انتخابات محلية في تونس : دلالات واستنتاجات .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 14:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جرت في تونس يوم 4 فيفري 2024 الدورة الثانية لانتخابات المجالس المحلية التي تنافس فيها 1588 مترشحا على 779 مقعدا وبلغ عدد الناخبين 520303 من بين أكثر من 4 ملايين مسجلا في القائمات الانتخابية وكانت نسبة المشاركة النهائية 12.53%بالمائة حسب الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات .

وتمهد الانتخابات الحالية لأخرى ستجري بعد أيام لتكوين مجالس الجهات والأقاليم بما يفتح السبيل لإرساء الغرفة الثانية لممثلي الشعب الى جانب الغرفة الأولى ممثلة في البرلمان.وهو ما سيعزز المهمة التشريعية وييسر العمل التنموي في المحلي والجهوي والإقليمي ، ومن ثمة على صعيد البلاد قاطبة، التي هي في حاجة ماسة الى تثوير تشريعاتها التي يعود بعضها الى عهود الاستعمار المباشر ممثلة حجر عثرة أمام المضي بخطى ثابتة نحو المستقبل.

وليست هذه المرة الأولى التي تعرف فيها تونس المجالس المحلية والجهوية فقد كانت موجودة زمن سلطة زين العابدين بن على ، ولكنها لم تكن منتخبة وانما معينة من قبل المعتمدين والولاة، وهو ما يصح على الغرفة الثانية التي كانت تسمي مجلس المستشارين ، و كان الرئيس الأسبق يسمي أعضاءها من بين المقربين اليه.
وهو ما يعني أن هناك قديما مات وجديدا يحل محله جزئيا على الأقل فالتعيين السلطوي يعوضه الانتخاب الشعبي وهذا يمثل مكسبا وطنيا مهما .

ولكن الإقبال على صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات كان ضعيفا مثلما كان عليه الحال في الدورة الأولى ، وهذا مفهوم ضمن الوضع التونسي الراهن فالأمر يتعلق بنوع جديد من الديمقراطية ، هي الديمقراطية المباشرة حيث الانتخاب على الافراد وغياب الأحزاب الراعية التي تعود الي زمن مضى ، وهى التي كانت خاضعة في أغلبها الى السيطرة الخارجية .
ومن المرجح ان إيقاع المشاركة الانتخابية سيكبر مع مرور الوقت متى حققت الديمقراطية الجديدة وعودها واتجهت ناحية تلبية المطالب الاقتصادية الاجتماعية التي فجرت الانتفاضة التونسية ، وهوما يمثل عبئا ثقيلا على كاهل نواب الشعب في الغرفتين ، يتوجب عليهم ادراك المسؤولية على تحمله .
ان ما تعيشه تونس الآن هو التأسيس لديمقراطية من نوع جديد ، في قطيعة مع الديمقراطية الليبرالية المشوهة ، التي سادت خلال العشرية السابقة، حيث سيطرة المال والاعلام الفاسد وخلط السياسة بالدين والتدخل الخارجي ، بما فيه الصهيوني ، وهو ما كشفته شركة فايسبوك على سبيل المثال في صلة بانتخابات 2019 ، وآخره ما أفصح عنه حكم القضاء التونسي في قضية اللوبينغ قبل أيام حيث تورطت حركة النهضة الإسلامية في التمول من الخارج .
وهذا النوع من الديمقراطية المباشرة لا يشارك فيه غير من هو مقتنع به ، ومن هنا تكون المشاركة قليلة كما ، ولكنها ثابتة نوعا ، وتتطور مع مرور الوقت لتشمل في البداية خاصة الطبقات والجهات الأكثر فقرا واقصاء وتهميشا ، لذلك نراها تبلغ أعلاها الآن في ولايتين هامتين من حيث الانخراط في الانتفاضة التونسية أولا ، والتمرد على حكم الإسلام السياسي ثانيا ، والانحياز الى خط انتفاضة 17 ديسمبر وهبة 25 جويلية ثالثا ، وهو الذي يشمل قصر قرطاج بما فيه من رمزية ، وهاتين الولايتين هما سيدي بوزيد ( 26 في المائة ) وهي مهد الانتفاضة التونسية ، والقصرين ( 22 في المائة ) التي قدمت أعلى نسبة من حيث عدد الشهداء خلال تلك الانتفاضة، بينما بلغت أدناها في ولايات تونس العاصمة بما يشير أيضا الى التناقض بين المركز المترف والهامش الفقير في بلد ظل فيه ذلك الهامش مصنعا للانتفاض والتمرد ، بينما كان المركز يجني الثمار على الدوام ، وهو ما تحاول الديمقراطية الجديدة وضع حد له .
و من المرجح اقبال التونسيات والتونسيين بأعداد كبيرة على الانتخابات الرئاسية التي ستجري أواخر هذا العام مثلما تبينه بعض أرقام سبر الآراء غير الرسمية بما يشير الى ان الشعب التونسي لم يخرج من العملية السياسية في ضوء مشاركته الضئيلة في الانتخابات الاخيرة وأن هناك قناعة لديه انه في ظل الدستور الجديد فإن من يحدد السياسات هو رئيس الجمهورية وفي حلبة انتخابه ستكون المواجهة الحقيقية .