وَقْفُ إطلاقِ النَّارِ على وَقْعِ دَويّ الصَّواريخ


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أُعلِنَ، فجأة مساء الاثنين 23 حزيران 2025، وَقفُ إطلاق النَّار في الحرب الَّتي أشعلها نتنياهو ضدَّ إيران؛ فما الَّذي أسفرتْ عنه نهاية الحرب؟

النَّظرة المدقِّقة في سياقات الحرب ووقائعها تقول إنَّها أسفرت عن المشهد التَّالي:

أوَّلاً: أنَّ وقف إطلاق النَّار جاء مِنْ جانب واحد؛ حيث أعلن الرَّئيس الأميركيّ دونالد ترامب هذا القرار، وانصاع نتنياهو له؛

ثانياً: أنَّ إيران لم تُعلن موافقتها على إعلان وقف إطلاق النَّار، بل نفت وجود اتِّفاق بهذا الشَّأن، واكتفى وزير خارجيَّتها «عراقجي» بتأكيد ما كان يردِّده المسؤولون الإيرانيّون منذ بداية الحرب: إذا أوقف الكيان المجرم أعماله العدائيَّة، فسنتوقَّف عن إطلاق النَّار؛

ثالثاً: أنَّ إيران حرصت على أنْ تكون الكلمة الأخيرة في هذه الحرب لها؛ حيث هاجمت، في مساء اليوم نفسه، أكبر قاعدة عسكريَّة أميركيَّة في المنطقة؛ ثمَّ هاجمت، في صباح التَّالي، بعنفٍ شديد، مواقعَ مختلفةً في عمق الكيان الغاصب. ومن المتوقَّع أنَّها ستظلّ حريصة على أنْ تكون كلمتها هي الأخيرة، مهما كان الثَّمن، في حال تعرّضها لأيّ عدوان لاحق.

وعلى الرَّغم مِنْ تهديد واشنطن بردٍّ «قاسٍ جدًّا»، إذا ردّت إيران على ضرب الطَّائرات الأميركيَّة لمنشآتها النَّوويّة، إلَّا أنَّ شيئًا من ذلك لم يحدث، بعد قيام إيران بالرَّدّ. وما حدث فعلاً هو أنَّ ترامب أعلن وقف إطلاق النَّار من جانبٍ واحد. وانصاع نتنياهو، كما أسلفنا، لهذا القرار، لاحساً كُلَّ تصريحاته المتغطرسة السَّابقة الَّتي واصل الإدلاء بها حتَّى ما قبل ساعات. وهكذا، دَوَّى إعلان وقف إطلاق النَّار على إيقاع دَوِيّ صواريخ طهران؛

رابعاً: أنَّ وقف إطلاق النَّار جاء ليضع الكيان الغاصب، مباشرةً، أمام صورة تجربةٍ أليمة لم يكابد مثلها منذ نشوئه؛ حيث أصبحت مشاهد الدَّمار في تل أبيب وحيفا وسواهما أقرب إلى مشاهد الدَّمار في غزَّة. وهذا الدرسُ القاسي لن يبارحَ ذاكرةَ صُنّاع القرار في الكيان كلّما راودتهم مغامراتٌ عدوانيّة جديدة؛

خامساً: أنَّ نتائج الحرب أثبتت أنَّ التَّصدِّي للكيان الغاصب وداعميه الإمبرياليين، بل وردعهم، أمرٌ ممكن إذا ما توفَّرت الإرادة السِّياسيَّة الحُرَّة والقوَّة العسكريَّة الرَّادعة.

أخيراً..

السُّؤال الجوهريّ المطروح، الآن، هو: ما الَّذي حقَّقه المعتدون مِنْ حربهم الإجراميَّة هذه؟

ضربوا المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة؟

هذا صحيح؛ لكن من المشكوك فيه، حتَّى لدى الأعداء أنفسهم، أنَّهم تمكَّنوا مِنْ إنهاء البرنامج النَّوويّ لإيران.

والأهمّ مِنْ ذلك: هل جلبوا إيران إلى طاولة المفاوضات، تحت ضغط القوَّة الحربيَّة، وفرضوا شروطهم عليها؟

لقد ظلَّت إيران، طوال مدَّة الحرب، تؤكِّد أنَّها لن تتفاوض تحت ضغط الحرب. وهذا ما تحقَّق، بلا أدنى شكّ.

وقبل يومين فقط مِنْ أعلانه وَقْفَ إطلاق النَّار، كان ترامب يؤكد أنه لا يوجد خيار أمام إيران سوى الاستسلام! لكنَّ ما حدث فعلاً هو أنَّهم لم يتمكنوا حتَّى مِنْ جلبها للتَّفاوض على إجراءات وقف إطلاق النَّار بينهم وبينها، فاضطرّوا لإعلان وقف إطلاق النَّار من جانب واحد.

وفي ما يخصّ تمسُّك إيران بحقِّها في الاحتفاظ ببرنامجها النَّووي السِّلميّ، هل تمكَّنوا مِنْ ردعها وإلزامها باتِّخاذ موقف مغاير؟

لقد توقَّفت الحرب وإيران تُصرُّ على التَّمسّك بحقِّها هذا؛ وتُصِرُّ، خصوصاً، على حقّها في الاستمرار بالتَّخصيب بالنِّسب والمستويات الَّتي كانت قد بلغتها قبل الحرب.

فماذا بقي لهم؟

هل سيعيدون التَّهديد بالحرب؟

لقد جربوه ونفَّذوه.. ولم يجنوا منه إلَّا الفشل.

باختصار، لن يكون أمامهم سوى التَّسليم بالوضع الرَّاهن كأمرٍ واقع.

وفي ختام جردة الحساب هذه، نخلص إلى أنَّ مَنْ خرج مِنْ جولة الصِّراع هذه وهو أكثر ضعفاً، وأقلّ هيبةً، إنَّما هو الكيان الغاصب. وعواقب هذا الفشل الفادح ستترك آثارها عليه بوضوح في المرحلة المقبلة، وستزيد مِنْ تفاقم أزمته الوجوديَّة.

إيران كسبت الجولة؛ ولذلك، سيبذل الأعداء كُلَّ جهدٍ ممكن، الآن (بالبروباغندا طبعاً) لإثبات العكس، مِنْ أجل التَّخفيف مِنْ آثار هذا الواقع الأليم بالنِّسبة لهم.

ومع الأسف، سيجدون، مِنْ أبناء جلدتنا، مَنْ سيهرع لمساعدتهم في هذه المهمّة غير الجليلة.

بعض أبناء جلدتنا، لا يطمئنّ بالهم – كما يبدو – إلَّا إذا قام الجميع برفع راية الاستسلام أمام الكيان الغاصب ورعاته!

ونحن نبشِّرهم بأنَّ بالهم لن يطمئنَّ أبداً.