول، ظهر ان الرأسمالية تخطت الازمات والفقر.
مع ذلك، بدا واضحًا، في السبعينات والثمانينات، ان ازمة الاقتصاد العالمي لعامي 1974/1975 لم تشكل ببساطة عقبة امام هذه المعجزة الاقتصادية. بقي النمو الرأسمالي عرضة للازمة، وكالعادة كان الفرار يقوم على زيادة الصادرات وتسريع التطور التكنولوجي، و فوق كل شيء على استغلال متزايد للقوى العاملة. لقد ركد الدخل الفعلي او هبط، ونقصت نفقات دولة الرفاه بشكل مستمر.
شكلت مرحلة المعجزة الاقتصادية بكل بساطة فصل من فصول التطور الرأسمالي.رغم كل شيء، غاص تأثيرها عميقًا في اللاوعي الجماعي، على الاخص في المانيا. في داخل اغلب الجزء اليساري من الطيف السياسي، ما زال حاضرًا الايمان بفكرة ان مع السياسة الاقتصادية "الصحيحة" يمكن للعمالة الكاملة ان تتحقق؛ ببساطة،على الرأسمالية "غير المقيدة" ان تنظم بشكل جيد من جديد. لكن، فترة المعجزة الاقتصادية سيطرت ايضًا على اذهان اليسار الاكثر راديكالية، باعتبار تطور الرأسمالية منذ المعجزة استُقبل كغوص باتجاه الازمة الاخيرة، او على الاقل كمرحلة في انحدار الرأسمالية، كما لو كان هناك دومًا افتراض بان الرأسمالية ستجلب العمالة الكاملة والرفاه لكل الشعب.لا تشير البطالة والازمات بالمرة الى انحدار الرأسمالية؛ انهما من طبيعتها بالذات.
تمدد الرأسمالية يستمر بشكل نشط، قبل كل شيء في آسيا الجنوبية. صعود "النمور الصغار" الاربع (تايوان،هنوغ كونغ، سينغافورا وكوريا الجنوبية) في السبعينات والثمانينات تبعته في بداية التسعينات "التنانين الصغار" الاربع (تايلندا، اندونيسيا، ماليزيا والفليبين).
الرأسمالية التنافسية العالمية
مع سقوط الاتحاد السوفياتي، تغير النظام الجيو-سياسي لشركائه. من جانب اول، اصبح للرأس المال الغربي الآن ممرًا مباشرًا الى اوروبا الشرقية وروسيا. على الجانب الثاني، لم تعد الاقتصادات الطارئة لآسيا الجنوبية ضرورية بعد الآن كسدّ في وجه "الشيوعية". مع انفجار فقاعة التقلبات الشديدة في 1997/98 و بداهة خطورة تخطي القدرات الصناعية، فان سقوط هذه الاقتصاديات لم تقلق البلدان الرأسمالية المتقدمة. لم يعد يوجد بعد الآن منافس جيو-سياسي حيث يمكن للانهيار ان "يلعب".
بمقابل هذه الخلفية، بانت في التسعينات رأسمالية كونية تنافسية، دفعها الى الواجهة نظام تمويلي معولم تطور في السبعينات واستمر في النمو منذ ذلك الحين. ليس فقط حيث انفتحت الاسواق الجديدة على العالم؛ امكانيات ربح متزايد تم استغلالها عبر سلاسل تقييم عالمية.
في ذات الوقت، الايمان النيو ليبرالي بدولة ضعيفة من دون ديون وصل الى اعلى نقطة في فعاليته. في جولات مستمرة من تخفيض الضرائب، تم مساعدة جماعات الدخل المرتفع والتجار، وخضعت ميزانيات الدولة لاولويات مستمرة من التقشف تطلبت تخفيض الخدمات الاجتماعية وخصخصة مؤسسات الدولة.
بالنسبة لرأس المال، تحسنت شروط التقييم، وفتحت مجالات استثمار جديدة: ليس فقط خصخصة اعمال الدولة، لكن ايضًا خصخصة صناعات العناية ( التأمين الصحي، العناية بالعجزة). تطلبت "المسؤولية الفردية" دومًا من المواطنين ما معناه حصريًا ان عليهم ان يدفعوا المزيد، ليمكن للربح ان ينجز في قطاعات جديدة. النمو المتزايد للرأسمالية، ايجاد مجالات جديدة عبر منطق الربح الاقصى، يسيران قدمًا في البلدان الرأسمالية المتقدمة.
رأسمالية الفقر في القرن الواحد والعشرين
مع الصين والهند، قوتان رأسماليتان جديدتان اصبحتا ملاحظتين بوضوح في التسعينات، ومع 1.3 و 1.1 مليار نسمة على التوالي، تضمان اكثر من ثلث سكان الارض. لقد مر البلدان بنسب نمو اقتصادية هائلة عبر السنين.في وقت يتم استغلال جماهير القوى العاملة في الصين في ظروف تشابه تلك الخاصة بالرأسمالية المبكرة من اجل اغراق السوق العالمي بالبضاعة الرخيصة، فان الهند استطاعت ان تحدث، عبر استثمارات هائلة في النظام التربوي، سوق عظيم من القوة العاملة ذات الاعداد العالي رغم كونها رخيصة (مهندسين، محدثي برامج كومبيوتر، صيادلة) والتي تشكل بالتحديد جاذبًا للمستثمرين الاجانب. في الوقت عينه، التوزيع غير العادل للدخل كما الفروقات في النمو بين المناطق في كلا البلدين زادا بشكل كبير.
ما زال النمو الرأسمالي في الصين والهند في اولى بداياته. قد يكون له تأثير هام على الاقتصاد العالمي والسياسات في المستقبل.لو ظهرت،في كلا البلدين، طبقة وسطى بقوة شرائية في خلال العقود القليلة الآتية-ولو ضمت بوضوح 20 الى 30 بالمائة من السكان، مع الباقي الذي يعيش في القفر- فا ذلك لوحده سيكون سوق من 600 الى 700 مليون شخص، اكبر بكثير من الاتحاد الاوروبي المتسع. في الوقت نفسه، سيؤمن جيش هائل من الفقراء تيارًا من العمالة الرخيصة للعقود القادمة. بالنسبة لرأس المال، كل انواع الامور قد تصبح نادرة في القرن الواحد والعشرين، لكن لن تكون العمالة الرخيصة بينها. سيرتفع مؤشر القيمة المضافة عالميًا__ سترتفع القيمة المضافة النسبية مع التطور التكنولوجي، والقيمة المضافة المطلقة مع زيادة يوم العمل وتخفيض الاجور الفعلية.
حتى في وسط الاقتصاديات المتقدمة سيجبر العمال على القبول باطالة يوم العمل وتخفيض الاجور، وما يحصل حاليًا لدى عمال شركة الاتصالات الالمانية Deutsche Telekom لن يكون بعد الآن استثنائيًا في المستقبل. في المانيا، النمو الكبير في الوظائف تم في قطاع العمالة المؤقنة. في سبيل فرض تدمير في شروط العمل، لن يتم بعد الآن تغيير الاتفاقات التفاوضية الجماعية وطرد العمال. ببساطة يتم ذلك عبر عدم تجديد علاقات الاستخدام.
تتوسع شروط العمل غير الآمنة، ولكن الكلام عن "غياب الضمانات" يفترض غياب عام للمصالح. ان امرأة غير اختصاصية تتنقل بين "عمل بسيط" على صندوق المبيعات في السوبرماركت وبين اعمال تنظيف متعددة لا تملك الكثير من المشترك مع اكاديمي يعمل مؤقتًا في مشاريع بحث متععدة وممولة من القطاع الخاص.
ان اللامساواة لن تزداد فقط داخل البلدان ولكن ايضًا بينها. سيعني الفقر في اوروبا الغربية في السنين القليلة القادمة امرًا مختلفًا عن الضواحي في الاقتصاديات الصاعدة. في بلدان كألمانيا، فائض العمال سيعيش على الارجح بـ"حد ادنى من الدخل اللامشروط" : دخل على مستوى اصلاحات الهارتس الرابع الحالية Hartz IVâ ولكن من دون "حق المراجعة" المكلف، والذي سيستعمل في تبرير التخفيضات في اغلب خدمات دولة الرفاه.
التنافس النقدي وتأكل الهيمنة الاميركية
تواجه الولايات المتحدة كقوة جبارة وحيدة متبقية عدد من القوى الصاعدة الوسيطة : دول "البريك" BRIC (البرازيل،روسيا، الهند والصين Brazil,Russia,India,China) وايضًا ،بوتائر مختلفة من الوحدة، الاتحاد الاوروبي. لقد قادت الخلافات في المؤسسات الدولة كمنظمة التجارة الدولية الى شلل جزئي؛ لقد خضع بنك النقد الدولي ايضًا لتراجع هام في اهميته في السنين القليلة الماضية.
ولكن المنافسة لا تحصل فقط حول الموارد النادرة كالنفط، ولكن ايضًا حول النقد العالمي. لقد جلب الدولار كعملة عالمية للولايات المتحدة مديونية هائلة لا تساهم فقط في رفاهيتها ولكن جعلت من الممكن وضع ميزانية عسكرية تعادل بكبرها ميزانيات كل الدول الاخرى مجموعةً. بدوره يمكن لهدف الدولار ان يُدعم من القوة الاقتصادية وقوة القوى المسلحة.
مع اليورو، حيث اهميته كمخزون نقدي وكتجارة نقدية فقد تزايد بقوة، هناك للمرة الاولى منافس ذو قدرة في وجه الدولار. ان اكبر مخزون للدولار حول العالم تختزنه اليابان والصين بسبب الفائض الضخم لصادراتهما. وحتى تحويل جزئي لهذا المخزون الى اليورو قد يضعف بشكل جوهري الدولار ويزعزع الموقع المهيمن للولايات المتحدة الاميركية. قد لا يناسب سقوط الولايات المتحدة الاقتصاديات الاسيوية والاوروبية الموجهة للتصدير، ولكن اضعاف الولايات المتحدة قد يناسب هذه الاقتصاديات. لكن المهيمن لن يخضع ببساطة لمسار كهذا. لم تكن حرب العراق الاخيرة صراعًا من اجل النفط الرخيص فقط، ولكن ايضًا بهدف حماية الدولار كنقد نفطي تجاري.
âمجموعة من الاصلاحات شرّعت في المانيا عام 2005 وسميت باسم المدير السابق لمكتب علاقات العمل في شركة الفولزفاغن، بيتر هارتس. شكلت الاصلاحات النيوليبرالية التغير الاكثر خطورة في نظام الرفاه في المانيا ما يعد الحرب حيث تم ،قبل كل شيء، تخفيض مدة الحق على المدى القصير للحصول على التأمين للعاطلين عن العمل، وتم الغاء تأمين البطالة طويلة الامد مقابل حق يؤمن حد ادنى موجود من المكتسبات القليلة.
++كاتب المقال: مايكل هاينرخ، عالم رياضيات وعالم سياسة في برلين. مدير تحرير مجلة العلوم النقدية الاجتماعية.
المصدر:Monthly review 28/7/2007
تعريب: وليم-شيوعي من لبنان
[email protected]
#مايكل_هاينرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|