أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذكريات حرب - في رحيله الخامس والثلاثين الدامي















المزيد.....

في رحيله الخامس والثلاثين الدامي


ذكريات حرب

الحوار المتمدن-العدد: 1975 - 2007 / 7 / 13 - 05:51
المحور: الادب والفن
    


ما زلتَ حاضرا، لا تعترف بغيابك، تعود الينا داميا مع تموز والعنب والتين، كالدالية "تشق التراب بعنفوان له صوت، تأخذ ماءها من رطوبة التراب والهواء ثم تعطي دون حساب."، ألم تقل يوما:"إن أمامي عمرا أريد أن أدركه قبل أن يطير، فهو لا يكفيني لإخراج كل ما يموج في الداخل." تُذهلُنا، تُبهِرُنا، نقرأؤك مرتين وثلاثا وعشرا، نرتوي من قلمك الذي اغتاله الغطرسة "الاسرائيلية" في الثامن من تموز 1972نهارا متحدية العالم بقلعه بعد أن كان فتيل ثورة شعب أشعَلْتَها بكتاباتك وأدبك، ملقية بأشلائك المثخنة بالسكري والنقرس أمام منزلك.
غسان كنفاني الذي ولد في في عكا 1936 مع الاضراب الذي شمل أنحاء فلسطين، ونزح مع عائلته في 1948 ، يعيد ترتيب البيت الفلسطيني والانسان والقضية والزمن والمكان في رواياته الثلاث الأخيرة التي حال القدر دون وضع صياغتها النهائية وعناوينها.
فبعد أن كانت الإرادة مسلوبة، والروح مُذِلة والانصياع للإنتهازية في صفقة الموت في "رجال في الشمس". وبعد الحوار العقيم الذي لم ينم عن اعتراف "دوف" بوالديه متهما اياهما بالجبن والضعف في "عائد الى حيفا".و"خيمة عن خيمة تفرق" في "أم سعد"، يدق باب المقاومة والاحتكام الى ارادة شعب تاه بين القيادات العربية والمنظمات الدولية، معلنا حمل السلاح والتحرير، فجاءت أعماله أنموذجا للرواية العربية التي بدأ ظهورها في منتصف القرن المنصرم.
في ملحمته "العاشق" التي أراد أن يؤرخ فيها حكاية شعب "قاسم..عبد الكريم..حسنين.. السجين رقم 362" ، ذهبت الرواية الكنفانية لفعل واحد، النضال الذي بدأ ظهوره تدريجيا في "ما تبقى لكم" التي نال عنها جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان 1966 عندما قال حامد:"ليس لدي ما أخسره الآن...وسعيد في "عائد الى حيفا" الذي يرفض الذهاب في بداية الأمر الى حيفا:"لا أريد الذهاب الى حيفا، هو ذل واحد لأهل حيفا، وبالنسبة لي ولك، لماذا نعذب أنفسنا مرتين؟" وينهى زيارته للسيدة العجوز وابنه الذي واجهه قائلا:" كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا،كان عليكم بأي ثمن ألا تتركوا طفلا رضيعا في السرير، عشرون سنة ياسيدي.. لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذه.."رغم ادراك سعيد هذه الحقيقة منذ عشرين عاما في حوار الذات، ليخرج من المنزل مؤملا: "أرجو أن يكون خالد قد ذهب أثناء غيابنا..."وفي أم سعد، تتحدى بابنها الذي التحق بالعمل الفدائي، لينقلنا في "العاشق" من الوعي الثابت الى الفعل، والانتظار القاتل الى الحركة في الزمن والمكان، ليصبح الفعل جماعيا والانعتاق من حالة الطاعة الى خلق إرادة تتحدى الواقع الصعب:"دخلها ذات يوم كما تدخلها الريح القادمة من الجبل، وصار لتوه من أشيائها الصغيرة لكنه أبدا لم يستطع أن يكون من ناسها.. تسلل اليها بلا صوت، لأول مرة صار موجودا فجأة.." هي الارادة.. الفعل.. لندرك أن العاشق الذي تكويه من الداخل أشد حرارة من النار التي داس عليها، بعكس الصورة التي وصفتها أم سعد عن زوجها:" هو مدعوس بالفقر والمقاهرة وكرت الاعاشة وسقف الزينكو..." تدرجا واعيا لواقع يعيشه الفرد الفلسطيني، مفارقة واضحة اللغة، والنضال هو الحل الذي لا خلاص دون اتباعه وادانة لذاك الحوار الذي جرى بين سعيد وابنه معترفا أنه دفع ابنه ثمنا."ذلك كان حصتي الأولى.." فلم يجد مكسبه الا في ذهاب ابنه الثاني "خالد" - المستقبل للعمل الفدائي. هي الرؤية التي استشرفها كنفاني في عمله السياسي والفكري.
العاشق استثنائي،مرتبط بالأرض، تاتينا صورته في كل القرى ووراء قلعة الحجار وتحت العتبة، وفي غرفة أضيق من رئتيه اللتين تنفستا. أقلق مضجع الكابتن بلاك، وتحدث عنه مركز البوليس في عكا، وارتجف منه أحمد القاضي، وتذكره الحج سالم يوم تصدى له مُلثما، ورجال كثيرون لمحوه هنا وهناك. العاشق الذي يفهم الخيل ويحادثه:"صار موجودا فجأة لحما ودما حين غاب..."
يطور كنفاني أدواته اللغوية والفنية باتجاه تعميق الحدث المتواتر من خلال استحداث اشكالية جديدة وتأسيس لغة روائية تتصف بقدرتها على التأويل واختزال المعنى الملامس للواقع دون اسهاب في الحالة التوصيفية متضمنا الحوارات التي صاغها بحرفية مبتعدا عن لغة الاستسلام في "رجال في الشمس" 1963وهو العمل الروائي الأول، والذنب في "عائد الى حيفا" التي كانت قائمة على حوار الذات والآخر الذي كانت حجته أكثر عمقا وادراكا للواقع المعاش حتى بدا سعيد مستسلما للأمر الى حين. والأمنيات التي جاءت على لسان أم سعد.
وفي "الأعمى والأطرش" - عنوان يحمل دلالاته الرمزية في الحال العربي والعالم – انتهج كنفاني نوعا جديدا في الرواية عندما قسّم الفصول على لسان الأعمى حينا، والأطرش حينا آخر، متخذا من عاهتهما دخولا للحالة التي أراد فيها كشف الايديولوجية السياسية والاجتماعية. فكانت تغييرا منهاجيا شكليا للرواية عاكسة التمزق بكل تجلياته. فهل كان اختياره للأطرش والأعمى الذي يقول:" لقد قادني المبصرون خارج طيرة حيفا، وأن للعمي أن يتحركوا. إن الأشياء التي ترونها ليست هي.." عبثا؟! واصفا حاله في مقطع آخر:"أنمو على الحائط الخارجي لهذا الكون، مثل طحلب مقرف مشمئز من نفسه، ويبحث عن الزاوية والظل، الصمت والعتم، الصخب والضوء.." هو الشعور بالقهر في دواخله. مستخدما المعنى المجازي في المفردات المتقابلة، لغة تنويرية لرسم الذات بالصور اللاحسية ليسقطه على الحالة العامة. لكنهما برغم معاناتهما الحسية يكشفان العجز العربي والعالمي المتمثل في"عبد العاطي" الوالي، - يعد أن حمّل كنفاني الفلسطيني فقط هول ماحدث - الذي يتبعه كثيرون دون وعي، ويتباركون فيه ليُفرج عن كربهم، فلا يشعر الأعمي بحقه في الحياة الكريمة إلا إذا: " كما صرفت أنت من أعمارنا كي نعيش لا تستطيع إلا أن نصرف من موتك كي نمحوك تماما من حياتنا ثم نرتقي فوقك.." واذا كانت حالتهما تحمل مدلولات سياسية واجتماعية بالاضافة الى حالة "زينة" المرأة التي تدفع شرفها لأجل لقمة العيش، فعلى الصعيد السياسي حالة "أبي حمدان" الذي خرج من السجن سياسيا، حتى أن حمله للسلاح جاء من العمل السياسي المنظم.ولم يعد "طق..طق" فقط. ولا ريب أن التدرج الواعي نحو الواقع جاء عبر وعي كنفاني وقراءته للحدث سياسيا اجتماعيا ونفسيا مبتعدا عن الحوارات التي غلبت في رواياته الأولى مكتفيا بدلالات لغوية مؤولة كما أرادها دوما.
وفي "برقوق نيسان" التي وثّق شخصياته بتفاصيلها الحقيقية بهوامش الرواية غير المكتملة، خلاصة عميقة لنهج كنفاني في ترسيخ المفاهيم الانسانية والقضية والعمل الفدائي بدءا بقاسم خليل الشهيد مرورا بوالده العجوز الذي لم يفصح عن علاقته بابنه أمام الشرطة خوفا عليه، وسعاد وقاد التي يتوسط شعرها بقرص أحمر من زهر البرقوق، ووليد الطفل ووالده زياد حسين وطلال، وصحن الكنافة، والرسالة التي كان يبعثها حسين بعينيه لأبي قاسم أثناء احتجازهم جميعا في منزل وقاد المختفية عن الأنظار. فيها اعتراف حقيقي أن لا حرية فردية لكسب الحق المشروع كما كان عفويا مع "خالد و سعد" في الروايات السابقة، إنما حرية الفرد من حرية الجماعة، والعمل الفدائي لا يأتي من عمل فردي، وإذا كان النزوح رغما عنه وأُرغم على التكدس فيه لبعض الوقت، فإن من الطبيعي أن يسعى مع من حوله للتخلص من الإحتلال عبر التحاقه الشرعي في صفوف الفدائيين. لذلك كانت "برقوق نيسان" محصلة حتمية للوضع الاجتماعي المؤلم وثمرة العمل السياسي المنظم فعلا، ولغة حاكت البعد النفسي، بين الحركة الخارجية المتمثلة في الشخوص والزمن والمكان والإيماء مثل؛ نظرة العين التي اختزلت المعنى السياسي والنضالي، وأصابع الشهيد، فجاءت ناطقة للحالة الجماعية الاستشهادية
وقياسا لعمره القصير وعمله الأول الذي نشره وهو في السابعة والعشرين من عمره ندرك أن كنفاني الذي ترعرع في أحد المخيمات مختزلا واقعه ومفرداته وضيقه ومعيشته مع كثيرين منتظرين كرت الإعاشة والذي وصفها بحذافيرها في معظم الروايات وأهمها " الأعمى والأطرش" وعمل في دمشق و "الأونروا" والكويت وبيروت رئيسا لجريدة "الهدف"... كان بحاجة الى عمر آخر ليخرج كل ما يموج في داخله.. ألم يقل ذلك يوما؟!







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذكريات حرب - في رحيله الخامس والثلاثين الدامي