عصام المالح
الحوار المتمدن-العدد: 1959 - 2007 / 6 / 27 - 12:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ استقلال العراق من الاحتلال البريطاني بداية القرن الماضي ألي الاحتلال الأمريكي البريطاني الحالي لم يحكم العراق أي نظام حكم وطني حقيقي كما كان في وقت المرحوم عبد الكريم قاسم
أما منذ تولي البعثيين الحكم قد قظوا على كل ما هو وطني ورموا العراق في أحضان الأمة العربية المتخلفة. المجزئة المهترئة. لقد جعل صدام حسين من السوري والمصري والأردني والسوداني بل كل من هب ودب من العرب أسيادا على العراقيين في بلدهم. هذه السياسة العمياء الغبية الداعمة للقومية العربية جعلت العراقيين يمتلئون حقدا على كل ما هو عروبي وكانوا دائما يطمحون من بعد زوال العروبي الشوفيني ألي بناء دولة عراقية عصرية يكون العراقي فيها هو سيد نفسه في بلده بغض النظر عن قوميته أو دينه. يكون انتماءه للعراق أولا قبل أن يكون انتماءه لقوميته أو دينه أو عشيرته.
أما منذ الاحتلال الحالي لقد وقع الحكم بيد حفنة من الصفويين الموالين للفرس. وهكذا رموا العراق في أحضان العجم واصبح الإيراني هو سيدا على العراقي في بلده. جعلوا الإيرانيين يقررون للعراقيين ما يريدون وما لا يريدون. وهم الذين يفاوضون المحتلين على مصير العراق.
بين العروبيين (أل لا وطنيين) ألامس والصفويين (أل لا وطنيين) اليوم. تدور حرب أل لا وطنية . أنا اسميها هكذا لأنها بالفعل تدور بين أناس ليس لهم أي حس وطني أو أي ولاء وانتماء للعراق. هذه ليست حرب طائفية كما تبدو للوهلة الأولى وكما يسميها الأغلبية. فالطائفتان الشيعية والسنية تعايشوا في العراق قرون عديدة بسلام ووئام. بمجرد تحليل بسيط لمجريات الأمور نستطيع أن نستخلص بان ما يجري إنما هو مخطط له، أما من قبل ممن يريدون تفتيت العراق من جهات خارجية، أو ممن هم على قمة الهرم السياسي لتأجيج المشاعر الطائفية للحفاظ على مصالحهم ببقائهم في مناصبهم والتي حصلوا عليها من خلال اللعب بالورقة الطائفية.
أما ما يحصل في الجزء الشمالي من العراق وتحديدا في المنطقة التي يطلق عليها بكوردستان عن غير وجه حق، إنما هو تصرف نابع عن الأنانية وعدم مبالاة لما يجري في عموم البلاد. إنما الاهتمام يصب فقط في كيفية توسيع دائرة المطالب من عائدات النفط والحدود الجغرافية لما تسمى بكوردستان ضاربين بعرض الحائط الحقائق التاريخية وحقوق الأقوام الأصلية التي لا تزال تعيش على أراضيها التاريخية منذ الآلاف السنين مستغلين حالة الضعف التي تعيشها البلاد.
بين أضلاع هذا المثلث أل لا وطني تسقط يوميا عشرات الضحايا من الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة. أبرياء من العراقيين الشرفاء الوطنيين الحقيقيين الذين آبوا أن يتركوا العراق في زمن المحن بل ظلوا يخدمون شعبهم سواء في الجامعات والمستشفيات وفي جميع المجالات الأخرى. هؤلاء هم اليوم الشريحة الأكثر استهدافا للقتل والتشريد. لقد بدءوا بالعلماء ثم أساتذة الجامعات والأطباء والمثقفين وكل المبدعين.
في هذه الأيام نشهد هجمة شرسة بحق أبناء شعبنا من المسيحيين والصابئة من أحفاد بابل أشور. نحن اليوم أصبحنا هدف للقتل والتشريد. رغم إننا طالنا ما طال جميع العراقيين الشرفاء منذ أربعة سنوات ألا إننا اليوم الأكثر استهدافا بسبب الدين. هذه الشريحة المستهدفة اليوم اجزم إنها الشريحة الأكثر وطنية وولاء للعراق من جميع شرائح المجتمع العراقي الأخرى. لأننا نعتبر العراق هو نحن – ونحن هو العراق. لأننا جذورنا عميقة جدا في هذه الأرض المباركة. لأننا لا نسمح للجهات الخارجية أن تفرق بيننا كعراقيين.
عندما كان العراق يحكمه أجدادنا العظام من البابليين والآشوريين كان العراق القديم هو سيدا على جميع الشعوب المجاورة له، لان ولاءهم كان فقط لبلدهم. حتى عندما فتحوا المسلمين العراق قادمين من الجزيرة العربية استطاعوا المسلمين أن يؤسسوا دولة إسلامية عظيمة مترامية الأطراف كما كان الحال في العهد البابلي والآشوري بفضل المسيحيين من أحفاد بابل أشور. الذين كانون يعدون بالملايين في ذلك الوقت. حيث سمح لهم أن يتبؤا مناصب إدارية عليا في أركان الدولة العباسية لما كانوا يمتلكون من علوم ومعرفة في كيفية إدارة شؤون البلاد ولذلك نجح المسلمون في تأسيس هكذا إمبراطورية عظيمة بينما لم يستطيعوا أن يؤسسوا هكذا دولة في الجزيرة العربية منشئ الإسلام إلا بعدما فتحوا العراق. ناهيك عن دورهم الأساسي في نهضة الحضارة العربية الإسلامية في ترجمة علوم اليونانيين والعلوم الآشورية ألي اللغة العربية. لقد كانوا الخلفاء العباسيين الأوائل يعينون المسيحيين في مناصب عليا في الدولة مما ثارت في إحدى المرات حفيظة المسلمين من تصرف الخليفة معترضين عليه، كيف يمكن أن يكون النصراني رئيسا عليهم، فكان يرد عليهم الخليفة بان ذلك النصراني "له دينه ولي قلمه". هكذا كانوا المسلمين الأوائل يمتلكون من الحكمة مما سمحت لهم للانفتاح على الشعوب الأخرى للاستفادة من علومهم وتوظيفها لصالحهم.
بعد ترسيخ أركان الدولة العباسية بدأ المسلمون بالإساءة ألي المواطنين من الديانات الأخرى حيث بدؤوا بطردهم من وظائفهم وتضخيم حجم الجزية المفروضة عليهم أو إجبارهم لدخول الإسلام ونرى كلما تناقص عدد المسيحيين في البلاد وخاصة ممن كانوا يتولون وظائف مهمة في أركان الدولة كلما بدأ نجم الدولة العباسية بالأفول. حيث كثر فيها الفساد الإداري وانتهت ألي الأبد حين تمكنوا منها أعداءها.
أما المسلمين الذين ينتمون ألي الحركات الإسلامية ويدّعون بأنهم يقاتلون المحتل دفاعا عن وطنهم فهذه أكذوبة كبرى. فهؤلاء ليسوا أناس وطنيون. الوطني لا يتخذ من الدين شعارا له بل يتخذ من الوطن واسمه شعارا له لكي يشترك معه كل مواطن من كل الأديان. دينك ليس وطنك ووطنك ليس دينك. أنت تستعمر الوطن بدينك وتستغل دينك من اجل الوطن. هذا انفصام في الشخصية، تحاول أن تجمع بين شخصيتين، كلتاهما مزورة. أن تكون مؤمنا فأنت حر في تحديد العلاقة العمودية مع ربك. أما أن تكون وطنيا فيجب مراعاة العلاقة الأفقية مع جميع أبناء الوطن بغض النظر عن الدين والقومية.
ما نحن بحاجة أليه اليوم هو تشكيل جبهة شعبية وطنية تجمع تحت مظلتها شمل جميع العراقيين الذين يريدون أن يعيشوا في عراق المحبة والولاء للعراق فقط والمحبة بين أبناء الشعب العراقي الواحد لتنتفض في وجه المستعمر الداخلي أولا ثم يصبح من السهل طرد المحتل الأجنبي . أنا ادعوا العراقيين في الجنوب أن لا يسمحوا لنفسهم أن ينزلقوا وراء شعارات طائفية لأنها شعارات زائفة فهم يستغلونكم بها لمآربهم واجندتهم الخاصة. كذلك الحال لعراقيي الغرب أن ينصتوا لصوت العراق فقط وان يتركوا الشعارات العروبية التي لم تجلب لنا إلا الويلات والمآسي. والى الأكراد العراقيين الوطنيين الشرفاء وهم كثر أن لا يركضوا وراء وعود كاذبة من قبل قيادات لم تستطع أن تؤمن لكم ابسط مقومات الحياة الأساسية منذ سبعة عشر سنة ولا تزال.
أما أحفاد بابل أشور وكل المسيحيين، فانتم ملح العراق فبدونكم، العراق لا طعم له.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟