في ضوء نتائج مؤتمر باريس حول المناخ


ثامر الصفار
الحوار المتمدن - العدد: 5223 - 2016 / 7 / 14 - 21:49
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

بعد اسبوعين من المداولات والنقاشات خرج ممثلو 196 دولة، المشاركة في مؤتمر باريس حول المناخ (كانون الاول/ ديسمبر 2015)، ليعلنوا توصلهم الى اتفاق تاريخي وصفه الرئيس الامريكي باراك اوباما بانه " نقطة تحول كبيرة في العالم" وبانه " افضل فرصة لانقاذ الكوكب الذي يضمنا جميعا".
النقطة الاساسية في هذه الاتفاقية هي الاجماع على عدم ارتفاع حرارة كوكب الارض اكثر من درجتين مئوية عن مستواها في المرحلة ما قبل الصناعية (بدء انتشار الصناعة الرأسمالية). تمثل هذه الدرجتين الحد الاقصى لارتفاع حرارة الكوكب ويشكل تجاوزها انتهاكا للخط الاحمر حيث تبدء الارض بمواجهة كوارث لا يمكن التصدي لها كأرتفاع مستوى مياه المحيطات وانقراض لانواع مختلفة من النباتات والحيوانات.

ولضمان عدم تجاوز هذا الخط الاحمر اتفقت جميع الدول المشاركة على التقليل من استخدام الوقود الاحفوري الذي يولد غازات الاحتباس الحراري مثل الميثان وثاني اوكسيد الكاربون باسرع وقت ممكن. واتفقوا ايضا على ان يكون عام 2050 عام تتساوى فيه كمية الغازات المنبعثة من استخدامات البشر مع كمية ما يمكن ان تمتصه الغابات والمحيطات.
الا ان الاتفاق لا يلزم الدول بمستوى معين لانبعاث غاز ثاني اوكسيد الكاربون، حيث اعطى المجال لكل دولة بتحديد ما يناسبها من عملية التقليص من خلال وضع خطط خاصة بها لتحقيق ذلك. كما وافقت الحكومات على مراجعة خططها كل اربعة سنوات للتأكد من ضمان وصولها الى اهدافها الموضوعة وايجاد السبل لزيادة كمية التقليص قدر الامكان.
كما ان الاتفاق لا يفرض اية عقوبات على البلدان التي تخفق في تحقيق اهدافها، وابقى الامل في ان تبذل الدول اقصى ما في استطاعتها. وبرغم ان الاتفاق فرض على الدول المتطورة عملية انهاء انبعاث الغازات الضارة الا انه استخدم تعبير " نشجع" عندما يتعلق الامر بالدول النامية.


الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من الدول الغنية اتفقت على تقديم مبلغ 100 مليار دولار سنويا لغاية عام 2020 الى الدول الفقيرة لمساعدتها في قيام صناعة وتكنولوجيا قليلة الانبعاث للغازات الضارة.
وبرغم الاتفاق العام على العقد الجديد الا ان الامر يظل بحاجة الى مصادقة كل دولة عليه وسيصبح نافذ المفعول بعد مصادقة 55 دولة من الدول التي تنتج جميعها ما يقارب 55% من غازات الاحتباس الحراري.

ويعتقد جميع الخبراء ان المصادقة على الاتفاقية ليس بمعضلة خصوصا مع عدم وجود عقوبات في حال عدم التنفيذ. اضافة الى ان الدولتين الاكثر تلويثا للبيئة وهما الولايات المتحدة الاميركية ونسبة تلويثها 14% والصين ونسبة تلويثها 24% قد اعلنت عن خططها لقطع عملية انبعاث الغازات بنسب كبيرة. ولابد من الاشارة الى ان الاتفاق الثنائي بينهما في تشرين الثاني / نوفمبر 2014 هو الذي شجع بقية الدول على حضور مؤتمر باريس والاعلان عن خطط مشابهة.
في ضوء ما تقدم من خلاصة للاتفاقية لابد ان نضع بعض الملاحظات التي من شأنها ان توضح الصورة وهي:
1- ان هذه الاتفاقية لم تنقذ العالم بل اقصى ما يمكن القول عنها انها انقذت الفرصة لانقاذ العالم، فنحن نعرف جيدا ان مؤتمر المناخ الاخير الذي انعقد في كوبنهاكن عام 2009 قد انتهى بفشل ذريع.
2- برغم ما رافق المؤتمر من تغطية اعلامية واسعة جعلت من حل مشكلة التغير المناخي وكانها المشكلة الوحيدة التي تواجه كوكبنا فان الحقيقة هي خلاف ذلك. فالتغير المناخي هو واحد من تسعة محددات بيئية (خطوط حمراء) تجعل من عالمنا سائرا باتجاه الانهيار والزوال في حال تجاوزها.
3- في السنوات الاخيرة تشكلت لجنة من خيرة علماء البيئة في العالم يرأسها العالم السويدي يوهان روكستروم، وتضم في عضويتها عالم كيمياء الغلاف الجوي والحائز على جائزة نوبل بول كروتزن، وعالم المناخ الاميركي البارز جيمس هانسن. وقد تمكنت اللجنة من وضع تحليل مفصل لتسعة محددات بيئية (خطوط حمراء) يمكن للبشرية ان تعيش بامان على هذا الكوكب في حال عدم تجاوزها. وهي التغير المناخي، حامضية المحيطات، اختفاء طبقة الاوزون، دورتي حياة النايتروجين والفسفور، الاستهلاك العالمي لمياه الشرب، التغيير الحاصل في استخدام الاراضي، فقدان التنوع البايولوجي، تلوث الهواء، والتلوث الكيميائي.
4- ليس ثمة اجراءات فيزيائية لقياس المحديين الاخيرين ( تلوث الهواء والتلوث الكيميائي) حيث لم يتم التوصل الى طرق دقيقة لتحقيق ذلك عالميا. اما السبعة الاخرى فهناك حدودا واضحة ودقيقة.
5- ثلاثة من هذه المحددات ( الخطوط الحمر) ونعني التغير المناخي، حامضية المحيطات، واختفاء طبقة الاوزون، يمكن اعتبارها نقاط انقلاب حيث يؤدي تجاوزها الى حدوث تغيرات نوعية في نظام الارض تهدد استقرار الكوكب وتحوله الى كوكبا غير صالح للعيش. اما الاربعة الاخرى فيمكن اعتبارها مؤشرات لعدم امكانية اصلاح الانهيار البيئي في حال تجاوزها.
6- البيانات العلمية المتوفرة عالميا تؤكد باننا تجاوزنا ثلاثة من هذه الخطوط الحمراء وهي التغير المناخي، دورة حياة النايتروجين، وفقدان التنوع البايولوجي.
7- اختفاء طبقة الاوزون التي احتلت الصدارة خلال التسعينات من القرن الماضي اصبحت الان في حالة مستقرة بحيث يمكن اعتبارها مشكلة ثانوية.
8- اما ما يتعلق بحامضية المحيطات، دورة حياة الفسفور، الاستهلاك العالمي لمياه الشرب، والتغيير في استخدام الاراضي فنحن ما زلنا تحت الخط الاحمر لكل منهم، الا اننا قريبون منه كثيرا.
9- بلغة الارقام يمكن التنبيه الى ان لكل محدد بيئي قيمة ما قبل الانتاج الصناعي الرأسمالي، وقيمة مقترحة من قبل اللجنة والقيمة الحالية.
10- في حالة التغير المناخي فان قيمة ماقبل الانتاج الصناعي كانت 280 جزء بالمليون، اي نسبة تركيز ثاني اوكسيد الكاربون في الجو. القيمة المقترحة هي 350 جزء بالمليون (اذا تم تجاوزها سنشهد ارتفاعا حادا في مستوى مياه المحيطات يؤدي الى اغراق مساحات شاسعة)، قيمتها حاليا 390 جزء بالمليون.(تجاوز)
11- اما فقدان التنوع البايولوجي فهو يقاس بنسبة الانقراض ( عدد الانواع التي تنقرض لكل مليون نوع خلال سنة واحدة)، وكانت النسبة السنوية لما قبل الانتاج الصناعي تبلغ 0.1-1 بالمليون، النسبة المقترحة هي 10 بالمليون، اما نسبتها الحالية فهي اكثر من 100 بالمليون. (تجاوز) وهذا يعني ان استمرارنا بنفس الوتيرة سنخسر ثلث النباتات والحيوانات خلال القرن الحالي.
12- المحدد البيئي لدورة حياة النايتروجين يعنى بكمية النايتروجين التي يتم ازالتها من الغلاف الجوي للاستهلاك البشري مقاسة بملايين الاطنان خلال السنة الواحدة. كانت النسبة قبل الصناعة هي صفر ، النسبة المقترحة لتفادي حدوث انحطاط في نظام الارض هي 35 مليون طن سنويا، نسبتها الحالية 121 مليون طن سنويا.(تجاوز) وهذا يعني ان ضخ كميات اكبر من النايتروجين الى البيئة المحيطة بنا سيولد مناطق ميتة في البحيرات والمحيطات.
ان ما تقدم يوفر لنا وضوحا في معرفة حجم المخاطر التي تهددنا، اي ان التركيز على محدد واحد، كالتغير المناخي، لن يكفي لحماية البيئة والمطلوب هو التركيز على جميع هذه المحددات وغيرها مما سيستجد مستقبلا.