أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وضاح المقطري - إلهة البهجة الدائمة















المزيد.....

إلهة البهجة الدائمة


وضاح المقطري

الحوار المتمدن-العدد: 1969 - 2007 / 7 / 7 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


هي أول امرأة دخلت بالي وكياني بعد أمي، أي أنها المرأة التي سبحت لها كثيراً في غفلة أمي حتى لا ينتابها الخوف على مكانتها في الروح المترعة بجمالها،لكن أمي ربما كانت تدرك أنني كنت قد سقطت في الطريق التي لاتنتهي مع امرأة بذلك السحر.
كانت أمي ـ حين بدأت أعي الكون ـ توقظني في بهجة صباحها لتحظى بقبلتها المعهودة التي لاتتمكن من ردها لي لأن صوتاً ملائكياً كان ينتظر انفتاح كياني ليعبر في سراديبه مضيئاً ورشيقاً،وبه أبداً وقتي المفتوح للبهجة التي سيسرقها مستقبلاً عالماً من الكراهية التي لايعفيني منها سوى هذا الصوت العابر في جسدي كل حين.
مازالت أمي حتى اليوم تتذكر حيرتها وهي تتأمل وجهي المتدفق بالدهشة والحيرة والفرحة حين سمعت هذا الصوت لأول مرة،وتقول لي : كنت دائماً تنسى اسمها وتسأل : هل هذا الصوت آتٍ من الجنة..؟وعند أول مرة سألت هذا السؤال مر على وجه أمي الكثير من الدهشة والقلق والفرح في خليط شفيف مازال حاضراً في الذاكرة حتى الآن، واخبرتني أنها فيروز، ولأني لم أسمع مثل هذا الإسم من قبل؛سألتها مرة أخرى هل هذا يعني الجنة..؟
يومها كبتت أمي خوفها الغامض،ولم تخبرني حتى صادفتُ وجه فيروز على ورقة علقتها أعلى المكان الذي أضع رأسي فيه حين أنام،وأخبرتها عن أمنيتي لأن أقبل وجه فيروز كما أفعل مع وجهها كل صباح،فنبهتني إلى أنني ـ ودون كل الأصوات ـ أحببت صوت فيروز منذ أول همسة عبرت بين شغفي،في الوقت الذي كان غيرها ممن صنعوا بهاء الغناء ورونقه،ينتظر طويلاً حتى يكمل سمعي التعود على روعته،وحذرتني من ولهٍ بامرأة لن يكون لي منه سوى التيه والأحلام الذائبة.
لكن أمي وكعادتها وجدت في فيروز أسلوبها الجديد في كبح شقاوتي والانصياع لأوامرها،فكانت تعدني أن تسمح لي بالبهجة الطويلة في حضور فيروز صوتاً يذهب بي أبعد من أحلامي إن أطعت أوامرها،أو تضعني بين شلالات بهاءها في ذروة الشغب الذي أحدثه لأهدأ فجأة،وكأنما انطفأت طاقة جسدي في لحظة واحدة وبالطبع كان الحرمان من صوت فيروز عقوبة يمكن لأمي أن تنفذها حينما استحق تلك العقوبة وإلى اليوم مازالت أمي تخاف من فيروز ـ رغم حبها الشفيف لها ـ لأنها قد تذهب بي نحو الغواية التي بدأت ملامحها حين سألتها ذلك السؤال،وهي تدري الآن أن فيروز حاضرة في كل تفاصيلي مثلها تماماً؛ فلا تملك أكثر من دهشتها.
ذات نزهة حب ناعسة، وفيروز في النزهة كرائحة الشجن الأول سألتني حبيبتي:ماهو مقياس الجمال لديك..؟وبدون تفكير كان اسم فيروز يخرج من بين شفتي كامل المعنى والرؤية والوفاء،وأمام دهشة حبيبتي وتساؤلها أضأت النزهة بـ«سألتك حبيبي لون رايحين» وأجبتها:
حين أختبر قلباً ما،أضعه في مواجهة براءتها وخيالها وكينونة المعاني لديها،فإن لم تعبر كل هذه الأشياء ـ ولو قليلاً ـ في نبضه يصيبني الحزن لأن فيروز بكل بهاءها وبهجتها لم تُدخل فيه رعشة الشوق بعد وإلى اليوم مازلت اتخذ موقفاً عدائياً تجاه اللذين لايطرق خيالهم وأشجانهم صوت فيروز،وأحياناً أجد المبرر الكافي لإلغاء علاقاتي بهم ببساطة ،وصرت أزهو بها أمام البشر، وأدعي أنها تأتيني كل منام لتعيرني أسرار الحنين فأنام مطمئناً لأحلامي المسترخية في أقصى الكون، وأخبرهم أنها إلهتي الأجمل تخلقني كل صباح، وتبعثي نبياً داعياً إلى غناءها كل الأرواح التي ضلت بها الأقدار والسنوات، وأخوض من أجلها كل حروب الشغف لآوي في المساء إلى محرابها مبتهلاً وأنام على رونقها ببال شفاف.
هي امرأتي التي تهدهدني كل غناء وتدللني كما يليق بفتى غامض الرؤى، وبدون أن تطرق بابي لتشرب معي من كأس النشوة قهوة صباحنا الراقص، فلا معنى للوقت لدي.
بقطفلك بس هالمرة
هالمرة بس عابكرة
عابكرة بس شي زهرة
شي زهرة حمرا وبس
كأنني ولدت لكي تدللني فقط، وكي تدق على باب خيالي صباحاً لأبدأ معني الحنين..
بعدك على بالي
ياقمر الحلوين
ياسهرة تشرين
ياذهبي الغالي
بعدك على بالي
ياحلو يامغرور
ياحبق ومنتور
على سطحي العالي
وإذن ماالذي يكفي فتى مغروراً مثلي سوى صوتها الذي يمشط أرجاء الروح بفيض البهجة المزدانة بها، ومامعنى الكلمات التي أقولها دون التسبيح بصداها الغامض كوضوح الغبطة حين ألمح وجهها المضيء.
هيدا حبيبي لي اسمي بيهمسو
تع بان على صوته ودارسو
واضح شو بو ماتقول شو بو
عامل حالك مش عارف متحرسو
لأن صوتها باقياً في شفق الحكايات وفي ليالي السامرين، لها إذن كل أسماءها الحسنى، ولنا تلك الرعشة التي تعبر فينا حين تنادينا كشروق كامل البهاء.
كلما تأخرت في العبور على حزني، أسرجت روحي في السفر إليها، وأطلقت بصري يعطي أمكنتي لكل الطرقات التي يذهب فيها صوتها وطيفها.
وكلما أطال النوم إقامته في رأسي تأتيني فجأة لتقطع حبل الغفوة، فانتبه لماهية الأحلام التي تجيء فيها، أو أسمعها تهتف باسمي فتنتفض الدنيا في رعشة جسدي الذي يتهالك ساعتها من أسف الأمنية الضائعة في سراب النوم.
بشتقلك لابقدر شوفك ولابقدر أحكيك
بندهلك خلف الطرقات وخلف الشبابيك
جرب إني انسى تسرق النسيان
بفتكر لاقيتك رجع لي اللي كان
وبتضيع مني كلما لاقيتك
حبيتك حبيتك
أحبيني أكثر أيتها الشفافة كوجه أمي، كطفلتي التي لم تجيء، كفجر أقدم من كلام الأنبياء، أحبيني لأدرك معنى الحياة كما تشاء البهجة في كيانك المطلق البراءة.
أحبي كل أشيائي، وظلي على شفتي، وفي كفي، وعلى مساحات أوراقي، وبين رنين أقلامي، في جداري الخالي من الضوء، وفي انطلاق نافذتي إلى المجهول، في عبوري بين المطر، وعلى مسارح الذكرى، وأيام الصبا التي تعود كلما كنتِ في البال وهجاً فتياً.
عالطاحوني شفتك عالطاحوني
وجرحوني عيونك جرحوني
للحرية ألف حداءٍ وللوطن معناك الرفيف، وللإنسان صبوتك المليئة بالحب، هكذا تعلمت المعاني منذ اخترت صوتك قيمة كاملة للوجود، وعلى مر الأيام كانت أوقاتي مفتوحة على ماتشائين من الحزن والأمل، الأسى والوعد، والانتصار الذي صار يكبر كل يوم كشمس على مدارات انتظاراتي الكثيرة.
ذات قبلة طويلة انفجرت في أربعة شفاه أمام البحر فأجبرت نسرين على إغماض عينيها سألتني:
ـ هل تحب البحر..؟
ـ أحبكِ أنتِ..
ـ وأنا أحبك بكل اتساع البحر وعمقه..
فانفجر خوفي حينها..حبيبة قديمة قبلها قالت ذلك ولكن بالطريقة الفيروزية، ثم هجرتني هجرة باتساع البحر وعمقه.. حبيبتي القديمة التي علمتها أن تحب فيروز في قصة الحب التي أوقعني فيها حزني على نسرين التي أضعتها ونحن نحلم بالبحر الذي هاجت إليه، فلم تتعلم ـ هذه الحبيبة ـ سوى أن تغني لي: « شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك» ثم هجرتني هجرة لم تنتهي منذ النهاية.
وبسبب صدى غناءها في ذاكرتي العقوبة، ولأني كنت إبحث عن معنى براءتي في وجه نسرين التي غادرتني إلى هذه المدينة، وربما لأجل أشياء أخرى؛ أحببت هذا الكائن، وحلمت أن أعيش قريباً منه..
المؤسف أنني كنت أختبر القلوب،بوضعها في مواجهة براءة وخيال وكينونة فيروز لديها، فإن لم تعبر كل هذه الأشياء ـ ولو قليلاً ـ في نبضها يصيبني الحزن لأن فيروز بكل بهاءها وبهجتها لم تدخل فيها رعشة الشوق بعد،وكنت ادرك أن نسرين ليست مؤهلة لوضعها في مواجهة ملائكية فيروز، فخدعت نفسي واستمر حنيني يعبر كل المسافات إليها حتى انتمت لوعد اغراها بمتاع فهجرتني لأني لا أملك غير روح ظلت عمراً تسافر إليها والبحر كما تشاء فيروز«1».
لكم أن تصدقوني حين أقول ان لبنان أجمل بلاد الدنيا، لأن فيروز وحدها تكفي لذلك، ولكم أن تتخيلوا لبنان بدون فيروز، ومن ثم الحياة كلها بدون تلك المرأة الملاك، أي عالم يمكن أن يحتمل وجوده خالياً من صوتها وبهجتها وبهاءها وطلتها على معناه؟
لها إذن تسبيحنا،لأنها تسلبنا معنى الغناء، وتمتلكه وحدها لتمنحنا إياه بكرم إلهي، لندرك أنها لو لم تكن؛ماكانت حياتنا تستحق الوجود، ولها كل الوقت المستظل بعبورها المتوهج، ولنا كل ذلك الشجن.
حبيتك بالصيف حبيتك بالشتا
نطرتك بالصيف نطرتك بالشتا
وعيونك الصيف وعيوني الشتا
ملآنة ياحبيبي خلف الصيف وخلف الشتا
ألا تستحق أن تكون لها وحدها كل الفصول، وكل المدارات، ولكن..
هل لي أن أنعي إليها كل حكايات الحب التي جعلت من صوتها وحداءها عناوين لها، وتفاصيل لأوقاتها، وهل بمقدوري أن أندب حظ الأيام التي فصلتها من خيوط حنينها، والليالي التي أضأتها ببريق عينيها..؟
وهل أخبرها بكل ما أضعت من الهوى، وما نزفت من الأحلام، أو دفنت من الأمنيات..؟
وإن فعلت؛.. هل لها أن تطيق صبراً فوق مساحات الألم الممتد منذ عرفتها فتعلمتُ لأجلها الوطن والحب والحرية، وخسرت كل تلك الأشياء، وكنت قد أخبرت عنها كل حبيبة تعبر في الذاكرة شجراً خرافياً، لتنساني تماماً، وتهجرني دون أن تدرك أنها تغتال في جسدي معنى فيروز، وفي بالي أسماء الحب الحسنى.
وما الذي يكفيني حين لم يعد صوتها يطلُ على حكاياتي، لأنه لم تعد لي حكايات كافية لها، ولم يعد لي من المعاني سوى ماتبقه الريح من الرماد على أعلى الصخور..؟
ما الذي تبقى لي من الأشياء وقد خاصمتني حبيباتي لأن فيروز لم تكن تغادر الذكرى، وكل واحدة منها لاترضى بامرأة أخرى في شغفي، وإن كانت فيروز..؟
وما الذي يبقى لرجل خسر الكثير لأن فيروز أغوته كما يفعل إله براهب..؟
وما الذي يمكن لنبي أن يفعله وقد فقد أسباب نبوته وغرق في الغواية ألف دهر..؟
مازلت أحلم بطفلة تظل صغيرة على مدار أيامي الباقية لاسمها ريما واغني لها كل مساء:
ياللاتنام ريما ياللايجيها النوم
ياللاتجيها العوافي كل يوم بيوم
ياللاتحب الصلاة ياللاتحب الصوم
ياللاتنام ياللاتنام لادبحلا طير الحمام
رح يا حمام لاتصدق
بضحك عاريما تتنام
ريما ريما الحندقة
شعرك أشقر ومنقى
واللي حبك بيبوسك
واللي بغضك شو بيترقا
إذن.. مازالت الذاكرة تفيض بفيروز أكثر مما يمكن أن يفيض شيء،ومازال لفيروز كل الحنين الذي لا ينبغي لسواها، فلتباركوا هذا البهاء، وليكن لكم من البهجة في رحابها ماينبغي لغوايتي فيها كل هذا العمر.
فيروز عيد ميلاد سعيد،..
كل يوم وأنت بخير
وكل أغنية وأنت كما تشاء الأحلام..
ألف عام لاتكفي كي تظلي على مدار المشاعر أجمل الكائنات التي تبتهج الأكوان بها..
فليسقط العالم إن تخلى عنك يوماً..
ولتقم القيامة..
«1» ثلاثة مقاطع من قصة البحر كما يليق بنسرين للكاتب



#وضاح_المقطري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ندوة العدالة الإنتقالية وانتهاء حرب صعدة


المزيد.....




- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وضاح المقطري - إلهة البهجة الدائمة