لماذا اختزال تاريخنا في 12 قرنا؟


رشيد نجيب
الحوار المتمدن - العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 13:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في أواخر الثمانينيات، بالضبط سنة 1989، صدر للأستاذ العميد محمد شفيق (الأكاديمي الأمازيغي وأول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) كتاب صغير في حجمه لكن كبير وغني في مضمونه. إنه كتاب: "لمحة عن 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين" الصادر بداية عن دار الكلام. وهو الكتاب الذي يقدم فيه الأستاذ محمد شفيق معطيات عامة وأساسية ومفيدة عن الأمازيغ وثقافتهم وتاريخهم ورجالاتهم وإنتاجاتهم الفكرية وأهم المراحل التي مروا منها من التاريخ القديم والوسيط والحديث. كذلك هو الكتاب الذي أثار بمضمونه العلمي والتاريخي الجريء والغير مسبوق في تاريخ البلاد، الكثير من الجدل في الساحة الفكرية والسياسية الوطنية كما لدى النخبة الفكرية والثقافية الوطنية، ويكفي التذكير في هذا الإطار بالنقاش والتحليل الذي خصه به الكاتب الصحفي وأحد قياديي حزب الاستقلال الأستاذ عبد الكريم غلاب في عموده الشهير بيومية "العلم" أنذاك: "حديث الأربعاء". فيما يشبه نوعا من الرد السياسي والفكري على أطروحة زميله في أكاديمية المملكة المغربية.
هذا الكتاب بلغ رقما مهما من عدد الطبعات غير مسبوق، كما تمت ترجمته إلى العديد من اللغات. وشخصيا، أنصح كل من يريد التعرف على جوانب من تاريخ الأمازيغيين بقراءة هذا الكتاب المفيد والذي مزج فيه الأستاذ شفيق بين ما هو أكاديمي وما هو بيداغوجي تربوي حيث عمل على اختيار المادة المعرفية والعلمية والتاريخية المتضمنة به بشكل منهجي دقيق رصين وبطريقة بيداغوجية، باستثمار خبرته السابقة في مجال التربية والتعليم باعتبار تخصصه في هذا المجال مدرسا ومفتشا وكاتبا للدولة ومكلفا بمهمة بالديوان الملكي ومديرا للمعهد المولوي بالرباط حيث درس جلال الملك محمد السادس نصره الله.
هذا الكتاب جد مفيد في معرفة التاريخ الحقيقي للأمازيغيين على امتداد شمال إفريقيا (تامازغا=وطن الأمازيغ)، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يختزلون تاريخ بلادنا في 12 قرنا أي منذ مجىء إدريس الأول للمغرب هاربا من المشرق. وكأن قبل ذلك لا وجود لساكنة ولا لعلاقات اجتماعية ولا أحداث ولا تنظيمات وبنيات سياسية واجتماعية وثقافية وقوانين...
في وقت سابق، لبس يوتيبر مغربي معروف قميصا مكتوبا عليه: "المغرب 12 قرنا". وهو ما ينم عن جهل واضح بالتاريخ والحضارة المغربيين الضاربة جذورهما في أعماق التاريخ، والتي تشير إلى عراقة وتميز الدولة المغربية عبر التاريخ. ولكن أن تمتد هذه الممارسة حتى إلى الوسط الجامعي فهو مما يندى له الجبين. لأن كثيرا من بعض الباحثين الذين ينظرون إلى التاريخ المغربي بمنظار قومي إيديولوجي أو سلفي محض ينكرون بدورهم هذا التاريخ العميق لمنطقتنا وتمظهراته الثقافية بما في ذلك تاريخ حرف تيفيناغ الذي دونت به لغتنا الأمازيغية. هنا لسنا بحاجة للتأكيد إلى حسم الكثير من الأمور الخاصة بالهوية الوطنية وبقضايانا التاريخية والثقافية في العديد من المبادرات الملكية السامية من خطب ورسائل ومؤسسات وقرارات تاريخية حاسمة. ففي الجانب التاريخي مثلا، ينبغي الإشارة إلى ما ورد بالخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 68 لثورة الملك والشعب من تأكيد على عراقة تاريخ بلادنا حيث قال جلالة الملك: " فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب".
ومؤخرا، وكما تتبع الجميع ذلك، توالت الاكتشافات ونتائج الأبحاث الأركيولوجية التي أنجزت على المستوى الوطني بإشراف فرق علمية وطنية تضم باحثين رصينين غيورين على التاريخ والحضارة والتراث المغربي. حيث ساهمت هذه الاكتشافات العلمية غير المسبوقة في إبراز عراقة تاريخنا وأصالة وتميز بلادنا حضاريا وثقافيا.