مداخلة خلال الندوة الدولية التي نظمها النهج الديمقراطي العمالي


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 7653 - 2023 / 6 / 25 - 20:55
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


مداخلة الرفيق عبدالله الحريف خلال الندوة الدولية التي نظمها النهج الديمقراطي العمالي
مداخلة الرفيق عبد ألله الحريف في الندوة الدولية حول "تجارب العمل وسط العاملات والعمال"، باسم حزب النهج الديمقراطي العمالي
منذ تأسيسه، في 15 أبريل 1995 وفي ظروف صعبة اتسمت بتداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع قوى التحرر الوطني، خاصة على القوى الماركسية، أكد النهج الديمقراطي أنه استمرار للتجربة السياسية والفكرية للحركة الماركسية-اللينينية، وخاصة منظمة إلى الأمام، وتشبثه بالماركسية، كمنهج للتحليل ونظرية للتغيير الثوري، وضع ماركس وأنجلز حجرها الأساس والتي تتطور باستمرار بالاستفادة من التطور العلمي والممارسة النضالية الثورية. واعتبر أن المساهمة في بناء ألأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين هي مهمته المركزية.

غير أن التطورات المتسارعة التي عرفها العالم (أزمة الرأسمالية والسيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي…)، فرضت على النهج الديمقراطي، في مؤتمره الرابع في 2016، تحمل المسئولية التاريخية للإعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة في مؤتمره الخامس في يوليوز 2022 وتبني الماركسية-اللينينية، كمنهج للتحليل وضع حجرها الأساس ماركس وأنجلز وأغناها لينين على جميع المستويات وبشكل جوهري والمنفتحة على اسهامات ماو وروزا لوكسمبرغ وغرامشي وغيرهم من القادة والمفكرين الشيوعيين.

إن إنجاز هذه المهمة الجسيمة لن تتم، بشكل عفوي، بل تتطلب عملا إراديا ومخططا له. ولذلك صادقت اللجنة المركزية لحزبنا، في اجتماعها الثاني بعد المؤتمر، على خطة وبرنامج للفترة ما بين المؤتمر الخامس والسادس (2022-2026) يستهدفان بلترة وتقوية وتصليب الحزب ويركزان، الآن، على بلترة الحزب.

في هذا الإطار، تكتسي تجارب العمل وسط العاملات والعمال في أتون الحرب الطبقية الدائرة في المجتمع أهمية بالغة. لذلك، فإن دراسة هته التجارب لأحزاب ومنظمات ماركسية متعددة ومن بلدان وقارات مختلفة مسألة ضرورية ومفيدة.

ويتفاعل في هاته التجارب طرفان: الحزب أو المنظمة التي تبتغي وتعمل بكل تفان من أجل تحويل قاعدتها الاجتماعية من قاعدة يهيمن عليها العنصر البرجوازي الصغير الماركسي-اللينيني الثوري إلى قاعدة يسود فيها العنصر الطليعي العمالي والكادح، من خلال تنمية تأثيرها وسط الطبقة العاملة واستقطاب العناصر الطليعية إلى صفوفها، من جهة، والطلائع العمالية التي تقود النضالات الاقتصادية والتي بدأت تعي محدودية هذا النضال وتبحث عن سبل للخروج من شرنقته، من جهة أخرى.

لذلك، يجب أن يتحلى المناضل(ة) الحزبي(ة) بالتواضع وطول النفس وأن لا يكون هدفه هو التسرع في تلقين النظرية المجردة البعيدة عن واقع وانتظارات العامل(ة)، بل يجب الإنصات لهمومه(ا) ومشاكله(ا) وتجاربه(ا) وانتظاراته(ا) وعدم تقديم حلول جاهزة، بل بلورة هذه الحلول بمعيته(ا) لكي ت(ي)قتنع بها وي(ت)مارسها وي(ت)دافع عنها.

إن الارتباط بالطبقة العاملة أثناء خوضها لمعاركها مسألة أساسية لأن هذه المعارك توفر تجربة غنية تساعد في تسريع وتيرة تطور الوعي الطبقي للعمال والعاملات. فخلال هذه المعارك، يكتشف العمال والعاملات من هم أصدقاؤهم الموثوقون والمتدبدبون ومن هم المنافقون ومن هم أعداؤهم الأكثر شراسة ويكتشفون وهم حياد السلطة ويتعلمون استغلال التناقضات وسط أعدائهم وسبل توسيع الجبهة المساندة لهم وفن تدبير المعركة (الهجوم في الوقت المناسب أو التراجع المؤقت وتنظيم الصمود …) وخوض الحرب الإعلامية وتدبير التناقضات وسطهم التي لن يتوانى العدو الطبقي في تأجيجها وفن التفاوض والمناورة وتطوير قيم التضامن بينهم ومع القوى العمالية والشعبية المساندة لهم، في الداخل والخارج. وخلاصة القول أن المعارك العمالية محطات أساسية في فرز الطلائع العمالية المحنكة والمهيئة لاستيعاب الفكر الثوري الماركسي-اللينيني والالتحاق بالحزب.

وإضافة لما سبق، فإن انخراط الحزب في هذه المعارك، أو، على الأقل، دعمها بكل ما أوتي من قوة، يرسخ الثقة المتبادلة بين الحزب والطلائع العمالية ويوفر الشروط الملائمة لانصهار هذه الطلائع بالمثقفين الثوريين الماركسيين-اللينينيين.

ومنذ تأسيسه وحزب النهج الديمقراطي العمالي ينخرط أو يدعم بقوة العديد من المعارك العمالية نذكر منها، على سبيل المثال، نضال عمال مناجم جبل عوام وعمال سميسي التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط وعمال لاكليمنتين والعمال الزراعيين والعاملات الزراعيات في الجنوب والغرب، من خلال مناضليه ومناضلاته في الجامعة الوطنية للفلاحة وعمال وعاملات الجماعات المحلية من خلال مناضلاته ومناضليه في الجامعة الوطنية لموظفي وعمال الجماعات المحلية وعاملات وعمال سيكوميك وعمال كوباك…
إن العمل النقابي يظل بالنسبة للطبقة العاملة المدرسة الابتدائية لتعلم الصراع الطبقي وهو المدخل الأساسي للارتباط بالطبقة العاملة واستقطابها للعمل السياسي داخل الحزب. لذا يعطي حزبنا أهمية بالغة للعمل النقابي من خلال:

– التأكيد دون كلل على الدور الأساسي للعمل النقابي في التجدر وسط الطبقة العاملة وتقوية الحزب عماليا وفلاحيا؛

– رصد واقع الحركة النقابية وتوفر الحزب على تكتيك يمكنه من تقوية تأثيره على الحركة النقابية؛

– الدفاع، من دون كلل أو ملل، وسط الحركة النقابية عن الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية المنشودة؛

– تعميم التجارب النقابية ودروسها داخل الحزب؛

– تحليل ومتابعة اهتمام الطبقة العاملة بالعمل النقابي، ورصد الاتجاهات أو الميولات الجديدة وسطها بخصوص العمل النقابي والنضالات النقابية؛

– التأكيد على دور الحزب في تصحيح العمل النقابي في اتجاه معالجة أمراضه المزمنة المتجسدة في التشتت النقابي الأفقي والعمودي، في ضعف روح التضامن، في هيمنة العلاقات البيروقراطية على حساب الديمقراطية النقابية، في التبعية للسلطة والباطرونا والأحزاب السياسية البرجوازية، وفي التفريط في مقومات العمل النقابي التقدمي.

– عدم الإقتصار على العمل النقابي الصرف، بل يجب الربط الجدلي بين هذا العمل النقابي ورفع الوعي الطبقي للعمال والعاملات في أفق استقطاب طلائعهم(ن).

إضافة للعمل النقابي، فإن العلاقة المباشرة بين الحزب والعمال والعاملات، من خلال توزيع أمام المعامل، بشكل دوري، بيانات ووثائق تعرف بالحزب ومشروعه لبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة مسألة هامة لنشر الفكر الماركسي-اللينيني وفضح أعداء الطبقة العاملة والتعريف بنضالاتها. ولذلك يقوم حزب النهج الديقراطي العمالي بحملات مستمرة لتوزيع وثائقه أمام المصاتع وربط العلاقة مع العمال والعاملات.

وقد خاض رفاقنا ورفيقاتنا في طنجة تجربة مهمة للعمل وسط العمال والعاملات بواسطة جمعية تقوم بالتكوين والتوعية والمساندة لهم ولهن.

ومن أهم مداخل العمل مع الطبقة العاملة التواجد معها في الأحياء التي تقطنها ودعم العمال والعاملات كمواطنين ومواطنات في نضالهم(ن) من أجل سكن لائق وخدمات اجتماعية جيدة ومجانية وبنيات تحتية مناسبة. وكذالك دعمهم في مواجهة بطش الباطرونا والسلطة. وفي هذا الإطار، يكتسي عمل الحركة الحقوقية، خاصة التي تدافع عن الحقوق في شموليتها (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إضافة للحقوق السياسية والمدنية والثقافية) والتي يحتل حزبنا موقعا متميزا فيها من خلال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والحركة الثقافية وجمعيات السكن ومختلف التنظيمات الذاتية للطبقة العاملة وعموم الكادحين أهمية كبيرة. كما من الأهمية بمكان، التواجد مع العمال والعاملات في أفراحهم(ن) وأحزانهم(ن) وبناء علاقات إنسانية معهم(ن).

إن النهج الديمقراطي ثم حزب النهج الديمقراطي العمالي يعطى أهمية خاصة للاعلام والاشعاع الموجه للطبقة العاملة حيث تخصص جريدته وموقعه الإلكتروني حيزا هاما لهما كما يقوم بالعديد من الندوات العمومية والداخلية الخاصة بقضايا الطبقة العاملة.

إن اعلامنا الموجه للطبقة العاملة يجب أن يرتبط أكثر بهموم ومشاكل وانتظارات العمال والعاملات. ولذلك لا بد ان يساهموا(ن)، في إنتاجه وتطويره وتوزيعه.

إن العاملات، كنساء وأمهات، لهن احتياجات خاصة يجب أخدها بعين الإعتبار. إنهن يتحملن أعباء الولادة والجزء الأكبر من الأعمال المنزلية وتربية الأطفال. ويجب الإقرار أن هذه القضايا لا تحضى بالإهتمام اللازم من طرفنا. كما أنهن ضحايا الفكر الرجولي ويتعرضن لاستغلال أبشع من الرجال. ولا شك أن ذلك يضع عراقيل جمة أمام انخراطهن في النضال السياسي والحزبي ويفسر ضعف انخراطهن فيه. ولذلك يجب أن تحضى هذه القضايا باهتمام خاص، من طرف حزبنا وقطاعنا النسائي، من أجل إيجاد حلول لها توفر شروطا أحسن لانخراطهن في العمل الحزبي.

إن الشباب العامل يواجه عددا من المشاكل، لعل أخطرها الهشاشة التي تؤدي إلى عدم الاستقرار. ولا بد من العمل على توفير الحد الأدنى من الاستقرار المادي والحماية للطلائع العمالية. ويكتسي العمل الثقافي وسط العاملات والعمال أهمية كبيرة لأنه رافعة لنشر الفكر التقدمي ولتطوير قدراتهم(ن) الابداعية؟

يقوم حزبنا بمجهودات مهمة لتكوين العمال والعاملات، وخاصة الطلائع العمالية. لكن لكي تستجيب أكثر لانتظاراتهم(ن)، لا بد من إشراكهم(ن) في بلورة وتقييم حصيلة برامج التكوين الخاص بهم(ن).

إن أحدى المعضلات التي تواجه العمل مع العاملات والعمال هو التقسيم الذي تسعى الرأسمالية لترسيخه لتأبيد استغلال الطبقة العاملة. ولذلك تستغل وتؤجج كل التمايزات الموضوعية وسطها (الجنس والدين والعرق واللغة والإثنية…). وفي بلادنا،تعمل جاهدة على عزل القوى الماركسية-اللينينية عن الطبقة العاملة من خلال الإدعاء أنها ضد الدين وأنها ضد الأمازيغ وأنها مع الميوعة الجنسية…لقد طور حزب النهج الديمقراطي العمالي تصوره للقضية الدينية والقضية الأمازيغية. فهو يعتبر أن نضالنا ليس ضد الدين، بل ضداستغلاله لتأبيد الاستغلال والاضطهاد وأن الدين متناقض قد يكرس الاستسلام للأمر الواقع والبحث عن الخلاص في الآخرة كما أنه يتضمن قيما كالعدل والاستقامة ومناهضة الظلم وغيرها يمكن أن تشكل رافعة للنضال من أجل التغيير لصالح الشعوب. وتجارب لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية واضحة في هذا الصدد. بالنسبة للقضية الأمازيغية، يعتبر حزبنا أن حلها يتجاوز النضال من أجل اللغة والثقافة الذي هو نضال هام وضروري، للنضال من أجل الأرض، أي الصراع الطبقي بين الكتلة الطبقية السائدة التي تسعي إلى الإستيلاء على أراضي الجموع من جهة، والفلاحين المتشبثين بأرضهم وهويتهم وأن الحل هوالاعتراف بأقصى قدر من التسيير الذاتي للمناطق التي عانت، بشكل خاص، من التهميش من طرف الاستعمار والمخزن في إطار دولة فيدرالية.

وتتفنن الرأسمالية في خلق تمايزات على مستوى الوضع القانوني للعمال والعاملات (عمل قار وعمل لمدة معينة وعمل في إطار المقاولة من الداخل وعمل في إطار المناولة وعمل في إطار مشروع ينتهي بانتهائه…). إن هذا الواقع يطرح تحديات جمة أمام العمل النقابي الذي يستهدف خدمة مصالح الطبقة العاملة وأمام الأحزاب التي تسعى إلى التجدر وسط الطبقة العاملة.

وأخيرا لا بد من التأكيد على دور التضامن الأممي بين نضالات الطبقات العاملة في العالم، وخاصة مع نضالات الطبقة العاملة في الشركات المتعددة الاستيطان أو في إطار المقاولة من الداخل لفائدة هذه الشركات.