النموذج الفلاحي الأمريكي


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 21:16
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


مقدمة: ما يلي ترجمة فقرات من كتاب مارطا هارنكر الذي خصصته للتعريف ب “حركة فلاحين بدون أرض” والتي تتطرق فيها ل “النموذج الفلاحي الأمريكي”. وقد ارتكزت مارطا على حوارات أجرتها مع جواو بيدرو منسق “حركة فلاحين بدون أرض”.

قد يساعدنا على فهم أعمق لأهداف مخطط “المغرب الأخضر” الذي بلوره مكتب الدراسات الأمريكي ماك كينسي وما ينتظر الفلاحة والفلاحين المغاربة من مصير قاتم. وربما أكبر خطر يتهدد الفلاحين هو فهم الرأسمالية المأزومة للاستيلاء على الأراضي الفلاحية في العالم الثالث. وأحد أهم أهداف مخطط “المغرب الأخضر” هو السطو على أراضي الجموع الذي تسارع الحكومة الحالية لبلورة إطاره القانوني.
النموذج الفلاحي الأمريكي: هذا النموذج طبق في البرازيل وشجع نمو الضيعات الكبيرة الممكننة- وبالتالي تقليص قوة العمل- المندمجة بالكامل في السوق الدولية.
فمباشرة بعد خوصصة كبريات الشركات العمومية الاستراتيجية- الكهرباء، الهاتف، المعادن…تم التوجه إلى الفلاحة. يرتكز هذا النموذج إلى عولمة واسعة لاقتصاديات الدول العالم الثالث. حيث يتم تزويد السوق الداخلي بالمواد الفلاحية المستوردة. ” من قبل، لم تكن المواد الفلاحية مستوردة، ما عدا 10 في المئة من الحبوب التي كان البرازيل يستوردها من الأرجنتين. واليوم ننفق 5 مليارات دولار سنويا من أجل هذه المواد التي يمكن إنتاجها بالكامل تقريبا في البرازيل”.
أهم سمات هذا النموذج هي:
1-سوق وطنية تتحكم فيها شركات كبيرة وتفرض أسعارا معولمة. ففي السابق، كانت كل منطقة بالبرازيل تتوفر على أسواقها وأثمانها الخاصة. فثمن الدرة مثلا كان يختلف من ولاية إلى أخرى( للتذكير البرازيل دولة فيدرالية تنقسم إلى عدة ولايات على غرار الولايات المتحدة الأمريكية) بناء على تكاليف الإنتاج التي تختلف من ولاية إلى أخرى. هذا الواقع تغير اليوم حيث أصبحت السوق موحدة. لكن الأشياء لا تقف عند هذا الحد. ذلك أن العديد من الشركات الفلاحية هي شركات متعددة الاستيطان، وبالتالي، فإن الأثمان هي أثمان السوق الدولية. هكذا لم تعد أثمان المواد الفلاحية تتشكل انطلاقا من متطلبات الاقتصاد الوطني. إنه تغير جوهري. ومن نتائج ذلك أنه إذا كانت ولاية تعرف الخصاص في الدرة، فإنها لا تقتنيه من ولاية أخرى، بل من كندا أو الأرجنتين أو غيرهما. الآن لم يعد هناك في البرازيل سوى سوق واحد للدرة تزوده شركات معدودة. لكن الوضعية أكثر سوءا لأن العديد من هذه الشركات هي شركات متعددة الاستيطان، وبذلك تصبح الأسعار هي أسعار السوق الدولية التي تتحكم فيها هذه الشركات. هكذا لم تعد أسعار المواد الفلاحية تخضع لمنطق الاقتصاد الداخلي. اليوم، تتحكم ثلاث شركات متعددة الاستيطان في تجارة الدرة في البرازيل: كارجيل، دوبون وبورغ لبورنز.
2-شبه احتكار الصناعات الفلاحية:
هذا التطور( أي شبه احتكار) مخالف للمنطق الاقتصادي نفسه، لأن من الممكن، في بلاد شاسعة كالبرازيل، إقامة صناعات فلاحية في كل مدينة صغيرة. الشيء الذي سيخلق العديد من مناصب الشغل ويؤدي إلى نمو أكثر تجانسا ويقلص من نفقات النقل والتخزين وغيرها( إضافة من عندي). لكن ما وقع، في السنوات الأخيرة، هو سيرورة عنيفة من الشبه احتكار لهذه الصناعات. على سبيل المثال، عمليا تتحكم ثلاث شركات في سوق الحليب: نيستلي وكلوريا وبارملات. كل المنتجين الصغار والتعاونيات مضطرة لبيع إنتاجها لها. وهذا هو سبب ضعف الثمن بالنسبة للمنتج وارتفاعه بالنسبة للمستهلك لأنه يخضع لسعر السوق العالمي. يؤدي المستهلك البرازيلي نفس الثمن كالمستهلك الايطالي، لكن المنتج البرازيلي يتقاضى أقل بكثير من المنتج الايطالي. هكذا فإن شركة بارملات تشتري اللتر من الحليب من المنتج البرازيلي ب 20 سنتيم بينما تدفع للمنتج الايطالي 50 سنتيما للتر. فالمنتج البرازيلي محكوم علية بالبقاء في الفقر: فهو يجب أن ينتج 5 لترات من الحليب للحصول على قنينة من كوكا-كولا.
3-تقليص دور القطاع العمومي في الفلاحة:
من المعلوم أن الفلاحة تتطلب الدعم في كل الدول، وخاصة في الدول الرأسمالية، لكي تستطيع الاستمرار. ذلك أن عددا من العوامل في الفلاحة لا تخضع لإرادة البشر، بل للطبيعة والمناخ… ولهذا السبب، لابد أن تحمي الدولة النشاط الفلاحي بوسائل مختلفة: يجب أن تنظم النشاط الفلاحي لأنه مشتت جغرافيا وأغلب الفلاحين يتوفرون على مساحات زراعية صغيرة. إحدى المكونات الكلاسيكية للسياسة الفلاحية الرأسمالية هي قيام الدولة بتنظيم التخزين وضمان القروض والمساعدة التقنية للإنتاج ومراقبة الأثمان وتمويل البحث العلمي والتقني في ميداني الزراعة وتربية الماشية.
لكن اليوم ومع هذا النموذج الجديد، فإن الدولة ماضية في التخلي عن الفلاحة. لا تراقب التخزين ولا الأثمان ولا تضمن القروض. خلال فترة الدكتاتورية، كان بنك البرازيل، وهو بنك عمومي، يقدم 18 مليار دولار للفلاحة، بينما لم يعطي سوى 3 مليارات في سنة 2000.
4-منظومة تكنولوجية فلاحية جديدة:
رابع سمة هذا المنوذج هي أنه يعيش ثورة تكنولوجية هي البيوتكنولوجيا. لكن هذه الثورة تحتكرها الشركات المتعددة الاستيطان. مثلا شركة مونسانطو التي تنتج بذورا محولة جينيا تسعى إلى فرض على الفلاح الذي يريد شراء نوع من البدور أن يشتري، في نفس الأن، المبيد للأعشاب الضارة والمبيد للحشرات الخاص بهذا النوع من البدور. أرباح هذه الشركة تأتي من بيع المبيدات. فالفلاح إذا اشترى البدور، يجب أن يشتري السم التي تنتجه نفس الشركة.
وبسبب احتكار إنتاج البدور، يواجه البرازيل مشكلا خطيرا. خلال فترة الدكتاتورية، كانت شركة عمومية هي التي تنتج البدور التي كانت في متناول الجميع وبأثمان منخفضة. أما بعد أربع سنوات فقط على سقوطها، اصبحت شركتي كارجيل ومونسانطو تتحكم في 65 في المئة من بدور الدرة، بعد أن استولت على سوق بدور الصوجا.
إن هذا النموذج يؤدي إلى مركزة الأرباح والأرض. لقد كان كل إنتاج القطن في وقت غير بعيد بيد صغار الفلاحين في صاو باولو وشمال بارانا وفي الشمال الشرقي. لكن السياسة الجديدة حولت هذا الإنتاج إلى منطقة ماطو غروصو. والآن هناك ضيعات شاسعة ممكنة بالكامل. أكبر هذه الضيعات تصل مساحاتها إلى100000 هكتار مخصصة بالكامل لإنتاج القطن وتستعمل 20 حصادا فقط. كل شيء فيها ممكنن. نفس الشيء يقع بالنسبة للقمح والصوجا والروز.