الفكرة قبل الواقع: عن القومية والدين والشعب والوطن وباقي الخرافات
محمد يعقوب الهنداوي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8189 - 2024 / 12 / 12 - 20:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أظن جوهر القضية ونقطة الأساس التي تفوت الباحثين بهذا الشأن هو التمييز (وادراك استحالة التوفيق المصطنع) بين الواقع الموضوعي وبين النوايا والرغبات المحبطة للتجمعات البشرية البدائية التابعة الكسولة.
وقبل البحث في شؤون التطور والتحرر وآفاق التغيير في المجتمعات التابعة، لابد من العودة الى أساسيات الحياة وقوانين النشوء والارتقاء.
وبالنسبة لعوامل الطبيعة:
التراكم الكمي والتحول النوعي، وطغيان القوة وقانون التنافذ والتسرب وهيمنة الأقوى نوعيا على الأكثر عدديا،
ومالم يكن الأمر مرهونا بعوامل محددة شديدة الوضوح، فلابد من سيادة القانون المهيمن.
...
فهيمنة الرجل على المرأة تاريخيا، مثلا، وتطويع عناصر القوة الاجتماعية الاقتصادية السياسية لصالحه لم يكن بسبب أفضليته وقدراته النوعية بل العكس، فالمرأة أفضل وأرقى نوعيا، لكن بسبب نقاط الضعف في كينونة المرأة:
الحب والحمل والولادة
تولي مسؤولية رعاية الطفولة وتغليبها على المنافع الذاتية
العاطفة الأسرية وروح الديمقراطية التي تحمي الجميع وترفض الاستبداد- بعكس الرجل الذي يفتقر الى هذه المواصفات مما تسبب بفشله تاريخيا في بناء مجتمعات انسانية متزنة سلمية عاقلة
...
وبشأن التطور النوعي (والقفزات التطورية) فهو يطال الأفراد وليس المجتمعات:
اذ ان تطور المجتمعات الأوربية غير متوازن ولكل أمة أوربية عناصر قوتها وضعفها (مزايا انكلترا في الميدان الاقتصادي تناقض ايرلندا ومزايا ألمانيا وبولندا في العبقرية التقنية تفوق روسيا وبلغاريا... وأولوية فرنسا في النضج الفلسفي والتطلع الانساني وروح الرومانسية والأنوثة تختلف عن اسبانيا والبرتغال الخ)
التفوق الأوربي انتقل الى أمريكا التي كانت تابعة لأوربا ومتخلفة عنها حضاريا وتقنيا وتنظيميا ولكن بسبب اختلاف نسب التوازن وتوزيع القوى وبسبب تفاوت نسب تراكم الثروة وأساليب التوسع الاقتصادي عبر ابادة الهنود الحمر وسياسة الكاوبوي والقتل الجماعي تفوقت أمريكا على أوربا عسكريا، أما ما حسم التفوق الأمريكي على أوربا بالفعل فهو الحروب الكبرى التي أنهكت أوربا وأوقعتها ضحية الهيمنة الأمريكية وعنجهية القوة.
وبالمقارنة، فان الفرس والهنود كانوا (ولا زالوا) أرقى بما لا يقاس حضاريا وتقنيا من العرب والترك الغزاة لكن العرب والترك تغلبوا بهمجية الجوع والتخلف والحضاري ودموية العقل. (قارن هذا يهمجية المستعمرين الأمريكان تجاه الهنود الحمر)
...
خروج الانسان من الغابة ومن عالم الحيوان:
تحقق هذا بشكل "فردي" وليس جماعي، أي انه تحقق، في أحسن الأحوال، في فصائل صغيرة محدودة العدد تشابهت في أو تشاركت نفس الظروف المادية التي منحتها القدرة التطورية ذاتها تقريبا.
وخروج الفصيلة البشرية من عالم القردة لا يمنح بقية فصائل القردة حقا شرعيا في القفز الى عالم البشر بموجب (مساواة أخلاقية) مفترضة، بل يتوجب أن تستحق تلك المساواة بموجب تطور مشابه أو مناظر.
وعليه، فالنقلة الأوربية الحضارية والتقنية والاقتصادية والسياسية لا تمنح بقية الشعوب والأقوام حقا تلقائيا في التمتع بنفس المزايا المتقدمة ولا حتى باستخدام نفس المصطلحات والمفاهيم، لأنها لا تنتمي لها بكل بساطة.
والاستعمار الغربي حقق نقلة فجائية صادمة لمجتمعات الشرق المتخلفة من كهوف الماضي وقبور السلفية الى العصر الحديث بتقنياته ورأسماليته وحضارته التي تجاوزت حتى حدود السريالية والخيال المجنون، لكن هذا لم يحقق نقلة وعي ولا تطورا نوعيا في أنسجة المخ الشرقي وقابليته للتطور والاستيعاب!
والنتيجة (بالنسبة لمجتمعات الشرق):
ضياع تام وغربة مطلقة ومستقبل حالك ويأس مدمر يدفع المزيد من الناس الى المزيد من الوحشية والأنانية والبهيمية والمزيد من التشدد الهمجي باسم القومية والدين والطائفة والعشيرة والقبيلة والوطن والشعب وباقي المسميات المشحونة بالكراهية للآخر ونفيه واستبعاده من صنف الانسان.
علاقة (الفرد) بالنظام الاقتصادي الاجتماعي البنيوي علاقة ملتبسة وضبابية تماما على الفرد الشرقي حتى ليعجز عن استيعابها والتواصل معها عقليا... فهو يبحث عن علاقة "استغلال الظروف والامكانات المتاحة ليعيش بأحسن حال لكنه ينتهي الى القبول بعبودية ساحقة بسبب رفضه الخروج من قوقعة اللاوعي والانصياع السلبي!
مفاهيم الأمة أو القومية أو الشعب لا قيمة لها ولا دلالة إلا من حيث الكثرة القطيعية للعاجزين المتكاثرين على الأرقى والأذكى والأقوى، ولهذا ستزداد ظروفهم انحطاطا وحياتهم تدهورا وخيباتهم مرارة، ولا يدل بأية حال على انسجام أو تكامل أو توافق نوعي بين مكونات القطيع.
واذا كان لنا أن نتخذ من المجتمع الأمريكي مثالا تنظيميا متقدما، فالمجتمع الأمريكي (متمثلا بالدولة) تدرك أنها تشتري الولاء، الذي لا وجود له كدافع تلقائي لدى الأفراد دون مردود نفعي، ولهذا تجند المرتزقة وتمنح جنسيتها للوافدين الجدد بشروط الالتزام بقيود معينة! وبين الخوف والرجاء، بين العصا والجزرة، بين الاغراء والتنفير تنشأ المواطنة والانتماء للمجتمع!
والسلام على من اتبع الهدى🌹