أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الكوخي - العلمانية : وجهة نظر مغايرة















المزيد.....

العلمانية : وجهة نظر مغايرة


محمد الكوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1980 - 2007 / 7 / 18 - 11:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يكفي إثارة موضوع العلمانية في العالم العربي والإسلامي لإثارة نقاش حاد بين أنصار هذا المفهوم وخصومه. فمنذ أن ظهرت العلمانية في بلادنا, أوائل القرن الماضي والتي اقترن مجيئها بمجيء الاستعمار الأوروبي, حتى انقسم المثقفون إلى قسمين متعارضين, أحدهما يدافع عنها إلى حد اعتبارها تمثل الحل الأمثل وربما الوحيد لمشاكلنا السياسية, وهم النخب الحداثية, في حين يرفضها الطرف الآخر جملة وتفصيلا ويرى فيها مشروعا غربيا هدفه إسقاط الشريعة الإسلامية, وهم النخب الإسلامية من أنصار الدولة الدينية...

تعريف العلمانية -1

تتمحور العلمانية حول فكرة أساسية وهي " فصل الدين عن الدولة ", بمعنى فصل السلطتين الدينية والسياسية عن بعضهما البعض وتحديد مجال كل واحدة منهما بحيث لا تتدخل أية سلطة في شؤون الأخرى... وهدفها الرئيسي هو التفريق بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي بحيث لا يكون للدولة أية سلطة دينية ولا يكون لرجال الدين أية سلطة سياسية. ويؤكد أنصار العلمانية أنها لا تلغي الدين أو الممارسة الدينية, بل تخرج السياسة والتنظيم الاجتماعي من حيز الممارسة الدينية, كما تخرج الممارسة الدينية من الحيز السياسي و الاجتماعي كي تعيدها إلى إطارها الوحيد في الحيز الشخصي...
يتضح من هذا التعريف أن أصحابه يعترفون بوجود حيزين منفصلين, الحيز الشخصي والحيز الاجتماعي, أو بالأحرى وجود عالمين منفصلين هما عالم الروح ( الأخلاق ) وعالم الجسد ( المصالح ), وهما عالمان متصارعان يحاول كل واحد الهيمنة على الآخر, لذلك كان من الأفضل الفصل بينهما كحل أمثل لهذا الصراع الأبدي بينهما...
وحتى نفهم الموضوع جيدا لا بد من فهم الظروف التاريخية التي أنتجت هذا المفهوم في الغرب, في إطار تناقضات التجربة الدينية المسيحية وتأثيراتها في الفكر السياسي الأوروبي.

الجذور الغربية للمفهوم والمعضلة المسيحية -2

لا بد أولا من القول بأننا نؤيد هنا الفكرة القائلة بأن الفكر الغربي مسكون بهاجس أبدي, اسمه المسيحية, والتي لعبت أفكارها وتناقضاتها دورا كبيرا في تشكيل هذا الفكر وصياغته... وبالتالي فالمسيحية كانت موجودة باستمرار في الوعي الغربي وأثرت فيه, إن بشكل إيجابي أو سلبي. وتعود هذه الفكرة إلى الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه, الذي كان أول من صاغها وطبقها في تحليله للتراث الفكري الغربي. ونحن نستعيرها منه هنا لتطبيقها على مفهوم العلمانية في دراستنا له.
من المعروف أن قيام الحداثة السياسية في أوروبا جاء نتيجة الصراع الذي احتدم فيها بين الأمير والكنيسة ( السلطتين الدينية والسياسية ) وبين الأمير و القوى الاجتماعية الأخرى ( البورجوازية الصاعدة )... لقد ولدت فكرة العلمانية في ظل المناخ السياسي الأوروبي الذي كان يعرف وجود مؤسستين منفصلتين ومستقلتين نشأتا في ظروف مختلفة هما الكنيسة المسيحية والدولة الرومانية, ثم اتحادهما بعد اعتراف الإمبراطور قسطنطين ( 305 / 337م) بالمسيحية وتبنيها دينا رسميا من طرف ثيودوسيوس سنة 391م. لكن كل طرف بقي مستقلا ولو معنويا عن الآخر, رغم أن الإمبراطور البيزنطي صار منذ أن تنصرت الإمبراطورية هو رأس الكنيسة الشرقية وصارت الكنيسة جزءا لا يتجزأ من الدولة. وكان البطريرك البيزنطي يدين بالولاء للإمبراطور, فهو الذي يقوم بتعيينه وبوسعه خلعه من منصبه...(1). أما في الجزء الغربي الطرفين ظلا منفصلين خصوصا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وتنصر شعوب أوروبا.
لقد بدأت الكنيسة كتراتبية دينية مع الصدام الأول مع الثقافة اليونانية وبسببها. فبعد أن ظهر التنافس بين المسيحيين اليونان على إظهار المواهب الروحية والمعجزات, صاغ بولس مراتبية الوجاهة والكرامات الدينية فجعل أهمها وأولها كرامة الرسول, وبعد ذلك كرامة النبي, ثم كرامة علماء الدين والفقهاء...(2). ومنه نشأت الكنيسة من تضافر فكر المسيح والفكر اليوناني في عقل بولس وما سوف يتولد عنه من بناء للجماعة المسيحية الأرضية أي للكنيسة كجامعة لها بانتظار قدوم ملكوت السماء ( يوم القيامة كما يسميه المسلمون ). فمن الاعتقاد القائل بأن القيامة قد تأخرت ويمكن أن تتأخر أكثر من أجل إتاحة الفرصة لنشر المسيحية, ولدت فكرة الكنيسة كإطار زمني لتنظيم الجماعة المسيحية بانتظار اليوم الموعود, وسوف تتحول أكثر من ذلك إلى دولة وسلطة, أي أداة فاعلة لنشر المسيحية ومن تم تقريب أجل الخلاص (3). وقد نشأت الكنيسة من الجماعات المحلية المسيحية والتي اتسعت جغرافيا بعد انتشار المسيحية من خلال المدن- الدول القائمة في الإمبراطورية الرومانية, وتحولت إلى بطريركيات كهنوتية مسيحية اعترفت فيما بعد لبطريرك روما ( البابا ) بأنه الأول بين أقرانه لتتشكل بذلك الكنيسة الكاثوليكية (4).
وأدى ظهور الكنيسة إثر السجالات اللاهوتية, بوصفها الجهة الوحيدة التي تحتكر الفهم الصحيح للدين, إلى ظهور سلطة دينية لها حق مقدس. وبهذا ظهر نوع من الازدواجية في السلطة, فإلى جوار السلطة السياسية الموروثة للقياصرة و الملوك ظهرت سلطة البابا, ممثل السلطة الدينية وسرعان ما أعلن باباوات العصر الوسيط أنهم يحكمون على الجميع ولا يمكن أن يحكمهم أحد (5). وبما أن ذلك أدى إلى الاصطدام بين السلطتين, فقد ظهرت الحاجة إلى اتفاق يقتسم فيه البابا والإمبراطور السلطات دونما تقاطع بينهما. وبذلك أصبح الإنسان موضوعا لممارسة السلطات, سلطة مسئولة عن " الجسد " ( السلطة السياسية ) وأخرى مسئولة عن " الروح " ( السلطة الدينية ). وهو تقسيم قديم يقوم على أساس التقسيم الثنائي للروح والجسد, وهي فكرة قديمة كانت معروفة في الأديان الشرقية القديمة ودخلت إلى الفلسفة اليونانية ( خصوصا عند أفلاطون ) وقد قامت المسيحية بإعادة إنتاج هذه الأفكار وإعطائها صبغة مسيحية...(6).
إن هذا المبدأ الأخلاقي القائم على ثنائية الروح والجسد هو الذي أدى إلى ظهور تقسيم العالم إلى قسمين متعارضين, قسم يستمد شرعيته من الروح وآخر من الجسد, وتم ربط كل طرف بقيمة أخلاقية, فربطت الروح بالخير وربط الجسد بالشر. يقول القديس أوغسطين ( توفي سنة 430 م), وهو أحد المنظرين الأوائل للاهوت المسيحي ولسلطة الكنيسة, " حبان يصنعان دولتين, حب الذات لدرجة احتقار الله يصنع الدولة الأرضية, وحب الله لدرجة احتقار الذات يصنع المدينة المقدسة, مدينة الله ( الكنيسة )...(7)". لقد فصل أوغسطين بين الدينية ( الكنيسة ) والسلطة السياسية ( الدولة ) واعتبر الكنيسة مدينة الله والدولة مدينة الأرض والفصل بينهما يقوم على أساس أخلاقي مرتبط بالخير والشر, فهو حين يقول بأن الدولة قامت على أساس حب الذات واحتقار الله, فهو ينزع عنها أية شرعية أخلاقية وبالتالي فهي أدنى من مدينة الله ( الكنيسة ) ممثلة الخير وحب الله, ولا يمكن للدولة أن تتخلص من شرورها إلا بالخضوع لمدينة الله أي للكنيسة. إننا هنا أمام تحول في خطاب الكنيسة, فبعد أن كانت تطالب باستقلالها عن الدولة وتدخلاتها صارت تطالب بخضوع الدولة لها ولسلطتها, وقد لعب القديس أوغسطين دورا هائلا في إمداد الكنيسة الغربية خلال العصور الوسطى بالأساس النظري الذي قامت عله سياستها في ذروة الصراع بين البابا والإمبراطور وازدياد سلطة الكنيسة شيئا فشيئا قبل أن تسيطر على كل شيء وتخضع الدولة لسلطتها خصوصا بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية. وبذلك صار العالم المسيحي بكل أبعاده الجغرافية والتاريخية خاضعا للكنيسة التي يتزعمها رمز كاثوليكي ( البابا ) احتكر فهما خاصا للمسيحية ومارس سلطاته باسم المسيح ...(8).
وحينما صارت الكنيسة تسيطر على أمور السياسة في العالم المسيحي وخصوصا في أوروبا تحول رجال الدين ( الإكليروس ) على اختلاف مراتبهم عن واجباتهم الدينية وصاروا مهتمين باستغلال نفوذهم لتحقيق الاغتناء عن طريق توسيع ممتلكات الكنيسة ونهب أموالها من ضرائب وأعشار وهدايا, إضافة إلى الرشاوى التي صارت طريقا للترقي في السلم الكهنوتي حتى أن منصب البابا نفسه صار يخضع للمساومات والدسائس بين الأساقفة. وتحول الباباوات إلى أشباه أباطرة يعيشون حياة الترف والبذخ, كما كان حال البابا ألكسندر السادس (1492/1503م) وجول الثاني (1503/1513م) وليون العاشر (1513/1521م)... وتفشت ظاهرة صكوك الغفران التي كانت أداة لابتزاز الناس ومراكمة الثروات في يد رجال الدين... وفي ظل هذه الظروف ولدت حركة الإصلاح الديني في أوربا إبان عصر النهضة ( القرن16 ) والتي قادها مجموعة من المفكرين الذين فضحوا تجاوزات الكنيسة ودعوا إلى إصلاح مفاسدها, وقد تحالفت السلطة السياسية ( الدولة ) مع حركة الإصلاح الديني التي قادها كل من لوثر (1483/1546م) وكالفن (1519/1564م) حيث رأى فيها الملوك والأمراء فرصة مناسبة لاستعادة سلطتهم أمام نفوذ الكنيسة وتدخلها في شؤون الدولة. وكان من الضروري في مثل هذه الظروف أن يتم استعادة الفكرة القديمة عن الفصل بين السلطتين السياسية والدينية, وهو ما تلخصه المقولة الشهيرة المقتبسة من الإنجيل " أعطوا ما للقيصر للقيصر وما لله لله...(9)".
وقد كانت هذه الظروف هي الأرضية التي ولد فيها مفهوم العلمانية المعاصر في عصر الأنوار ( القرن18) حيث عمد فلاسفة الأنوار ( روسو, فولتير, كوندرسيه, مونتيسكيو...) إلى فضح تناقضات التعاليم التي يروجها رجال الدين لتبرير سلطاتهم وامتيازاتهم, كما فضحوا زيف مقولة " الحق الإلهي " التي كان الملوك يبررون بها سلطتهم مدعين أن مصدرها هي الإرادة الإلهية ومن تم وجب على الشعب طاعتهم, لأن طاعتهم من طاعة الله ( قارن بين هذه الادعاءات وبين الروايات الإسلامية التي ترويها المصادر السنية والتي تدعوا إلى طاعة أولي الأمر لأن طاعتهم من طاعة الله؟؟!!!). ودعوا من جهة أخرى إلى إقامة مجتمع جديد تؤسس فيه علاقات جديدة بين الحكام والمحكومين في إطار علماني يفصل بين المجتمع المدني والمجتمع الديني, بحيث لا تكون للحكومة فيه أية سلطة دينية ولا يكون لرجال الدين فيه أية سلطة سياسية...

العلمانية في الإسلام: كلمة بلا معنى -3

عرف العالم الإسلامي مفهوم العلمانية أوائل القرن الماضي من خلال مجموعة من الرواد الذين تأثروا بالفكر الأوربي, وحاولوا الاستفادة من المفاهيم التي توصل إليها لتحريك الجمود الذي كانت تعرفه المجتمعات الإسلامية على جميع المستويات... لكن هذه المفاهيم تعرضت لمقاومة عنيفة ما زالت مستمرة إلى الآن, وفشلت في التأقلم مع واقع هذه المجتمعات. والسبب في ذلك يعود إلى كون أنصار هذه المفاهيم ومن بينها العلمانية, قاموا بإسقاط نتائج التجربة الغربية ذات الأصول المسيحية على تجربة مختلفة تماما وهي التجربة الإسلامية, فأشهروا في وجه الإسلام نفس الأدوات التي كان الأوربيون قد أشهروها في وجه المسيحية, متجاهلين للفرق الكبير بين الديانتين, وهو ما جعلهم يبدون وكأنهم لا ينتمون إلى هذه المجتمعات.
ففي الإسلام لا يمكن الحديث عن العلمانية والتي تعني فصل السلطتين الدينية ( الكنيسة ) والسياسية ( الدولة ) لسبب بسيط: هو أنه لا توجد سلطة دينية في الإسلام بمعناه الحنيف, ولا يعترف الإسلام بأية سلطة دينية تحتكر فهم الوحي وتدعي أنها تمثل الله في الأرض. إن أهم ما جاء به الإسلام والذي يمثل أكبر ثورة في تاريخ الفكر الديني هو ثورة الاستغناء عن الوسطاء, والتي تهدف إلى تحرير الإنسان من جميع السلط التي تحاول سلبه حريته وعلى رأسها السلطة الدينية ( وهو المشروع العملاق للإسلام ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, لكن وللأسف الشديد فقد مات هذا المشروع بموت صاحبه, ودفن حتى قبل أن يدفن الرسول (ص) حين اقتتل أصحابه من أجل السلطة السياسية ( الدولة ) الناشئة!!! ولله في خلقه شؤون...). وحتى الرسول (ص) نفسه ليس وسيطا بين المؤمنين وربهم, ولا يتعدى دوره نقل الوحي الذي كان كتبة الوحي يدونونه فور نزوله عليه, وهو وحي مستقل عن الرسول (ص) ومكتوب في كتاب اسمه القرآن... ولم بإمكان محمد (ص) أن يتصل بالسماء متى شاء بل كان ينتظر نزول الوحي عليه ( وهو ما تؤكده الروايات التي تتحدث عن تذمره بعض الأحيان حين يتأخر نزول الوحي عليه... وقول القرآن: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى...). إذا فدور الرسول في الإسلام لا يتعدى نقل الرسالة ( الوحي ) إلى الناس دون زيادة ولا نقصان ودون تدخل منه. وهو ما أكده قوله تعالى: " وإن سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني..." ( لاحظ أنه لم يقل: " فقل لهم إني قريب ", بل قال مباشرة " فإني قريب "...) إنها إعلان صريح بإسقاط وساطة الرسول (ص) نفسه, ففي الإسلام لا يوجد وسيط بين الإنسان وربه وبالتالي لا توجد سلطة دينية, لأن أساس السلطة الدينية هو احتكار الوساطة.
وبالرغم من أنه ظهرت هناك محاولات في التاريخ الإسلامي لتأسيس سلطة دينية, سواء سلطة الفقهاء عند السنة أو سلطة المرجعية الدينية عند الشيعة والتي تحولت إلى تراتبية كهنوتية ( الشيخ, آية الله, أية الله العظمى...) تشبه إلى درجة كبيرة الكنيسة المسيحية... إلا أن الإسلام ( بمعناه الحنيف ) لا يعترف بشرعية أية سلطة تدعي احتكار المعرفة سواء دينية أو علمية, وهو ما يمكن استخلاصه من فكرة " الإرجاء " ذات الأصل القرآني والتي تعني أن الحكم النهائي بين الأفكار والمعتقدات قد تم إرجاءه إلى يوم القيامة وأن الله هو الوحيد الذي له الحق في البث بين الناس ولا يجوز لأحد السطو على هذا الحق ومحاكمة الناس في الدنيا على أساس معتقداتهم. يقول القرآن: " لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون إن الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون." ويقول: " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون".
ومنه فإن الإسلام يتجاوز العلمانية حينما يرفض الاعتراف بأية سلطة دينية, فالعلمانية تعترف بالسلطة الدينية إلا أنها تحاول جعلها مقصورة على الجانب الفردي للإنسان أي على عالم الروح... أما الإسلام فهو لا يعترف أصلا بثنائية الروح والجسد وتعارضهما, و التي كانت أساسا لفكرة العلمانية ذات الأصل المسيحي, فالإنسان حسب المنظور الإسلامي هو كل لا يتجزأ يعبر عنها القرآن بمصطلح " النفس", ولا يوجد فيها تناقضات ولا تعارضات بين مكوناتها... ( أما كلمة الروح الواردة في القرآن فلها معنى وحيد وهو الملك " جبريل " ولا شيء غيره. يقول تعالى: " وأرسلنا إليها روحنا فتبدى لها بشرا سويا..." ).

إن الاستمرار في الإدعاء بأن المفاهيم التي أنتجها الغرب في ظروف تاريخية معينة وفي ظل شروط فكرية خاصة, هي مفاهيم كونية صالحة لكل التجارب الحضارية الأخرى, فهذا من باب البلادة الفكرية و الترويج للمركزية الغربية التي أنتجها عقل غربي متمركز حول نفسه ومصاب بجنون العظمة ( الإدعاء بأن جميع المفاهيم الحضارية الراقية هي إنتاج أوروبي محض, كالفلسفة والعلوم والقانون... وكل شيء آخر له قيمة!) يحاول عولمة ذاته وفرض تجربته الحضارية على الآخرين ولو بالقوة, وهذا هو أساس المشروع الاستعماري الغربي الذي بدأ منذ خمسة قرون وما زلنا نعيش آخر فصوله اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان...
ولكن و رغم كل ذلك فقد ظهر فلاسفة ومفكرون من الغرب نفسه استطاعوا التخلص من عقدة المركزية الغربية وانتقدوا المشروع الحضاري الغربي ( مشروع الأنوار ) وفضحوا تناقضاته, بدءا من الفيلسوف نيتشه, مرورا بآخرين من أمثال مفكري مدرسة فرانكفورت ( أدورنو, مركيوز, هابرماس...) ومفكري ما بعد الحداثة ( فوكو, دريدا...) وآخرين غيرهم كغارودي وتشومسكي... ممن شهدوا شهادة حق للتاريخ.

المراجع
(1) هارتمان و باراكلان, الدولة والإمبراطورية في العصور الوسطى ص12.
(2) مرسيا إلياذ, الأسطورة والعودة الأبدية ص335.
(3) برهان غليون, نقد السياسة الدولة والدين ص42.
(4) أرنولد توينبي, تاريخ البشرية ج1 ص293.
(5) جوزيف شتراير, الأصول الوسيطة للدولة الحديثة ص12.
(6) مرسيا إلياذ, مظاهر الأسطورة ص155.
(7) القديس أوغسطين, مدينة الله ص72.
(8) عبد الله إبراهيم, المركزية الغربية ص287.
(9) إنجيل لوقا, ج20 الآية 26.



#محمد_الكوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان ضد أيديولوجيا التكفير
- الفتح الإسلامي أم الغزو العربي


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الكوخي - العلمانية : وجهة نظر مغايرة