مشوع قانون المالية لسنة 2026 طاحونة الشيء المعتاد - الجزء الاول
جيلاني الهمامي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 09:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مشوع قانون المالية لسنة 2026
طاحونة الشيء المعتاد
تداولت وسائل الاعلام هذه الأيام مشروع قانون المالية لسنة 2026 وعلقت عليه تعاليق شتى من التنويه إلى الانتقاد فالانتقاد اللاذع أحيانا.
تقديم المشروع
وردت وثيقة المشروع في 35 صفحة وتضمنت سبعة محاور إلى جانب "التقديم" في صفحتين و"أحكام الميزانية" في 4 صفحات (من الفصل الأول حتى الفصل 12 من مشروع القانون). وتتوزع بقية صفحات مشروع القانون على سبعة محاور كما سبق قوله وهي:
المحور الأول: تكريس الدور الاجتماعي للدولة من الصفحة 7 حتى الصفحة 14ومن الفصل 13 حتى الفصل 23 من مشروع القانون
المحور الثاني: مساندة المؤسسات الاقتصادية ودعم الاستثمار لتحقيق التنمية من الصفحة 15 حتى الصفحة 18 ومن الفصل 24 حتى الفصل 32
المحور الثالث: التدخلات الاجتماعية من الصفحة 19 حتى الصفحة 23 ومن الفصل 33 حتى الفصل 38
المحور الرابع: دعم المساهمة الاجتماعية الصفحة 22 والفصلان 39 و40
المحور الخامس: دعم المؤسسات العمومية من الصفحة 23 حتى الصفحة 25 ومن الفصل 41 حتى الفصل 45
المحور السادس: تدعيم منظومة الانتقال الطاقي والايكولوجي من الصفحة 26 حتى الصفحة 29 ومن الفصل 46 حتى الفصل 49
المحور السابع: الإصلاح الجبائي ورقمنة الخدمات من الصفحة 30 حتى الصفحة 35 ومن الفصل 50 إلى الفصل 57 والأخير.
وكما هو ملاحظ فإن عموم فصول هذا القانون، باستثناء الـفصول الأولى (12 فصل)، هي أحكام جبائية وأغلبها تنقيحات وإضافات لأحكام سابقة وردت ضمن قوانين مالية قديمة.
أهم خصائص المشروع
الانطباع الأول الذي يحصل لدى كل من يطلع على مشروع قانون المالية هو غياب الجديد وتكرار الصيغ القديمة بنفس اللغة الخشبية التي طغت وتطغى على كل نصوص الميزانيات وقوانين الميزانية القديمة. فهذا المشروع هو تجسيم حي للروح المحافظة لدى الفريق التقني (موظفو وزارة المالية) الذي يسهر على وضع هذه القوانين والنصوص ومنتوج نموذجي للخيارات الاقتصادية المتبعة في عهد قيس سعيد والتي تعيد إنتاج الخيارات السائدة منذ أكثر من 50 سنة. ولو قمنا بمقارنة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 لوجدناه متشابها إلى حد بعيد مع قانون المالية لأي عام من أعوام الثمانينات او التسعينات من القرن الماضي أو مع قانون المالية لحكومات النهضة في العشرية الماضية.
ويلاحظ المتمعن في نص المشروع أنه مجموعة من الأرقام في عملية محاسبية كبيرة تكشف عن غياب رؤية واضحة لخطة تنموية مستقبلية. كما يلاحظ غياب الفرضيات التي انبنت عليها ميزانية العام القادم: نسبة النمو وسعر الصرف وسعر المحروقات ونسبة التضخم وكلفة خدمات الدين. وليس معلوما سبب حجب هذه المعلومات المهمة التي تعطي فكرة عن مصداقية توقعات الحكومة لتطور هذه المؤشرات الأساسية في السنة القادمة وبالتالي للتمشي الذي اتبعته في ضبط عناصر الميزانية والخطة التنموية لعام 2026 الذي يمثل سنة انطلاق المخطط الجديد. علما وأن "المخطط التصاعدي" 2026 – 2030 مازال قيد النقاش والاعداد ولم تستكمل المناقشات بشأنه ومازال بالتالي من السابق لأوانه الحديث عن الربط بين ميزانية السنة القادمة والمخطط.
الخاصية الأخرى التي تسترعي الانتباه هي تكرار نفس القوالب القديمة مثل "تحقيق العدالة الاجتماعية" و"تكريس الطابع الاجتماعي للدولة" و"دفع عجلة التشغيل والحد من البطالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي" و"بعث المشاريع التنموية" و"الإحاطة بالفئات محدودة الدخل" و"تفليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية" و"توفير السكن اللائق" و"العناية بالقطاع الفلاحي وتحقيق الامن الغذائي" و"تكريس العدالة الجبائية" و"تبسيط الخدمات" و"إعادة هيكلة الإدارة ورقمنتها" و"مقاومة الفساد والاحتكار والتهريب والتهرب الجبائي" وما إلى ذلك من القوالب التي تكرر ذكرها سنة وراء أخرى دون أن يتحقق منها شيء. مع الإشارة إلى الصيغ البلاغية الجديدة التي استهلت نص المشروع بالقول "يعد مشروع قانون المالية لسنة 2026 آلية أساسية لتجسيم قيم ثابتة كرسها دستور الجمهورية التونسية وضبط ملامحها في إطار خيار الشعب يريد البناء والتشييد" (ص 1 ).
المعطيات المالية الكبرى للميزانية
تعتمد الدولة التونسية على الجباية لتوفير الاعتمادات اللازمة لتغطية المصاريف التي عادة ما تفوق في حجمها مجموع المداخيل. هذه القاعدة القديمة تنطبق بتمام الدقة، كما كان الامر دائما، على ميزانية 2026. تمثل مداخيل الأداءات (المباشرة وغير المباشرة) 91 % من مجموع مداخيل الميزانية. وتمثل المداخيل غير الجبائية 9 % فقط وتتأتى من عائدات أملاك الدولة (أرباح الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها) ومن عائدات تسويق المحروقات ومقابل عبور أنبوب الغاز الجزائري على التراب الوطني ومن عائدات أموال المصادرة والهبات التي تتلقاها الدولة من أفراد أو مؤسسات وهيئات محلية وأجنبية.
يعكس حجم الموارد غير الجبائية الضعيف (أقل من 10 % من مجموع المداخيل) مدى فقر الدولة التونسية واعتمادها بشكل شبه حصري على مساهمة المواطنين سواء كانوا أفرادا (أشخاص طبيعيين) أو شركات (أشخاص معنويين).
يبلغ مجموع المداخيل المتوقعة للسنة القادمة 52 مليار دينار و560 مليون (52.560 م.د.) بنسبة زيادة بـ 4.8 % مقارنة بمداخيل السنة الحالية 2025. وتتأتى هذه الزيادة من الزيادة في حجم مداخيل الجباية أما المداخيل الأخرى (غير الجبائية) فلن تشهد زيادة تذكر. وهو ما يدل على تفاقم الضغط الجبائي الذي سنتعرض له عند شرح الإجراءات الجبائية الجديدة.
في المقابل من ذلك يبلغ مجموع النفقات 63 مليار دينار و575 مليون (63.575 م. د) أي بنسبة زيادة 6.2 %. ما يعني أن الزيادة في النفقات ستكون أكبر من الزيادة في المداخيل للتأكد خاصية ميزانية الاقتصاديات المتخلفة التي تنفق أكثر من مواردها. علما وأن نسبة النفقات التي سيقع تخصيصها للاستثمار (أي لخلق الثروة ومواطن الشغل) لا ترتقي إلى العشر (1/10) إذ سيقع تخصيص 5.8 مليار دينار من مجموع 63.5 مليار للاستثمار.
وكما هو ملاحظ فإن مجموع النفقات (63.575) يفوق حجم المداخيل (52.560) الأمر الذي يحتم تعبئة مبلغ 11 مليار دينار لتغطية العجز (حوالي 21 %) ونسبة عجز من الناتج الداخلي الخام بـ 7 %.
قبل أن نمر إلى المعطيات التفصيلية نشير إلى أن الدولة التونسية ستلتجئ مرة أخرى إلى التداين بنسبة عالية وبنفس المقدار المسجل السنة الماضية لـ"تمويل نتيجة الميزانية وتغطية مصاريف الخزينة " كما جاء في الفصل 7 من مشروع القانون. مرة أخرى ستقترض الدولة ما مجموعه 27 مليار و64 مليون دينار (28 مليار و203 مليون دينار سنة 2025) أي أن حوالي ثلث الميزانية العامة (34 %) يتأتّى من القروض الداخلية والخارجية. ومرة أخرى أيضا سيكون حجم القروض الخارجية 6 مليار و808 دينار بزيادة 677 مليون دينار مقارنة بالسنة الجارية 2025 (6 مليار و131 مليون دينار). وبرغم هذه الزيادة تزداد الدعاية الرسمية إصرارا على إحداث ضجيج كبير حول "التعويل على الذات" والتبجح بـ"السيادة الوطنية".