ردا على ما كتبه اليوم عبد الرحمن الغندور تحت عنوان: -في الحاجة إلى ثورة ثقافية للفهم والتصحيح والإنقاذ-:


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 22:00
المحور: قضايا ثقافية     

بعد قراءة عنوان مقال سي عبد الرحمن، تشكل عندي أفق انتظار توقع منذ الوهلة الأولى حديثا عن ثورة ثقافية، فإذا بي أصادف في جسد المقال كلاما عن ثورة سياسية.
وربما اعتقد الكاتب أن الدينامية الثقافية رهينة بإصلاح سياسي، بينما العكس هو الصحيح؛ أي أن ممارسة ثقافية حداثية هي المدخل الأساس إلى الإصلاح السياسي.
واضح جدا أن سي الغندور انحرف عن موضوعه لأنه مهووس بالسياسي دون الوعي بمفارفته الكامنة في بعديه الأفقي والعمودي والتي نسبها بول ريكور لحنا أرندت في الصفحة 11 من كتيبه الموسوم ب "الانتقاد والاعتقاد". لقد أعاد ريكور صياغة هذه المفارقة بالقول إن" السياسي (LE POLITIQUE ) يتمظهر على شكل بنية متعامدة، ذات مستوى أفقي وآخر عمودي. فمن جهة، إذن، نجد الرابطة الأفقية التي تجسدها إرادة العيش المشترك التي تكون صامتة، وغير ملحوظة على العموم، ومطمورة، بحيث لا ننتبه لوجودها إلا حينما تتفكك، او عندما تكون مهددة: إنها تجربة الوطن لحظة تحدق به الأخطار، المقترنة بالانكسارات الكبرى التي تشكل هي الأخرى فترات تتفكك فيها الرابطة السياسية. ثم هناك الجانب العمودي، التراتبي، الذي كان ماكس فيبر يفكر فيه حين أقحم مفهوم السياسي في الحقل الاجتماعي في مستهل كتابه"ا الاقتصاد والمجتمع"، عبر إقامته لتمييز عمودي بين الحاكمين والمحكومين؛ ولايخفى ، بالطبع، أنه يربط الاستعمال المشروع والأخير للعنف بهذه العمودية."
وعندما أعطى سي عبد الرحمن الغندور، في ما كتبه الآن، للسياسي مكانة تفوق أهمية واتساعا الحيز الضئيل الذي خص به الثقافي، فقد وجدته لم يستطع تجاوز غلبة الأول على الثاني، رغم أن هذا النهج أفضى إلى أزمة ثقافية وضمور الفكر النقدي. وهنا، يجدر بي أن أقول لسي الغندور إن ما حققه الغرب من إصلاح سياسي لم يكن ممكنا تحقيقه لولا الثورة الثقافية التي أسس وقعد لها عصر التنوير، بحيث أن نظرية العقد الاجتماعي التي أعطتنا الدولة المدنية ساهم فيها بشكل أساسي ثلاثة فلاسفة: كانط الألماني، ولوك الإنجليزي، وروسو الفرنسي.
ولعل سي الغندور لا يجهل أن ما ساعد كارل ماركس على أن يتفاعل الناطقون بالألمانية مع كتاباته هو ما أثاره لوثر، المصلح الديني، وأبو البروتستانية، من ضجة في أوساطهم أرغم فضول الاطلاع على تفاصيلها الشعوب الألمانية غير المتعلمة على محاربة أميتهم ليقرأو الإنجيل وما كتبه عنه لوثر..
لما قرأت العنوان، ظننت أن سي الغندور سيضع الخطوط العريضة لبرنامج ثقافي شامل من شأنه أن يكون بمثابة مخرج من هذا الوضع البئيس الذي نختنق بأجوائه غير الصحية، فيقترح، مثلا، الانخراط التطوعي للمثقفين، أيا كان تخصصهم، في حملة وطنية لمحاربة الأمية ونشر المعرفة، على أساس أن الماسكين بزمام أمور بلادنا يعولون كثيرا على التجهيل والتضبيغ ونشر التفاهة كخير ضامن لإدامة سلطتهم...
ولا يليق بي البتة ختم هذا التعليق دون أن ألفت انتباه الكاتب/المدون إلى أن بلادنا لا تعدم دينامية ثقافية، وأن كل من يفكر في إنجاز ثورة ثقافية لا بد له من الانطلاق منها لتقويتها وتعزيزها أكثر...