في ذِكْرَى اغْتِيَالِ صَدِيقِي وَرَفِيقِي الْغَالِي نَاهِض حَتَّر..
سعود قبيلات
الحوار المتمدن
-
العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 18:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تُصَادِفُ، الْيَوْمَ الْخَمِيسَ ٢٥ أَيْلُولَ ٢٠٢٥، الذِّكْرَى السَّنَوِيَّةُ التَّاسِعَةُ لِلِاغْتِيَالِ الْغَادِرِ لِصَدِيقِنَا وَرَفِيقِنَا الْغَالِي، الْمُفَكِّرِ وَالْمُنَاضِلِ الْوَطَنِيِّ وَالْعُرُوبِيِّ وَالْأُمَمِيِّ، نَاهِض حَتَّر.
وَكُلَّمَا مَرَّ عَامٌ عَلَى هَذِهِ الذِّكْرَى الْأَلِيمَةِ، يَزْدَادُ الْوَعْيُ، عُمْقًا وَمَسَاحَةً، بِأَهَمِّيَّةِ الدَّوْرِ السِّيَاسِيِّ وَالْفِكْرِيِّ الَّذِي كَرَّسَ نَاهِض حَيَاتَهُ لَهُ.
أَمْضَى نَاهِض حَتَّر حَيَاتَهُ مُنْخَرِطًا فِي مُعْتَرَكِ الْكِفَاحِ مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، وَالتَّحَرُّرِ الْوَطَنِيِّ، وَالتَّقَدُّمِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَالِاشْتِرَاكِيَّةِ.. مِنْ أَجْلِ الْأُرْدُنِ، وَفِلَسْطِينَ، وَالْعِرَاقِ، وَسُورِيَا الطَّبِيعِيَّةِ (الْكُبْرَى)، وَالْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ التَّائِقِ إِلَى الْوَحْدَةِ؛ وَمِنْ أَجْلِ الشُّعوبِ الطَّامِحَةِ إلى الحُرِّيَّةِ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ.
وَوَقَائِعُ حَيَاتِهِ، وَإِرْثُهُ الْفِكْرِيُّ الْمُدَوَّنُ، يُؤَكِّدَانِ ذَلِكَ.
وَمَعَ الْأَسَفِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْكَوَابِيسِ الَّتِي كَانَ نَاهِض يَخْشَاهَا، وَأَكْثَرَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي ظَلَّ دَائِمًا يُحَذِّرُ مِنْهَا، إِمَّا أَنَّهَا أَصْبَحَتِ الْآنَ وَاقِعًا مَاثِلًا أَمَامَ أَعْيُنِنَا، أَوْ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهَا فِي طَرِيقِهَا إِلَى ذَلِكَ..
فَهَا نَحْنُ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَرَى التَّآمُرَ عَلَى الْمُقَاوَمَةِ فِي لُبْنَانَ قَدْ أَصْبَحَ قَيْدَ التَّنْفِيذِ الْعَلَنِيِّ (وَالسِّرِّيِّ)، وَبِوُقَاحَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ؛ وَأَصْبَحَتِ الْقَضِيَّةُ الْأَسَاسِيَّةُ، لِلْبَعْضِ هُنَاكَ، هِيَ «نَزْعُ» سِلَاحِ الْمُقَاوَمَةِ؛ وَلَيْسَ وَقْفَ عَمَلِيَّاتِ الْقَتْلِ وَالتَّدْمِيرِ الَّتِي يَقْتَرِفُهَا الْعَدُوُّ يَوْمِيًّا بِحَقِّ اللُّبْنَانِيِّينَ؛ بَلْ وَلَيْسَ الْعَمَلَ مِنْ أَجْلِ سَحْبِ قُوَّاتِ الْعَدُوِّ مِنَ الْأَرَاضِي اللُّبْنَانِيَّةِ الَّتِي اُحْتُلَّ أَكْثَرُهَا بَعْدَ قَرَارِ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ.
وَبَيْنَمَا تَتَوَاصَلُ أَعْمَالُ التَّدْمِيرِ وَالْإِبَادَةِ الْجَمَاعِيَّةِ فِي غَزَّةَ الْأَبِيَّةِ، أَمَامَ أَنْظَارِ الْعَالَمِ كُلِّهِ، بِوَحْشِيَّةٍ قَلَّ نَظِيرُهَا؛ فِي مُحَاوَلَةٍ لِاجْتِثَاثِ الْمُقَاوَمَةِ مِنْ أَرْضِهَا، وَفَرْضِ التَّهْجِيرِ الْجَمَاعِيِّ عَلَى أَهْلِهَا..
وَبَيْنَمَا تَتَوَاصَلُ أَعْمَالُ التَّدْمِيرِ وَالْقَتْلِ الْمُنَظَّمِ، يَوْمِيًّا، فِي لُبْنَانَ، فِي مُحَاوَلَةٍ لِطَيِّ صَفْحَةِ الْمُقَاوَمَةِ وَفَرْضِ الِاسْتِسْلَامِ وَالْهَيْمَنَةِ الصَّهْيُونِيَّةِ هُنَاكَ..
وَبَيْنَمَا يَتَّبِعُ الْعَدُوُّ الْأُسْلُوبَ نَفْسَهُ أَيْضًا، فِي الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ؛ لِفَرْضِ التَّهْجِيرِ الْقَسْرِيِّ عَلَى أَهْلِهَا..
وَبَيْنَمَا يُعْلِنُ نِتَنْيَاهُو، بِوُقَاحَةٍ فَاجِرَةٍ، عَنْ عَزْمِهِ عَلَى مُتَابَعَةِ السَّيْرِ بِخُطَوَاتِهِ التَّنْفِيذِيَّةِ لِتَحْقِيقِ حُلْمِ «إِسْرَائِيلَ الْكُبْرَى»، الَّذِي يَشْمَلُ فَلَسْطِينَ وَلُبْنَانَ وَسُورِيَا وَالْأُرْدُنَ وَأَجْزَاءَ مِنْ مِصْرَ وَمِنَ الْعِرَاقِ وَمِنَ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ..
بَيْنَمَا يَحْدُثُ هَذَا كُلُّهُ، يَأْتِي قَادَةُ الْغَرْبِ الْإِمْبِرْيَالِيِّ الْمُنَافِقُونَ، لِيَذُرُّوا الرَّمَادَ فِي الْعُيُونِ، تَحْتَ الضَّغْطِ الْهَائِلِ لِشُعُوبِهِمْ، ذَوَاتِ الضَّمِيرِ الْيَقِظِ.. شُعُوبِهِمُ الَّتِي تَخْرُجُ يَوْمِيًّا، بِحُشُودٍ ضَخْمَةٍ، مُحْتَجَّةً عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الْعَلَنِيَّةِ الْبَشِعَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ضِدَّ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي يَقْتَرِفُهَا الْعَدُوُّ الصَّهْيُونِيُّ، كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ وَكُلَّ لَحْظَةٍ..
يَأْتِي قَادَةُ الْغَرْبِ، هَؤُلَاءِ، لِيُعْلِنُوا اعْتِرَافَهُمْ بِدَوْلَةٍ فَلَسْطِينِيَّةٍ اسْمِيَّةٍ، إِلَى جَانِبِ الْكِيَانِ الصَّهْيُونِيِّ الْغَاصِبِ، الْمُدَجَّجِ بِمُخْتَلِفِ وَسَائِلِ الْقَتْلِ وَالتَّدْمِيرِ الَّتِي يَمُدُّهُ بِهَا هَذَا الْغَرْبُ نَفْسُهُ.
وَيُلْفِتُ النَّظَرَ، فِي كَلِمَاتِ قَادَةِ الْغَرْبِ، هَؤُلَاءِ، الَّتِي أَلْقَوْهَا فِي اجْتِمَاعِ الْجَمْعِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، قَبْلَ يَوْمَيْنِ، تَرْدِيدُهُمُ الْبَبْغَائِيُّ لِلَازِمَةِ إِخْرَاجِ حَمَاسَ مِنَ الصُّورَةِ تَمَامًا (أَيْ إِنْهَاءِ الْمُقَاوَمَةِ فِي غَزَّةَ) مَقْرُونَةً بِإِعْلَانَاتِ اعْتِرَافِهِمْ المُنَافِقِ بِالدَّوْلَةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ الِاسْمِيَّةِ.
وَأَنَا لَا أُقَلِّلُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا التَّنَازُلِ الَّذِي اضْطُرُّوا إِلَى تَقْدِيمِهِ، تَحْتَ ضَغْطِ الْمُقَاوَمَةِ بِالْأَسَاسِ؛ لَكِنْ، كَمَا يُقَالُ بِالتَّعَابِيرِ الدَّارِجَةِ: أَيْنَ يُمْكِنُ صَرْفُ هَذَا الْكَلَامِ؟
وَكَيْ أُقَرِّبَ هَذِهِ الْفِكْرَةَ إِلَى الْأَذْهَانِ، أُذَكِّرُ بِالْجَوْلَانِ المُحْتَلَّةِ، تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي تَعْتَرِفُ الْأُمَمُ الْمُتَّحِدَةُ وَجَمِيعُ دُوَلِ الْعَالَمِ بأَنَّهَا أَرْضٌ سُورِيَّةٌ، بِاسْتِثْنَاءِ دَوْلَتَيْنِ هُمَا الْكِيَانُ الصَّهْيُونِيُّ وَالْوِلَايَاتُ الْمُتَّحِدَةُ؛ فَهَلْ خَلَّصَهَا الِاعْتِرَافُ الدَّوْلِيّ الْوَاسِعِ بسوريَّتِها، مِنَ الْاحْتِلالِ، وأَعَادَهَا إِلَى وَطَنِهَا الْأَصْلِيِّ؟
الْجَوَابُ مَعْرُوفٌ ومَفْرُوغٌ مِنْهُ: الجولان المُحْتَلَّةِ لَنْ تَعُودَ إِلَّا بِالْمُقَاوَمَةِ؛ وَهَذَا يَنْطَبِقُ أيضاً عَلَى فَلَسْطِينَ الْمُحْتَلَّةِ..
وَمَا دَامَ الأَمْرُ كذلك، فليس أمامَنَا سِوى أنْ نَسْتَرْشِدُ بِحِكْمَةِ الشَّاعِرِ الْعَرَبِيِّ الْعَظِيمِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي؛ إذ قَالَ:
«إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ»
عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، تُذَكِّرُنِي مُنَاوَرَةُ قَادَةِ الْغَرْبِ الْإِمْبِرْيَالِيِّ هَذِهِ، بِقِصَّةِ عَقْدِ «مُؤْتَمَرِ مَدْرِيدَ لِلسَّلَامِ»، وَبِالْكَلَامِ الْكَثِيرِ عَنِ «السَّلَامِ» وَالِازْدِهَارِ، الَّذي سُفِحَ إِبَّانَ الْإِعْدَادَاتِ الْأَمَيرِكِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ لِلْهُجُومِ عَلَى الْعِرَاقِ..
وَبَعْدَ ذَلِكَ، مَا لَبِثُوا أَنْ وَضَعُوا يَدَهُمْ عَلَى الْعِرَاقِ، بِمُعَاوَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مَعَ الْأَسَفِ؛ فبَادَرُوا فَوْراً إِلَى حَلِّ الْجَيْشِ الْعِرَاقِيِّ الَّذِي كَانَ يُعَدُّ قُوَّةً أَسَاسِيَّةً يُحْسَبُ حِسَابُهَا فِي الْمِنْطَقَةِ..
وآنذاك، لم نُشَكِّلْ مَوْقِفَنَا، مِنْ هذه الْمَسْأَلَةِ، بناءً على موقِفِنَا مِنْ نِظَامِ الرَّئيسِ صَدَّامِ حُسَيْنٍ (معه أَمْ ضِدَّهُ)؛ بَلْ على أساسِ أَنَّنَا مَعَ الْعِرَاقِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَوَحْدَتِهِ وَضَرورَةِ احْتِفَاظِهِ بِقُوَّتِهِ..
وَهَا هُمْ قَدْ حَلُّوا الْجَيْشَ السُّورِيَّ أَيْضًا، بَعْدَمَا أَنْهَكُوهُ بِحَرْبٍ هَمَجِيَّةٍ شَرِسَةٍ بِالْوِكَالَةِ؛ ثُمَّ دَمَّرُوا أَسْلِحَتَهُ، وَرَاحُوا يَقْضِمُونَ الْأَرْضَ السُّورِيَّةَ قِطْعَةً وَرَاءَ قِطْعَةٍ، وَوَضَعُوا سُورِيَا عَلَى مَائِدَةِ التَّفْتِيتِ الطَّائِفِيِّ وَالْمَذْهَبِيِّ؛ تَمَامًا كَمَا جَاءَ فِي الْمُخَطَّطِ الصَّهْيُونِيِّ الَّذِي كَشَفَهُ إِسْرَائِيلُ شَاحَاكُ فِي أَوَاخِرِ سَبْعِينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْمَاضِي..
وَيَتَرَافَقُ، مَعَ هَذَا، تَجَرُّؤُ حُكَّامِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ فِي سُورِيَا (الْأَمْرِ الْوَاقِعِ الْأَمَيرِكِيِّ الصَّهْيُونِيِّ الْمُعَزَّزِ بِأَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ فِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ) عَلَى اقْتِرَافِ خَطِيئَةِ التَّفَاوُضِ الْعَلَنِيِّ وَالسِّرِّيِّ الْمُبَاشِرِ مَعَ الْعَدُوِّ الصَّهْيُونِيِّ، وَابْدائهُم الِاسْتِعْدَادَ الكاملَ لِتَقْدِيمِ أَفْدَحِ التَّنَازُلَاتِ لَهُ، مُتَنَاسِينَ احْتِلَالَ هَذَا الْعَدُوِّ الغاشِمَ لِلْجَوْلَانِ، وَاحْتِلَالَهُ لَاحِقًا لِجَبَلِ الشَّيْخِ وَأَرَاضٍ سُورِيَّةٍ وَاسِعَةٍ، وَاسْتِهْدَافَهُ الْيَوْمِيَّ لِمُقَدَّرَاتِ الشَّعْبِ السُّورِيِّ وَأَرْوَاحِ أَبْنَائِهِ.
وَفِي حِينِ يَصِلُ الْأَمْرُ بِبَعْضِ أَتْبَاعِ حُكَّامِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، هَؤُلَاءِ، أَنْ يُفَجِّرَ نَفْسَهُ بِالْمُوَاطِنِينَ الدُّرُوزِ فِي السُّويْداء، أَوْ بِالْمُوَاطِنِينَ الْعَلَوِيِّينَ، فِي السَّاحِلِ السُّورِيِّ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ حَاوَلَ أَنْ يُصَوِّبَ بُنْدُقِيَّتَهُ نَحْوَ الْعَدُوِّ الصَّهْيُونِيِّ.. حَتَّى لَوْ مُجَرَّدَ تَصْوِيبٍ؛ لَا أَكْثَرَ.
وَهَكَذَا، لَمْ تَبْقَ، الْآنَ، قُوَّةٌ عَرَبِيَّةٌ، ذَاتُ شَأْنٍ، سِوَى قُوَّتَيْ الْجَيْشِ الْمصْرِيِّ، وَالْجَيْشِ الْجَزَائِرِيِّ؛ لِذَلِكَ، فَعَيْنُ الْعَدُوِّ الْآنَ عَلَى هَذَيْنِ الْجَيْشَيْنِ، بُغْيَةَ إِلْحَاقِهِمَا بِالْجَيْشَيْنِ الْعِرَاقِيِّ وَالسُّورِيِّ..
وفِي هذا السِّياقِ، بَدَأْنَا نَرَى بَعْضَ الْعَرَبِ (وَبَعْضَ الْمصْرِيِّينَ) يَتَظَاهَرُونَ أَمَامَ السَّفَارَةِ الْمصْرِيَّةِ فِي لَنْدَنَ (فِي لَنْدَنَ بِالذَّاتِ)، بَدَلًا مِنَ التَّظَاهُرِ أَمَامَ السَّفَارَةِ الصَّهْيُونِيَّةِ، احْتِجَاجًا عَلَى إِغْلَاقِ مَعَابِرِ غَزَّةَ! وَكَأَنَّ الْمَعَابِرَ لَهَا جَانِبٌ وَاحِدٌ مُغْلَقٌ، هُوَ الْجَانِبُ الْمصْرِيُّ! وَهَذَا بَيْنَمَا يَتَظَاهَرُ الشَّعْبُ الْبِرِيطَانِيُّ أَمَامَ السَّفَارَةِ الصَّهْيُونِيَّةِ لِلْغَايَةِ نَفْسِهَا.
وَالْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِمَوْقِفِنَا (سَلْبًا أَوْ إِيجَابًا) مِنْ نِظَامِ الرَّئِيسِ عَبْدِ الْفَتَّاحِ السِّيسِيِّ، أَوْ بِمَوْقِفِنَا (سَلْبًا أَوْ إِيجَابًا) مِنْ نِظَامِ الْحُكْمِ فِي الْجَزَائِرِ؛ بَلْ هِيَ نَابِعَةٌ مِنَ الْتِزَامِنَا الْمَسْؤُولِ تَجَاهَ الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَمْنِهَا وَاسْتِقْلَالِهَا وَوَحْدَةِ أَرَاضِيهَا وَاحْتِفَاظِهَا بِقُوَّتِهَا..
وَمصْرُ، الْآنَ، مُهَدَّدَةٌ فِي مَائِهَا، مِنْ أثْيُوبِيَا؛ وَمُهَدَّدَةٌ فِي أَمْنِهَا، بِالْحَرْبِ التَّفْتِيتِيَّةِ الْجَارِيَةِ فِي السُّودَانِ؛ وَمُهَدَّدَةٌ فِي حُدُودِهَا الْغَرْبِيَّةِ بِالتَّمَدُّدِ التُّرْكِيّ وبِالْجَمَاعَاتِ الْإِرْهَابِيَّةِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي لِيبْيَا؛ وَمُهَدَّدَةٌ فِي حُدُودِهَا الشَّرْقِيَّةِ بِالْجَمَاعَاتِ الْإِرْهَابِيَّةِ فِي سِينَاءَ، وَبِخُطَطِ التِّرَانْسْفِيرِ وَالتَّوَسُّعِ الِاسْتِعْمَارِيِّ الَّتِي يَسْعَى الْعَدُوُّ الصَّهْيُونِيُّ إِلَى تَنْفِيذِهَا..
وَأَمَّا الْجَزَائِرُ، فَوَاقِفَةٌ عَلَى رِجْلٍ وَنِصْفٍ، فِي مُوَاجَهَةِ مَخَاطِرِ الْإِرْهَابِ وَالْقَلَاقِلِ الَّتِي تُحِيطُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ..
لَكِنْ، فِي مُقَابِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الدَّاكِنَةِ، تَبْرُزُ الصُّورَةُ الْمُشْرِقَةُ لِلْمُقَاوَمَةِ.. الْمُقَاوَمَةِ فِي غَزَّةَ، وَفِي الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَفِي لُبْنَانَ، وَفِي الْيَمَنِ..
صَحِيحٌ أَنَّ الْمُقَاوَمَةَ، الْآنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي فَلَسْطِينَ أَمْ فِي لُبْنَانَ، مُثْخَنَةٌ بِالْجِرَاحِ وَمُحَاصَرَةٌ وَمَخْذُولَةٌ؛ لَكِنَّهَا، رَغْمَ ذَلِكَ، لَمْ تُلْقِ السِّلاحَ، وَلَنْ تُلْقِيه، وَسَتَظَلُّ وَاقِفَةً كَشَوْكَةٍ قَوِيَّةٍ فِي حَلْقِ الْعَدُوِّ وَفِي حُلُوقِ حُلَفَائِهِ وَأَتْبَاعِهِ.
وَهُنَا، نَجِدُ مِنْ وَاجِبِنَا أَنْ نُحَيِّيَ الْيَمَنَ؛ هَذَا الْبَلَدَ العَرَبِيَّ الْعَظِيمَ وَشَعْبَهُ الْأَبِيَّ.. هَذَا الْبَلَدَ الَّذِي انْبَرَى لِيَكُونَ سَنَدًا شُجَاعاً، عَنِيداً، وَمُثَابِراً، لِلْمُقَاوَمَةِ؛ إِنَّهُ الْبَلَدُ الْعَرَبِيُّ الْوَحِيدُ الَّذِي لَمْ يَرْتَضِ لِنَفْسِهِ أَنْ يَقِفَ مُتَفَرِّجَاً (مِثْلَ الْآخَرِينَ) عَلَى الْجَرَائِمِ الْبَشِعَةِ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا الْعَدُوُّ الصَّهْيُونِيُّ الْغَاشِمُ فِي غَزَّةَ، وَفِي الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَفِي لُبْنَانَ. وَسَيُسَجِّلُ التَّارِيخُ هَذَا الْمَوْقِفَ الْيَمَنِيَّ الْمُشَرِّفَ بِأَحْرُفٍ مِنْ نُورٍ.
الْمُقَاوَمَةُ، الْآنَ، رَغْمَ الْخَسَائِرِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَكَبَّدَتْهَا، وَرَغْمَ التَّضْحِيَاتِ الْجَسِيمَةِ الَّتِي بَذَلَتْهَا، لَمْ تَعُدْ عَامِلًا هَامَشِيًّا، يُمْكِنُ غَضُّ الطَّرْفِ عَنْهُ أَوْ تَجَاوُزُهُ؛ بَلْ أَصْبَحَتْ مَتْنًا، وَرَقْماً صَعْبًا، وَعَامِلاً فَاعِلاً. وَلِذَلِكَ، أَصْبَحَتْ مَثَارَ هَوَاجِسِ الْأَعْدَاءِ وَحُلَفَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ؛ وَأَصْبَحَ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا هُوَ رَأْسُ غَايَاتِهِمْ.
وَهَكَذَا، تَتَأَكَّدُ الْآنَ صِحَّةُ رِهَانِ صَدِيقِنا وَرَفِيقِنا نَاهِض حَتَّر عَلَى الْمُقَاوَمَةِ.
الْكَثِيرُ مِنْ أَفْكَارِ نَاهِض حَتَّر، وَهَوَاجِسِهِ، وَمَخَاوِفِهِ، تَأَكَّدَ الْآنَ، مَعَ الْأَسَفِ.. وَعَلَى الَّذِينَ شَيْطَنُوهُ، بِسَبَبِ تَعْبِيرِهِ عَنْ تِلْكَ الْأَفْكَارِ وَالْهَوَاجِسِ وَالْمَخَاوِفِ الْمُحِقَّةِ، وتحذيره الدَّؤوبِ ممّا يُعدّه الأعداء، أَنْ يَتَذَكَّرُوا خَطِيئَتَهُمْ تِلْكَ، بَيْنَمَا هُمْ يُعَبِّرُونَ الآنَ عَمَّا سَبَقَ لَهُ أَنْ عَبَّرَ عَنْهُ، وَيُحَذِّرُونَ مِمَّا سَبَقَ لَهُ أَنْ حَذَّرَ مِنْهُ..
وَلَيْسَ عَلَيْهُمْ أَنْ يَتَذَكَّرُوا هذا فَقَطْ، بَلْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَمْتَلِكُوا شَجَاعَةَ الْفُرْسَانِ، لِيَعْتَرِفُوا بِخَطَئِهِمْ ذَاكَ، وَيُنْصِفُوا الرَّجُلَ الَّذِي دَفَعَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِ أَفْكَارِهِ وَقَنَاعَاتِهِ، كَمَا لَمْ يُنْصِفُوهُ فِي حَيَاتِهِ..
هُوَ، الْآنَ، لَمْ يَعُدْ فِي حَاجَةٍ إِلَى شَيْءٍ.. لا مِنْهُمْ ولا مِنْ غَيْرِهُمْ؛ بَلْ هُوَ، أَصْلاً، لَمْ يُبْدِ فِي حَيَاتِهِ أَيَّ مَلْمَحٍ مِنْ مَلَامِحِ الْحَاجَةِ إِلَى إِنْصَافِهِمْ.. فَقَدْ كَانَ يُمَارِسُ قَنَاعَاتِهِ، بِشَجَاعَةٍ مُنْقَطِعَةِ النَّظِيرِ، مِنْ دُونِ أَنْ يَنْتَظِرَ عِبَارَاتِ الثَّنَاءِ، أو الشُّكْرِ، أو التَّأْيِيدِ؛ بَلْ، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، رَغْمَ كُلِّ أَسَالِيبِ الظُّلْمِ، وَالْغُبْنِ، وَالتَّكْفِيرِ (التَّكْفِيرِ بِأَنْمَاطِهِ الدِّينِيَّةِ وَالْعَلْمَانِيَّةِ). كَانَ يَقُولُ مَا يُؤْمِنُ بِهِ، بِوُضُوحٍ وَصِرَاحَةٍ ومَسْؤولِيَّةٍ؛ وَلَا يَأْبَهُ بِرُدُودِ الْفِعْلِ؛ وَكَانَ يُوَاجِهُ، وَيُصَارِعُ، بِلَا يَأْسٍ أَوْ إِحْبَاطٍ أَوْ كَلَلٍ.
أَعُودُ فَأَقُولُ: هُوَ الْآنَ لَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِنْصَافِهِمُ؛ بَلْ هُمُ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْقِيَامِ بإِنْصَافِهِ؛ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذلك كَيْ يَكُونُوا صَادِقِينَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ، وَيُبَرِّئُوا ضَمَائِرَهُمْ، وَيُؤَكِّدُوا جِدِّيَّةَ خِطَابِهِمُ الْحَالِيِّ.
وَنَحْنُ، رِفَاقَ الشَّهِيدِ نَاهِض حَتَّر، وَأَصْدِقَاءَهُ، وَمُحِبِّيهِ، سَنَتَذَكَّرُ هَذَا كُلَّهُ، وَنُفَكِّرُ فِيهِ مَلِيًّا، عَصْرَ هَذَا الْيَوْمِ الْحَزِينِ، عِنْدَمَا نَقِفُ، وَقْفَةَ إِجْلَالٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَحَبَّةٍ، أَمَامَ ضَرِيحِهِ الْمُوَقَّرِ؛ ضَرِيحِهِ الْمُكَلَّلِ بِالْغَارِ وَبِكُلِّ مَعَانِي الْمَجْدِ وَالْخُلُودِ.
وَعِنْدَمَا نَقِفُ عِنْدَ ضَرِيحِ رَفِيقِنَا الشَّهِيدِ، فَإِنَّنَا نَفْعَلُ ذَلِكَ لِنُعْلِيَ رَايَةً مَجِيدَةً.. رَايَةً خَفَّاقَةً ظَلَّ طَوَالَ حَيَاتِهِ يَرْفَعُهَا، وَيَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى؛ إنَّها رَايَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، وَالْكَرَامَةِ، وَالْعَيْشِ الْكَرِيمِ، وَالتَّحْرِيرِ، وَالتَّحَرُّرِ الْوَطَنِيِّ، وَالتَّقَدُّمِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَالْوَحْدَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَتَحْتَ هَذِهِ الرَّايَةِ، لَنْ نَسْتَنْكِفَ لَحْظَةً واحدة عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِبَذْلِ أَفْدَحِ التَّضْحِيَاتِ الضَّرُورِيَّةِ.. بِمَا فِيهَا التَّضْحِيَةُ بِأَرْوَاحِنَا..
أَرْوَاحُنَا لَيْسَتْ أَغْلَى مِنْ رُوحِ رَفِيقِنا الشَّهيدِ..
عَاشَ اسْمُ الشَّهِيدِ نَاهِضِ حَتَّرَ، عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ وَالسِّنِينَ..
وَالْمَجْدُ وَالْخُلُودُ لِذِكْرَاهُ الْعَطِرَةِ..
٢٥ أَيْلُولَ ٢٠٢٥