حوار: كازيوه صالح ــ دمشق
ــ ولد في بغداد عام 1950.
ــ عمل في الصحافة منذ العام 1973.
قدم عدة اعمال تلفزيونية واذاعية ونشر في الصحافة العربية على مدى 21 سنة من عمره الصحفي.
ــ ناشط في مجال حقوق الانسان.
اصدر ثلاث كتب حتى الان:
1ـ كتاب القسوة.
2ـ كتاب العراق.
3ـ كتاب سورية.
ــ حاليا صاحب الامتياز ورئيس تحرير مجلة (مجلة الايام) التي تصدر في العاصمة السورية دمشق ،وتوزع في جميع البلاد العربية حيث توزعها اكبر دور التوزيع العربية، وستصل الى اوروبا وكردستان في الوقت القريب. انها مجلة تهتم بالماضي فكل ما فيها حتى الان ينتمي الى الذكريات الجميلة. وكما هو المكتوب على المجلة، فكل ما فيها قديم.. لكنه جديد اكثر من اخبار الغد!
والتقينا برئيس تحرير (مجلة الايام) عامر بدر حسون في العاصمة السورية، وكانت لنا معه هذه المحاورة في البيت العراقي.
س: حدثنا عن بداية مشوارك مع الصحافة؟
ج: اعتقد ان الصحافة ليست مهنة، انها نمط حياة وزاوية نظر للاشياء والاحداث, وهي فضول من النوع الطيب، والصحافة في بلدنا، مثلها مثل كثير من الاشياء، مظلومة بكل معنى الكلمة، وهي خطرة ولا تتحمل ان تكون مجرد صحفي محترف. لقد بدأت العمل الصحفي في العام 1973 ككاتب للاطفال وكناقد فني، لكنني انتهيت بسبب الوضع الشاذ في العراق أي صحفي يكتب اولا في القضايا السياسية. وانظري كم هو صعب ان تتركي عالم الاطفال بالوانه وفراشاته وخياله الجامح، وتنتقلي فجأة الى عالم السياسة العراقية بأردأ صورها، ممثلة بسياسة صدام حسين؟ لكن هذا ما حصل لي وما حصل لغيري.
س: القافلة الصحفية عندك.. في كم محطة توقفت حتى الان؟
ج: بدأت النشر في جريدة طريق الشعب، ثم في جريدة التآخي، واستقريت في العراق في صحيفة الفكر الجديد، وهي لحسن الحظ صحيفة عربية كردية، اتاحت لي فرصة التعرف عن قرب على زملائي من الاكراد. واعتقد ان سنوات تلك التجربة اثرت في وفي موقفي من القضية الكردية, وفي العام 1987، وبعد ازدياد ارهاب النظام غادرت العراق الى المغرب وعملت في جريدة البيان، وبيان الميثاق الوطني، ثم انتقلت الى بيروت وعملت في صحافتها وفي الصحافة الفلسطينية. وامام سؤال مثل سؤالك عن المحطات الصحفية التي عملت بها، اقول انها كثيرة، فقضاء 27 سنة في الصحافة غير المستقرة وفي المنافي المنوعة تفرض علي وعلى غيري العمل في عدة اماكن. ربما قليلة هي البلدان التي لم اعمل او اكتب في صحافتها, اضافة الى الاقامة الطويلة في صحافة الحزب الشيوعي العراقي في المنفى.
احدى ميزات الصحافة انها تنمي قدرات اخرى في الكتابة اذ انني مارست العمل الاذاعي لفترات طويلة، وكتبت الدراما التلفزيونية واصدرت بعض الكتب قبل ان استقر في مجلتي (مجلة الايام).
س: باعتبارك رئيس تحرير المجلة التي تهتم بالماضي، كيف تم اختياركم للماضي كموضوع وحيد تهتم به المجلة؟
ج: مجلة (مجلة الايام) اذا نجحت فستكون افضل نجاح احققه، واذا فشلت فسيكون هذا الفشل الاكثر متعة في حياتي ايضا!
انها فكرة، فكرة ولدت من تأمل حالتنا جميعا، فنحن كعرب، وكعراقيين ايضا نبدو وكأننا نعيش بلا ذاكرة.. ومن يعيش دون ذاكرة او تجربة سيكون مضطرا لان يقع في الخطأ مرتين او اكثر وفي كل مرة يدفع الثمن مضاعفا، وهذا ما يحصل لنا.
امامك الساحة العراقية والعربية وانظري الى (نجومها) على مدى نصف قرن تقريبا وستجدين ان اغلبهم من المهرجين والدجالين واللصوص في السياسة وفي الثقافة والفنون.. هذا يدل على اننا لم نتعلم من تجاربنا السابقة، ولذلك كان سهلا ان يظهر بيننا طاغية من نمط صدام حسين وان يجد من يصفق له ويتعاون معه او يسكت على دجله وقسوته في الاقل.
مجلة (مجلة الايام) هي محاولة هامسة للاقتراب من ذاكرتنا وذاكرة منطقتنا. فمن يعرف الماضي يمتلكه ويمتلك تجاربه، وقد تكون هذه المجلة غير سياسية، احدى ادوات المشروع الذي اعمل عليه من اجل احياء الذاكرة. ولكي اقرب اليك الصورة ولقرائك، اشير الى ان من يمتلك معرفة تجربة جمهورية (مهاباد)، او الانفالات المتعددة التي أبرمها الاكراد مع نظم عراقية، وآخرها نظام صدام حسين، فانه لن يقع في الخطأ بسهولة، اما اذا اعتبر ان كل ما حصل في الماضي هو بث الماضي ولا علاقة له بالحاضر او المستقبل فانه (سيبدع) في ارتكاب الاخطاء والجرائم بحق نفسه وحق شعبه.
في اختيار مواد المجلة اسعى دائما لغرضين، الاول: ان تكون المادة ممتعة، والمتعة غير التسلية، فلا شيء ولا رسالة يمكن ان تصل دون ان تكون القراءة ممتعة، والغرض الثاني هو ان تحمل المادة القديمة التي يعاد نشرها سؤالا او جوابا يتعلق بالحاضر او المستقبل.
أي انني لا اختار المادة لمجرد انها قديمة وطريفة، او هذا ما أزعم، وازعم ايضا انني في النشر اعتمد كليا على حصافة القارئ وقدرته على ربط الاشياء والحوادث، اذ ان الصحافة العربية (والكردية ايضا) مصابة بداء التعليمية وروح املاء الافكار على القارئ.
وعلى اية حال فان المجلة لوحدها قد لا تستطيع التعبير عن المشروع الذي يريد اصدار مجلة سياسية وكتاب شهري متخصص في قضايا الذاكرة او التجارب.. ولا فائدة من الاسترسال في طرح المشاريع لننظر ونترك الايام هي التي تحكم على جدوى المشروع.
س: كيف كانت ردود الفعل حول المجلة؟
ج: لو لم احصل على ردود فعل طيبة لما اسرفت في الحديث عن المشروع او المجلة، الحقيقة ان ردود الفعل كانت مفاجئة، فالمجلة غريبة الى حد كبير في تخصصها، وهي مؤهلة بحكم اختلافها للفشل او الاستقبال الحذر. لكن الرسائل والتلفونات وما كتب عنها في الصحف وبقية وسائل الاعلام، نبه الى غياب هذا النمط في كتابات من حياتنا، والحاجة اليه امام الجملة الصحفية المتشابهة.
ولعل اكون رئيس التحرير الوحيد الذي يستطيع الحديث بفخر عن محرريه دون ان يتهمه احد بالغرور، ذلك لان ما بين يدي نتاج افضل الكتاب العرب على مدى قرن ونصف، وانا اختار افضل الافضل. وعندما تعملين مع هذا النمط من الكتاب ستجدين ان كلمات الثناء تنهال عليك من المغرب الى الخليج، ومن العواصم الى القرى، ولا فضل لي في هذا، فالكتاب الكبار تركوا لنا مقالات دائمة الخضرة وشديدة المعاصرة وما افعله هنا هو انني استمتع واتعلم منهم، واحاول نقل هذه المتعة والمعرفة الى القارئ.
س: من وراء تمويل مجلة (مجلة الايام)؟
ج: القارئ هو الممول الاول لهذه المجلة، وقد يبدو هذا غريبا في وضع تقوم الدول فيه باصدار مجلات وتحويلها، ولكني ما زلت اعتقد ان القارئ يمكن ان يمول مطبوعا اذا اعجبه.
هناك بالطبع بعض الاصدقاء الشخصيين اللذين تحمسوا لي او لمشروعي وقد قدموا ما باستطاعتهم، لكن الاساس في هذا العمل هو القارئ.
ينبغي ان لا نخدع القارئ، والمجلة كما ترين ليس فيها محررين سواي، وانا اقوم باخراجها ومتابعة طباعتها وشحنها الامر الذي يقلل من تكاليفها.
س: كتابك (كتاب القسوة) يتحدث عن محنة امرأة تعرضت لمختلف اشكال التعذيب في العراق، وشاهدت كل سجون النساء في العراق، كيف كان رد فعل القارئ في البلدان العربية على هذا الكتاب؟
ج: الاساس في الكتابة هو التعبير عن موقفك ومعتقداتك وآرائك والبحث عن كتاب مسبق الصنع، يمكن ان يثير ردود فعل طيبة امر غير مجد. واعتقد ان الصدق في أي عمل هو الذي يحدد ردود الافعال.
لقد طبع من هذا الكتاب عشرة آلاف نسخة في ثلاث طبعات، وهو كتب اصلا للقارئ العربي غير العراقي.. وعلى هذا الاساس قمت بالتخفيف قدر الامكان من وقائع الاذى فيه كي يغدو قابلا للتصديق. لكن بعض الكتاب العرب عاملوه على انه قصة او رواية مخيفة. وبعضهم الآخر اتهمه بالمبالغة. لكن التجربة في العموم كانت ناجحة وكتبت عنه في الصحافة العربية والعراقية اكثر من (45) مقال، لكن شأنه مع العراقيين مختلف بعض الشيء، اذ ان غالبيتهم ذاقوا مرارة السجون وقسوة الارهاب ولذلك عبروا عن اعتقادهم بان الكتاب لم يقل شيء، لكنني في كل الاحوال اشعر بالسعادة تجاه هذا الكتاب، فعشرة آلاف قارئ عربي وصلهم الكتاب امر غير قليل في ظل كساد النشر والقراءة. ثم انه صار مناسبة لكتابة مقالات عن ارهاب صدام حسين، وهذا امر مهم جدا لي ولغيري, وبالمناسبة اعتقد ان الكتاب سيكون قريبا بين يدي القارئ الكردي بعد قيام احد الاصدقاء بترجمته الى اللغة الكردية، اذ ان السيدة ليلى كما تذكرين سجنت مع كرديات في مناطق كردستان.
س: الم تطلب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان اللقاء مع السيدة ليلى بطلة (كتاب القسوة)؟
ج: لا ادري بالضبط كم منظمة طلبتها، لكنني اعرف انه وجهت الدعوة لها لمؤتمر المرأة العالمي وادلت بشهادتها استنادا لما جاء في الكتاب الذي وزع الى المنظمات النسائية.
الغريب في امر هذه السيدة البطلة ان متاعبها لم تتوقف بمجرد مغادرتها العراق، فقد تعرضت لمتاعب كثيرة في السفر واعيدت الى السويد مع زوجها (وهو كردي) وقد حصلت في منتصف التسعينات على مساعدة كريمة من الاستاذ (جلال الطالباني) الذي قام بتقديم المساعدة لها ولزوجها للوصول الى النرويج.
س: ماذا عن المنظمات النسائية في الوطن العربي، هل اهتمت بها ولو من باب انها امرأة؟
ج: الجواب باختصار ومرارة هو: لا! فاغلب هذه المنظمات لا تملك من امرها شيئا وهي تابعة لحكوماتها.
س: نحن نعلم ذلك، ولكن برأيك لماذا تخدع المرأة نفسها وتقول انها تقود المنظمات النسائية او تعمل في منظمة نسائية للدفاع عن حقوق المرأة؟
ج: المرأة اذا اردنا الحديث بصراحة، لم تختر كليا العمل في هذه المنظمة او تلك، ان المنظمات النسائية مثلها مثل المنظمات الرجالية، تم تأسيسها او الاستيلاء عليها من قبل الحكومات ورسم دور واحد لها وهو تأييد الزعيم وشتم اعدائه.
لا اعتقد انك كامرأة تمتلكين فكرة اخرى عن هذه المنظمات او عن غالبيتها، انها مثل الديكور بالنسبة لبيت الحاكم.
س: تحدثنا عن صدام حسين ونظامه، كيف يجب ان يكون دور وسائل الاعلام تجاه انتهاكات حقوق الانسان في العراق، وتجاه حروب الابادة ضد العرب والكرد؟
ج: وسائل الاعلام الاجنبية، ومهما كان رأيك فيها، قامت بدور ممتاز في فضح جرائم صدام حسين، يجب ان لا ننسى ان مجزرة حلبجة اصبحت قضية عالمية بسبب اهتمام وسائل الاعلام الاجنبية بها. لكن من المخجل الحديث عن دور وسائل الاعلام العربية في هذا المجال، فالنظام العراقي اشترى طيلة سنوات مؤسسات صحفية وضمائر كتاب، مثلما اشترى سياسات دول، وكان من الطبيعي ان لا تكتفي وسائل الاعلام العربية بالصمت مع الجرائم، بل قامت بالدفاع عنها وعن مرتكبيها. لكن نافذة غير صغيرة فتحت بعد غزو الكويت في الصحافة العربية للحديث عن محنة الشعب العراقي في مواجهة نظام صدام حسين، غير ان مدة هذا الحديث قد خفت في الفترة الاخيرة بكل اسف رغم ان جرائم النظام لم تتوقف بل ازدادت شراسة وهمجية عن ذي قبل.
س: يحاول بعض الاعلام العربي تقديم صدام حسين ونظامه على انه الوحيد الذي يستطيع قيادة البلاد، لماذا برأيك ترسم هذه الصورة له؟
ج: انا اتفق مع هذا الاعلام في ان صدام حسين هو الوحيد الذي يستطيع قيادة العراق، لكن الى اين؟ انا اقول الى الهاوية والى الدمار وامامي تجربة ثلاثين عاما تقريبا من هذه القيادة لم تخلف غير الموت والدمار. اما لماذا يقوم بعض الاعلاميين العرب بتصويره وكأنه حامي الحمى فامر هذا معروف، ولا اتحدث هنا عن المال ودوره في افساد الذمم، بل اتحدث ايضا عن روح العبودية التي تعصف بالغالبية العظمى من العرب.
دعيني اقول في البدء ان الفكر السياسي العربي يعيش منذ نصف قرن ذروة الانحطاط وهو اراد ذلك ام ابى، قام خلال تلك الفترة بتهيئة الاذهان للقبول بالعبودية لبطل قومي. كان دائما يأتي بأسوأ المواصفات ، صدام حسين نتاج هذا الفكر، وهذا الفكر غير معني بطرح اسئلة بسيطة من نوع:
لماذا بطلهم القومي هو الحاكم العراقي الوحيد الذي تضاءلت على يديه مساحة العراق؟؟!! البطل القومي عادة، او كما في مخيلة البسطاء، هو الذي يزيد من مساحة بلاده. وهو الذي يقوم بزيادة تماسك البلد وسكانه، وهو الذي يزيد حجم الرفاهية وينشر الامان. فما الذي قدمه البطل المزيف عندنا؟؟
ان الفكر العربي في وضعه الراهن يقبل بالعبودية للسلطان لانه يرفض من حيث يدري او لا يدري "مبدأ الحرية والديموقراطية"، انظري الى الكتابات والخطب وهي تتحدث عن فكرة حقوق الانسان او الديموقراطية باعتبارها افكارا مستوردة، والمثقفون يعززونه، بكل اسف، بروح العبودية خصوصا اذا ما عملوا مع سياسيين وقادة رديئين.
في مصر خرجت الجماهير لتهتف في تظاهرات اعد لها بصرامة قائلة: تسقط الحرية! والمشهد فيه من المضحك والمبكي الشيء الكثير، لكنه لم ينته بعد عندنا كما يبدو، وهل فكرة الهتاف للقائد الاوحد الا التعبير الآخر عن معاداة الحرية والديموقراطية؟
بهذه المناسبة، اتمنى للقادة الاكراد والمثقفين، ان تتسع صدورهم وشجاعتهم لرفض المديح وشراء النقد، فهذا هو الذي يحول الرئيس الى قائد تاريخي، انني اضع يدي على قلبي كلما قرأت مديحا لمسؤول كردي لأنني اعرف مثلك ومثل كثيرين ان الضرر يأتي دائما من المصفقين والمداحين. والبناء يأتي من الكتاب والنقاد السياسيين الذين يريدون لشعبهم ولقادتهم حياة افضل.
س: ما هو الواجب الحقيقي للاعلاميين العراقيين، خاصة الاعلام الكردي، للتعريف بالانتهاكات التي تتعرض لها؟
ج: لعلني اشرت الى هذا في الجواب السابق.. انه على المثقف والاعلامي العربي والكردي ان يدرك ان حالتنا ليست من حليب وعسل بل من مرارة وصعوبات، وانه ليس في حياتنا الكثير مما انجز بحيث نوجه اقلامنا لمديحه وتعداده.. اقصد علينا ان ننقد الآن، فبهذه الطريقة وحدها يمكن ان نساعد شعبنا، ونساعد زعيم حزبنا في العمل بطريقة افضل واكثر حيوية ومسؤولية.
اذا لم ننقد اليوم فمتى سنقوم بذلك؟ وهل توجد امة بنت مجدها بالمديح والتصفيق؟ لم يحصل هذا سابقا.. ولن يحصل معنا ايضا.. انني اركز في الحديث على الجانب الكردي لأنني كعربي اعول مثل غيري على هذه التجربة.. ولو اكتفيت بمدح قائدي واكتفيت انت بمدح قائدك فسنجد انفسنا غدا في حرب لانهما اختلفا وليس لاننا اختلفنا.
لقد زرت كردستان في العام 1996، وقبل كارثة دخول قوات الحرس الجمهوري الى اربيل، وقضيت مدة اكثر من شهر، وعدت لاحدث العرب في محاضرات ومقالات نشرت في الصحف والمجلات العربية عن تجربة الديموقراطية في كردستان، كنت اعرف انها تجربة ناقصة لكنها كانت، قياسا الى عدد كبير من البلدان العربية، تجربة رائدة، واعتقد اننا اذا خسرناها فسنخسر كل شيء بالتدريج.
س: هل استطعنا صنع رأي عام تجاه قضيتنا بالشكل المطلوب؟
ج: الرأي العام يخضع لموجات من الاهتمام والتركيز والتأثير فيه يحتاج الى عمل دائم ومتواصل ومدروس، ولسوء الحظ فان الانظار تتجه الينا عربا وكردا كلما حصلت مجزرة كبيرة بحقنا.
اعتقد ان التأثير في الرأي العام يكون فعالا اذا شكل سياجا ومانعا من ارتكاب اية مجزرة بحقنا.
الاكراد في تقديري انصرفوا الى شؤونهم وبدؤوا ينسحبون من محافل التأثير. وهذا امر ضار، والمعارضة العراقية، عربية وكردية وسواهما من القوميات قد لا تدرك، بسبب مشاغلها واهتماماتها، اهمية التخطيط لمثل هذه الاعمال ان الامر متروك لنشاط وجهة الافراد وهي جهة تخضع للمزاج والحماسة، ولا ارى في الافق ما يمكن ان يشكل اداة ضغط اعلامية تسبق المجازر والجرائم التي يقدم عليها صدام حسين بالمدفع او عبر صفقة هي مؤقتة دائما.
س: الكتابة نوع من الحرية.. فالى أي مدى تمارس هذه الحرية؟
ج: اعتقد امارسها بقدر ما اشعر بكرامتي، وبقدر ما اشعر بالاضطهاد الذي تعرض له ابناء شعبي.
ان كوني حرا وفي مثل هذه الظروف، لا يعني في المطلق ان اختار حرية الصمت عما يرتكب بحق ابناء شعبي، اشعر انني حر وبشكل حقيقي بقدر ما أتحدث عن بشاعة الاستعباد والديكتاتورية وتسمية الاشياء باسمائها.
ابلغ في بعض الاحيان فاعتقد ان الحرية توهب لنا من الله مثلما توهب اية موهبة ويجب ان تشعر بالمسؤولية تجاهها. اقول هذا لأنني ارى الكثير من المواهب قد اختارت الصمت، بسبب قسوة حياة المنفى، او بسبب مطامع ومخاوف في المنطقة المحررة.
الحرية الحقيقية، اعود واكرر ذلك، هي ان يكون لي موقف مما يحدث للانسان في بلادي او في أي مكان، وحتى يجعلني مشاركا بطريقة او باخرى عن كل جريمة ترتكب. هذا لا يعني بالطبع ان يقف المبدعون وبإصرار ويهتفون بسقوط المجرمين. انهم في الحقيقة يمتلكون من الوسائل الراقية اكثر من غيرهم، فالفنان الحر يستطيع ان ينهض بارواحنا من خلال اغنية حب حقيقية، والرسام والسينمائي والشاعر والروائي والباحث والسياسي كل واحد من هؤلاء يمتلك اسلوبه في التعبير عن موقفه مما يحصل للانسان. لكن السؤال هل الظروف المحيطة تسمح بالتعبير بحرية؟
ليس ثمة جواب بالمطلق، لكنني اشعر ان العراقيين بسبب تعدد منافيهم وحجم عذاباتهم وخسائرهم يستطيعون التأثير في بعضهم وفي غيرهم من خلال الاصرار على حريتهم.
س: هل هناك كلمة اخيرة؟
ج: في هذا الحيز هناك تحية للشعب الكردي وتهنئة له في عيشه منذ سنوات على ارض وطنه، ولكن دون دكتاتورية صدام حسين. هذه نعم كبيرة ينبغي ان تطلق فينا روح بناء حياة حرة، فلاول مرة يولد اطفال وتنشأ اجيال بعيدا عن سيطرة اجهزة المخابرات.
هذه الفرصة مسؤولية تاريخية تتوقف عليها صورة الغد، واذا كنت اود ان اتحدث لاصدقائي واخوتي من المسؤولين الاكراد في مواجهة المشكلات والمؤامرات، فانما كي اقول ان الحلول التاريخية هي المطلوبة الان، الحلول التي تؤسس للمستقبل، لا الحلول التي تفرض على المضطرين، او الذين يريدون تمشية يومهم. الحلول التاريخية لن تكون سهلة، لكنها الاساس.
دمشق عام 2002
****