هؤلاء البناؤون العظام


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


فى أربعينيات القرن الماضى أصدرت دار الهلال كتاباً بعنوان «رجال المال والأعمال»، لعله الأول الذى عرّفنا على مجال الأعمال، وعرفنا منه كيف أسس روكفلر شركة استاندرد أويل باعتبارها الشركة القياسية فى عالم البترول، فوحّد عينات البترول وحجم البرميل، وكل ما يتعلق بالصناعة، وقرأنا عن كارنيجى ملك الحديد والصلب، وتعلمنا كيف يعمل أكبر سمسار فى العالم (بيير بونت مورجن).

وسرد سيرة الرأسماليين الأمريكيين حتى أصبحنا نعتقد أن الرأسمالية هى سر نجاح الولايات المتحدة، لأنها تجمع ما بين الحرية ووازع الربح وعالم الأعمال الذى قُدم فى كتاب آخر غير المال والأعمال.

وعرفنا على سبيل المثال قصة فورد وإديسون الرجلين اللذين أحدثا ثورة فى المجتمع الحديث، فقد استطاع فورد أن يحسن من عربته البدائية حتى أصبحت آية فى جمال المظهر وقوة المخبر.

أما إديسون فهو الذى اكتشف الكهرباء والسينما ومكن الملايين من الناس من الاستمتاع بروائع الفن، كما أوجد مئات الحرف التابعة لهذه الصناعة، مثل محطات البنزين وورش الكهرباء وورش الميكانيكا وغير ذلك مما يكوّن السيارة الحديثة، وكان من أثر هذين البناءين العظيمين أن اتسع المجتمع الحديث وتمددت مدنه، كما أن الكهرباء أحالت الظلام نوراً بحيث يمكن ممارسة الأعمال طوال ٢٤ ساعة، وأوجد إديسون مثل فورد عشرات الحرف التى تعمل فى مجالات السينما والتليفزيون والكهرباء وصورها المختلفة، وقبل هذا الفونوجرام مما أدى إلى ثراء المجتمع وقوته واعتماده على علوم العصر.

فلو أننا نظرنا إلى تاريخ هذين الرجلين وأثر اكتشافاتهما لقلنا بلا مراء إنهما من أكبر أسباب تقدم المجتمع الحديث، وقد أثبتت التجربة أن النظام الرأسمالى هو الأفضل فى عالم الاقتصاد والإنتاج لأنه يقوم على وازع الربح وعلى حرية العمل، هذه الحرية التى تكشف الأخطاء أولاً بأول وتقضى عليها قبل أن يستفحل أمرها، صحيح أن الرأسمالية فيها عيوب أكثرها الطمع الأشعبى فى الأرباح، والعمل على تخفيض الأجور، ولكن أمكن إصلاح هذه العيوب عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، كما أن حرية العمل مكنت النقابات فى أمريكا من أن تكبح جماح الرأسمالية دون تدخل خارجى، وتكون النتيجة أنه بقدر ما يوجد من رجال الأعمال بقدر ما تكون فرص تقدم المجتمع.

أسوق هذه المقدمة الطويلة بمناسبة ما حدث لرجل الأعمال المصرى د. أحمد بهجت إثر خلافه مع بنكين (البنك الأهلى وبنك مصر)،على قروض أخذها واستغلها فى عمل يكاد يكون معجزة، إذ عمد إلى صحراء فغرس فيها الأشجار والزهور وبنى المساكن والمصانع التى يعمل فيها آلاف العمال، وأقام الفنادق والفيلات التى تسد حاجة مدينته، وقدر د. أحمد بهجت قيمة الأصول التى يتملكها بأحد عشر مليار جنيه، وكان الدين ثلاثة مليارات، بمعنى أنه كان بإمكان البنكين أن يتصرفا بحكمة مع د. بهجت، وبهذا يستعيدان ديونهما، ويبقى للرجل فضل كبير، ولكنهما آثرا أن يعملا كما عملت الحكومة مع شركات توظيف الأموال.. ومع طلعت حرب عندما أرغمته الحكومة على الاستقالة من منصبه.

وبالإضافة إلى هذا كله فإن د. بهجت، وهو مهندس قدير، دخل عالم الصناعة من باب تطوير وتحديث الصناعة المصرية باستقدام خبراء أجانب يقومون بتدريب المهندسين المصريين الشبان.

وجاء فى جريدة «الأهرام» إعلان على نصف صفحة يعلن تفاصيل هذه المأساة، وطبقاً لما جاء فيه فإن البنكين استوليا على:

كامل أرض ومبانى ومكونات ومرافق وخدمات ومنافع فندق «هيلتون دريم لاند».

كامل أرض ومبانى ومكونات ومرافق وخدمات ومنافع فندق «شيراتون دريم».

كامل أرض ومبانى مشروع الميجا ماركت ومشروع «بهجت ستورز» و«سينما دريم لاند والمسطحات التجارية الملحقة بها».

كامل مسطح وعقارات ومكونات وخدمات ومرافق وبحيرات مدينة دريم لاند وملاهى «دريم بارك».

قطع أراض تبلغ مسطحاتها ما يزيد على ثلاثة ملايين متر مربع وتفصيلاتها لدى إدارة الشركة المصرية لإدارة الأصول العقارية والاستثمار.

ولا يعلم كثيرون أن الدكتور بهجت رجل متدين وأن أول اكتشافاته منبه ينقل الأذان فى الصلوات الخمس، كما يحدد موقع القبلة فى أى مكان فى العالم، فشتان ما بين رجل يعمل هذا، ورجل يعمل ملهى ليلياً أو حانة ليفسد الشباب.

لقد كنت كلما قيل لى عن شخص ما (إنه أخذ فلوسا)، كنت أسألهم فيما أنفقها؟ فإذا كان قد أنفقها فى إقامة المصانع وتنشيط الاقتصاد، فهذا أفضل من أن تظل الفلوس فى يد المالك العاطل.

إن مهمة هؤلاء فى الحياة تثبيط الهمم، ومحاولة القضاء على كل صاحب همة وعمل، وفكر حر مستنير يعمل لصالح مصر وشبابها وعمالها، والإسلام والمسلمين، رجل يُعْلى من شأن العمل والصناعة، بل الثقافة، فقد ظهرت قناة دريم بين القنوات الفضائية كنجم لامع مضىء فى ليل حالك السواد فى هذا الوقت الذى كثرت فيه برامج الخرافة والخزعبلات ونشر الفكر المتخلف.

إننا لنأمل ألا تنال هذه الصدمات كلها من د. أحمد بهجت، وأنه سيتوصل بطريقة ما إلى استئناف نشاطه المشروع، خاصة فى محطة دريم التى فتحها أمام المفكرين جميعاً، فساعد على تكوين رأى عام رشيد.

والشدائد هى التى تظهر الرجال.

كان لابد أن تتدخل الحكومة فى هذه القضية، لأنه لا يجوز معاملة وطنى مثقف مثل الدكتور بهجت كرجال النهب والسلب وخداع البنوك، وحتى لو فرض أن الدكتور بهجت ارتكب خطأ فى عرض قضيته بصورة حقيقية، فإن الخطأ ليس مستبعداً من كل واحد، فالكمال لله وحده، وقد تحدث القرآن عن «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».