نقص حنان


محمد مزيد
الحوار المتمدن - العدد: 6569 - 2020 / 5 / 20 - 10:10
المحور: الادب والفن     

قصة قصيرة
لا تستطيع زوجتي أن تكتشف كم أنا بحاجة الى الحنان ، عندي نقص هائل بالحنان منذ الطفولة ، وقالوا لي عندما تتزوج سيفيض عليك الحنان . صدقت هذه الكذبة وبمرور الأيام والسنوات ، أكتشفت ، أن فراقي الأبدي عن حبيبتي أيام دراستي في المعهد كان السبب الرئيسي لكل مشاكلي الحنانية . ستتصورون إنني بمجرد أن أنهزمت في أول علاقة حب فقدت أواصره الحنان ، وستظنون إنني بقيت أعيش فراغ الحياة ويأكلني الندم كلما تقدمت السنوات بعمري الى الشيخوخة ، والحقيقة إنني استمرأت حياتي كوني أصبحت بليدا ورتيبا ازاء متطلبات الحياة الزوجية ، يقولون إن هذه المتطلبات من عناصر تكامل الحياة . ولابد هنا أن اوضح لكم أن هزيمتي في ذلك الحب الذي أشرت إليه جعلني أعشق الحياة بجنون ، صحيح إنها ليست حياة مثالية إذ غلب عليها الكثير من الانفجارات ولكنها كانت من صنيعي . مثلا تعلقت بإمرأة جميلة ، أردت تعويض خسارة ذلك الحب وجرت بيننا معجزة الحب، وصرت أسير هائما برائحة العشق ، أضع سيجارتي بطرف فمي وأنا اترنح هائما بجمال تلك المرأة ، تطفح من وجنتي الدماء . عندما أتحدث أمع صدقاء ومعارف ، أهمس لهم بطريقة أكاد من خلالها لا أسمعهم صوتي ، ليس أفتعالا ، بل هي الحقيقة ، أشعر كأن هرمونات الادرنيالين التي تفرز في مكان من جسمي تزيد من ضربات قلبي لتنسيني وطأة الحياة وسخافتها . المرأة التي أحببتها بدون علم زوجتي طبعا ، بدأت تجرجر نفسها وأخذت تحب بعقلها ، تعرفون أن اية امرأة حين تحب بعقلها سيفضي تلك الحب الى الهاوية ، وهكذا انفطر عقد المحبة بيننا وبدأ يقلقني مرة آخرى فقداني للحنان . في هذه الأيام ، بدأت أستسلم كثيرا الى ألم الفراق ، أتمدد بالصالة كأي أبله أنظر الى السقف وأحاول إيجاد مخرجا لبواعث الحزن الذي أخذ يجتاحني بدون موافقتي .. حتى طرق باب الشقة ذات يوم . لا أحد في الشقة سواي ، زوجتي ذهبت الى سوق الأثنين قبل دقائق ولن تعود قبل ساعتين ومعها صغيرتي ذات الثماني سنوات . فتحت الباب ، فوجئت بفتاة في العشرين وجهها وتسريحتها تشبه نيكول كيدمان في فيلم عيون مفتوحة باتساع ، شفتاها منفرجتان عن أبتسامة لا تكشف عن أسنانها ، شفتان مصبوغتان بالأحمر المثير " أين خالتي عمو " أنسطلت ، دوخة كونية لفت برأسي ، لا أعرف كيف أجيب ، صوتها ليس مثل كل الأصوات ، بحة عجيبة خرجت من هاتين الشفتين ، قلبي هرب من بين أضلاعي وأنا أقول لها " تفضلي ، ستأتي بعد قليل " .. جلست على الأريكة بتنورتها الطويلة المزهرة بورود صفر وحمر وسود ، تضع على رأسها ربطة وردية تتلاءم مع لون ثوبها المنسرح على الفخذين . كانت تنظر في أنحاء الصالة وتراقبني من طرف عينيها العسليتين . لا أعرف كيف أبدد الصمت الذي خيم علينا ، كل الكلمات طارت من عقلي ، ثم تجرأت وسألتها عن إسمها وحياتها كيف تمضي أوقاتها ، فقالت عبارة واحدة صدمتني بشكل فاجع " هذه أسئلة شخصية عمو " ، قلبي الذي طار قبل قليل ، عاد نادما الى قفصه ، أكتشفت هي إنني أتحدث معها بانفعال وتوتر ، وفي الحقيقة ليس من عادتي أن أفقد توازني ، ذهبت الى المطبخ، أعددت لها عصير الخوخ فوضعته أمامها . في إثناء غيابي عنها في المطبخ واجهت نفسي بهذا السؤال " ما الذي أريده منها ؟" فأجاب عقلي " إنك لا تريد منها إي شيء سوى الحنان " قالت " كيف عرفت إنني أحب عصير الخوخ " لم أجبها ، شعرت أن إي تماه من عندي سيأخذني الى الندم ولذلك يجب علي توخي الحذر في عدم الإنبطاح الى الآخر . أقتربت مني ، لصقت فخذها بفخذي ، فأشتعل أبو ابليس برأسي ، قالت " ماذا تريد الآن ؟ " بخوف ولهفة وطفولة قلت لها " أريد حنان .. عندي نقص أزلي بالحنان " ضحكت بانطلاق ، ضحكت بصوت تصورته موسيقى لفاجنر ثم ألتفت الي ، قربت وجهها من وجهي ، لثمتني بقبلة . أغمضت عيني وأنا مستسلم الى العسل في شفتيها ، دارت بي الارض والسماء . ثم أبتعدت عني ، وقالت " والان هل شعرت بالحنان ؟" . في تلك الاثناء دخلت زوجتي ومعها صغيرتي ، رحبت بالضيفة ثم ألتفت إلي " هل ضيفت هذه الصغيرة البنبونة ؟ " قلت أجمل ضيافة . ثم قالت الفتاة الى زوجتي " خالة عمو يحتاج الى الحنان ".. فقالت زوجتي العزيزة " ادري لو يبيعوه لاشتريته له ". فقالت الفتاة " أنا اعرف اين يبيعوه سآخذه غدا الى السوق وأشتري له كمية منه ، فماذا تقولين ؟ قالت زوجتي ببراءة " بكيفك " .