تجليات الإسلام .. وثقافة العوام


صلاح زنكنه
الحوار المتمدن - العدد: 7745 - 2023 / 9 / 25 - 17:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

1
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من صدأ, وإذا كان الكلام من نحاس فالسكوت من تراب, وإذا كان الكلام من ذهب فالسكوت من حطب.
ثمة مبدأ متعارف عليه في الفقه الإسلامي يقول : إنْ صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد, حمل على الإيمان.
ويضيف اليوناني ابيقور مؤكدا (ليس الكافر من يحتقر آلهة الجمهور وإنما الكافر من يتبنى تصور الجمهور عن الآلهة)
ويقول الأمام جعفر الصادق (إن الشك هو المرحلة الأولى للوصول الى الإيمان) ويرى الغزالي (إن من لم يشك لم ينظر, ومن لم ينظر لم يبصر, ومن لم يبصر بقيّ في الحيرة والعمى)
بينما يرى الفيلسوف ديكارت (إن الشك هو مفتاح اليقين الى الوجود)
وأعتقد جازما أن الشك هو أداة النقد في قراءة التاريخ ومراجعته وتفحصه برمته لزعزعة اليقين الزائف وتهشيم الإيمان المتحجر ودحض القناعات المسبقة البالية عبر منظومة فكرية (تاريخانية) رصينة تعتمد آليات علمية حداثوية في رصد الوقائع ومجرياتها ومدى صدقيتها في ضوء الواقع والمنطق.

2
كانت العمامة البيضاء والسوداء والخضراء على حد سواء فيما مضى من الزمان رمزا للتقوى والنزاهة والعلم, وأمست رمزا للضلالة والفساد والجهل, لقد فقدت العمامة النباهة والذكاء وتكللت بالغفلة والغباء وهم يوعدوك بالجنة الموهومة, فالجنة ليست ماخورا وليست فندقا بخمس نجوم ولا بستانا شاسعا مكتظا بأشجار التين والزيتون, ولا حانة للخمارة المؤمنين كما يصور لنا الخطاب الإسلامي.
الجنة مكان يوتيبي مفترض تخيله الشعراء والأنبياء والحالمون للسكن فيه خلاصا من جهنم الواقع, الجنة صناعة خيال بشري فنتازي مجنون كي تسع كل المجانين والمغامرين والحالمين والعشاق.
الجنة محطة استراحة للمتعبين في هذي الدنيا المترامية الوجع وليست فردوسا للأغبياء والسذج والمعتوهين, الجنة على الأرض وليست في السماء.
لو كان ثمة فردوس وجحيم في العالم الآخر كما يدعي المتدينون لدخل الملحدون فرادى وزرافات الى ذلك الفردوس تكريما لهم كونهم لم يتزلفوا للإله ولم يطمعوا بجنته ولم يقدموا له ولاءً كاذبا بل كانوا على الدوام يبحثون عن الإله وفق معطيات العقل والمنطق بالرغم من غيابهما في الفقه الاسلامي.

3
أجزم أن غير المتدينين أكثر صدقية والتزاما ونزاهة وعفة نفس من المتدينين الذين غالبا ما يمارسون أبشع أنواع السلوكيات تحت مظلة الدين.
معظم المتدينين بلا ضمائر حية فيستقوون بالله, غير المتدينين يعتمدون على ضمائرهم فيستدلون على الله, كون الله ليس طوطما .. الله موقف وجمال وفعل خير, لذلك فأن (الفتنة تخرج من تحت العمامة, لا من جرة النبيذ) حسبما يقول مولانا جلال الدين الرومي.
فالفرق بين المؤمن الساذج وغير المؤمن الحاذق .. إن الساذج يؤدي فرائض الدين كي يضمن جنته الموعودة في السماء, معتقدا أنه يمتلك الحقيقة وهو يتوسد الوهم مكتفيا بقناعته الساذجة, والحاذق يمارس فرائض الحياة كي يؤسس جنته على الأرض, وهو يبحث عن الحقيقة كي يدحض الوهم, ولا يقتنع الا ببراهين العقل والمنطق.
(لا تفكر لها مدبر, والقناعة كنز لا يفنى) بهذه المقولات الساذجة والغبية والبالية يعطلون العقل والفعل والارادة, ويوهمونك بآمال كاذبة, فهم يدعونك صراحة بعدم التفكير والتدبير وخليها على الله, وإياك بالطموح والتغيير, وأقنع بما لديك من القليل فهو كنز دائم من الرب, مقولات وأمثال على صيغة حكم ومواعظ انتجتها العقلية الدينية المراوغة المخادعة المستترة تحت ستار الدين المراوغ المخادع.
حتى بتنا نكرر جملتين تسويفيتين جاهزتين في حياتنا اليومية, الله كريم ... وإن شاء الله, تعبيرا عن العجز والاتكالية وفقدان الإرادة.

4
المسلمون يوصمون الغرب بالكفر والفجور, والكفار الفاجرون يعاملون كلابهم بمنتهى اللطف والرحمة والإنسانية, والمسلمون المؤمنون يقتلون أخوتهم المسلمين المؤمنين بمنتهى الخسة والقسوة والوحشية.
نحن المسلمين ... فرهدنا اليهود, هجرنا المسيحيين, محقنا الصابئة المندائيين, سبينا النساء الازيديات, انشطرنا سنة وشيعة, وضاق العراق بنا, وضقنا ذرعا بالوطن ... وهناك من يتشدق ويقول أن الاسلام دين تسامح ومحبة.
المؤمن المستسلم العتيد .. كائن مدجج بالأوهام والأساطير والغيبيات والخزعبلات
لأن (الإسلام يحصر المعرفة بمصدر واحد هو المصدر الالهي, أي الغاء قدرة العقل, وأي ادراك بشري على تحصيل المعرفة, وذلك لأن دعوة الإسلام قائمة على مصدر الوحي الإلهي) وفق حسين مروة.

5
يقول الفيلسوف آرثر شوبنهاور (الدين كالدودة المضيئة .. يحتاج للظلمة كي يلمع .. كمية مِن الجهل هي شرط ظهور أيّ دين .. تلك هي البيئة التي يستطيع العيش فيها)
ويضيف الفيلسوف عمانوئيل كانط (إنّ أي دينٍ يعلن الحرب على العقل, سيغدو مع مرور الوقت غير قادر على الصمود أمامه وسيهزم لاحقا)
فالطبيب يعتاش على أمراض البشر, والمحامي على خصامهم, أما رجل الدين فيعتاش على غبائهم.
الحرام والعيب مفردتان متلازمتان عند المسلمين, ومنهما يبدأ الكبت الجنسي ويتفاقم الحرمان حتى يغدوان سرطانا خبيثا وشنيعا, يصعب علاجه أو استأصاله, فشعر المرأة عندهم عورة, ذراعاها, ساقاها, ردفاها, عنقها, صدرها, جسدها بكل كنوزه عورة, والعورة الكبرى جهازها التناسلي.
الأمة الاسلامية المجيدة هكذا ترى المرأة بعين عوراء وتزدري من له عينان, ولهذا اكتشفنا بأن داعش ليست بدعة, هي نتاج فكر الإسلام الأصولي, هم خير خلف لخير سلف, يطبقون الإسلام المحمدي بحذافيره, غزو وقتل وسبي وسلب وغنائم وفرض قوانين جائرة تسلب كرامة الإنسان وتذله وتحقره وتنهي كينونته الإنسانية, وإن لم تُسلم لن تَسلم, هذا ما تعلمناه من التاريخ الإسلامي الذي بنيّ على تلال من الجماجم ومازال يقطر دما يعطب ذاكرتنا ويمسخ آدميتنا.
(فالإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل, كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن) كما يؤكد الغزالي.

6
تصور معي أن الخطيب المفوه يهتف من على المنبر .. ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.
ثم بعد ذلك يهجو المسيحيين الفاسقين واليهود المرابين والصابئة الأنجاس والأزيدين عبدة الشيطان والزارادشتين المجوس والهندوس الكفرة والشيوعيين الملاحدة.

7
العقل الديني يستثمر الخرافة والأسطورة لإشاعة الجهل وتغيب العقل والمنطق, لكن العلم بصرامته المنهجية يدحض كل ما هو غيبي ميتافيزيقي.
العقل الديني يوظف منجزات التكنلوجيا الحديثة لمحاربة الحضارة المدنية والترويج لمعتقدات السلف الصالح وسفاسفه وغباوته.
ورجال الدين ببغاوات غبية, يكررون آيات وأحاديث وروايات سقيمة, سئمنا منها ومللناها حد القرف.
وحين يكون الدين مهنة للعاطلين عن الحياة تغدو الجنة بضاعة رائجة للبائسين في الحياة, فالعقل الديني عقل صدئ مقفل مستسلم للبديهيات والمسلمات والغيبيات لا يقبل الحوار ولا النقد ولا وجهة نظر الآخر.

8
بصريح العبارة, لا تزدهر الأديان وتنتعش إلا في ظل الجهل والتخلف والخرافة, ولا تتقدم الشعوب والأمم إلا في ظل الانفتاح الحضاري ودولة المواطنة.
شئنا أم أبينا فإن الإسلام يمر باحتضار تاريخي, بل هو قاب قوسين وأدنى من الموت السريري.
الإسلام ما عاد مرغوبا به في كل بقاع الدنيا, كونه بات الوجه الآخر للجهل والتخلف والعنف والارهاب العالمي, وأمسى يعادي قيم الحداثة والحرية والديمقراطية, ويدفن نفسه في تابوت السلفية الأصولية والماضي السحيق الميت, ويرغم الآخرين على الموت بشتى الطرق والأساليب.
(الاسلاموفوبيا) باتت عبئا على الحضارة البشرية بأسرها, وما علينا سوى مراجعة أنفسنا والتخلص من فايروسات الحقد والكراهية التي راحت تنهشنا نهشا وتجعلنا كائنات عدوانية خارج التاريخ.
لقد أكد الفكر الحداثي بما لا يقبل الشك إن الدين (كغيبيات) بضاعة كاسدة لا تصلح إلا لذوي الاحتياجات الغيبية والعاهات النفسية والعوق الروحي.