تأملات / أسئلة الخروج من المأزق


رضا الظاهر
الحوار المتمدن - العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 19:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



في نفقها المظلم ما تزال البلاد، وفي طريقها المسدود، حيث تتعاظم المآسي فتسهم في مزيد من تعمق المأزق. أما الأزمة السياسية المستعصية الحالية فمعروفة الأسباب، وأولها استمرار نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي ابتكره "المحررون" واستعذبه المتنفذون. وأما تجلياتها فواضحة للقاصي والداني في سائر الميادين.
وإذا كانت مواقف القوى السياسية المتنفذة مما يسمى باصلاح العملية السياسية مختلفة ومتباينة فانها، وهي المنتفعة من إدامة الأزمة، تلتقي، في الجوهر، عند منعطف ضمان المصالح والامتيازات واللجوء الى المساومات ومنهجية شراء السكوت المتبادل.
وبوسعنا أن نرى أن البعض يتحدث عن انتقال من حكومة "مشاركة" ثبت فشلها الى حكومة أغلبية تعني انتقال قوى سياسية متنفذة مشاركة في الحكم الى مواقع معارضة طوعاً أو عبر حسم الصراع، الدائر الآن، لصالح طرف معين.
ويلوح بعض آخر بالسعي الى إجراء انتخابات مبكرة، وهو موقف القائمة العراقية وحتى بعض ضمن التحالف الكردستاني في حال فشل الوعود التي تضمنها اتفاق أربيل أو تلبية المطالب الخاصة وأهمها موضوع النفط والمادة 140 والمناطق المتنازع عليها.
وهناك من يتحدث عن إعادة بناء الدولة، فيطرح، على نحو مبهم، موضوع العودة الى نقطة الصفر ومراجعة الأسس التي قامت عليها العملية السياسية بقصد إصلاح الخلل.
وفي السياق ذاته نسمع، أيضاً، الصوت الذي يتعالى أكثر فأكثر وبنبرات مختلفة داعياً الى مراجعة الدستور الذي صيغ بعجالة وعرض في استفتاء عام 2005، ولم يجر تعديله حسب الاتفاق والتوافق السياسي.
ومما له دلالة أن رئيس الوزراء، وهو رئيس أكبر تحالف حاكم، وصف الدستور بأنه مليء بالألغام مما يشكل اعترافاً صريحاً بأن هذا الدستور أسس للمحاصصة.
وفي كل هذه المواقف لا يصعب تلمس الدوافع ونزعة التسييس والمنطلقات الضيقة لمن يقف وراء هذه الدعوات، على الرغم من إعطائها مظهر الحرص الشديد على مصالح البلاد، والقلق من مآل العملية السياسية اذا ما سارت الأمور كما هي عليه الآن، بل وحتى من احتمال إشعال فتنة طائفية جديدة تؤدي الى تمزيق وحدة البلاد.
وتقودنا هذه اللوحة المعقدة من المواقف والمنطلقات المتناقضة الى استنتاجين بالغي الأهمية، أولهما يتمثل في أن هذه الكتل المتنفذة تقر بوجود أزمة سياسية خانقة لم تجد نفعاً معها كل المساومات والصفقات التي أبرمت تحت شعار "المشاركة" و"التوازن الوطني" الذي هو غطاء لنهج المحاصصة. وبالتالي فانها تبحث، بصورة يائسة ومحمومة، عن مخرج للأزمة التي تسببت، هي ذاتها، في إدخال البلاد في دوامتها، وعواقبها المأساوية التي نشهدها كل يوم على سائر الصعد الأمنية والسياسية والمعيشية وسواها.
أما الاستنتاج الثاني والأهم فيتمثل في أن هذه القوى المتنفذة، المسؤولة عن الأزمة الحالية الخانقة وتداعياتها، عبر تكريس نهج المحاصصة على مدى السنوات الثمان الماضية وإعادة تقاسم السلطة والنفوذ والمال، عاجزة كلياً عن إيجاد حلول جذرية تضمن مصالح الشعب وتحافظ على وحدته الوطنية المهددة بمخاطر جسيمة.
وكل ما تفعله هذه القوى، حتى الآن، كما تجلى بشكل صارخ في النتائج البائسة لما يسمى بلقاءات القيادات السياسية، هو البحث عن حلول ترقيعية و"إصلاحات" لا تمس جوهر الأزمة.
ومن الأهمية بمكان رؤية أن عملية إعادة بناء الدولة، التي ماتزال قيد التشكل ولم ينته الصراع حول طبيعتها، تهدد بتثبيت نهج المحاصصة الطائفية والاثنية أساساً لبناء كل مؤسسات الدولة. وتكمن الخطورة في أن استمرار هذا النهج يمكن أن يصل بالوضع الى نقطة اللاعودة، أي ترسخ أسس وأركان النظام السياسي الطائفي وتكريسه دستورياً.
ومثل هذا الوضع الخطير يطرح سؤالاً ملحاً ومشروعاً حول سبيل الخروج من هذه الحلقة المفرغة والقوى المؤهلة للشروع بعملية التغيير.
ومن الطبيعي أنه لا يمكن تصور أي تغيير جذري من دون تغيير في تناسب القوى السياسي والاجتماعي. وهذا، بدوره، يستدعي استنهاض القوى الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في التغيير، وهي القوى الحية في المجتمع، متمثلة بفئات الشبيبة المتطلعة الى مستقبل أفضل، والنساء الطامحات الى التحرر من أغلال العبودية، والمثقفين التواقين الى الحرية.
ومن نافل القول إن الحركة الاحتجاجية، التي عبرت، وإن بشكل جنيني ولكن ذي دلالات عميقة، عن مطامح تلك القوى الاجتماعية، لا يمكن اختزالها، كما يخيّل للبعض من المتنفذين وأعوانهم، الى مجرد تحركات معزولة لأنفار في ساحات معدودة سرعان ما يسهل احتواؤها بعد تبديد طاقاتها في شعارات ومطالب محدودة لا تمس جوهر النظام المأزوم والمرتعب من التغيير.
* * *
السبيل الوحيد لاخراج البلاد من أزمتها العميقة هو استثمار السخط المتعاظم وخوض الكفاح في الشوارع، وإذكاء نيران الحركة الاحتجاجية السلمية، وتوسيعها وتحويلها الى حركة شعبية واعية ذات منظور ستراتيجي وأفق بعيد المدى للتغيير الجذري المنشود.
نحن اليوم أمام أسئلة حارقة ينتظر ملايين المحرومين منا إجابات شافية عليها كي نسهم في إشاعة الثقة بأن أصواتاً عادلة قادرة على إنهاء المأساة ..
نمضي معاً براياتنا وينابيعنا الى تلك الضفاف .. الى العراق الذي نريد، بلاداً للنور والأمل والمسرات ..