انعقاد قمة مجموعة اسيان بين التفاهمات الاقليمية وبناء قوة اقتصادية صاعدة


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 14:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

مقدمة
انعقدت القمة الـ47 لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كوالالمبور، ماليزيا، يومي 26-27 أكتوبر 2025، تحت رئاسة ماليزيا كدولة رئاسة الدورة لعام 2025، وتحت شعار "الشمولية والاستدامة". كانت هذه القمة حدثاً تاريخياً، حيث انضم تيمور الشرقية (تيمور-ليسطي) رسمياً كعضو سادس عشر، مما يوسع الرابطة إلى 11 دولة ويرفع الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي للكتلة إلى حوالي 3.8 تريليون دولار أمريكي (أو 4.25 تريليون دولار اسمياً)، مع سكان يتجاوزون 690 مليون نسمة. ومع ذلك، يمكن تلخيص إنجازاتها في إطارين رئيسيين: التفاهمات الإقليمية التي تعزز الاستقرار السياسي والأمني، والقوة الاقتصادية الصاعدة التي تحول آسيان إلى قطب تجاري عالمي. في الواقع، القمة لم تكن خياراً بين الاثنين، بل دمجاً ناجحاً بينهما، حيث ساهمت التفاهمات في تعزيز الديناميكية الاقتصادية.
التفاهمات الإقليمية: الاستقرار كأساس للنمو
ركزت القمة على حل النزاعات الإقليمية وتعزيز التعاون الأمني، مما يعكس دور آسيان كوسيط إقليمي في ظل التوترات العالمية (مثل التعريفات الجمركية الأمريكية والتوترات في بحر الصين الجنوبي).
يمكن أن نذكر من أبرز الإنجازات ما يلي:
اتفاق وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند: تم التوقيع عليه تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي حضر القمة كجزء من جولته الآسيوية. يُعد هذا الاتفاق خطوة تاريخية نحو حل نزاع حدودي دام عقوداً، ويفتح الباب أمام تعاون اقتصادي مشترك في المنطقة الحدودية.
التأكيد على آليات التحكيم والوساطة: أعادت القمة التأكيد على التزام آسيان بتعزيز آليات التحكيم الدولية لدعم التكامل الإقليمي، كما في بيان الرئيس الختامي للقمة الـ46 (مايو 2025)، الذي شدد على "النمو الإقليمي المستدام والشامل".
مناقشات حول الروهينجا وأزمة ميانمار: رغم التحديات، دعت القمة إلى حلول عادلة لأزمة اللاجئين الروهينجا، مع دور بارز لماليزيا في مواجهة "الصمت الدبلوماسي"، مما يعكس التزاماً بقضايا حقوق الإنسان الإقليمية.
هذه التفاهمات ليست مجرد إعلانات؛ إنها تعزز الاستقرار الذي يحمي الاستثمارات، كما أشارت تقارير إلى أنها ساعدت في جذب شراكات دولية مع الولايات المتحدة والصين.
القوة الاقتصادية الصاعدة: آسيان كقطب عالمي
أكدت القمة على دور آسيان كـ"قوة اقتصادية صاعدة"، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية مثل التعريفات الأمريكية والحاجة إلى تنويع الشراكات. بلغ الناتج المحلي الإجمالي لآسيان (بما في ذلك شراكاتها) أكثر من 23 تريليون دولار مع الصين ومجلس التعاون الخليجي ، مما يجعلها كتلة اقتصادية عالمية كبرى.
الإنجازات الرئيسية:
صفقات تجارية سريعة: أعلن ترمب عن صفقات تجارية مع أربع دول آسيوية في غضون ساعات، بالإضافة إلى مبادرات لتخفيض التعريفات مع البرازيل. كما دعت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة إلى توسيع الأعضاء وتعزيز التجارة الإقليمية.
تعزيز الشراكات الدولية: بنيت على قمة آسيان- -الصين في مايو 2025، حيث وقعت اتفاقيات في الطاقة الخضراء، الاقتصاد الرقمي، والبنية التحتية (مثل مشروع ميناء في ماليزيا ضمن مبادرة "حزام واحد طريق واحد" الصينية). ارتفع التجارة بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي إلى 130.7 مليار دولار في 2023، مع نمو بنسبة 63% في التجارة مع روسيا في 2025.
التركيز على التنويع: شددت القمة على تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، مع زيادة استخدام العملات الإقليمية في التجارة وتسريع التكامل الاقتصادي، مما يجعل آسيان أكثر مرونة أمام الاضطرابات العالمية.
لقد سعت الدول المشاركة الى ايجاد تفاهمات إقليمية تعزز القوة الاقتصادية الصاعدة وتتماهى مع الإنجازات الرئيسية مثل صفقات تجارية مع تنويع الشراكات بعد تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي ووقف إطلاق نار كمبوديا-تايلاند. لكن تظل هناك تحديات قائمة على غرار النزاعات حدودية، الأزمات إنسانية والتباين التنموي بين الدول الأعضاء.
خاتمة
لم تكن قمة آسيان 2025 مجرد انعقاد، بل تحولاً استراتيجياً يجمع التفاهمات الإقليمية كأساس للقوة الاقتصادية الصاعدة. في ظل التوترات العالمية، أثبتت آسيان قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، كما في تعزيز الدبلوماسية متعددة الاتجاهات مع الخليج والصين. هذا الدمج يضع الرابطة كلاعب رئيسي في النظام الدولي، مع توقعات بنمو إضافي في 2026 تحت رئاسة إندونيسيا. فهل يتم الاندماج الناجح بين دول جنوب شرق اسيا بما يعزز المستقبل العادل والمستدام في الكوكب؟
كاتب فلسفي