ما الذي يجعلنا نخاف من العلاج النفسي في مجتمعاتنا ؟


عدوية السوالمة
الحوار المتمدن - العدد: 5371 - 2016 / 12 / 14 - 18:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

برغم التطور الكبير الذي شهده علم النفس في العالم الغربي على المستويين التنظيري والتطبيقي وسعة انتشار , مازلنا نتحدث عنه في مجتمعاتنا كوصمة تطال المنتفعين من الخدمات النفسية .حتى في الاوساط الأكثر ثقافة نراهم يؤيدون شفهيا هذا النوع من العلاجات دون القدرة على تخطي حاجز عدم القبول الاجتماعي . فما زال مقترح هذا النوع من العلاجات يعتبر في اطار التراشق بالتهم والقدح والزم . فاستخدام تعبير عليك بالعلاج أو الارشاد النفسي يستخدم كاشارة لعدم أهلية الفرد العقلية .
لا أعلم بالضبط أين التقصير الحاصل ليبقى علم النفس حبيس الاعتقادات الشاذة حوله . على الاقل أستطيع أن أتحدث عن بعض الأسباب التي يمكنها أن تكون أحد أسباب هذا الانذواء .
لو بحثنا في نوع التحصيل العلمي للعاملين في هذا المجال في القطاعين الخاص والعام سنجد أن الأغلبية تحمل مؤهل علمي ينتمي لفروع وتخصصات لا علاقة لها بعلم النفس مثل علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية وغير ذلك من التخصصات . وهو ما من شأنه أن يجعلنا نتحصل على أداء ضعيف في هذا الميدان وبالتالي انخفاض مصداقية مؤدي هذه الخدمة مما يعني عدم ترك الأثر المطلوب المفروض أنه معزز لفاعلية الخدمة ورفع الطلب عليها .
من جانب آخر يمكننا أن نتحدث عن عدم كفاية خريجي هذا الاختصاص لنراهم في زاوية نظرية لا تتجاوز الثقافة النفسية مرفودة بأطر نظرية ينقصها التحديث والادماج في الممارسة والتي من المفروض أن تكون على أيدي خبراء لهم باع بالعمل التطبيقي والتنظيري أيضا .
بالمحصلة طالما أننا لا نقدم ما يقنع الجمهور بوجودنا وبمدى الحاجة للخدمات التي نقدمها طالما سيبقى الجمهور يعزف عن اللجوء لهذه الخدمات .الاقبال على خدمات الطب النفسي بالطبع أفضل حالا باعتبار أنها تحقق الغاية من تخفيف الاعراض الا أن مرتادي هذه الخدمة ما زالوا يتكتموا على الانتفاع بها.
المواطن العربي بالعموم يعتقد كثيرا بالجانب العوري في شخصيته فيندفع نحو المواربة في الحديث وفي السلوك وحتى في التفكير .لابد من ملاحظة أهمية الجانب الكبتي في تنشئه أطفالنا مؤكدين على العيب والحرام في نواهينا دون التطرق للشرح وهو ما من شأنه أن يرفع من قيمة الغموض في التحريم ويدفع نحو ردود أفعال أوتوماتيكية دفاعية تجعلنا نخشى الولوج لفتح صندوق الكوابت فينا . ومن حيث لا ندري نؤهل أنفسنا للاصابات النفسية بفعل عدم التناغم بين مايجب أن يناقش وبين مواجهة الاحساس بالخزي لما نود اخراجه فنفضل اراحة أنفسنا من ضرر استعادة ما نعتقد بضرورة موته الغير ممكنة .
يجب أن نعتقد في الأساس بموضوعية فكرة البشرية وما يلازمها من قناعات نسبية الاتفاق . يبدو أننا حتى هذه الحقائق البدهية لا نتقن التفكير بها, وهو ما يجعلنا عالقين بين جواز الوقوع في الخطأ كبشريين وبين عدم جواز الوقوع في الخطأ ربما كملائكة مفترضين .
عدم التفريق يؤجج فكرة المعاناة الشديدة من السماح بالاطلاع على تجاربنا لذا تبقى صيغة العمل النفسي فعل تأجيجي للمعاناة الغير جائزة بنظر من يملكون ردود فعل عدوانية تجاه هذا النوع من المعالجات .
والصورة كذلك علينا أن نفترض ضرورة الوصول لمرحلة الانعتاق الفكري التي شعر بها البشري في الغرب ليتقبل فكرة الخطأ دون الوقوع في هيمنة تأجيج المعاناة . وهي مرحلة مهدت لها الحركات الفكرية المتلاحقة والرافدة للأشكال التربوية المصاحبة لتطورها . علينا أن ننتظر المزيد من الحقب لتحدث تغيير في النمط الفكري المهترئ يمهد لثورة تربوية لدينا .