سؤال نظري : تضخم في الكتابة وشح في الأفكار !


أحمد زوبدي
الحوار المتمدن - العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 20:47
المحور: قضايا ثقافية     

الفكر الإجتماعي هو عبارة عن وجهات نظر تمليها الوضعية السوسيوثقافية للكاتب في موضوع ما. في هذا الباب، هل الاختلاف هو إغناء لهدف معالجة مشاكل روح العصر أم أنه تناقض يكون حجر عثرة أمام التطور ؟
مثلا، الميدان الذي يهمني هو الاقتصاد السياسي، يمكن التساؤل عن كيفية تعامل المفكرون الاقتصاديون مع مفهوم السوق ؟
الاقتصاديون الكلاسيكيون ومعهم الكلاسيكيون الجدد أو ما يعرف بالنيوليبراليين، يقولون أن تدخل الدول يعرقل عمل السوق لأن هناك يد خفية تعمل على إعادة التوازن الى مكانه في حالة اختلاله، في حين أن الكينيزيين يقولون أن السوق في حاجة إلى تدخل جهاز الدولة لتجاوز الأزمات التي تصيب الإقتصاد عبر ضبط ميكانيزمات السوق. أما الماركسيون، فيرون في السوق الحرة وفي الدولة أداة يجب التخلص منها والعمل على وضع جهاز التخطيط الإجباري.
هناك اختلاف في الرؤى وبالتالي الفائدة من هذا الاختلاف هو توفير الحرية في الاختيار انطلاقا من الوضع الاجتماعي والايديولوحي. الاختلاف يدفع إلى إغناء النقاش وتراكم الأفكار وبالتالي إلى توفير شروط البحث عن البدائل.
من جهة أخرى، إغناء النقاش نتج عنه تضخم في الكتابة وشح في الأفكار. أي أن الأفكار تتكرر بين كاتب والكاتب الآخر. مما أدى إلى تراكم المشاكل والازمات.
نفس الموضوع يتم التطرق له بنفس الأفكار من طرف الكثير من الكتاب. الفكر اليوم لا يتحرك. نقرأ نفس الشيء في العديد من الأمكنة.
الفكر اليوم ومنذ أكثر من نصف قرن بقي واقفا في مكانه. وهي من سمات العلم الذي يتطلب التراكم لأجل قفزات لبناء الأجهزة المفاهيمية والنماذج الفكرية الكبيرة ( grands récits) الكفيلة بفهم ما يقع وبالتالي إعطاء الأجوبة عن المشاكل المطروحة.
القفزات الكبرى في الفكر تتطلب على الأقل قرن من الزمن. منذ كارل ماركس وآخرين طبعا مثل ماكس فيبير ونيتشه حتى الآن مرورا بسارتر والتوسير وفوكو وأرون، لم يعرف العالم بعد رجة أو رجات فكرية تجعله يتغير بالدرجة ال180. في العمق، الفكر اليوم على مستوى الممارسة ومنذ أكثر من قرن أي منذ ثورة أكتوبر 1917، بقي واقفا في مكانه. أقول في العمق لأن الطفرات التي عرفها العالم بعد ثورة أكتوبر لم تخلق قفزات بالمستوى المطلوب، مثلا الثورة الغيفارية ومعها ماي 1968..، رغم أهميتها الكبرى.

الثورات الفكرية هي عماد الثورات السياسية التي تعطي النقلات النوعية الكبرى، حتى لا أقول الثورات الإقتصادية. كل هذه الطفرات تغير جذريا المجتمعات، على مستوى العيش والوعي وعلاقات السكان مع السلطة. بل أن الثورات الفكرية تخلق صدمات في البنيات السائدة وتقوم بتفكيكها وإعادة بناء بنيات جديدة توافق أسئلة روح العصر.
أعتقد أن العالم اليوم سيبقى يدور في حلقة مفرغة في غياب قفزات كبيرة في الفكر أو قل في غياب الثورة الفكرية أو قل الثورات الفكرية، رغم الثورة الرقمية الكبيرة. في غياب هدم البنيات السائدة فكريا، سيعرف العالم تأزما من سيء إلى أسوأ. وهو ما يؤدي الى فقر على المستوى السياسي. بل أن شح الافكار وشح القفزات الكبرى في الفكر سيؤدي إلى إبادة الشعوب لبعضها البعض، كما نعيش اليوم في ما يخص الجرائم التي يقترفها الصهاينة في حق فلسطين..
كل هذا يفرض على المثقف أن يكون يقظا بشكل غير مسبوق لأن دوره يكمن في دور الحارس من خلال الفكر الذي يمنحه الأدوات الكفيلة لتكون له الجرأة السياسية التي تزعج وتفضح السلطة وذلك مهما كلفه من معاناة جسيمة مادية ومعنوية. دور المثقف هو أن يكون هو المؤثر على وعي الناس وهو المؤثر على السلطة وإلا أن صفة المثقف الملتزم تسقط عنه ويحتفظ بصفة مثقف السلطة، الذي يساهم في تكريس كل أشكال الإستغلال والتسلط وليس وسيطا بين الحاكم المتسلط والمناهضين له، كما تعتقد التفسيرات السطحية والمشوهة.