مقابلة مع الفيلسوف الفرنسي أندري كورتس حول نهاية العمل المأجور


سلام عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 502 - 2003 / 5 / 29 - 06:23
المحور: مقابلات و حوارات     

                      


يرى الفيلسوف الفرنسي أندري في ازمة العمل في الوقت الحاضر فرصة حلم لأندفاع الفكر من أجل مستقبل أفضل .

ـ ولد الفيلسوف أندرى كورتس ( كيرهارد هورتس ـ الاسم السابق ) في فيينا عام 1924 ، وعندما احتل النازيين نمسا في 1936 لجأ الى سويسرا ، وبعد نهاية الحرب أستقر في فرنسا واصبح عضوا في هيئة تحرير المجلة التي كان يصدرها سارتر ، وقد تأثر الحركات اليسارية في امريكا اللاتينية بكتاباته .

 الجريدة : لقد ذكرتم في كتابكم ((  يجب ان يفقد العمل موقعه المركزي في وعينا وتفكيرنا في جميع عالم تصوراتنا )). هل تقصدون بذلك نهاية العمل ؟ .

أندري كورتس : يجب علينا التميز بين العمل والكسابة ، فالعمل بمعناه الانثروبولوجي لايمكن بالمطلق ان يتبدد ، مادامت البشرية موجودة . ان جميع المجتمعات بحاجة الى العمل بمعناه الانثربولوجي ، العمل كشكل وعناية الطبيعة . ان هذا التعريف لاتقول أية شيئ حول العلاقات الاجتماعية وظروف الانتاج و حول العمل الذي نقوم به من اجل المعيشة و عملنا ( أي العمل . الذي يختاره الانسان بحرية ). فالعمل الذي نريد القيام به ( حسب رغبة الفرد ) لا نملكه ، بينما العمل الذي نؤديه، هو فقط ودائما للأخرين ، ونحصل في مقابله على الاجور التي يتم تحديده من قبلهم .

الجريدة : ولكن من خلال هذا العمل ، يمكن أيضا الحصول على الحق في ضمان الخدمات الاجتماعية من الدولة .

أندري كورتس : طبيعي ، في المجتمع الفوردي ـ1ـ كان العمل ايضا مصدرا للبنية و الحقوق الاجتماعية . ان الذي يسمى بصاحب العمل ، والذي يستغل عمل الاخرين ، كان له أمام المجتمع واجبات والعامل له الحقوق الاجتماعية  أي تلك الحقوق التي كانت مرتبطة بالعمل . ألا اننا الان نخطو نحو مجتمع لم يستولي بعد بنفسه على العمل ولا يضم الحقوق الاجتماعية و الأقتصادية . هذا يعني ان الليبرالية و بالترابط مع العولمة قامت بالغاء ما كان دائما شوكة في عيون الرأسمال ، أي الحد من الاستغلال من خلال وضع الواجبات الاجتماعية  على عاتق صاحب العمل .

الجريدة : انكم لاتتطرقون الى (( نهاية العمل )) بالمعنى الانثروبولوجي الحقيقي ، بل الى نهاية العمل الفوردي و التايلوري ـ 2ـ .

أندري كورتس : ان العمل المنظم و المحاط أجتماعيا يتعرض بشكل منظم للألغاء، دون ان يتمكن الانسان من امتلاك الوقت التي تتحصل من خلال الغاء العمل . ان أعادة امتلاك الوقت و ألغاء العمل المغترب يناسب فهم ماركس الذي أخذها من هيغل ، والذي يشكل المعنى الحقيقي للتاريخ الانساني : يجب و في النهاية  التغلب على العمل ( المغترب ) والوصول الى النشاط الذاتي الحر . ان تلك الامكانيات تتميز بالوضوح ويجب علينا ان نتعلم ونعي فهمها .
ان حجم العمل المأجور يتقلص بسرعة أكبر والعمل يصبح أكثر تعرضا للأنقطاع المتواصل والمتأزم ، علما ان  فهم مقاييس هذه التغيرات لازالت حتى الان دون المستوى المطلوب . ففي بريطانيا مثلا تعمل 55% من الايدي العاملة بدون عقود عمل و ضمانات و غالبا طبق الطلب(عند الحاجة الانية) . وفي  ايطاليا والمانيا و فرنسا ، فان حصة هذا النوع من سوق العمل المتأزم على نفس النسبة مرتفعة كما في بريطانيا . وطبق أحصائية رسمية فرنسية نشرت في أكتوبر من العام الماضي، فان 55% من البالغين سن  الخامسة والعشرين وحتى التاسعة والثلاثين اضطروا للعيش في فترة أو عدة فترات في ظروف البطالة و39% من خريجي التعليم العالي أصبحوا عاطلين ، أي من مختلف المستويات وحتى ذوو الاختصاصات العالية يواجهون تلك الازمة، ثلث عدد أصحاب الاختصاصات الفنية العالية يبحثون على فرص العمل التي لاتحتاج الى الخبرة(الاعمال الخدمية )، واصبحت فرصة الحصول على عمل منتظم لأصحاب الكفاءات الضعيفة اكثر يأسا (...) .
وكما تعرفون، فان الشركات الكبرى تتوجه نحو المزيد من تقليل فرص العمل . وكمثال اخر على ذلك، ففي الولايات المتحدة الامريكية يعمل في100 شركة أحتكارية فقط10% كأيدي عاملة بصورة ثابتة بساعات عمل ليوم كامل، فيما يحصل90%من قوى العمل على فرص عمل مؤقتة . بأختصار : المزيد من تقليل عدد الذين ينتجون ، والحصول على المزيد من الثروة .

الجريدة : ان النقابات تطالب بتخفيض ساعات العمل . هل بالامكان تحسين أوضاع الذين مازالوا ـ يعملون و العاطلين عن العمل من خلال هذا المطلب ؟ .

اندرى كورتس: ان هذا المطلب ليس ذوو فائدة ، اذا كان النقابات يطالبون ب 32 او 35 ساعة عمل في الاسبوع ، دون  تحديد شروط تخفيض ساعات العمل . وبالذات في هذا الوقت الذي يعمل فيها أكثر من 50% من الايدي العاملة في اعمال لنصف اليوم و بصورة غير مضمونة وقاهرة .


الجريدة : بالأمكان مراقبة تخفيض ساعات العمل فقط في قطاعات الدولة و الشركات الكبرى .

أندرى كورتس : هذا صحيح ، ولكن يجب ان لايسمح لسياسة تقليل ساعات العمل بتنزيل ساعات العمل حسب ساعات العمل في الاسبوع ، كما و يجب ضمان الحقوق الاجتماعية للأولئك الذين يعملون بشكل متقطع او لنصف يوم عمل(مثلا 4ساعات ). يجب ضمان الحد الادنى لجميع اولئك المستعدين للعمل حسب الطلب ، سوا كانوا يعملون أو بلا عمل .

الجريدة : ان النقابات تطالب بتخفيض ساعات العمل . هل بالامكان تحسين أوضاع الذين مازالوا ـ يعملون و العاطلين عن العمل من خلال هذا المطلب ؟ .

اندرى كورتس : ان هذا المطلب ليس ذوو فائدة ، اذا كان النقابات يطالبون ب 32 او 35 ساعة عمل في الاسبوع  ، دون  تحديد شروط تخفيض ساعات العمل . وبالذات في هذا الوقت الذي يعمل فيها أكثر من 50% من الايدي العاملة في اعمال لنصف اليوم و بصورة غير مضمونة وقاهرة .


الجريدة : بالأمكان مراقبة تخفيض ساعات العمل فقط في قطاعات الدولة و الشركات الكبرى .

أندرى كورتس : هذا صحيح ، ولكن يجب ان لايسمح لسياسة تقليل ساعات العمل بتنزيل ساعات العمل حسب ساعات العمل في الاسبوع ، كما و يجب ضمان الحقوق الاجتماعية للأولئك الذين يعملون بشكل متقطع او لنصف يوم عمل ( مثلا 4ساعات ) . يجب ضمان الحد الادنى لجميع اولئك المستعدين للعمل حسب الطلب ، سوا كانوا يعملون أو بلا عمل .

الجريدة: انكم تقولون، لاتوجد حرية في العمل المأجور، ناهيكم عن الحرية من العمل المأجور( المقصود في الظرف الحالي) . بهذا الرأي تنتزعون أيضا مسألة الاستقلال الذاتي .

أندريه كورتس: في الاطار الاجتماعي لتقسيم العمل ، توجد علاقات العمل المأجور فقط بشكل ذاتي (Autonomie ) محاطة بعدم التجانس(Heteronomie )، اذ انه حتى في حالة العمل بالقطعة طبق تقسيم العمل الفوردي التي تقاس بالكرونومتر(مقياس زمني) تتشكل ايضا مجالات للراحة و الترفيه، ولكن يجب الكفاح من أجله. هذا هو المجال الذاتي وبالاضافة الى ذلك، فان  وقت العمل خاضعة لمقاييس الربح، حيث لايتمكن (العمال و العاملات) من تحقيق أية شيئ مقابل ذلك الذي لم يخلقونه ولم يستولوا عليها، أي ان الرأسمال تقرر وقت العمل و خارج أرادتنا( الاغتراب)،  وحتى في شركة بوست فوردية(اسلوب العمل السائد حاليا) الهومانستية مثل شركة فولفو لصناعة السيارات في(أوده فاللا/السويد) لايقرر العمال و العاملات لا الانتاج الذي يقومون بانتاجه و لا مقياس المنفعة الاجتماعية المتوخات لما ينتجونه . ان العمل المأجور تعني دائما الخضوع للأجور، التبعية ل(صاحب العمل ) الذي له سلطة التصرف بوسائل و تقسيم و تنظيم العمل. ان الاستقلال الذاتي في علاقات العمل المأجور تعني النضال ضد سلطة حكم (( صاحب العمل )) ووضع علامة الاستفهام أمام نظام الاجور .

الجريدة : هل يوجد اليوم حسب أعتقادكم مخططا عاما للرأسمالية، أي نوع من دماغ رأسمالي ينظم مجريات الاقتصاد ؟

أندرى كورتس : نعم ، بالتأكيد ! في كل مكان يخدم الرأسمال نفسه من خلال تشديد المنافسة بين الأحتكارات التي يخلقه بنفسه، كي يطلب من الدولة ألغاء سياسته الاجتماعية ويعيد تنظيم الاسواق و شروط العمل واخضاعة بالكامل لسيطرة القوانين الخالصة للسوق . ان الاحصائيات الخالصة و السرية لقوانين السوق تخدم الرأسمال عن طريق حماية نفسه ضد القوانين الاجتماعية التي تصدره اية مجتمع . ومثلما قال تيتماير رئيس بنك الولايات الالماني:(ان الاسواق المالية تقوم بمراقبة الدول ، وبأمكانهم  تحطيم أية دولة ، اذا لم تعجبهم سياستها).

الجريدة : هل ان مطلبكم في ضمانة الدخل الاساسي بدون أية قيد و شروط نوع من أستراتيجية مضادة ؟

اندرى كورتس: ان هذا المطلب له بعض الجوانب الاستراتيجية ، ولكنه ليس كل الاستراتيجية . اذا كان الانتاج الاجتماعي للملكية تحتاج الى عمل أقل، وبالمقابل يوزع أجور عمل أقل، اذن لايجوز ربط الحق في الحصول على ادنى الاجور بكمية ماينتجة الايدي العاملة، والا سياتي أولا الفقر و من ثم أنهيار المجتمع .

الجريدة : ان مثل هذه الضمانات للحد الادنى للأجور سواء على الصعيد السياسي أو المالي، لاتدع لنفسه اليوم تطبيقه عمليا،
اندرى كورتس : سياسيا  توجد لتلك الضمانات أوليات  كثيرة و بالأمكان تطويرها . ان ما يجلب نظري حول هذا الموضوع هو الموديل التي تستخدم حاليا في نيدرلند(هولندا)، اذ ان 37% من السكان الكادحين يؤدون العمل لنصف أو أقل ليوم عمل (4 ـ 2 ساعة في اليوم)، حيث ان ثلث هذه النسبة تعمل في الاسبوع أقل من 13 ساعة، ورغم ذلك فالجميع لهم الحق في الحصول على الحد الادنى من لائحة عقود العمل. ان جميع أشكال أعمال الاوقات القصيرة، سواء كانت فردية أو جماعية قابل للمعاملة حولها، ولكنهم محميين قانونيا ومعترف بهم ولايسمح بأية عواقب تتسبب في تميزهم (...) . فاليوم لايدفع عمالقة الشركات الاحتكارات، مثل سيمنز ؛ BMW ؛ دايملر بينز الضرائب ، لابل انهم يحولون أرباحهم الى مكان مستنفسا من الضرائب، ويحصلون أيضا على الارباح من خلال المضاربات المالية بنسبة يتجاوز حتى أرباحهم من بيع منتجاتهم. ان الدول لاحول و لاقوة لهم في وجه المكاسدة وكازينو الرأسمالية .


الجريدة : كيف يمكن بالامكان التغلب على الرأسمالية، اذا اخرج الفرد بالكامل من عملية الاستغلال الرأسمالي، سواء كان من خلال البطالة، او اشكال الاكتفاء الذاتية؟ ان حلم الناس بالحصول على عمل مأجور بشكل ثابت متأصلة الجذور .

أندرى كورتس : أود قلب حجتهم : كيف يمكن التغلب على الرأسمالية، اذا كان الناس يحلمون بالعمل المأجور الثابث؟ ان العمل المأجور تشترط دائما وجود(( صاحب العمل))الذي له السلطة على وسائل العمل ويقسم ويوزع العمل ويدفع الاجور(...). في الحقيقة ان الرأسمالية تخلق بنفسها شروط التغلب عليها من خلال التقليل المستمر و السريع  للعمل المأجور . انه وبهذه التوجه تقلل ليس فقط شراء منتجاته، بل ايضا مصدر فائض القيمة الاستغلال الرأسمالي. ان الراسمالية تصبح اكثر تعرضا للأزمات وعملية تنظيمها اكثر سؤا، ولكنه يقوم بأخفاء ضعفها من خلال تقديمها التصور، وكان الحصول على فرصة عمل ليوم كامل هو الشكل المثالي و على الجميع صرف الجهود من أجل الحصول على تلك الفرصة المثالية ويجب على الانسان أستجداء((العمل)) حتى وان كان عملا قذرا، وعلى البشر ان يتصوروا، انه ليس بالامكان العيش بشكل اخر غير العيش بالعمل المأجور. كما و يدعون ان العاطلين عن العمل هم المسؤولين عن بطالتهم، لانهم كثيري الطلبات(...)
اننا لانعيش في مرحلة((أزمة))، بل في عصر التحول في تشكيل مايسمى ب ( الاقتصاد غير المادي ) ، فيه لايلعب القوانين الاقتصادية القديمة أي دور، اذ ان الاعمال المهنية لا تلعب بعد الان الدور الاساسي في الحياة الشخصية و الاجتماعية .

الجريدة : انك تقصد بمعنى اخر، مجيئ دور تلك العمليات التي تسميه المخرج(Exodus)من العمل المأجور و النظام الرأسمالي ؟

اندرى كورتس: ان عمليات الايكسودوس تحدث . القسم الاوسع من الشباب يتهربون من أملاءات القيم الرأسمالية كالنقود، السلطة والوصولية و المنافسة ـ . يجب علينا تحرير أنفسنا روحيا من الافكار الثابتة .  

الجريدة : من يقوم بالمقاومة وضد من ؟

أندرى كورتس: ان العدو الرئيسي هو الرأس المال المالي المتعولم. لقد تمكن مايسمى ب(( الاسواق المالية))، أي الرأسمال المالي حتى الان من النجاح في اخضاع الدول القومية لسلطته بأوسع معانيه، وذلك بالاعتماد على مايسمى بقوانين السوق. فيوميا يتم تبادل مايقارب1400 مليارد دولار في الاسواق المالية، حيث ان4%من هذا الرقم يناسب حسابات السلع وظروف الخدمات المبذولة، وبقية النسبة تستعمل فقط للمضاربات المالية . ان سلطة الاسواق المالية أعلى من السلطات السياسية الاجتماعية للدولة، وتقوم بتبديل التشريعات القانونية بقوانين السوق التي لا يمكن تحميل أحد المسؤولية بصددها، كما ولايمكن توجيه اتهام لأحد امام القانون  للنتائج التي تحدث بسبب قوانين السوق .

أجرى المقابلة في باريس  : توماس شافروث عن جريدة ( فوخن تسايتونغ ) السويسرية / زيورخ ،العدد 5 في 29/1/1998 ، صفحة 17ـ18  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش : 1/  الفوردية : نسبة الى طريقة الانتاج و تنظيم العمل الخ... في صناعة سيارات فورد الامريكية التي سادت فيما بعد في جميع فروع شركات الانتاج في العالم ، كما وان فورد أسم مكتشف الطريقة  .
           2/ التايلورية : نسبة الىالمهندس فردريك وينسلوف ـ امريكي ـ قام بتطوير منهج لعقلنة العمل ، من خلال أبحاث حول مجريات الحركة عند كل عامل ، اذ انه يمكن بواسطة أستخدام هذه المنهج  أستبعاد كل حركة فائضة عن الحاجة أثناء العمل و كذلك معرفة اوقات الاستراحة غير المسموحة به.
          3/ لم اقم بترجمة جميع أجزاء المقابلة
سلام عبدالله ابراهيم ـ المانيا ـ  1/2/1998