عندما زيّن القرنفل فوهات البنادق / قبل 50 عاما انتصرت ثورة نيسان في البرتغال


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7958 - 2024 / 4 / 25 - 14:16
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

في 25 نيسان 1974، وفي تمام والي الساعة 12:30 صباحًا، بثت محطة إذاعة « ريناسينسا» الكاثوليكية أغنية»Grandola, Vila Morena» ، التي كانت كلمة السر لبدء تحرك «حركة القوات المسلحة» بقيادة ضباط شباب يساريين، باتجاه العاصمة البرتغالية لشبونة، والاستيلاء على الوزارات ومحطات الإذاعة والتلفزيون بالإضافة إلى المطار والإطاحة بالحكومة برئاسة كايتانو.

لقد تحول التحرك المسلح إلى انتفاضة شعبية. وخرج الناس إلى الشوارع للتعبير عن تضامنهم مع «حركة القوات المسلحة»، في مشهد شبيه بما عاشته بغداد صبيحة 14 تموز 1958. وصادفت الثورة موسم القرنفل في البرتغال، حيث آلاف الزهور معروضة في الأسواق. وفي لحظة ما، خطر ببال أحدهم، وضع وردة قرنفل في فوهة البندقية، عندها قلده الكثيرون، وقاموا بتزيين البنادق والمركبات العسكرية بالقرنفل، فتحول القرنفل إلى رمز للثورة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر القرنفل أيضًا رمزًا عالميًا للحركة العمالية الاشتراكية.

مباشرة وخلال أيام قلائل عاد الكثير من الشخصيات السياسية المنفية إلى البرتغال، منهم زعيم الحزب الاشتراكي ماريو سواريس، والزعيم التاريخي للحزب الشيوعي الفارو كونهال، الذي أمضى13 عاما في سجون الدكتاتورية، منها ثماني سنوات سجن انفرادي. في عام 1960 استطاع كونهال بمشاركة 10 من السجناء الهروب من سجن في شمال العاصمة لشبونة.

ضباط شباب

جرى تنظيم وتنفيذ الحركة من قبل الضباط ذوي الرتب المتوسطة. ولعبت سنوات الاستعمار البرتغالي الطويلة للبلدان الأفريقية دورا حاسما في خلق وعي جديد لدى الضباط الشباب، وتوصلوا إلى للقناعة بضرورة اسقاط الحكومة الدكتاتورية. وبسقوط حكومة كايتانو، انتهت 48 عاما من سلطة فاشية استعمارية، مارست استعمارا وحشيا للعديد من البلدان الأفريقية، وحكمت البرتغال بيد من حديد، ومنعت نشاط الأحزاب السياسية والنقابات والغت الحقوق المدنية الأساسية، وراح العديد من نشطاء العمل السري للأحزاب المعارضة، ضحية لهذا القمع. لقد تحمل الحزب الشيوعي البرتغالي، الذي كان من أكثر الأحزاب تأثيرا، حصة الأسد من الوحشية الفاشية.

كانت ظروف معيشة العمال والفلاحين سيئة للغاية، مما أدى خلال سنوات 1960 – 1970 إلى هجرة قرابة المليون مواطن إلى خارج البلاد، شكلوا قرابة 10 في المائة من مجموع السكان حينها، إلى فرنسا وألمانيا وبلدان أوربية أخرى. وعوضت تحويلات العملة الصعبة التي وفورها ثلي العجز في ميزان البلاد التجاري.

لقد أدت الحرب الاستعمارية في انغولا وموزنبيق إلى ابتلاع 40 في المائة من إنفاق البرتغال العام، وبعد «انتخابات» الجمعية الوطنية عام 1973 المزيفة، تصاعد الصراع الاجتماعي وشهدت البرتغال اضرابا عاما.



الصعود والتراجع

في مسيرة الأول من أيار 1974، أي بعد أيام قلائل من انتصار الثورة، أعلنا زعيمي الحزب الاشتراكي والشيوعي استعداد حزبيهما للاشتراك في حكومة الثورة المؤقتة، وهو أمر اثار قلق الأمريكان واستدعى تحركهم السياسي والدبلوماسي.

ودون الدخول في التفاصيل التاريخية. لقد عاشت البرتغال منذ 25 نيسان 1974، وحتى بداية عام 1976 ثورة ديمقراطية معادية للاستعمار، ولحظة معادية للاحتكارات. وأشارت المادة الأولى من الدستور المقر في بداية عام 1976 إلى مرحلة انتقالية إلى الاشتراكية، وأشارت المادة 80 منه إلى تطوير علاقات انتاج اشتراكية. على ان تشهد المرحلة الانتقالية ثلاثة قطاعات اقتصادية: عام ومختلط وخاص.

في أول انتخابات برلمانية حصل الحزب الاشتراكي على 34,9 في المائة، والحزب الشيوعي 14,4 في المائة. وكان بإمكان الحزبين تشكيل حكومة يسارية، إلا أن الحزب الاشتراكي، وكما هي طبيعة أحزاب الاشتراكية الدولية، اختار تشكيل حكومة أقلية بقيادته. وبدأ مسلسل التراجع عن أهداف الثورة، بما في ذلك تعديل الدستور وفق مقاسات هذا التراجع. بالإضافة إلى انقسام قوى معسكر الثورة الأساسية إلى ثلاثة تيارات، الأول يساري متطرف والثاني بقيادة الشيوعيين والثالث والذي وصف بـ «المعتدل» كان قريبا من الاشتراكيين.