سوريا ميدان تنافس تركي إسرائيلي /*/
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن
-
العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 15:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استبقت إسرائيل الإعلان السوري – التركي عن الاتفاق بينهما مؤخراً لتحديث قدرات الجيش السوري، وليس اتفاق دفاع مشترك، فتوغلت في الجنوب السوري متجاوزة خط الهدنة لعام 1974، وأعلنت أنها ترفض أي وجود تركي على حدودها.
في حين أن تركيا اعتبرت هذا التوغل تهديداً لأمنها القومي، إضافة إلى أن سوريا تمثل فرصة اقتصادية مهمة، بمعنى أنها تحول لا يمكن الاستهانة به. ويبدو أن لكل منهما مصالح وأهدافاً مختلفة عن الآخر، والسؤال هو: هل يصل الأمر إلى حدِّ الحرب بينهما؟ أم التفاهم على تقاسم النفوذ في سوريا؟
تكمن المشكلة في أن قيادة إسرائيل تريد سوريا ضعيفة ومفككة، ولا تثق بالقيادة السورية الجديدة.
وتبدو مشروعية التساؤل من خلال متابعة مسار العلاقات بينهما، حيث اتسمت بالتفاهم والتنافس المستمرين في التاريخ المعاصر. وبعد أن أُعيد تشكيل المشهد الإقليمي إثر سقوط نظام الأسد، وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، ثمة أمل بمنظومة أمن إقليمي في الشرق الأوسط الجديد، يطمح كل منهما بأن تشكل التطورات السورية مدخلاً له كي يحقق أهدافه الوطنية من جهة، وأن يكون له دور وازن في هذه المنظومة.
لقد تباعدت مصالحهما في سوريا لعدة أسباب، فقد خشيت إسرائيل، بعد التنسيق الواسع بين تركيا والسلطة السورية الجديدة، من أن تحل تركيا محل إيران في سوريا، فبادرت إلى التوغل في العمق السوري، ودمرت معظم القدرات العسكرية. بينما كانت تركيا تأمل بتسريع عودة اللاجئين السوريين، واستكشاف فرص الاستثمار هناك.
وباعتبارهما حليفين للغرب، فقد استجابا لرغبة الرئيس الأميركي في تخفيف التوتر بينهما، فالتقى وفدان تقنيان بأذربيجان في 9 نيسان/أبريل، لخلق آلية لتحاشي الاشتباك في ظل رغبة مشتركة بعدم حدوث ذلك، على طريق تحقيق المصالح المشتركة. وعُقدت الجولة الثالثة في 8 أيار/مايو، وكما أعلنت القناة 11 الإسرائيلية عشية اللقاء، فإن إسرائيل ستطرح مطلبين رئيسيين، هما: عدم وجود قوة عسكرية تهدد إسرائيل بالقرب من الحدود مع سوريا، وألا تكون هناك أسلحة استراتيجية قد تشكل تهديداً لأمنها.
ولكن تكمن المشكلة في أن قيادة إسرائيل تريد سوريا ضعيفة ومفككة، ولا تثق بالقيادة السورية الجديدة، ذات الخلفية الجهادية، وتعتقد بأنها تشكل تهديداً مستقبلياً، وهي تستخدم كل الوسائل كي تحول دون إعادة بناء جيش سوري يمتلك قدرات هجومية. بينما ترى القيادة التركية أن بناء جيش قادر على منع قوات "قسد" من تهديد الأمن القومي، إضافة إلى رفع العقوبات، يضمن مصالح الشركات التركية في إعادة الإعمار، وضمان طرق التجارة، بما فيها طموحها إلى أن تكون ممراً لأنابيب موارد الطاقة. وعليه، يبدو أن التوافق بينهما يحتاج إلى أكثر من لقاء، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التنافس بينهما في المجال الإقليمي الشرق أوسطي.
وربما في اللقاءات القادمة بينهما، تلبية لرغبة الإدارة الأميركية، تدرك إسرائيل إيجابية الدور التركي في سوريا، لضبط الأمن في الداخل السوري، والمساعدة في إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي، وليس العسكري الذي قد يهدد أمنها مستقبلاً. ومن مؤشرات ذلك ما قاله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع وكالة رويترز على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل: "إن بلاده لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا.. وإذا كانت الإدارة الجديدة في دمشق ترغب في التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل، فهذا شأنها الخاص".
وبالرغم من ذلك بقي التوتر قائماً بينهما، إذ بقيت إسرائيل مصرة على مواجهة تركيا، ربما لحرف الانتباه عن المخطوفين الذين يحتضرون في أنفاق غزة، كما ذكر عومر بارليف في صحيفة "هآرتس" يوم 14 نيسان/أبريل 2025. وفي هذا السياق، ثمة تقدير أمني إسرائيلي لا يستبعد زيادة التوتر مع تركيا بشأن دورها في سوريا، خاصة أنها تنسق مع المملكة العربية السعودية لدعم قيادة المرحلة الانتقالية، وأنها تطمح لأن تكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط الجديد الذي يبشر به نتنياهو.
ومنذ بداية سنة 2025 أصدرت لجنة يرأسها الجنرال المتقاعد يعقوب ناغل، رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، تقريراً حذر فيه من أن "التهديد القادم من سوريا قد يتطور ليصبح أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، إذ إن "القوات المدعومة من تركيا قد تعمل كوكلاء يعززون عدم الاستقرار في المنطقة".
ترصد الدولتان تحركات بعضهما في سوريا وإقليم الشرق الأوسط، ولكن الاتجاه العام هو نحو التهدئة.
وفي المقابل، تقلق تركيا من الدعم الإسرائيلي لـ "قسد" والاقتراب من حدودها الجنوبية، أي زرع لغم عند المثلث الإيراني – العراقي – التركي، وبالتالي احتمال الاشتباك المباشر بين البلدين. وقطعاً لهذا الاحتمال، تستغل تركيا نفوذها على النظام السوري الجديد بهدف استقرار حدودها، وبالتالي تعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة بعد أن تحسنت علاقاتها مع السعودية والإمارات ومصر، وأيضاً توظيف النظرة الإيجابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرئيس أردوغان.
وفي الوقت نفسه ترسل رسالة طمأنة إلى إسرائيل، ففي 25 تموز/يوليو صرح وزير الخارجية: "لا أجندة خفية لدينا... سوريا خط أحمر بالنسبة لنا، فهي مسألة أمن قومي... لا نسعى للهيمنة". مما يشير إلى استبعاد الصدام بين البلدين، خاصة بعد دخول ترامب على خط الوساطة بينهما، وطلبه من إسرائيل الاقتناع بأنها لا تملك حق الفيتو على العلاقات التركية - السورية ولا على سيرورة بناء سوريا الجديدة، بعد أن بدا أن نهجي تركيا وإسرائيل يهددان بتحويل سوريا إلى نقطة خلاف في علاقات الولايات المتحدة مع هذين الحليفين. وعليه جاءت اللقاءات التقنية في أذربيجان استجابة لرغبة الرئيس الأميركي، حيث يدرك الرئيس أردوغان أن بناء علاقات ثقة مع الإدارة يعتمد على علاقات إيجابية مع إسرائيل.
إذ إن زيارة نتنياهو إلى واشنطن، في نيسان/أبريل الماضي، حملت معها إمكانية تقسيم سوريا إلى منطقتي نفوذ بين إسرائيل وتركيا. خاصة أن زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، قبيل زيارة نتنياهو، كانت تهدف إلى التدخل الأميركي للوساطة ونزع فتيل التوتر التركي – الإسرائيلي، بالاستناد إلى ما ذكره وزير الخارجية الأميركي، الذي تحدث عن "التعاون مع تركيا في مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في سوريا". وأيضاً عن ضرورة "التعاون الوثيق مع تركيا لدعم الاستقرار والوحدة والسلام في سوريا، حتى لا تعمل كقاعدة للإرهاب الدولي".
وفي هذا السياق، من المفيد مراقبة تطور العلاقة التركية – الإسرائيلية، على أساس الاعتراف الإسرائيلي بوجود علاقة في العمق بين الحكم السوري الجديد وتركيا، انطلاقاً من أن تراجع الدورين الإيراني والروسي يمنحها مساحة أكبر للتحرك في إطار رؤيتها الخاصة للحل في سوريا. وفي هذا السياق أيضاً، سعت إلى وجود مظلة حماية عربية ودولية، بالاستناد إلى اجتماع العقبة.
وهكذا، ترصد الدولتان تحركات بعضهما في سوريا وإقليم الشرق الأوسط، ولكن الاتجاه العام هو نحو التهدئة، فتركيا لا رغبة لها بالدخول في مواجهة مع إسرائيل، حسب تصريحات وزير خارجيتها، وهي لا ترى في تفادي الصدام مع إسرائيل تنازلاً، بل تمهيداً لمفاوضات أكثر شمولاً تهدف لإعادة رسم موازين القوى في سوريا والمنطقة. وفي المقابل، ثمة رغبة في إسرائيل بعدم الدخول في مواجهة مع تركيا. ومن المؤكد أن دخول الوسطاء على خط التهدئة بينهما قد أدى إلى هذا الاتجاه لدى الطرفين. مما يفتح في الأفق مجالاً للتفاهم حول قواعد ترسيم حدود النفوذ بينهما، إذ لا عداء حقيقياً بين إسرائيل وتركيا، فالعلاقات الاقتصادية والسياسية، وإن توترت مراراً، لا تزال قائمة، وهي تشكل عامل ضبط للمصالح بينهما. وسوف يبقى السيناريو الأقرب للواقع هو استمرار ما يمكن وصفه بـ "التوتر المُدار"، أي تنفيذ إسرائيل ضربات نوعية في العمق السوري لمنع أي تموضع تركي، مقابل ردود تركية غير مباشرة، سياسية أو عبر قنوات الحلفاء المحليين. أما سيناريو التصعيد المحدود، فيظل ممكناً في حال أُصيب جنود أتراك أو تم استهداف منشآت تركية بشكل مباشر، فقد يتطور الوضع نحو تصعيد محدود يشمل ضربات انتقامية أو تحريك وكلاء محليين. بينما يبقى سيناريو الحرب الشاملة مستبعداً ما لم تطرأ تطورات دراماتيكية تُدخل المنطقة في حال استنزاف دائم.
وبحسب تقديرات مركز "بيغن – السادات" الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، فإن احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا لا يتجاوز 20 في المئة على المدى القصير، بينما تصل احتمالات التصعيد غير المباشر أو عبر أطراف ثالثة إلى 55 في المئة. ويفسر المركز ذلك بوجود مصالح اقتصادية وجيوسياسية مشتركة بين الطرفين تمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، إضافة إلى أن أميركا تعتبرهما من أهم حلفائها في المنطقة.
إن المخاوف الإسرائيلية من النفوذ التركي في سوريا تعكس قلقاً استراتيجياً على صلة بالأدوار في الشرق الأوسط الجديد.
ومن جهة أخرى، فإن السلطة السورية تحرص على عدم تعرضها لتهديدات إسرائيلية إضافية أو عدم رضا غربي، لذلك تكتفي بتعاون عسكري محدود مع تركيا، وليس اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. وعلى هذا الأساس تم مؤخراً توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الدفاع بشأن التعاون في مجالي التدريب العسكري والاستشارات.
وهكذا، فإن المخاوف الإسرائيلية من النفوذ التركي في سوريا تعكس قلقاً استراتيجياً على صلة بالأدوار في الشرق الأوسط الجديد، حيث من المتوقع أن تكون سوريا ساحة اشتباك على هذه الأدوار بين القوى الإقليمية. وثمة مخاوف أن تصبح سوريا مجالاً لتفاهم إسرائيلي – تركي، مدعوماً من الإدارة الأميركية التي تسعى لتقليص وجودها في المنطقة، والاعتماد على شركائها في الشرق الأوسط.
/*/ - نُشرت في موقع " تلفزيون سوريا " – 22 آب 2025.