أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المزروعي - لا يستحق كل هذا العناء















المزيد.....

لا يستحق كل هذا العناء


فاطمة المزروعي

الحوار المتمدن-العدد: 1962 - 2007 / 6 / 30 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


المدينة هادئة في هذا المساء الدافئ، لا حركة، لا همس، فقط أضواء باهتة هنا وهناك في بعض البيوت، تقف أمام مرآتها تطلع إلى الأضواء المنعكسة، تحاول اختراق الظلمة والنظر إلى ما وراء كل هذه البيوت، يبدو العالم كبيرا، تحاول تخيل مساحته في رأسها، تضحك في حزن، حينما تكتشف بأنها لن تنجح أبدا في تخيل كم سوف تكون هذه المساحة، أحاط خصرها بذراعيه، بدا مصطنعا في أسلوبه، كل شيء واضحا أمامها، لن تحاول أن تكذب على نفسها، فحركاته كلها واضحة، أرادت أن تخبره بذلك، ولكنها آثرت الصمت، جدلها العقيم لن يفيدها في شيء، هو لا يفهمها، لأنه وبكل بساطة لا يتعامل إلا مع لغة الجسد، تتذكر سهره الطويل أمام شاشة الكمبيوتر، يتعمد أن يريها صور كثيرة لنساء في أوضاع مختلفة، يذكر جمال هذه، ويسب تلك، ويضحك على شكل أخرى، إنه يتظاهر بذلك أمامها، ويصطنع كل هذا العالم الذي تعيشه معه، عادت تنظر إلى المرآة، وحملقت في عينيه، أكثر فأكثر، ولم تنبس ببنت شفه، وضع شفتيه على خدها، واحتضنها أكثر، استسلمت لدفء جسده، سوف أذهب لرؤية والدي؟ إنه يحتضر.. قالتها بتوتر وانفعال، وراحت تنظر إلى المرآة، تتأمل وقع الخبر عليه، ولكنه بدا هادئا كعادته، اذهبي وحاولي ألا تتأخري، سوف أشتاق إليك، كاذب، إنه يكذب، يستطيع أن يتدبر أموره دون الحاجة إليها، تعلم بأنه لن يأتي معها،فهو دائم الشجار مع والدها، يرى بأنه شديد التعنت وجاهل، لا يفهم في شيء، سوى في الشرب، وتضييع أمواله على رفاقه، وكانت هي توافقه على ذلك، فقد كانت حياة والدها في الآونة الأخيرة، قد ازدادت سوءا، ولم ينفع معه أي شيء ولذلك قررت أن تمتنع عن زيارته، رغم حبها له، فلم تكن تستطع رؤيته وحالته تسوء كل يوم، تخلت عن حضن زوجها، وطبعت قبلة جافة على وجهه، اعتن بنفسك، لن يطول غيابي طويلا، سوف اتصل بك أن حدث شيء، الطعام في الثلاجة، وقد قمت بترتيب ملابسك وأغراضك، نظر إليها، احتضنها في صمت، هل يشعر بجمالها لمجرد مغادرتها البيت، طرد هذا الشعور من مخيلته، حملت حقيبتها الصغيرة في يديها، بينما سارع هو بحمل حقائبها، وانتظر معها حتى وجد لها سيارة أجرة، تمنت لحظتها لو إنه يلتفت إليها، يتحدث، يضع يده في يديها، أي حركة منه قد تعيد الحياة إليها، وتشعرها بأنها لا تزال أنثى، وفي داخلها بركان من العاطفة والشهوة، ولكن في لحظة، بدت أسرع من البرق، عاد إليها كبريائها، وهي تستقل في السيارة، احتضنت حقيبتها إلى صدرها، لو تلتفت لتودعه، أو حتى لتنظر إليه، ولكن لا، إنه رجل لا يستحق مني التضحية ولا حتى الالتفات سنتمتر واحد، استغرقت رحلتها ساعة كاملة، وهي جالسة صامتة في السيارة، رغم النظرات التي كان يسرقها السائق أحيانا، ليحملق فيها من خلال مرآته الصغيرة، كان الحزن الذي تشعر في داخلها كبيرا تجاه والدها، وقد أثر على حياتها الزوجية كثيرا، رغم إنه كان يراودها دوما شعور بموته الوشيك الذي لا مفر منه، رغم إنها ليست من هؤلاء النساء اللواتي يتشاءمن أو يؤمن بالفأل السيئ، وفي ذلك اليوم لم تحس بأية رعشة في جسدها ولم تتضايق، سوى صداع مفاجئ ثقيل، داهمها فجأة ربما بسبب تفكيرها في زوجها المراهق..
نفضت رأسها، لقد وصلت قرية والدها، انتفض جسدها فجأة دون أي شعور منها، لقد غرقت في أحلام اليقظة، وهي تحمل حقيبتها، بعد أن نقدت السائق أجرته، كانت الشوارع خالية، وكان المنزل بعيدا، هكذا يبدو لها، حاولت أن تتذكر اللحظات التي قضتها هنا، ولكن كان يبدو وكأنها فقدت الذاكرة، كان الصوت الطفو لي، يشق عنان ذاكرتها، بين ذلك الضباب الكثيف، هناك أحلام، ولكن يبدو وكأنها انحصرت بين الخيال والواقع، وبدت صورة مجسدة من لحظات مضت، كانت تريد أن تعيش من جديد، وأن تحب من جديد، اقتربت من المنزل، الضباب الذي شعرت به في البداية، بدا يتلاشى، البوابة الكبيرة أمامها، وضعت حقيبتها على الأرض، تأملت الحديقة الذابلة، لم تكن هكذا، يبدو أن مرض والدها خطير، وقد أقعده عن رعايتها، كان يقدس هذه الحديقة، ولم يتخيل يوما أن يموت فيها عود أو غصن، جففت دموعها، نظرت إلى المكان، كل شيء بدا صامتا، بلا حراك، وظهرت أمها أمامها، كان وقوفها أمام الباب، مفاجأة لها لم تكن تتوقعها و قد أصابها بالدهشة، إنها تزداد جمالا كل يوم، اقتربت منها، احتضنتها بروتينية باردة كعادتها،
وقالت لامبالاة وهي تسير أمامها:" إنه يحتضر، لقد حاولنا كثيرا، لقد كان الطبيب معه منذ الصباح"
لم تعلم كيف نطقت والدتها هذه العبارة؟ هل حقا تمتلك في داخلها قلبا ككل النساء والزوجات في العالم؟
سارت معها في هدوء، إلى غرفة والدها، وهالها المنظر، لقد شعرت الخوف، وكادت أن تفر من الغرفة وتتركها، كان إحساسها بالبرد والحزن والجوع، شعرت يهما وهي تقف أمامه، إنه الموت، الذي يختبئ وسط هذه العتمة..
"أبي" هل أنت بخير؟
"ابنتي حبيبتي، الحمد لله! إنني لا أريد أن أموت وحيدا"
" لا تقل هذا يا والدي، كلنا معك"
وكان يعلم إنها تكذب، كيف سوف تكون معه؟ وهي حتى الآن لم تشعر بالاستقرار بينها وبين نفسها، عادت تنظر إلى والدها، جسد متيبس، وعينان فقدت بريقها ، بلا أسنان، ضئيل في فراشه الضخم، حتى في أيامه الأخيرة، لا يريدها أن تشاركه، أرادت أن تتحدث معه عن زوجها، وعن تصرفاته وخياناته العديدة، ولكنها آثرت الصمت الحزين، كانت تدرك بأنه لا يريدها أن تشعر بالألم لألمه، ولكنها تريد أن تكون معه، وتجتاز حاجز الموت بكل ثقة وهدوء، تريد أن تكون معه في كل شيء، في ذكرياته وأفراحه، وأحزانه، وألمه وحتى حياته العاطفية السابقة، ومغامراته الطفولية التي يستمتع وهو يرويها لها، وكانت هي تستمع في صمت، وتنظر إلى والدتها، كانت تعلم في قرار نفسها، بأن هذه الأم فد فقدت كل الأحاسيس، ولا يهمها زوجها، لقد تعبت من نزواته، فآثرت أن تعيش حياتها دون تدخل من أبيها، فكانت تخرج وتدخل كيفما تشاء، ولم يمنعها، إنها قوية، وكل يوم تزداد جمالا وتوهجا، تمنت لو كانت كأمها في قوتها، لما كانت تشعر بهذا الألم الهائل في أعماقها، الذي يجرح قلبها، تحولت الأيام بالنسبة إليها، إلى أيام روتينية، كانت تعتني به، وأحيانا يقص عليها حكاياته القديمة، وكانت تنظر في استغراب إلى توهج وجهه، إنه يبدأ استعادة عافيته، كلما تذكر حكاياته مع نساءه اللواتي عاشرهن، كان يضحك في استهتار وهو يريها صور كل النساء اللواتي لمس أجسادهن، كانت تحملق فيه بصمت وإشفاق، كفى ياوالدي ، أنت بحاجة للراحة، إنك تتعب نفسك، فلا يجيبها، إنما يحملق في السقف، ولكن سرعان ما يتحول صوته إلى شهقات بكاء متقطع، عندما يعاوده الألم، ويجد نفسه على حافة الموت الوشيك، فيأخذ الصور ويمزقها ويرميها على سريره، كانت تشعر بأنها مشتته بين مشاعره، ولا تفهم أي شيء من أحاسيسه، كانت تفكر في زوجها، وتتمنى لو كان هنا، حتى تضع صدرها على رأسه، وتخبره بأنها تحتاجه، وإنها قد سأمت كل هذا الجو، الموت والرهبة والإحساس القادم بالخوف...
كانت أمها دوما صامتة، لم تسألها عن زوجها، أو عن حملها، لقد أجهضت ثلاث مرات، ربما أن رحمها لم يتهيأ لاستقبال الأطفال، هذا ما كانت تقوله صديقتها، كانت عبارتها تجرحها، ولكنها تعودت مع الوقت، كل شيء تافه في العالم، لا يستحق منا كل هذا العناء....
صرخة أيقظتها، إنه يحتضر، لا تعرف ماذا تفعل؟ ركضت في زوايا كثيرة، ركضت حاولت أن تختبئ عن تلك اللحظة التي لا تريدها رغم حقيقتها،شعرت بذهول حقيقي، كانت كمن يختنق،هناك شيء يقف في حلقها، إنها تريد أن تصرخ، سنوات منعها الحياة أن تصرخ، والآن لقد جاءت هذه الفرصة، سوف تصرخ بكل ما لديها من خوف وحزن وهم وضيق وألم، ركضت، ولم تعلم إلى أين تذهب؟ كل الجهات بدت أمامها متشابهة، كل الجدران بيضاء، لا فرق بينها، هناك الفرق بين ذلك الحزن الذي تشعر به لفراق زوجها ووالدها؟ هل حقا تريد رؤيته في اللحظات الأخيرة، وهو يمد يده إليها، يطلب منها أن تقترب منه، حتى لا يموت وحيدا، يريدها أن تبقى معه وتشاركه وحدته في هذا الظلام، لا تعرف كيف وصلت إلى سريره؟ رغم الشعور الذي انتابها، والذي كان مسيطر على عقلها، كان الليل قد حل، والغرفة بدت تشبه المدفن ، رغم الأثاث الفخم، ولكن كل شيء كان باهتا، وثمة جو كئيب يحيط بالسرير، مد يديه إليها، اقتربت منه، احتضنتها وبكت، لا تبكي ، لن أمت وحيدا؟ أنت معي"
ولم تحتمل، لا لا لا تريد كل هذا الألم، حتى بعد موته سوف تحمل في داخلها كل هذا الكم من الوحدة والحزن والجبن والضآلة، كانت تجهش بالبكاء، وهي ترمقه وهو يحتضر، لحظتها لم تستطع احتمال كل هذا، غادرت الغرفة، وإحساسها أن روح والدها قد حلت فيها، بكل شيء، قصصه وحكاياته ومغامراته، حياته وموته، أحلامه، وصوره الغرامية، ورسائله وكان الألم في أعماقها كبيرا، لم يختلف عن زوجها في شيء، وراحت تدور في القرية حاملة ذكريات والدها، منتظرة لحظة تستعيد فيها توازنها مع نفسها..

بقلم : فاطمة المزروعي ، قاصة إماراتية



#فاطمة_المزروعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان لقاؤنا العاشر لا يتسم بالحميمة
- لقد أضعت بإرادتك اسمها من الذاكرة
- لم يكن له ملامح


المزيد.....




- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المزروعي - لا يستحق كل هذا العناء