أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المزروعي - كان لقاؤنا العاشر لا يتسم بالحميمة















المزيد.....

كان لقاؤنا العاشر لا يتسم بالحميمة


فاطمة المزروعي

الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


- كان واقفا بالباب يرمقني بعينين مفتوحتين، والانتفاخ الواضح تحتهما يستفزني كثيرا، العديد من اللحظات التي مرت بيننا تكاد تكون مسجلة في ذاكرتي، دلف بقدميه بخطوات عسكرية إلى الشقة، اجتاز الباب بثقة، كانت تفاصيل الشقة في رأسه كتفاصيل جسدي، كلما وضع قدمه في مكان، أشعر وكأنه لمس موضعا حساسا عندي..
نظر إلى الأثاث برهة، كانت الشقة صغيرة بالكاد فيها غرفتين، وصالة وحمام مشترك بينهما، ملابسي المتسخة هناك على الأرضية أمام باب غرفتي، فنجان القهوة النصف فارغ على الطاولة وبجواره صحن الكعكة الجافة، والمنفضة الزجاجية الممتلئة بالسجائر، أعلم بأنه لا يطيقني حينما أدخن، وكم من مرات خبأت علب سجائري تحت الوسادة أو في المطبخ ولكنه أثناء بحثه واستكشافه شقتي يجدها، ويظل لحظات ممسكا بها، أرى في عينيه غضبا، فأتمنى في داخلي، لو ينفث غضبه في أي شيء، ولكن الغريب انه يظل صامتا مدة طويلة، أتوقع انه يفكر، فأطلق ضحكة خافته، أخشى منها أن يغضب، ولكنه سرعان ما يتناسى الموضوع ولا يحاول أن يستعيده، سوى أن يهز رأسه ، يمنة ويسرة، أحيانا أشعر بأنه لا يهتم بي، ومهما فعلت أو أخطأت فهذا الخطأ أتحمله لوحدي، وهذا الشيء بدا يظهر مع الوقت، كان يأتي إلى الشقة ، أقصد إلى بيتي، مسرعا، يطبع قبلة على خدي، ثم نمارس الحب، وأشعر به وهو على عجله من أمره، وكأن ما يفعله واجبا يمليه عليه، ثم يرتدي ملابسه وهو على باب الخروج، وأنا في سريري، انظر في المرآة التي أمامي، انهض متضايقة، أقف أمام النافذة، أنظر إليه في شرود وهو يمشي متعثرا، يبدو انه مع الوقت قد نسي مشيته العسكرية، كان يحاول ان يبدو متماسكا وهو يكمل أزرار قميصه، ثم يدخل العمارة التي لا تبعد عن منزلي سوى ببنايتين، وأعود إلى سريري، منكسرة، أغمض عيني، وأضع رأسي على المخدة...
في المرة القادمة لن أجعله يدخل إلى المنزل..
كثيرا ما قلت هذا الكلام، وعدته بيني وبين نفسي تكرارا ومرارا، ولكني لم أطبقه يوما، عندما يأتي إلى منزلي أنسى كل شيء، وأتذكر فقط قبلاته وهمساته والحب الذي بيننا، وممارستنا للحب في أي مكان، في الشقة، في السيارة رغم الضيق الذي كان يشعر به، في الفنادق، وحتى في ممرات الشقة ومقاعدها، وفي أي زاوية تعجبه، واليوم يبدو مختلفا، مشيته العسكرية، يبدو واثقا من نفسه، وهو يدخل إلى الشقة، لم أحاول أزاله المنفضة ، لم أحاول إزالة أي شيء، حتى يعرف طبائعي، كانت من طبيعتي الخمول واللامبالاة، وكنت أحب أن يرى طبيعتي، لأنني لا أحب التصنع وهذا الشيء الذي يجعله شديد التعلق بي، ربما زوجته أفضل مني في أمور كثيرة، هي نظيفة ولديها منزل أنيق، وطفلين، تربيهما بحنان..

طبع قبله على شفتي، شعرت بشهوته، يبدو مختلفا اليوم، كلا لن أتنازل عن حقوقي، صحيح إنني لست زوجته ولكنني عشيقته، ومنذ سنوات ونحن ننام معا على هذا السرير الخشبي في منزلي ولم أعترض أو أتحدث، كنت أطيع أوامره واعتبره كزوج مثالي، ومن واجبي أن أوفر كل شيء له ..
اقترب مني ، احتضنني، ثم سرنا سويا إلى غرفتنا،ضاجعني في صمت، استغربت من تصرفه، كان يبدو للوهلة الأولى سعيدا، حتى إنني لم أمانع أن نمارس الحب على سريري، كانت عينيه مغمضتين، ووجهه باهتا، وكأنه يعيش في عالم آخر، ويمارس تخيلاته وأفكاره في أماكن مختلفة يفهمها هو، لا أتوقع إننا قد وصلنا معا إلى مرحلة النشوة يوما، ولكن الرضا هي سمتي، لم أحاول ان أفرض عليه أي شيء، لامست يديه صدري، فتأوهت بصوت عال، كان كفيلا بأن يوقظه من عالمه الذي يعيش فيه، ولكنه ظل لحظات وهو على هذه الحالة، قبل أن ينهض ويتجه إلى الحمام، صوت شلال المياه الباردة، يصل إلي، كان يطلق صفيرا منغما، يبدو انه متضايق وهناك موضوع يخص العمل يشغله، نهضت من سريري، ارتديت ملابسي، سارعت إلى المطبخ لأعد له فنجان القهوة، لا أريده أن يذهب الآن، أعلم حبه لزوجته وطفليه، أتذكر مرة ، إنني رأيته يركب السيارة ومعه الصغيرين، أحدهما يشبهه تماما، نفس الأنف والشفتين، يا إلهي حتى أصابع يديه، وكانت تجلس بجواره، منهكة، مرهقة، وهناك حزنا دفينا في ملامحها، وتبدو لا مبالية بوجوده بجوارها، أيام كثيرة تخيلت نفسي في منزلهما وعلى سريره، أمارس الحب معه، وزوجته تجلس في الغرفة المجاورة،تنظر إلى برنامجها المفضل ..

- حاولت مرارا أن أضيف إلى هذا المنزل، الشيء الذي يفتقده، ولكنني يبدو إنني لم أستطع، قبل أن اعرفه كانت حياتي ضربا من الجنون، وكان منزلي هذا مفتوحا لأي حد، ولم أمانع بدخول أي شخص إليه، الملابس المتسخة، أكواب الشاي الفارغة، الأكياس السوداء المملوء ه بعلب الطعام النصف المجهزة الفارغة، الرائحة المنبعثة من الشقة، لم أحاول تغير أي شيء، كانت حياة العزلة هذه تعجبني، وكنت أحب أن أمارس على حياتي نوع من الحرية المطلقة، لهذا تخليت عن أهلي منذ كنت مراهقة، لم تعجبني حياة التزمت والقسوة التي أعيشها، حياة الانغلاق هذه هي السبب ، لقد قتلتني، أتذكر أول رجل أحببته، لقد حدثت بيننا قصة حب عنيفة، وعندما أراد الزواج مني، رفضه والدي، بحجة انه فقير وأمور أخرى، لم يترك لي الخيار، لأعيش مع إنسان أحبه، وأنجب أطفال، وأكون أم حقيقية، لقد هربت من المنزل، لم أحتمل العيش بين جدرانه، لم أحتمل القسوة ولا الألم، لقد وجدت لنفسي حياة، رغم إنني لم أشعر بالراحة حتى هذه اللحظة، ولكن ليس هناك من يفرض نفسه علي، عشت حياتي، رأيت الناس، وشكلت أصدقاء، ومارست الحب حتى الجنون، وزرت أماكن كثيرة، وأيام كنت وحيدة، لا أحد يفضلني، امرأة عز باء، تخطت الثلاثين بخمسة أعوام، لديها قوام جميل، وعينين فارغتين، سوف أسرق منهن أزواجهن على حد قولهن، وبدأ الأصدقاء في الابتعاد عني، كنت أدخن بشراهة ليست طبيعية، ومرات أجلس على أرضية بلاط الحمام، أمارس جنوني في البكاء، ودخل هو إلى عالمي، لم أحاول أن أتركه ، لم أحاول أن أمنعه من الدخول، كان يترك سيارته بعيدا حتى لا تراها زوجته، ويأتي متخفيا، ليسهر معي حتى الفجر، كانت بيننا لحظات كثيرة حميمة، تعلقت بتلك الأيام كثيرا، وحاولت أن أوضح مرارا رغبتي بالزواج منه، ولكنه كان يهمل حديثي ، ولم يحاول ان يتطرق إلى أبنائه..
كنت أرمقهم من خلال نافذتي، وهم يمارسون حياتهم كأسرة مكونة من أب وأم وأطفال سعداء، يحضنهم إلى صدره بحنان، وذلك القناع الذي يرتديه كلما دخل إلى منزلي لا يسقط إلا أمامهم، وعندي أنا تتسم صفاته بالنفور والجدية، والصرامة في مشيته، والعسكرية في كل شيء، حتى في تناوله للطعام، ووضعه للسترة على كتفه، والنظارة الشمسية على عينيه، كنت أحبه وكنت أدرك بأنني لن أستطيع العيش دونه، وأن ذلك الموت الذي شعرت به قبل مجيئه ، سوف يعاودني هذه المرة بصورة لا تطاق، إنه الألم المبرح في القلب لوداع من أحببت،لقد كان له الفضل في بقائي على قيد الحياة إلى هذا الوقت، ولكن حتما سوف تأتي أيام لن يكون فيها معي، وأوقات سوف يكون مشغولا بزوجته وأبنائه، وأوقات في العمل، وأوقات في الشقة، وأوقات في الحديقة، وأوقات أخرى لي، إنني لا أريد أن أخسره بتاتا، أتأملهم وهم يركبون السيارة، الزوجة في المقعد الأمامي، الأبناء في الخلف، يتأكد من جلوسهم في أماكنهم، يقبل الصغير في حنان بالغ، ويربت على رأسه.
أعلم إنه لا مكان لي بينهم..
وإنني لحظة سوف تنتهي مع الوقت..
راقبت السيارة وهي تبتعد،وشيء ما في داخلي يقتلني ببط مخيف، تأملت شقتي في ضيق، ثم اتخذت قراري دون رجعة..
سوف ارحل من هنا..
ومن يومها لم أعد أرى ذلك الرجل..



#فاطمة_المزروعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد أضعت بإرادتك اسمها من الذاكرة
- لم يكن له ملامح


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة المزروعي - كان لقاؤنا العاشر لا يتسم بالحميمة