من أجل نقلة نوعية في سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 6284 - 2019 / 7 / 8 - 20:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

مداخلة في الندوة التي نظمها النهج الديمقراطي حول موضوع: تجارب بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين

تأسس النهج الديمقراطي، في 15 أبريل 1995، واعتبر نفسه استمرارا سياسيا وفكريا للحركة الماركسية اللينينية المغربية، وخاصة لمنظمة “إلى الأمام”. وفي هذا الإطار، طرح، منذ تأسيسه، مهمة المساهمة في سيرورة بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وعموم الكادحين كمهمة حاسمة ومركزية، وذلك اعتبارا لكون الكادحين الغير عمال( الفلاحين الفقراء والمعدمين وكادحي الأحياء الشعبية) يستغلون، بشكل غير مباشر، من طرف الرأسمالية( السوق، التمويل، المواد الأولية والنصف مصنعة). ولذلك فهم، مناهضون لها.

لكن، لماذا لا زال النهج الديمقراطي لم يتقدم، بالشكل المطلوب، في إنجاز هذه المهمة؟ ما هي الظروف الموضوعية والذاتية والأخطاء التي حالت دون ذلك؟
الوضع الموضوعي:

اتسمت الفترة التي تأسس فيها النهج الديمقراطي بالصدمة التي خلفها انهيار الاتحاد السوفيتي والهجوم الكاسح للرأسمالية، على كافة المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية مستعملة آلتها الدعائية الأخطبوطية، وإفلاس أحزاب الحركة الوطنية. وقد كان لذلك بالغ التأثير على العديد من المناضلين-ات الاشتركيين-ات وأدى إلى نفور عام من العمل السياسي. وقد ساهمت الإمبريالية، بشكل كبير، في هذا النفور بواسطة تمويل المنظمات الغير حكومية والترويج للعمل في”المجتمع المدني” كبديل للعمل الحزبي والسياسي.

وقد تزامن ذلك، في المغرب، مع تطور مهم للنضال من أجل حقوق الإنسان والنضال الاجتماعي وانتزاع مكتسبات في هذين المجالين. الشيء الذي جعل النضال الحقوقي والنقابي أكثر جدبا وأعطياه زخما هاما وأديا إلى انغماس الأغلبية الساحقة من المناضلين-(ات) في العمل في المنظمات الجماهيرية، كعمل اقتصادي، دون ربطه بالعمل السياسي والفكري والتنظيمي وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذي بدونه يستحيل التقدم في بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.!

كما عرفت هذه الفترة تشرذما خطيرا للقوى الماركسية التي أصبح جلها يركز على الهجوم بدون هوادة على بعضها البعض( باستعمال العنف في بعض الأحيان) عوض النقاش الموضوعي والعميق والاجتهاد على المستوى الفكري لإغناء الماركسية وربطها بالواقع الملموس لبلادنا، من خلال الجواب على سؤال “ما العمل الآن وهنا” والتركيز على التجدر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين. هذا الوضع الذي لا زال مستمرا إلى يومنا هذا.
الوضع الذاتي للنهج الديمقراطي:

تشكل النهج الديمقراطي من مجموعة من المناضلين الذين خرجوا من السجون أو من السرية أو عادوا من المنفى ومناضلين كانوا يعملون في المنظمات الجماهيرية. ومعلوم أن القمع كان قد فكك المنظمات الماركسية-اللينينية المغربية السرية واعتقل جل مناضليها في السبعينات والثمانينات مما أدى بالمناضلين المتعاطفين مع الحركة الماركسية-اللينينية المغربية المتواجدين في الساحة إلى العمل في المنظمات الجماهيرية. هكذا تشكل النهج الديمقراطي بالأساس كتنسيق لهؤلاء المناضلين الجماهيريين.

وللأسباب المذكورة أعلاه، تأخر النهج الديمقراطي كثيرا في بلورة الوسائل والآليات لتمفصل جيد بين عمله السياسي-التنظيمي وعمله الجماهيري الذي ظل طاغيا على نشاطه. وعمقت البنيات التنظيمية( العمل بواسطة اللجان الوظيفية عوض الخلايا معالجة هذا الاختلال وغيره.

وقد سقط النهج الديمقراطي في اختزال العلاقة مع الجماهير الكادحة في عمله في المنظمات الجماهيرية التي تتميز بالتقلص (مجموع المنخرطين في النقابات لا يتجاوز 5 في المائة من الشغيلة) وعدم الاجتهاد من أجل البحث عن أساليب ووسائط أخرى للارتباط بالطبقة العاملة وباقي الكادحين.

وقد سادت داخله نظرة عفوية للتنظيم تتمثل في الاعتقاد بأن الجماهير ستلتحق بنا نظرا لتفانينا في النضال من اجل مصالحها ودون الحاجة إلى القيام بمجهود للتعريف بأهدافنا ومواقفنا ومرجعيتنا ودون عمل منظم لاستقطابها. وسقطنا في الأبوية عليها والنيابة عنها مما أدى إلى تفشي الزعامية والأستاذية في صفوفنا والسلبية والاتكالية في صفوفها ونقلنا، دون شعور، هذه السلوكات إلى صفوف طلائعها.

وظلت دعايتنا الموجهة للعمال والكادحين ضعيفة، وعملنا الفكري متقلصا.
كما أن النهج الديمقراطي راهن على القوى الماركسية الأخرى لإنجاز مهمة بناء الحزب من خلال طرحه “المساهمة في بناء التنظيم المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين”.

لقد قرر المؤتمر الوطني الرابع أن يتحمل النهج الديمقراطي مسئولية الإعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وذلك، أساسا بسبب احتداد الصراع الطبقي بشكل غير مسبوق وافتقاد الطبقة العاملة لحزبها المستقل ولأن الاكتفاء بطرح “المساهمة” في سيرورة بناء التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين يدخلنا في الانتظارية ويجعلنا نتخلف عن تحمل مسئوليتنا التاريخية إزاء الطبقة العاملة وعموم الكادحين. الشيء الذي لا يعني أن ليس هناك مناضلين ثوريين ماركسيين من خارج النهج الديمقراطي سيساهمون في هذا المشروع العظيم، إما من خلال بناء تنظيمهم الخاص أو الانخراط في النقاش الذي يطرحه النهج من أجل المزيد من توضيح وتدقيق الرؤية لبناء هذا الحزب.

2. لماذا الإعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين مهمة آنية؟
في اجتماع اللجنة الوطنية في 14 يوليوز 2018، أكد ن.د. على ضرورة بذل المزيد من الجهود من أجل النجاح في تنفيذ والوفاء بالتزامات المؤتمر الوطني الرابع. وصادق المجلس الوطني للنهج الديمقراطي المنعقد في 30 شتنبر 2018 على خطة وبرنامج توفير شروط الإعلان عن حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذي اعتبره مهمة آنية للأسباب التالية:

° دخل نمط الإنتاج الرأسمالي في أزمة هيكلية عميقة ومتفاقمة لن يستطيع تجاوزها إلا بالحروب وتكثيف استغلال الطبقة العاملة ونهب الخيرات الطبيعية وتدمير البيئة وهو ما يحتم على الرأسمالية التخلي عن مظهرها الديمقراطي وانفضاح حقيقتها أكثر فأكثر كديكتاتورية البرجوازية. إن هذا الواقع يراكم السخط الشعبي ضد الرأسمالية ويوفر شروطا إيجابية لاسترجاع الاشتراكية لجاذبيتها، شريطة بناء الطبقة العاملة، باعتبارها الطبقة النقيض للرأسمالية، أدواتها التنظيمية المستقلة عن البرجوازية، وعلى رأسها حزبها.
° أكدت السيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي الدور الحاسم للطبقة العاملة في فرض رحيل رموز النظام في تونس ومصر.كما أظهرت أن غياب حزبها سمح لقوى تمثل الطبقات البرجوازية من قطف ثمار التغيير لصالحها. كما تشهد الطبقة العاملة في العالم نهوضا ومحاولات عدة لبناء أحزابها المستقلة.
° انجاز المهام المرحلية المتمثلة في التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وانفتاحها على الاشتراكية يحتم التوفر على حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ولعبه دورا رياديا.
° بلادنا تعيش سيرورة ثورية قد تؤدي إلى الانفجار في أية لحظة بينما مساهمة الطبقة العاملة في هذه السيرورة تخدم مصالح الطبقات الأخرى في ظل عدم امتلاك الطبقة العاملة لأدواتها المستقلة، وعلى رأسها الحزب. ولذلك فإن أي تأخر في تأسيس هذا الحزب ستكون له نتائج وخيمة ومأساوية على مآل السيرورة الثورية.
° إن الصراع الطبقي يتخد، الآن وهنا، أساسا، شكل نضالات تخوضها تنظيمات ذاتية شعبية مستقلة( حراكات شعبية، تنسيقيات، لجان…) عن القوى السياسية والنقابية والجمعوية المناضلة.
إن هذه التنظيمات الشعبية الذاتية المستقلة في حاجة إلى هذا الحزب الذي سيعمل على توحيد نضالها وإعطائه أفقا سياسيا يتمثل في التخلص من المخزن على طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية. كما أن هذا الحزب سيلعب دورا إيجابيا في تصحيح الحركة النقابية التي تعيش أزمة عميقة وجعلها تخدم الطبقة العاملة عوض استخدامها وفي بناء جبهة الطبقات الشعبية وتمفصل سديد بين أدوات الصراع الطبقي للطبقة العاملة( النقابة كأداة للصراع الاقتصادي والحزب والجبهة الشعبية كأداتين للصراع السياسي) والتنظيمات الذاتية المختلفة للكادحين، وفي مقدمتها حركات النضال الشعبي.
° إن الظروف ملائمة لإحداث نقلة نوعية في سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين نظرا لكون النضالات الشعبية المتعددة تلعب دورا هاما في تطور الوعي لدى الكادحين بأعدائهم وأصدقائهم وبأهمية التنظيم والوحدة.

3. تصورنا للقيام بنقلة نوعية في سيرورة بناء حزب الكبقة العاملة وعموم الكادحين:
أولا، لا بد من توضيح أن بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين سيرورة متواصلة ستستمر حتى في حالة نجاح الثورة الاشتراكية وأن المطلوب، الآن، هو انجاز نقلة نوعية في هذه السيرورة من خلال القيام بتغيير جذري لتصورنا وممارستنا لبناء هذا الحزب وانغراسنا وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين.

فهناك عدد من النقط الايجابية في مسيرة النهج الديمقراطي تجعلنا متفائلين، دون غرور أو ارتخاء، من قدرتنا على رفع هذا التحدي.

أهم هذه النقط هو خطنا الفكري والسياسي المنحاز للطبقة العاملة، من خلال تبني الماركسية، كمنهج في التحليل ونظرية في التغيير الثوري، وعملنا النقابي والجماهيري بشكل عام ومواقفنا المساندة والمدافعة عن مصالح الطبقة العاملة وعوم الكادحين.
ثاني نقطة تتمثل في قدرة النهج الديمقراطي على الحفاظ على وحدته وتماسكه من خلال التدبير الديمقراطي للخلافات داخله.
ثالث نقطة هي الوعي المتنامي داخل التنظيم بمركزية وملحاحية القيام بنقلة نوعية في بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وبما تضعه على عاتقنا من مهام جسيمة.

رابع نقطة هي احتلال النهج الديمقراطي لموقع متميز في معارضة النظام القائم، حيث يشكل بالنسبة لليسار رأس رمح المعارضة الجذرية.

خامس نقطة القناعة الواسعة وسط النهج الديمقراطي بالأهمية القصوى للروح والعمل الوحدويين.

سادس نقطة العلاقات الدولية للنهج الديمقراطي وبخاصة مع تنظيمات ماركسية ودوره في سيرورة بناء اممية ماركسية.

ينبني تصورنا للقيام بهذه القفزة النوعية على المرتكزات التالية:

° ضرورة تثوير مناضلاتنا ومناضلينا، فكرا وممارسة، في اتجاه أن تصبح مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين مهمة يومية.
° اعتبار أن هذا التأسيس سيتم تحت نيران العدو. لذلك، لا بد من إعطاء أهمية خاصة لتحصين وتصليب التنظيم والمناضلات والمناضلين وتسليحهم(ن) نظريا.
° خطة وبرنامج يستهدفان تحويل شعار تأسيس حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين إلى مهام ملموسة ومحددة زمنيا تتضمن مختلف واجهات العمل الفكرية والسياسية والتنظيمية والاشعاعية والتكوينية والتواصلية والإعلامية والقطاعية نخص بالذكر منها:
° إعطاء أهمية خاصة للعمل الجماهيري، وعلى رأسه العمل النقابي،الذي يمثل مدخلا أساسيا للتجذر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين والقيام به بمنظور ومضمون جديدين يستهدفان ربط النضال اليومي من أجل المطالب والدفاع عن المكتسبات والحقوق بالنضال الاستراتيجي الهادف إلى التغيير الجذري وبناء أداته السياسية الأساسية، حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
° القيام بحملة مستمرة تتوجه إلى الجماهير العمالية والكادحة بشكل عام وتسعى إلى نشر الوعي وسطها بالضرورة الملحة والآنية لتأسيس حزبها، حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
° إقناع أكبر عدد من المناضلين(ات) الماركسيين(ات) بأن مهمة تأسيس حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين مهمة لا تقبل التأجيل وحثهم على الانخراط فيها والنقاش معهم(ن) من أجل المزيد من توضيح الرؤية حول سيرورة بناء هذا الحزب. إن الخط السياسي والفكري لحزب الطبقة العاملة سيتطور ويغتني من خلال الانغراس وسطها كقوة منظمة وهو دائما خاضع للتطوير ليساير الواقع المتغير باستمرار. لذلك نعتقد أنه من الخاطئ الظن أنه يجب الاتفاق على كل القضايا قبل الانخراط الجماعي للماركسيين(ات) في التجذر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين وتوحيد صفوفهم في حزب واحد.
° إن تركيزنا على القيام بهذه النقلة، لا يعني إهمالنا للسيرورات الثلاث الأخرى التي يشتغل عليها النهج الديمقراطي.

فبناء الحزب سيتم في معمعان النضال الشعبي الذي نخوضه التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية. وهو ما يتطلب انخراطنا الجدي في حركات النضال الشعبي، رغم فئوية بعضها وتحفظها إن لم يكن عدائها للتنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية، بما فيها المناضلة، والسعي إلى تطوير التضامن النضالي والنقاش الجاد بينها ومع القوى المناضلة السياسية والنقابية والجمعوية. لذلك نعتبر أن الهجوم الوحدوي الذي يقوم به النهج الديمقراطي موقف سديد يجب التشبث به رغم كل محاولات تقسيم وتجزيء النضال الشعبي الذي يمكن المخزن بالانفراد به. وقد بدأ هجومنا الوحدوي يعطي بعض الثمار كما هو الأمر بالنسبة لقضية التعليم مثلا. إن الانخراط في هذه الحركات هو أحد أهم الوسائل للتجذر وسط الكادحين و الارتباط بطلائعهم. وهو بالتالي يخدم مهمتنا المركزية: بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.

يتبين أن الواقع الملموس للصراع الطبقي في بلادنا الآن يتطلب بناء وتحصين وتقوية وتوسيع هذه التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية وإيجاد تمفصل سديد وقوي بينها وبين القوى الديمقراطية والحية السياسية والنقابية والجمعوية. ومن خلال هذا التمفصل ستتشكل الجبهة الميدانية الحقيقية والفاعلة وهي الجبهة المؤهلة لقيادة النضال من أجل التغيير لأنها الجبهة التي تضم أوسع القوى المناضلة التي في مصلحتها التغيير. إن أي تأخر في بناء هذه الجبهة سيكون له أوخم العواقب على النضال من أجل التغيير. إن الجبهة الميدانية ليست تنسيقا لخوض معارك مشتركة فقط، بل كجبهة للتغيير يجب إن تقدم البديل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي للنموذج التنموي الرسمي الذي فشل فشلا ذريعا. إن أحد نواقص حركة 20 فبراير أنها لم تكن تتوفر على بديل متوافق عليه مكتفية بشعارات فضفاضة: حرية، كرامة، عدالة اجتماعية.

ولذلك لا بد من إعطاء أهمية كبرى للحوار العمومي وتركيزه على بلورة برنامج للتغيير، على غرار السودان.
إن التقدم في بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين لا يتم بمعزل عن المساهمة في بناء أممية ماركسية لأنها ستوفر إمكانية الاستفادة من تجارب الأحزاب الشقيقة ومن تطوير علاقات التضامن بين الطبقات العاملة والكادحين في مختلف البلدان وتنسيق النضالات ضد الامبريالية والرأسمالية.